“And we know that all things work together for good to those who love God” (Romans 8:28).
1 يبدو لي أنه يتكلم في هذا الجزء، عن أولئك الذين يتعرضون للمخاطر، وليس هذا فقط، لكنه يُشير أيضاً إلى الأمور التي قيلت قبل هذه. لأن القول بأن ” آلام الزمان الحاضر لا تقاس بالمجد العتيد أن يُستعلن فينا” وأن ” كل الخليقة تئن ” وقوله: “بالرجاء خلصنا ” و” نتوقعه بالصبر” و” لسنا نعلم ما نصلي لأجله” [1] . All these sayings were said to those who are exposed to dangers. He teaches them not to pay more attention to the things that they believe will bring benefit, but rather they should prefer to them the things that are according to the Spirit. Especially since many of the things that seem beneficial to them often cause great loss. So it is clear that comfort, freedom from dangers, and a life in safety are what these people seek.
والمدهش لهؤلاء ما اتضح، من أن الأمان هو ليس في طلب الراحة بالطريقة التي يتصورونها وهذا ما حدث للمطوب بولس نفسه لقد عرف فيما بعد، أن الأمور النافعة هي في تتميم مشيئة الله، وإذ عرف هذا فقد امتثل لهذه المشيئة. وهو الذي تضرع إلى الله ثلاث مرات أن يُخلّصه من الآلام، لكن حين سمع الله يقول: ” تكفيك نعمتي لأن قوتي في الضعف تكمل” [2] . فإنه كان يُسر عندما يُطرد ويُشتم ويعاني من آلام لا تُشفى “لذلك أسر بالضعفات والشتائم والضرورات والإضطهادات “ [3] . ولهذا قال “لسنا نعلم ما نصلي لأجله”، ونصح الجميع بأن يسمحوا للروح القدس أن يُتمم فيهم مشيئة الله. خاصةً وأن الروح القدس يعتني بنا جداً.
إذاً بعدما أعدَّهم بكل الطرق، أضاف ما قاله لكي يدفعهم إلى أن يكون لهم فكر مستقيم. لأنه ” نحن نعلم أن كل الأشياء تعمل معاً للخير للذين يحبون الله “. لكن عندما يقول “كل” فهو يقصد تلك التي تبدو مؤلمة. لأنه سواء كانت ضيق، أم فقر، أم سجن، أم جوع، أم موت، أم أي شيء آخر يحل بنا، فإن الله قادر أن يحول كل هذا إلى العكس. لأن هذه هي قوته التي لا توصف، أي أن يجعل ما كان يبدو ثقيلاً، يصير خفيفاً لأجلنا، ويحوله لتثبيتنا. ولهذا تحديداً لم يقل إن الذين يحبون الله لا يأتي عليهم شيء من الأشياء، بل إنها “تعمل معاً للخير” بمعنى إنه يستخدم هذه الأمور السيئة لمسرة من تُكاد لهم الدسائس، وهذا ما يعد أعظم بكثير من أن يمنع الشرور من أن تأتي، أو أن يمحوها عندما تحدث. هذا ما صنعه في أتون بابل (مع الفتية الثلاثة). لأنه لم يمنع إلقاءهم في الأتون، ولا أطفأ اللهب عندما ألقوا هؤلاء القديسين، بل تركهم يشاهدون المعجزة التي صنعها معهم في هذا الأتون.
وقد صنع معجزات مماثلة مع كل الرسل. فإن كان في مقدور أولئك الذين يسلكون بحكمة، أن يحولوا طبيعة الأمور إلى ما هو عكسها، لكنهم فضّلوا أن يعيشوا في فقر وبهذا صاروا أكثر غنى من الأغنياء، وأكثر بهاءً منهم، رغم أنهم لا ينالوا تقديراً مناسباً، هكذا سيصنع الله مع أولئك الذين يحبونه، ليس مثل هذا فقط، بل وأكثر جداً من هذا. إذاً الأمر يحتاج فقط إلى محبة حقيقية لله، وكل الأمور الأخرى ستتحقق. فتلك الأمور التي تبدو أنها ضارة لهؤلاء، هي في الحقيقة نافعة لهم، أما بالنسبة لأولئك الذين لا يحبون الله، فإن الأمور التي تبدو نافعة لهم، ستكون ضارة. إذاً فقد سبَّب ظهور المعجزات وأيضاً فلسفة التعليم واستقامة العقيدة، ضرراً بالنسبة لليهود، فإنهم بسبب هذه المعجزات زعموا أن الرب يصنعها بقوة الشيطان، بينما كان ينبغي أن يحدث العكس بسبب هذه المعجزات، ولأجل هذه المعجزات شرعوا في أن يقتلوه. أما اللص الذي صُلب معه، والذي سُمر، وأُهين، وعانى شروراً كثيرة، فإنه لم يخسر مُطلقاً، بل بالحرى ربح الكثير جداً.
أرأيت كيف أن كل الأشياء تعمل معاً للخير للذين يحبون الله؟ إذاً بعدما تكلم عن هذا النعيم الوافر، الذي يفوق الطبيعة الإنسانية بكثير، والذي يبدو للكثيرين أن تحقيقه أمر مستحيل، فإنه أكد عليه بقوله: ” الذين هم مدعون حسب قصده “. إذاً انتبه للدعوة التي قيلت. لماذا لم يدعُ الجميع من البداية، ولا حتى بولس نفسه لم يدعه مع الآخرين مباشرةً؟ ربما يبدو لك أن هذا التأجيل كان غير نافع؟ كلاّ لقد أظهر العكس، من جهة الأمور ذاتها، إن التأجيل كان مفيداً. إن الله لا يريد أن يهب كل شيء في الدعوة، لأنه لو حدث هذا، لكان اليونانيون واليهود قد اختلفوا. إذاً لو كانت الدعوة وحدها كافية، فلأي سبب لم يخلص الجميع؟ ولهذا يشرح الرسول بولس أن الأمر لا يتعلق بالدعوة فقط، بل أن إرادة أولئك المدعوين كان لها دور في الخلاص. لأن الدعوة لم تكن إجبارية ولا قهرية. فالمؤكد أن الجميع دُعوا، لكن ليس الجميع أطاعوا.
2 “For those whom he foreknew he predestined to be conformed to the image of his Son...” (Romans 8:29).
أرأيت مقدار الكرامة؟ فإن هؤلاء قد صاروا أبناء بالنعمة بواسطة ذاك الذي هو بالطبيعة الابن وحيد الجنس. ولهذا لم يكتفِ بقوله “مشابهين”، لكنه أضاف ” ليكون هو بكراً “. ولم يتوقف هنا أيضاً، لكنه أضاف إلى هذا ” بين اخوة كثيرين “، لأنه أراد بكل هذا أن يظهر بوضوح مدى القرابة. كل هذا يجب أن تعتبر أنه قيل بحسب التدبير. فلأنه إله فهو وحيد الجنس. أرأيت مقدار ما وهبنا إياه؟ إذاً يجب ألا تتشكك من جهة خيرات الدهر الآتي. لأنه في موضع آخر قد بيّن عناية الله، إذ يقول إن هذه الأمور قد سبق وقررها الله هكذا. فالبشر يشكّلون آرائهم من خلال الواقع المنظور، أما الله فقد قرر هذه الأمور منذ القديم، ومن البداية كانت هذه هي إرادته من جهتنا.
“And those whom he predestined, these he also called; and those whom he called, these he also justified” (Romans 8:30).
هذا حدث بمعمودية التجديد “والذين برّرهم فهؤلاء مجدهم أيضاً”. وهذا حدث بالنعمة والتبني.
“What shall we say to this man?” (Romans 8:31).
It was as if he said, “Don’t talk to me anymore about the dangers and machinations that come from everyone.” Although some people doubt the matters of the coming age, they cannot say anything regarding the good things that have already been achieved without discussion, that is, in that God granted you righteousness and glory from the beginning out of His great love for you. Because in truth He gave it to you, through things that seem sad to you. What you think is a sign of shame, that is, the cross, the lashes, and the chains, has itself become a cause of benefit for the entire inhabited earth. Just as it happened with the Passion of Christ, although it seemed bleak, He transformed it to give our nature freedom and salvation, so He used to do with the things you suffer, using your suffering for your glory and happiness.
” إن كان الله معنا فمن علينا “. وهل هناك من هو ليس ضدنا؟ لأن المسكونة هي ضدنا، والطغاة، والشعوب، والأقارب والساكنون معنا في وطن واحد. لكن هؤلاء الذين هم ضدنا بهذا القدر الكبير، هم أبعد من أن يؤذونا لأنهم دون أن يقصدوا صاروا هم سبباً لتتويجنا ولخيرات لا تُحصى، طالما أن حكمة الله، تُحوّل هذه المكائد لتصير لخلاصنا ومجدنا. أرأيت كيف أنه لا يوجد أحد ضدنا؟ لأن أيوب أيضاً قد جعل كل ما هو ضده يصير مجداً، أي من حيث إن الشيطان كان قد تسلَّح ضده. خاصة عندما حرّض ضده الأصدقاء، والزوجة، والعبيد، وأصيب بجروح، ومصائب أخرى لا تعد. ولكن لا شيء على الإطلاق سبّب له ضرراً. وهذا كله لم يكن شيئاً جسيماً بالنسبة له، على الرغم من أنه كان جسيماً في حد ذاته بصورة كبيرة، إلاّ أن أيوب كان أعظم، لأن كل شيء انتهي إلى منفعته. فالله كان في جانبه، وما كان يبدو ضداً له تحول إلى فائدته. وهذا حدث في حالة الرسل. خاصة وأن اليهود والأمم والمعلمين الكذبة، والقادة، والجموع، والمجاعات والفقر، وأمور أخرى عديدة كان من الممكن أن تؤثر على مسيرتهم، لكن لم يتغلب عليهم أي شيء. لأن هذه الآلام هي التي جعلتهم مُشرقين، ومُمجدين، وعظماء أمام الله والناس.
إذاً فكَّر في الكلام الذي قاله الرسول بولس للمؤمنين، الذين هم بالحقيقة مُطوبين، الأمر الذي لا يملكه حتى الذي يرتدي التاج. لأنه بالنسبة لبولس، كان الكثيرون ضده من بربر، ومُسلحين، وأعداء يهاجمونه، وحراس متسلطين وقساة عليه، وكان كثيرون من المواطنين يثورون ضده باستمرار، وأمور أخرى لا تُعد، لكن المؤمن الذي يتبع بدقة مشيئة الله، لا يستطيع إنسان، ولا شيطان، ولا أي شيء آخر، أن يُثيره أو يقلقه. لأنه إن نزعتَ عنه الأموال، فإنك تقدم له أجراً، ولو أسأت إليه عن طريق شائعات مشينة، تجعله أكثر بهاءً أمام الله، ولو ألقيته في مجاعة سيكون مُمجداً بالأكثر وسيكون تعويضه أكثر. ولو سلّمته إلى الموت وهو الأمر الذي يُعد أكثر فزعاً من كل شيء فقد اخترت له إكليل الشهادة.
إذاً ماذا يمكن أن يُعادل هذه الحياة، عندما لا يوجد شيء يمكن أن يُسبب لنا ضرراً، بل إن هؤلاء الذين يُعدون لنا المكائد، هم في الحقيقة يحققون لنا منفعة؟ لا تتكلم عن ما يصنعه معنا الذين يقدمون لنا إحساناً، ولهذا قال: ” إن كان الله معنا فمن علينا “.
3 ثم بعد ذلك لم يكتفِ بكل ما قيل، بالإشارة إلى برهان المحبة العظيمة لنا، الأمر الذي يُكرره فيما بعد، هذا أيضاً يشير إليه هنا، أي يُشير إلى تقديم الابن ذبيحة. لأنه ليس فقط قد برّرنا ومجّدنا وجعلنا مشابهين صورة ابنه، بل أنه لم يشفق على ابنه، وهذا من أجلنا. ولهذا أضاف قائلاً:
“Who did not spare his own Son but gave him up for us all, how will he not also with him freely give us all things?” (Romans 8:32).
وهنا يستخدم الكلمات بروعة وحماس شديدين، لكي يظهر محبة الله. كيف إذاً يتركنا الله نحن المحبوبين لديه، وهو الذي لأجلنا لم يُشفق حتى على ابنه، بل سلَّمه إلى الموت لأجلنا؟ تأمل مقدار الصلاح الإلهي الذي يظهر في عدم الإشفاق على ابنه، بل ويُسلّمه للموت، ويُسلّمه لأجلنا، نحن الوضعاء، والجاحدين، والأعداء، والمجدفين. “كيف لا يهبنا أيضاً معه كل شيء”؟ ما يقوله يعني الآتي: إن كان قد وهبنا ابنه، وليس فقط قد وهبنا إياه، بل وسلّمه للذبح، إذاً لماذا تشك في الأمور الأخرى، طالما أنك قد أخذت السيد؟ لماذا تتشكك أو تتحير من جهة ممتلكاته، طالما أن لديك السيد الرب نفسه؟ ذاك الذي أعطى أعظم ما عنده لأعدائه، ألا يعطي الأشياء الأقل لأصدقائه؟
“Who will bring charges against God’s chosen ones?” (Romans 8:33).
هنا الكلام موّجه إلى أولئك الذين يقولون إن الإيمان لا يُفيد مطلقاً، وإلى أولئك الذين يتشككون في حقيقة التبرير. ولاحظ كيف أنه ألجمهم سريعاً عند هذا المقام الذي اختاره لهم. ولم يقل من سيشتكي على عبيد الله، ولا على مؤمني الله، لكن ” على مختاري الله ” لأن الإختيار هو دليل الفضيلة. إذاً لو أن أحد رياضي الفروسية إختار الخيول المناسبة للطريق فلن يستطع أحد أن يشتكي عليه، فإن إشتكى عليه أحد يصبح مثاراً للسخرية، بالأكثر جداً عندما يختار الله النفوس، فإن أولئك الذين يشتكون عليهم، هم مثاراً للسخرية.
“It is God who justifies. Who is he who judges? (Romans 8:34)
لم يقل إن الله يغفر الخطايا، بل قال ما هو أكبر بكثير جداً، أن ” الله هو الذي يُبرر “. لأنه حين يعلن القاضي براءة أحد، وبالأخص مثل هذا القاضي، فأية مصداقية تكون للشاكي؟ وبناء عليه، فليس من الصواب أن نخاف من التجارب، لأن الله هو الذي يقف معنا، وهذا قد أوضحه من خلال كل ما فعله، ولا أن نتردد أمام الهذيان اليهودي، لأن من المؤكد أن الله قد إختارنا وقد برّرنا، والأكثر دهشة، أنه برّرنا بذبح ابنه.
إذاً من سيحاكمنا، في الوقت الذي فيه توّجنا الله، وذُبح المسيح لأجلنا، ولم يُذبح فقط، بل أيضاً يشفع فينا؟ المسيح هو الذي مات بل بالحري قام أيضاً، وهو أيضاً عن يمين الله حيث يشفع فينا، لأنه عاد إلى مقامه، لم تتوقف رعايته لنا، ولا يزال يحتفظ لنا بنفس المحبة. لأنه لم يكتفِ بالذبح فقط، بل أنه يقدم نموذجاً أعظم للمحبة، أي أنه لا يصنع فقط ما يريده هو، بل أنه يتشفع لنا من أجل هذا الأمر. لأن هذا فقط ما أراد أن يُعلنه، بعبارة أن يتشفع، متحدثاً بطريقة أكثر إنسانية وتسامحاً، لكي يبين محبته. إذ أن عبارة “لم يشفق”، إن لم نفهمها بهذا المعنى، فسيلحق بعدم الفهم معاني غير ملائمة. ولكي تعرف أن هذا هو ما أراد أن يبيّنه، بعدما قال أولاً إنه “عن يمين الله”، أضاف أنه “يشفع فينا”، حين أظهر المساواة في الكرامة، حتى أنه بعبارة “يشفع فينا”، يتضح أن ذلك لا يُعد دليل نقصان أو تقليل، بقدر ما هو دليل محبة فقط.
لأن ذاك الذي هو الحياة في ذاته، ومصدر كل الخيرات، ومُعطي الحياة، وكل الأمور الأخرى، كيف هو في احتياج أن يشفع لنا، ولصالحنا؟ إنه يشفع بسلطانه، إذ بينما نحن يائسون ومحكوم علينا، خلّصنا من هذا الحكم، وبرَّرنا، وجعلنا أبناء، وقادنا إلى أعلى درجات الكرامة، وحقق لنا كل ما لم نكن نتوقعه أبداً، وطالما أنه حقق كل هذا، ورفع الطبيعة الإنسانية إلى العرش الملوكي، هل سيحتاج أن يتوسل، حتى يجعل أمورنا على ما يرام؟ أرأيت كيف أنه يتضح لنا من كل الإتجاهات أن عبارة “أن يشفع”، لم يقلها لأي شيء آخر إلاّ لكي يُظهر محبته الشديدة والغنية لنا؟ بالإضافة إلى ذلك فمن الواضح أن الآب يطلب من البشر أن يتصالحوا معه. ” إذ نسعى كسفراء عن المسيح كأن الله يعظ بنا “ [4] . But even though God asks, and that some people are ambassadors for Christ, we do not mean here anything that is not worthy of that dignity, but rather only one thing that we gain from everything that has been said, which is great love. So this is what we should do here in this life. So if the Spirit intercedes for us with groanings that cannot be uttered, and that Christ died and interceded for us, and that the Father did not spare his Son because of us, and chose you and justified you, then why do you still fear? Why are you terrified as long as you enjoy this great love and this great care?!
Therefore, after he demonstrated God’s extraordinary providence, he adds the following words with all boldness, and did not say that you are forced and should love him in this way (as he loved you), but rather as one who became in God, as is clear from his explanation of this indescribable providence, when he says:
“Who will separate us from the love of Christ? As it is written, ‘For your sake we died all day long’” (Romans 836:35).
أما أنه لم يقل “محبة الله”: هذا أمر لا يعنيه أن يدعوه المسيح أو أن يدعوه الله. ” أشدة أم ضيق أم اضطهاد أم جوع أم عري أم خطر أم سيف”. انتبه إلى حكمة المطوب بولس. لأنه لم يذكر تلك الأمور التي في حياتنا اليومية والتي صِرنا لها عبيداً، أي محبة المال، وشهوة المجد، والغضب، بل أنه ذكر تلك التي هي أكثر ألماً بكثير من هذه الأمور، والتي هي قادرة أن تُخضع الطبيعة نفسها، ومرات كثيرة تُشتت الذهن، وبدون إرادتنا، وهذا ما يُشير إليه، بالضيقات أي الآلام. لأنه على الرغم من أن ما قيل هو قليل، إلاّ أن كل كلمة هي مكثفة إذ تحمل مجموعة لا تُحصى من التجارب. لأنه عندما يقول “ضيقة” فهو يقصد سجوناً، وقيوداً، وتشهيراً ونفياً، وكل المتاعب الأخرى، مُشيراً بكلمة واحدة، إلى كل الآلام الإنسانية بشكل عام. لكنه يحتقر كل هذه الآلام. ولهذا فهو يعرضها بصيغة سؤال، كما لو كانت أمراً لا اعتراض عليه، لأنه لا يوجد شيء يمكن أن يفصل ذاك، الذي تمتع بمحبة كبيرة وعناية كبيرة عن محبة المسيح.
4 بعد ذلك، ولكي لا يُعتقَد أن هذه الأمور هي دليل على تخلي الله عنا، يضيف إلى ما قاله كلمات النبي الذي يصرخ بهذه الأمور من سنوات طويلة قائلاً: “من أجلك نُمات اليوم كله. قد حسبنا مثل غنم للذبح” [5] . أي أننا مستعدون أن نُعاني من أجل الجميع. ولكنه أعطى لنا في الأخطار الكثيرة والكبيرة، وهذه الآلام الجديدة عزاءً كافياً، من خلال الجهاد، أو من الأفضل أن نقول ليس فقط عزاءً كافياً، بل وأكثر من ذلك بكثير. لأنه يقول إننا لا نعاني هذه الأمور من أجل البشر، أو من أجل أي شيء آخر، بل لأجل ملك الجميع. وهو لم يُتوج هؤلاء بهذا التاج فقط، بل بتاج آخر متعدد الأشكال وكثير التنوع. لأنه لم يكن ممكناً أن يحتملوا ميتات كثيرة طالما أنهم بشر، وهذا يُظهر كيف أن المكافأت لم تصبح أقل أو أصغر على الاطلاق. لأنه وإن كان نظراً لطبيعتنا قد وضع لنا أن تموت مرة واحدة فقط، فإن الله وضع فينا لو أردنا أن نعاني هذا الموت كل يوم.
وبناءاً على ذلك يتضح أنه حين نُمات، سننال أكاليلاً كثيرة، بقدر الأيام التي سنحياها، أو من الأفضل القول، إنها أكثر بكثير، لأنه من الممكن أن نُمات في يوم واحد مرة، ومرتين، ومرات عديدة. إذاً مَنْ هو مستعد على الدوام لهذا، سيأخذ دوماً الأجر كاملاً. هذا من المؤكد ما قصده النبي بقوله: “اليوم كله”. ولهذا فإن الرسول بولس قد أشار إليه، لكي يؤكد على ذلك بالأكثر. لأنه إن كان الذين عاشوا في العهد القديم قد نالوا كمكافأة عن أتعابهم، الأمور المادية الأخرى التي تزول مع الحياة الحاضرة، إلاّ أنهم قد احتقروا هذه الحياة جداً، واحتملوا التجارب والأخطار، فأي غفران سنناله نحن الذين نعتبر أمور هذه الحياة تافهة أو زهيدة بالمقارنة بالسماء والملكوت وما في السماء والخيرات المدخرة، ونحن لم نصل إلى مستوى الذين عاشوا في العهد القديم، ولا حتى بالنسبة لهذا المقياس، والتدبير الذي شكّلوا عليه حياتهم. وهو لم يذكر ذلك تاركاً إياه لضمير المستمعين، واكتفى فقط بالشهادة. وأظهر أن أجسادهم أيضاً تصير ذبيحة، وأنه لا ينبغي أن يقلقوا، ولا أن يضطربوا طالما أن الله قد دبَّر الأمور على هذا النحو. لكنه يعظهم بطريقة أخرى. ولكي لا يقول أحد، إنه فقط يُفلسف هذه الأمور دون أن يختبرها، أضاف: ” قد حسبنا مثل غنم للذبح “، مُشيراً إلى ميتات الرسل اليومية. أرأيت مقدار النُبل والرأفة؟ لأنه كما أن الخراف لا تقاوم عندما تُقاد للذبح، هكذا نحن أيضاً.
But because weakness is considered a characteristic of the human soul, and despite all these frightening experiences, see how he once again stresses the listener, and makes him feel elevated and proud, saying:
“But in all these things we are more than conquerors through him who loved us” (Romans 8:37).
الأمر الأكثر دهشة إذاً، هو أننا لم ننتصر فحسب، بل أننا انتصرنا أيضاً مع وجود مكائد أو دسائس ضدنا. وليس فقط انتصرنا بل “ويعظم انتصارنا” أي بكل سهولة وبدون جهد ومتاعب. وليس بتحمل الصعاب، إذ هو يقوم بإعداد الإرادة، وهكذا في كل مكان نقيم نصباً تذكارياً للإنتصار ضد الأعداء. وهذا مبرر جداً، لأن الله هو ذاك الذي يدعمنا. إذاً لا نتشكك في أن التعذيب الذي يقع علينا يقودنا إلى الانتصار على أولئك الذين يعذبوننا وأنه عندما نُضطهد، فإننا نتغلب على مضطهدينا، وأنه عندما نموت نحوّل الأحياء ونغيّرهم. لأنه في حضور قوة الله ومحبته، لا شيء يمكن أن يعيق تحقيق الأمور العجيبة والمدهشة، ولا يوجد ما يعطل إشراق الانتصار كما سبق وأشرنا. لأننا لا ننتصر فقط، بل ننتصر بطريقة عجيبة، لكي يعلم الذين يفكرون بالشر أن الحرب لم تكن ضد بشر بل كانت ضد تلك القوة التي لا تُهزم.
لاحظ إذاً أن اليهود كانوا في مواجهة اثنين من المنتصرين، وتحيَّروا وقالوا: ” ماذا نفعل بهذين الرجلين “ [6] . الأمر الأكثر دهشة هو أنه على الرغم من أنهم كانوا يحتجزونهم، ويعتبرونهم مذنبين، وسجنوهم وضربوهم، تحيَّروا وصاروا مرتبكين، وانهزموا بهذه الأمور ذاتها، والتي توقعوا أنهم سينتصرون بها. فلا الطغاة، ولا جموع من البشر، ولا كتيبة شياطين، ولا الشيطان نفسه استطاع أن يهزم هؤلاء القديسين، بل ومع كل هذه القوة المضادة، فقد هزموا الجميع، رغم كل ما ابتدعوا من وسائل ضدهم. بل صارت كلها ضدهم. ولهذا قال: “يعظم انتصارنا”. لأن قانون هذا الانتصار كان جديداً في أن ينتصروا بالأمور المضادة، وألا يُهزموا أبداً، بل كما لو كانوا هم المتحكمون في النهاية، وهكذا يسلكون في هذه الجهادات.
5 ” فإني مُتيقن أنه لا موت ولا حياة ولا ملائكة ولا رؤساء ولا قوات ولا أمور حاضرة ولا مستقبلة ولا علو ولا عمق ولا خليقة أخرى تقدر أن تفصلنا عن محبة الله التي في المسيح يسوع ربنا ” (رو8: 38-39).
This is a great saying, but we did not know it, because we do not have all this great love. But although these are great and wonderful words, he wanted to demonstrate that there is nothing compared to love, that is, God’s love for him, and after he referred to this love, he then referred to his own love, so that it would not appear that he was saying important words about himself. What he says means the following: What need is there for me to speak about the matters of this present life and the tragedies associated with this life? Because even if one speaks further about the things of the coming age, and about truths and powers, that is, certain truths like death and life, and powers like angels and archangels, and all heavenly creation, all these things to me are small, compared to the love of Christ. Even if someone promised me endless life or threatened me with death, in order to keep me away from Christ, I would still face that threat.
Why should I refer to the kings of the earth, the nobles, and so-and-so? Even if you talked to me about angels, all the heavenly forces and all beings, and everything related to the coming age, all of this to me is a matter of little importance, everything that exists on earth, and everything that is in the heavens, and what is under the earth, and what is above the heavens, when compared. With love, he is nothing.
ثم بعد ذلك، وكما لو كان هذا لم يكفِ ليُعبّر عن شوقه، بل إن هناك أمور أخرى كثيرة أيضاً، يعتبرها مثالاً، بقوله: ” ولا خليقة أخرى “. وما يقوله هنا يعني: أنه لو وُجدت خليقة أخرى أياً كان قدرها، سوى كانت مرئية أم غير مرئية، فلا شيء يمكن أن يفصلني عن محبة المسيح هذه. وقد قال هذا، لا لأن الملائكة أو القوات الأخرى، يسعون نحو هذا (أي ينفصلوا عن المسيح)، حاشا، لقد أراد فقط أن يُظهر محبته الكبيرة للمسيح بشكل لا يمكن وصفه. لأنه لم يُحب المسيح من أجل تلك الأمور التي أظهرها المسيح، بل أنه من أجل محبته للمسيح، أحب كل ما له، والذي كان يخشاه فقط هو أن يفقد محبته له، لأن هذا بالنسبة له كان يُمثل أمراً أكثر فزعاً من جهنم، لذا فإن مسألة بقائه في هذه المحبة، كان يمثل له أمراً أكثر شوقاً ورغبة، من شوقه لنوال ملكوت السموات.
6 إذاً كيف نكون مستحقين لذلك، فإذا كان الرسول بولس لا يشتهي حتى تلك الأمور التي توجد في السموات، أمام محبته للمسيح وشوقه إليه، بينما نحن بدلاً من محبتنا للمسيح نُفضّل تلك التي توجد في القذارة والطين؟ وقد قَبِل ذاك أيضاً من أجل محبته للمسيح، أن يُلقي في جهنم ويخسر الملكوت، وإن كان من المؤكد أن هاتين الاثنتين (الحياة الحاضرة والحياة السماوية) كانتا أمامه، بينما نحن لم نحتقر ولا حتى الحياة الحاضرة، تُرى هل نستحق نحن أن نحذو حذو ذاك الرسول، أي نسلك نفس الطريق طالما أننا بعيدون جداً عن افتخاره العظيم بمحبة المسيح؟ لأن ذاك لم يعتبر ولا حتى ملكوت السموات أمراً له قيمة أمام محبة المسيح، بينما نحن نزدرى بالمسيح، على الرغم من أننا نتكلم كثيراً عنه. وياليتنا نظل نتكلم عنه، فحتى هذا لم يعد يحدث الآن، بل على الرغم من أن الملكوت أمامنا، إلاّ أننا نتركه ونُلاحق الظلال والأحلام كل يوم. ولكن لأن الله مُحب للبشر، ومتراءف جداً، صنع معنا نفس ما يفعله أب يحب ابنه، وإن كان هذا قد سبّب له ألماً لأجل الشركة المستمرة معه، وقد فلسف هذه الشركة بشكل مختلف. إذاً لأننا لا نملك تلك المحبة التي ينبغي أن تكون نحوه، قدّم لنا أموراً أخرى كثيرة، حتى يحفظنا بالقرب منه، ولكننا لم نبق قريبين رغم كل ما فعله الله معنا، لكننا عدنا إلى الأمور الطفولية.
But the Apostle Paul did not do that. Rather, as a polite, free-spirited son who loved his father, he sought only his father’s company, and did not talk much about anything else, because the honor he gave to the Father, he did not give it to the things that were His, and even when he looked to the Father, he did not care at all about these things. But he prefers to be with him only, even if he is tortured and punished, rather than spending luxurious times away from him. So let us tremble because we do not despise money, not even for the sake of Christ. Rather, we say that we do not despise money, even for our own sake. Because Saint Paul was the only one who truly suffered all the suffering for the sake of Christ, not for the sake of the kingdom, nor for his dignity, but only for the sake of his love for Christ. But we cannot be separated from the things of life, for the sake of Christ, and the things connected with Him, but rather we are drawn into the mud like serpents, snakes, pigs, or like all of these together. So are we better than those animals in any way, we who have so many amazing examples that lived for Christ, and we still look down, and cannot bear to look even a little towards the sky? And the God who gave his Son to death, the one who was sacrificed for you, do not give him even bread. God did not spare Him for your sake, and you despise Him who is a true son, even though He is starving, while you provide for yourself from His gifts.
Could there be anything worse than this violation? He was handed over to death for you, he was sacrificed for you, he went around hungry for you, and he gave you what was his, so that you yourself could benefit, and despite all this, you are not given. Who are these people who have lost their sense of being stones, who, despite the many good deeds that attract them to the love of Christ, are still in this satanic coldness or cruelty? Because He was not satisfied with His death and crucifixion only, but He accepted to become poor, a stranger, homeless, naked, imprisoned, and endure pain in order to attract you to Him, even if in this way. Because if you do not reciprocate your gratitude because I suffered something for you, give me mercy because of my poverty (i.e. mercy for those in need). And if you do not want to have mercy on me because of my need or poverty, let your feelings be moved because of my pain, and be kind to me because of my imprisonment. If all this does not make you a lover of people, accept the small request. Because I do not ask for anything of great expense, I ask for bread, shelter, and a comforting word. But if after all this you are still cruel, then at least for the sake of the Kingdom of Heaven you must be better, if only for the sake of the reward you were promised. Do you have a word to say about these matters? I wish you would at least be kind to human nature itself, because you see me naked, and remember that nakedness that occurred on the cross for your sake. And if you don't want to remember that, at least remember my nakedness in the poor. I was imprisoned for you before, and now I am imprisoned for you until you move, whether here or there, to show some mercy.
I fasted for you, and I also hunger for you. I was thirsty when I was hung on the cross, and I thirst among the poor, so that through these and those, I would draw you to Me, and make you a lover of people for your salvation. Therefore, although you are indebted to me for countless good deeds (I have given you), I do not ask you for a reward as someone who owes me, but rather I crown you as if you were giving me, and I grant you the kingdom in exchange for these small things. Because I tell you, do not give me wealth, even though I have become poor for your sake, but only meet my needs. I only ask for bread, clothing, and hunger relief. And if I have yet been thrown into prison, I do not ask that you undo the chains and take me out, but I ask one thing, that you see me chained for your sake, and then only for this, I grant you heaven. Although I have released you from very terrifying chains, even more terrifying than others, it is enough for me just for you to see me in chains, if you want. I can crown you without you seeing me like this, but I want to be your debtor. For this reason, even though I could feed myself, I wander as a beggar and stand in front of your door, extending my hand. Because I long for you to feed me, because I love you so much. That is why I desire your table, and this is the condition of those who love, and they are proud of this. When the inhabitants of the world gather (on the Day of Judgment), then I will acknowledge you as a victor, and when everyone is listening to me, I will acknowledge you for feeding me.
As for us, when someone feeds us, we are ashamed of this and hide it, but Christ has glory, because he loves us very much. Even if we remain silent, he will announce at that time what happened with great flattery and he is not ashamed to speak of it, when he was naked and we clothed him, and when he was hungry. And we fed him. So as we think about all this, we should not only stop praising, but we should put into practice those things that have been said. Because what is the benefit behind this buzzing and this inconvenience? Only one thing I want from you is to prove love by deeds, and obedience by deeds. This is the praise I offer, for this is a profit for you, and for me it is considered a dignity that is superior to the dignity of a wreath. Then weave this wreath for you and me through the poor, so that we may be nourished together with good hope, and when we depart to eternal life, we will receive the countless good things that we all expect to receive, through the grace and love of humanity that belong to our Lord Jesus Christ, who deserves glory and honor to Him with the Father and the Holy Spirit. Forever and ever, Amen.
[1] Romans 8:18, 22, 24, 25, 26.
[2] 2 Corinthians 9:12.
[3] 2 Corinthians 10:12.
[4] 2 Corinthians 5:20.
[5] Psalm 44:22.
[6] Acts 16:4.