Site icon Orthodox Online Network

The Bible: a verbal icon

سَبَق أن عالجنا موضوع العلاقة بين الحدث (fact) والحقيقة (truth) في القصص الكتابية عن يسوع. وقد حاولت أن أظهر أن السؤال “هل حدث الأمر بهذه الطريقة فعلاً؟” ينشأ من سوء فهم يخلط بين الحدث والحقيقة، فيما يغفل عن أنّ كلّ ما يُذكَر كحدث قد تمّت تصفيته عبر خبرة الراوي وفهمه. لهذا السبب، ما نتسلّمه كحدث يتلوّن دائماً ويتكيّف بالتفسير: بتفسيرنا نحن، عندما يتعلّق الأمر بخبرتنا الشخصية، أو بخبرة الشخص الذي ينقل المعلومة إلينا.

في ما يختصّ بروايات الحَبَل بيسوع وميلاده، علينا أن نعرف أنّها تمثّل تركيباً من الحقيقة التاريخية – أي ما نسميه حدثاً – والمعنى الفائق الذي تعجز الكلمات البشرية عن التعبير عنه إلاّ من خلال الصور والتشابيه. تقدّم أمثال يسوع مثالاً ممتازاً. إنّها قصص مبنية على خبرة مشتركة يعرفها السامع على أنّها حدث: سلطة الملك أو رب المنزل، اهتمام الراعي بقطيعه، وغيرها. يأخذ يسوع هذه الحقائق المعروفة ويستعملها كصور، أي كأيقونات كلامية، للتعبير عن معنى يخاطب خبرة مستمعيه المباشرة. إذ يتكهّن المستمعون، ولاحقاً قرّاء الكتاب المقدس، على أساس خبراتهم الشخصية، يرون بسهولة صورة الله كسيّد وقاضٍ في الملك أو الحاكم، كما يرون في الدورة الزراعية إشارة إلى حضور الله وعمله في الخليقة، وفي حكّام الشعوب إنذاراً عن الدينونة ودعوة إلى الشفقة، وفي الراعي شهادة لاهتمام المسيح بأن “يطلب الضائع ويخلّصه”.

لم يقصد يسوع أبداً أن تؤخَذ الأمثال كأحداث بمعنى أنّها تسرد أحداثاً جرت بالفعل. إنّها رسوم، صور كلامية، تتخطى ذاتها مشيرة إلى حقيقة أكثر عمقاً. لهذا السبب، إنها “أكثر من حدث”. مع أن أساسها هو حقائق يومية مألوفة، فإنها ترفع المستمع إلى مستوى أعلى، إلى منزلة من الحقيقة المطلقة تتعلّق بعلاقتنا مع الله الأبدي. بهذا المعنى، قصة الخلق، فعلياً الإصحاحات الأحد عشر الأولى من كتاب التكوين، يمكن أن نعتبرها من الأمثال. إذا سألنا “هل حدثت بهذه الطريقة؟” الجواب هو نعم ولا. نعم، بقدر ما تؤكّد رواية الخلق أنّ الله هو الكاتب الوحيد لكل ما هو موجود، وأن كل شيء أتى “من العدم إلى الوجود” بإرادته وبقدرته، وبأنّ ما خلقه ويستمر في خلقه هو بالجوهر “حسن”. لكن لا، بقدر ما هو معروف اليوم، ومبرهَن علمياً إذا شئتم، بأن الكون ليس مؤلفاً من طبقات ثلاث حيث “الماء فوق قبة السماء”، وأن أيام الخليقة لا يمكن فهمها حرفياً على أنها فترات من أربع وعشرين ساعة.

لكي نعبّر بعبارات أكثر تقنية، هناك وجه “خرافي mythological” لكل قصة إنجيلية، بما فيها رواية الميلاد. لكن لقول ذلك، نحتاج لأن نكون واضحين جداً حول معنى الخرافة. الخرافة ليست أسطورة ولا هي قصة مختَرَعة. ولا ينبغي أن ندمج بين الخرافة والحكاية الرمزية ذات المعنى الأخلاقي. بالمعنى الدقيق للكلمة، الخرافة هي رواية تخدم التعبير، بلغة وصور بشرية، عن حقائق تتخطى ما نعتبره تاريخياً صرفاً. بعض الحقائق، كالعواطف والطموحات، أفضل اللغات للتعبير عنها هي اللغة الشعرية. الوقائع المتعالية، أي الحقائق عن الحياة الداخلية والعمل الظاهر لله مثلاً، أفضل تعبير عنها يكون بلغة الخرافة.

إذا بدا هذا الكلام ملتبساً، فالأرجح أنه بسبب ميلنا إلى إساءة إدراك مفهوم “التاريخ” أو “الحقيقة التاريخية”. مضلِّلين بثنائية فكرية، نخلق ازدواجية غير ملائمة بين الوقتي والأبدي، على غرار ما نفعل دائماً بين الحقيقة والحدث. نحن نعتبر أنّهما يتضمنان مجالات مختلفة من الحقيقة، بينما هما يندمجان ببعضهما دائماً. لقد وُجِد الكون كنتيجة للبيغ بانغ، لكن سبب العجز عن الإجابة على السؤال “ما الذي حدث قبل ذلك؟” هو أن الزمن نفسه لم يوجَد، بينما الخالق كان موجوداً، وفي لحظة زمنية محددة حرّك ما نعرفه بالحقيقة المادية والتاريخية. إذاً، لا يمكننا أن نفهم الوجه التاريخي أو “الواقعي” للخلق، من دون الإشارة إلى الخالق المتعالي (مع أن كثيرين حاولوا…).

Similarly, Jesus’ presence in people’s lives and experiences took place in the past as the result of certain historically determined events, that is, he was born, crucified and buried in specific places and times. But at the same time, this birth and this death are transmitted with greater significance, because they are vehicles of divine intervention in historical reality. He who was born of the Virgin Mary is a human being but he is the eternal Son of the Father, and it is he whose death and then his resurrection mark the decisive passage to eternal life. Here we find the culmination of the fusion of time and eternity, of historical event and transcendent reality.

Since God is present and active in every event of human history as well as in all our personal and intimate experiences, we must correct every false dualism between time and eternity, between event and truth. All time is permeated by eternity, just as every event has the capacity to communicate some aspect of absolute truth. Yet eternity transcends time just as truth transcends simple event. Language attempts to express this inner relationship, and it is most effective in the form of myth: a narrative in human words that expresses in its own way the essentially inexpressible mystery of divine-human interaction.

لهذا السبب نحن نؤكّد أنّ رواية الخلق في سفر التكوين هي رواية حقيقية، مع أن كل عناصر القصة ليست “واقعية”. وهذا يشرح سبب أنّ كل روايات ميلاد المسيح وموته وقيامته وتمجيده صحيحة، مع أنّه يستحيل تأكيد صحّة كل التفاصيل بما يقنع المشككين الذين قد يتواجدون. حقيقة هذه الروايات، في أي حال، لا تخلو من الموضوعية، إذ يمكن إدراكها فقط بعيني الإيمان. توما رأى وآمن، على غرار ما فعل الرسل الباقون مع كثيرين غيرهم (1كورنثوس 3:15-8). ما رأوه كان حقيقة: حقيقة تاريخية بقدر ما شاهدوا السيد في الجسد، وحقيقة متعالية بقدر ما تجلّى ذلك الجسد إلى جسد القيامة.

الأمر الذي غالباً ما نغفل عنه هو أنّ مّا نسمّيه حدثاً أو زمناً أو حقيقة تاريخية يكون دوماً ممتلئاً بالحضور والمعنى الأبديين. إن عبارة “الأخروية المحققة” ليست مجرّد اصطلاح لاهوتي. إنّها أيضاً أيقونة كلامية تسعى إلى التعبير عن حقيقة لا توصَف. إنها تعني أن العالم ذاته، بحسب كلمات جيرار مانلي هوبكينز المشهورة “مشبَع بعظمة الله”. الروايات الكتابية، سواء صنفنّاها كواقعية أو تاريخية أو تعليمية أو خرافية، هي أيقونات كلامية تهدف إلى القبض على هذه العظمة وجعلها مفهومة بشكل اللغة البشرية وتقديمها لنا كشهادة محيية لما هو صحيح بالمطلق وبكل تأكيد.

Father John Brake
Translated into Arabic by Father Antoine Melki
Quoted from the Orthodox Heritage Bulletin

Exit mobile version