Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
PDF
☦︎
☦︎

تذكر السيدة إلن هوايت, في كتابها: الصراع العظيم, أن مارتن لوثر (1482-1546), وهو أول دعاة الحركة البروتستانتية, قال: ” إن القداس شيء رديء والله يقاومه وينبغي إلغاؤه ” (صفحة 209). ولعلها أرادت من الرجوع إلى هذا الكلام, أن تستند على ما يساعدها في نشر انحرافها. ذلك أن هوايت -والسبتيّين جميعا –تكره القداس الإلهي كرها ً عظيماً, وهذا يظهر, بوضوح ليس مثله وضوح, بوصفها إياه ” بالذبيحة الوثنية “, وبأنه “الهرطقة الرهيبة المهينة للسماء ” ( المرجع نفسه صفحة 65و66 ).

ومن المعلوم أن السبتيّين يَدْعون إلى “ممارسة العشاء الربّاني, كما جاء في الكتاب المقدس”. وهم, لا شك, يقصدون العشاء الذي أتمه يسوع في علّية صهيون كان “رمزيا” ( المعتقدات الأساسية , 15: إيمان الأدفنتست السبتيّين, صفحة 215 و342 ), وأن الكنيسة ضمّنته حقيقة لا تقولها الكتب المقدسة, بخاصة أنها أهملت فريضة “غسل الأرجل” ( ويسموّنها ” خدمة التواضع” ) التي تشكل وعشاء الرب ” خدمة واحدة” , كما يدّعون ( إلن هوايت, مشتهى الأجيال, صفحة 618). وهم يقيمون هذا العشاء ( الرمزي) مرة كل ثلاثة شهور ( إيمان الأدفنتست السبتيّين, صفحة 349, الحاشية 19 ), ويستعملون فيه خبزاً فطيراً وخمراً غير مختمر, فالخمر محرّم عندهم, والخميرة ” رمز للخطيئة” ( من صفحة 334 و341؛ مشتهى الأجيال , صفحة 129و 622؛من همْ الأدفنتست السبتيّون؟ , صفحة 20 ).

تدل هذه الأفكار التي يعلّمها السبتيّون على أن احتفالهم ” بالعشاء الرباني” لا علاقة له بمقصد الله. سنحاول , في هذا المقال, أن نردّ على نقطتين في تعليمهم , هما 1) رمزية الخبز والخمر ؛ 2) وفريضة غسل الأرجل؛  على أن نفنّد , كما أشرنا أعلاه, مرة ثانية, سيئات تعاليمهم المتبقّية وانحرافهم عن الحق.  

  • في الحقيقة والرمز:

تؤكد العبارات التي فاه بها يسوع في علّية الطهر أن الخبز والخمر المقدّمين في الأفخارستيا هما حقيقةً جسد الربّ ودمه, إذ قال في الخبز: “هذا هو جسد(ي), وفي الخمر:” هذا هو دم(ي)”. فالرمز ( والكلمة أضافها السبتيّون على كلام التأسيس), نقضه يسوع الذي أبطل كل رمز (ظلّ) قديم بظهوره, في العالم, إلهاً متجسّداً, وأعطانا , بغلبته  أن نذوق, في هذا الدهر, الفرح الحقيقي وعربون ” الحياة الأبدية” ( راجع: يوحنا 6 ). وذلك أن القرابين المقدسة ( جسد المسيح ودمه) –وليس رمزها- التي هي تذوق للمائدة التي سيتّكئ حولها الأبرار في ” ملكوت الآب” ( متّى 8: 11و 12, 26: 29, مرقس 14: 25 ولوقا 22: 18؛ رؤيا 19: 9) – أو كما يقول المطران جورج ( خضر) في تعليقه على ( متّى 26: 29), هي ” نشوة الفرح السماوي” جريدة النهار, السبت 10 تموز 1999) –هي التي تحقّق “الكنيسة” ( 1كورنثوس 11: 18),وتقيم المؤمنين” جسدَ المسيح” (1كورنثوس 10:16-17), وهي التي  “تغفر الخطايا”, وتدين من كان ” غير أهل لها” ( 1كورنثوس 11: 27 ). ما من شك في أن السبتيّين, وكل من لا يعتبر أن الرب يعطي المشتركين في عشاء الله, كما يسمّيه ترتليانوس, أن يتذوّقوا , في هذا العالم, جسده ودمه الحقيقيّين , والقداسة ( انظر: رسالة القديس كيرلّس إلى نسطوريوس ), هو يحرّف الكتاب المقدس ويبقى أسير رمزٍ غير نافع.

  • في فريضة غسل الأرجل:

يمارس السبتيّون عادة “غسل الأرجل” قبل الاقتراب من العشاء الربّاني (…ينفصل الرجال عن النساء, فيجتمع الرجال في مكان خاص, وكذلك النساء, ويغسل الجميع أرجل بعضهم البعض, ثم يعودون إلى الاجتماع فيكسر الوعّاظ الخبز وبعد توزيعه يُقدَّم الخمر, وتنتهي الخدمة بترنيمة), وذلك بهدف التنقية. يقولون في كتابهم “إيمان الأدفنتست السبتيّين”: عند الانتهاء من خدمة الغسل يؤكد لنا إيماننا أننا أنقياء لأن خطايانا قد غُسلت” ( صفحة 337 ؛ انظر أيضا: مشتهى الأجيال, صفحة 619). وغسل الأرجل عمل قام به الرب في لقاء العلّية الأخير ( يوحنا 13: 1-16), ولسنا هنا بوارد الخوض في معانيه, والهدف الذي أراده الرب منه (على أهميّة هذا الأمر). ما يهمّنا , في هذا السياق, هو أن نؤكد أن ” فريضة غسل الأرجل “,كما رتّبها السبتيّون, تجعل المعمودية المقدسة أمراً ثانوياً, بخاصة أنهم يوهمون أنفسهم – بها- بنقاء هو مسعى الأبرار في هذه الحياة, ولا يُكشف صدقُه إلا في اليوم الأخير. واستطراداً أقول إن الذين نالوا نعمة الله, في معموديتهم, لا يحتاجون إلى نعمة أخرى قبل اقترابهم من ” المناولة المقدسة”, وذلك لأن المعمودية التي تبقى مفاعيلها أبداً, وما تفترضه من محبة وتوبة دائمين, هي وحدها تكفل الصادقين وتدفعهم دائما إلى التقدم إلى ” عشاء عرس الحَمَل” (رؤيا 19: 9).

  • في مادتي العشاء (الخبز والخمر):

يقول السبتيّون إن الرب يسوع المسيح استعمل, في عشائه الأخير, خبزاً فطيراً, وعصير العنب غير المختمِر (إيمان الأدفنتست السبتيّين, صفحة 334, 341, 348 – 350). وهذا ببساطة كلّية, يخالف الكتب المقدسة التي تكلّمت على أن يسوع استعمل, في عشاء العهد الجديد, خبزا مختمِراً (أنظر: متى 26: 26؛ مرقس 14: 22؛ لوقا 22: 19؛ يوحنا 6؛ 1كورنثوس 10: 16 و17, 11: 23, 26 – 28). وتكلّمت, تاليا, على أنه استعمل خمراً مختمِراً, وذلك أن عبارة “عصير (أو “نتاج”) الكرمة” التي لفظها الرب في العشاء الأخير, لا تعن “عصير العنب غير المختمِر”, وإنما “الخمر”. واستطراداً أقول إن الرب يسوع (الذي يعرف أن الشريعة تشترط أن يشرب الناس الخمر باعتدال وقناعة) بارك الخمر في عرس قانا الجليل (يوحنا 2: 1 – 11), واستعمله, في أمثاله, كمادة تشفي (لوقا 10: 34؛ أنظر أيضا 1 تيموثاوس 5: 23), وقد قيل فيه إنه كان يشرب الخمر (متى 11: 19). وهذا, لا شك, له معانيه, وذلك أن كل ذِكْر للخمرة (الجديد), في العهد الجديد, هو قبل كل شيء, يذكّر المؤمنين أو يقودهم إلى الإفخارستيا (كونه جزءاً من عشاء الرب).

  • في قولهم إن هذه الخدمة تقام “أربع مرات في السنة”:

الخدمة الإلهية, كما فهمها التراث الأرثوذكسي, خدمة واحدة لا تكرر، لأن حَمَل الله قدّم نفسه (ذبيحة) “مرة واحدة…إلى الأبد” (عبرانيين 7: 27 و 28, 9:11-13 و10: 11-14). يصف القديس يوحنا الذهبي الفم الخدمة الإلهية الواحدة التي تقام في غير مكان, بقوله: “هل هناك مُسَحاء كثيرون, لأن الإفخارستيا تُقام في أماكن كثيرة؟ كلا….فكما أن الذي يُقَدَّم في أماكن عديدة هو جسد واحد, وليس أجساداً متعددة, كذلك ليس إلا  الذبيحة واحدة “. ويؤكد اللاهوتي الأرثوذكسي بول إفدوكيموف هذا المعنى, بقوله: “جميع العشاءات السرية المقدسة ليست سوى عشاء سري واحد أزلي فريد, عشاء المسيح في العلية. فالفعل الإلهي ذاته وقع مرّة في فترة محدّدة من التاريخ, ويعاد إحياؤه دائما في السر المقدس”. وزيادة في توضيح معنى الخدمة الإلهية أردّد ما قاله الأب بوريس (بوبرينسكوي), وهو: أن الذبيحة الإلهية ليست “تذكاراً لذبيحة المسيح الفريدة وحسب,بل هي عبور من هذا العالم إلى العالم الآتي”. فالذبيحة سر يَستحضر الأبدية في الزمن “فتجتاحه وتتجاوزه” (دون أن تلغيه). وهذا يبيّنه الخدمة الإلهية ذاتها, وذلك أنها توضح أننا, في القداس, نتذكر (أي نقبل هنا والآن) أن ابن الله قد أتم كل تدبير الآب الخلاصي: “الصليب والقبر والقيامة ذات الثلاثة أيام والصعود إلى السماوات والمجيء الثاني الرهيب” (أنافورا القديس يوحنا الذهبي الفم), وهذا له مدلولاته في الكتب المقدسة (انظر: متى 8: 11, 26: 29, مرقس 14: 25 ولوقا 22: 11, رؤيا 19: 9). ومن النافل القول إننا قد تسلّمنا  أن نقبل عشاء الرب, كلما عُرض علينا: في كل يوم أحد (لأنه يوم القيامة), وفي أعياد الخلاصية (وهي الفصح في تعدد وجهه), وفي أعياد الشهداء والقديسين (لأنهم أظهروا استمرارية قوة القيامة وفعلها في التاريخ), وأن نقبله, كل مرة, بحب وإخلاص كاملَيْن, متذكرين أن “يسوع المسيح الذي قام من بين الأموات” (2 تيموثاوس 2: 8), هو محيينا الآن وفي كل وقت. فنحن, إذاً, لسنا أمام “عمل” تنطبق عليه مقولة العدد, ولا أمام ذكرى قديمة نعود إليها “بالفكر والتصوّر” (تقول إلن هوايت, في كتابها مشتهى الأجيال: “ونحن إذ نتناول من الخبز والخمر….فإننا بالفكر والتصور ننضم إلى مشهد العشاء في العلّية”, صفحة 629)، وإنما أمام خلاص الله الذي يتم من أجلنا “الآن وهنا”. وهذا يجعلنا نفهم ما هو معنى كلام القديس باسيليوس رئيس أساقفة قيصرية كَبَدوكية, لمّا قال: أنه وتلاميذه يتناولون القرابين الإلهية”أربع مرّات في الأسبوع, ونشعر أن هذا قليل”, فهو، من دون ريب, لم يرد أن يعدّ المرّات التي تقيم فيها كنيسته الخدمة الإلهية, وإنما أن يدل على أن حياته – وحياة كنيسته – مصدرها هذا القداس الذي يفيض منه حضور المسيح وألوهيّته.

إن انحراف السبتيّين – ومن قال أقوالهم – يشّوه الحقيقة التي يعطينا الله إياها كل ما اجتمعنا معاً,والحقيقة (جسد ابن الله ودمه الحقيقيّين) التي حاولنا أن نُظهر مضمونها, في مقالتين متتاليتين, هي التي تعتق الكنيسة من بعثرة الوجود والموت, وذلك أنها “دواء الخلود”, كما يقول القديس إغناطيوس الانطاكي (+107), وهي: تقدمة معدّة لتحفظنا من الموت وتؤمّن لنا الحياة الدائمة في المسيح” (انظر: رسالته إلى الكنيسة أفسس 20: 2).

Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
PDF
arArabic
انتقل إلى أعلى