Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
PDF
☦︎
☦︎

يصدم المسيحيّ الورع مجمل تعليم المعمدانيّين عن المعموديّة. وهذا سنبيّنه في مقالات ثلاثة. سنخصّص هذا المقال الأوّل لدحض مزاعمهم التي تشوّه سرّ المعموديّة. على رجاء أن نردّ، في مقال تابع، على رفضهم معموديّة الأطفال، وأن نوضح، في مقال ثالث، ارتباط تجديد المؤمنين بسرّ المعموديّة.

ينسب المعمدانيّون إلى العهد الجديد أنّه “يعلّم كثيراً عن الخلاص بمعزل عن المعموديّة” التي “تصوّر الخلاص رمزيّاً”، ولا “تسبّبه بحال من الأحوال” (هيرشل هوبس، عقيدة المعمدانيّين ورسالتهم، صفحة 135 و 138؛ ج. م. كارول، تاريخ الكنائس المعمدانيّة، صفحة 32). ويعتمدون لفظة “فريضة”، ليصفوا المعموديّة، ويتجنّبوا كونها سرّاً من أسرار الكنيسة. ويعتبرون أنّه لا يجوز أن يقبلها إلاّ “أولئك الذين قاموا بتسليم أنفسهم للمسيح تسليماً واعياً”، وذلك من “طريق التوبة”، و”الإيمان الشخصيّ به”. فالمعموديّة، حسب تعليم الكتب، برأيهم، “تتبع التوبة” (هيرشل هوبس، م.ن.، صفحة 133 و138 و139؛ فنلي م. جراهم، اللاهوت النظاميّ، صفحة 205؛ الموقف الكتابيّ، العدد 7؛ روبرت أ. بايكر، سير المعمدانيّين في التاريخ، صفحة 17). وإذا توقّفنا، في قراءتنا مراجعهم، عند كتاب “بايكر”، الذي ذكرناه هنا، فنرى أنّه يشوّه الحقيقة، بادّعائه أنّ المعموديّة، سرّاً، دخلت من طريق الكتّاب المسيحيّين الأوّلين الذين تأثّروا “بمحيطهم الوثنيّ وبيئتهم الفلسفيّة”، فقد “كتب يستينوس الشهيد الفيلسوف المهتدي إلى المسيحيّة، الذي عاش في منتصف القرن الثاني، أنّ المعموديّة تكمل الخلاص. وإيرناوس، أحد معاصريه المتأخّرين، قرّر أنّ المعموديّة هي الولادة الجديدة وأنّها تنتج التجديد. وبذلك نسبت إلى المعموديّة القوّة السحريّة” (صفحة 25 و33). ومع أنّهم يقرّون بأنّ المعموديّة “تصوّر موت ربّنا يسوع ودفنه وقيامته (1كورنثوس 3:15 و4)”؛ و”موت المؤمن عن الخطيئة ودفنه مع المسيح وقيامته لجدّة الحياة (رومية 6: 3- 6)”، غير أنّهم يرفضون اعتبارها الولادة الجديدة. ويصرّون على إجرائها بالتغطيس (1)، “في الكنيسة المحلّيّة” المسؤولة، وحدها، عن هذه الممارسة. ولا يقبلون معموديّة أجرتها كنيسة أخرى إلاّ بشروط، منها: أن تكون هذه الكنيسة تمارس التغطيس فحسب، وأن توافق عقيدتها عقيدة الكتاب المقدّس عن المعموديّة (فنلي م. جراهم، اللاهوت النظاميّ، صفحة 297- 300؛ ج. م. كارول، تاريخ الكنائس المعمدانيّة، صفحة 18؛ عوض سمعان، الكهنوت، صفحة 358- 367). ولكنّهم، في الواقع، يعيدون معموديّة جميع الذين ينضمّون إليهم.

تظهر المخالفات، بوفرة، في هذه المقاطع، أو الأفكار، المأخوذة من كتابات المعمدانيّين. فهم قالوا ما قالوا ليس لأنّهم يرفضون معموديّة الأطفال فحسب، بل لكونهم، أيضاً، ينكرون عمل النعمة في الأسرار. وإذا دقّقنا في قراءة تعاليمهم، يمكننا أن نلاحظ أمرين أساسيّين في شأن هذا النكران.

الأوّل أنّ اعتبار المعموديّة رمزاً يجعل خلاص الله للإنسان غير واقعيّ وتجديده وهميّاً. لن نستعرض، في هذا السياق، آيات تدحض حججهم. ما يستعملونه هم بغير معناه، هو سندنا في ردّنا. فماذا يعني أنّ المؤمن يشترك، بمعموديّته، في موت المسيح وقيامته، ويخلص رمزيّاً، أو يتجدّد رمزيّاً؟ ولا يجهل عارف أنّ لفظة “رمز” لم ترد، في العهد الجديد، وصفاً للمعموديّة ومفاعيل الأسرار جملةً. هم يقولون إنّهم يعتمدون كتبه! ولكنّهم، في الحقيقة، يسقطون عليها أفكاراً مسبقة، أو ما يحسبونه صحيحاً. وهذا لا يليق بكلمة من افتدانا بموته وقيامته، وعبّد لنا درب التجديد الحقيقيّ بقبولنا فداءه بالروح القدس الذي يقود أسرار الكنيسة، ويوحّدنا، ويحيينا بنعمه (1كورنثوس 12: 12- 14؛ أفسس 4: 4- 6).

والأمر الثاني أنّهم يعيدون معموديّة المسيحيّين الذين ينضمّون إلى صفوفهم. وهذه مناقضة صريحة للتراث المسيحيّ. فإذا كانت المعموديّة مشاركة في موت المسيح وقيامته (رومية 6: 3 و4؛ كولوسي 2: 12)، والمسيح مات مرّة وقام إلى الأبد، فكيف يقبلون أن يموت الإنسان مرّتين، مع المسيح، ويقوم مرّتين؟ أليست هذه مخالفة لما جاء في دستور الإيمان (وبمعموديّة واحدة لمغفرة الخطايا) الذي يدّعي المعمدانيّون أنّهم يعترفون بصحّة تعليمه؟ ومخالفة للسند الذي اعتمده الآباء في تدوينهم التعليم حول المعموديّة، أي لما قاله الرسول: “وهناك ربّ واحد وإيمان واحد ومعموديّة واحدة” (أفسس 4: 5). وإذا أرادوا أن يتمثّلوا بالكنيسة المقدّسة التي كانت تعيد معموديّة الهراطقة، وتمنع مؤمنيها من أن ينالوا المعموديّة عن يد المبتدعين (أنظر: المجمع المسكونيّ الأوّل، قانون 19؛ مجمع اللاذقيّة، القرن الرابع، قانون 8؛ المجمع المسكونيّ الثاني، قانون7؛ مجمع ترولّو، قانون 95؛ قوانين الرسل، قانون 47 و68…)، فشتّان ما بينهم وبينها. وأمّا إذا كانوا لا يقرّون سوى بالمعموديّة التي يجرونها، فهذا نترك تقديره للقارئ!

ثمّ من قرأ تعاليم المعمدانيّين، لا يشكّ في أنّ رفضهم مفاعيل المعموديّة ليس أساسه قراءتهم المغلوطة للكتب المقدّسة فحسب، بل إنّما أيضاً الخطايا التي تضرب بعضاً بعد نوالهم السرّ. وهذا ينبذه تراثنا الذي أبى أن يدين أحدٌ غيره. وينبذه التعليم القويم الذي رافق الأسرار المقدّسة شرحاً وتوضيحاً. فالمعروف أنّ بدعة الغنوصيّين، التي انتشرت انتشاراً واسعاً في القرن الثاني، اعتمدت هذه الحجّة عينها لانتقاد سرّ المعموديّة. وهذا ردّ عليه، في حينه، العلاّمة ترتليانوس (155- 225) الذي أجاب كانتيلاّ الغنوصيّة، التي كانت تستهزئ بالمعموديّة للسبب المذكور عينه، بقوله: “لكنّنا نحن، السمكات الصغيرة، الذين أخذنا اسمنا من يسوع المسيح، نولد في الماء، ولا نخلص إلاّ إذا بقينا فيها” (في المعموديّة، الفصل الأوّل). فأن يخطئ بعض المسيحيّين، بعد نوالهم سرّ المعموديّة، لا يسمح بانتقاد السرّ. هذا هو السحر عينه. المعمدانيّون سحرة إذا اعتقدوا أنّ المعموديّة تحفظ الإنسان، الذي نالها، من دون إرادة منه مخلِصة.

يبقى أن نوضح قولهم: إنّ الإيمان الشخصيّ بالمسيح والتوبة يأتيان قبل المعموديّة. وهذا يصحّ إذا كان طالب المعموديّة بالغاً. ففي الكنيسة الأولى كان يُسأل المزمع أن يقبل المعمودية بالغاً: ماذا تريد من الكنيسة؟ فيجيب: الإيمان. لكنّه لا يصحّ إذا كان المعتمد طفلاً. فمعموديّة الأطفال قاعدتها خلاص الله الذي وهبه، مجّاناً، للناس جميعاً، صغاراً كانوا أم كباراً. وهذا ما سنوضحه، بعون الله، في المقال التابع.


(1) بالنسبة للتغطيس، فإن الكنيسة الأرثوذكسية تمارس سر المعمودية بالتغطيس حصراً. إلا إذا كان هناك أمر يمنع إجراء التغطيس. ولكن أي كاهن يقوم بتعميد أي شخص بغير التغطيس دون أن يكون هناك موجب لهذا، فهو يخالف التقليد والقوانين الكنسية… (الشبكة)

Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
PDF
arArabic
انتقل إلى أعلى