18: 35-43 – شفاء أعمى أريحا

35 وَلَمَّا اقْتَرَبَ مِنْ أَرِيحَا كَانَ أَعْمَى جَالِساً علَى الطَّرِيقِ يَسْتَعْطِي. 36 فَلَمَّا سَمِعَ الْجَمْعَ مُجْتَازاً سَأَلَ:«مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ هذَا؟» 37 فَأَخْبَرُوهُ أَنَّ يَسُوعَ النَّاصِرِيَّ مُجْتَازٌ. 38 فَصَرَخَ قِائِلاً: «يَا يَسُوعُ ابْنَ دَاوُدَ، ارْحَمْنِي!». 39 فَانْتَهَرَهُ الْمُتَقَدِّمُونَ لِيَسْكُتَ، أَمَّا هُوَ فَصَرَخَ أَكْثَرَ كَثِيراً: «يَا ابْنَ دَاوُدَ، ارْحَمْنِي!». 40 فَوَقَفَ يَسُوعُ وَأَمَرَ أَنْ يُقَدَّمَ إِلَيْهِ. وَلَمَّا اقْتَرَبَ سَأَلَهُ 41 قِائِلاً:«مَاذَا تُرِيدُ أَنْ أَفْعَلَ بِكَ؟» فَقَالَ: «يَا سَيِّدُ، أَنْ أُبْصِرَ!». 42 فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «أَبْصِرْ. إِيمَانُكَ قَدْ شَفَاكَ». 43 وَفِي الْحَالِ أَبْصَرَ، وَتَبِعَهُ وَهُوَ يُمَجِّدُ اللهَ. وَجَمِيعُ الشَّعْبِ إِذْ رَأَوْا سَبَّحُوا اللهَ.

 

 

الشرح عن نشرة رعيتي:

كان الرب يسوع في طريقه إلى أورشليم عندما مرّ بقرية أريحا، والأرجح أن هذه القرية كانت بمثابة استراحة للمسافرين من الجليل إلى أورشليم عبر الطريق المحاذية لنهر الأردن.

هذه المعجزة هي الرابعة والأخيرة في رحلة يسوع الطويلة إلى أورشليم، كما يصفها لوقا، بعد شفاء المرأة المنحنية (13: 10-17)، والرجل المستسقي (14: 1-6)، والبرْص العشرة (17: 11-19). وكما في حادثة شفاء الرجال البرص نجد يسوع هنا يستعمل قدرته ليشفي الأعمى من شر جسدي، فيعود إليه بصره بسبب إيمانه. هذا الإيمان يعبّر عنه في اعترافه بيسوع “ابنا لداود”. يدعوه هكذا ويطلب رحمته. مناداته ليسوع صدى لمناداة البرص العشرة في لوقا 17: 13 “يا معلّم ارحمنا”. بشفائه الأعمى، يؤكد يسوع ضمناً انه ابن داود، محققاً ما سبق فقيل عنه في 4 :18 بإشارة إلى نبوءة إشعياء (61: 1): “روح الربّ عليّ لأنه مسحني لأبشّر المساكين، أرسلني لأشفي المنكسري القلوب، لأنادي للمأسورين بالإطلاق، وللعمي بالبصر، وأُرسل المنسحقين في الحرية”. بنوة يسوع لداود، أي كونه ممسوحا من الله، مسيحا، تتحقق بحسب لوقا عندما يتم كل هذا. بحادثة شفاء الأعمى وغيرها من الحوادث يظهر يسوع انه هو المسيح الذي تنبأ به داود، المسيح الذي ليس كالمسحاء الذين قبله، ملوك إسرائيل ويهوذا؛ انه المسيح الذي يأتي لأجل المساكين والمنكسري القلوب.

“كان أعمى جالساً على الطريق يستعطي”. اعتقد اليهود أن العاهات سببها الخطيئة وان نتائج الخطيئة تنتقل من الأهل إلى الأولاد لذلك قيل عن الله انه يفتقد ذنوب الآباء بالبنين (انظر خروج 20: 5). هذا رفضه الرب يسوع عندما قُدم إليه مولود أعمى إذ قال لتلاميذه: “لا هذا أخطأ ولا أبواه” (يوحنا 9: 3). وهذا الرفض تجلى بالصليب والموت إذ اتخذ على نفسه خطايا البشر من اجل خلاص الجميع.

“يا يسوع ابن داود ارحمني”. أُخبر الأعمى أن يسوع الناصري عابر لكن الأعمى لم ينادِه قائلا “يا يسوع الناصري” بل :”يا يسوع ابن داود”. لقب “ابن داود” هو لقب المسيّا المنتَظر الذي سيأتي ليخلص شعبه. اللافت أن الإنجيلي لوقا لا يورد هذا اللقب إلا مرة واحدة في إنجيله بلسان ذلك الأعمى. والأرجح أن الإنجيلي يوجه التوبيخ الصارم إلى رؤساء اليهود وكهنتهم الذين لم يعرفوا يسوع وحكموا عليه كمجرم في حين أن العميان عرفوه.

“ارحمني”. لم يطلب الأعمى الشفاء مباشرة بل هتف قائلا “ارحمني”. الإنسان يطلب الرحمة عندما يعي أن كل ما يلقاه هو عدل. الرحمة تتجاوز العدل وطلب الرحمة يفترض توبة ومن أهم عناصرها الإقرار بالخطيئة. لم يتوقف الأعمى عن طلب الرحمة وقد زجره المتقدمون إما ليسكتوه وليبعدوا الإزعاج عن الرب يسوع أو لأنه استعمل لقب ” ابن داود” الذي يشير إلى أن الرب يسوع هو المخلص المنتظَر، فدعوة يسوع بهذا اللقب تخلق مشكلة مع رؤساء اليهود وكهنتهم.

“فوقف يسوع وأمر أن يقدم إليه… وسأله: ماذا تريد أن أصنع لك؟”. طلب الرحمة استوقف يسوع الذي سأله ماذا تريد. هنا يشير الرب يسوع إلى أن طلب الرحمة بإلحاح يستدعي انتباه الله الذي يعطي الإنسان مراده لفائق رحمته. هكذا في الصلوات الكنسية نطلب الرحمة الإلهية أولاً ومن ثم نسكب حاجاتنا أمام الله. وهذا نعبّر عنه في ما يُسمّى الطلبة الإلحاحية التي نستهلها قائلين: “ارحمنا يا الله كعظيم رحمتك نطلب منك فاستجب وارحم”.

“إيمانك قد خلّصك”. لا يُقصد بالإيمان إيمان الأعمى بيسوع شافياً للأمراض وصانع معجزات، بل إيمان الأعمى بأن يسوع هو ابن داود مخلص العالم. الإيمان ليس مبنياً على العجائب بل على اليقين بأن الرب يسوع هو المخلص.

“تبعه وهو يمجّد الله”. لم يقل الإنجيلي انه اخذ يمجد يسوع الذي أجرى عجيبة الشفاء بل قال: أخذ يمجد الله. هذا يشير أن الأعمى آمن أن الرب يسوع والله واحد وان الله العامل في يسوع هو الذي يجري الأشفية. وهذا يؤكده الأعمى الذي شُفي في هيكل أورشليم إذ قال للفريسي: “لو لم يكن هذا (أي يسوع) من الله لم يقدر أن يفعل شيئا” (يوحنا 9 :33) العمى الجسدي ليس عائقا بين الإنسان والله بل تحويل النظر بعيدا عن الله هو الذي يخلق العائق ويُغرق الإنسان بالعمى الروحي الذي يؤدي إلى السقوط في الخطيئة والموت.

مباشرة بعد الإعلان عن الآلام في لوقا 18: 31-34 -“لأنه (ابن الإنسان) يُسلَم ويُستهزأ به ويُشتم ويُتفل عليه ويجلدونه ويقتلونه، وفي اليوم الثالث يقوم”- الذي لم يفهمه الرسل الإثنا عشر، ترد هذه الرواية لتتحدث عن أعمى يعود بصره إليه، هذا من الناحية الجسدية. أما من ناحية أخرى فتريد هذه الرواية أن تشدد على أن هذا الأعمى رأى في يسوع ما لم يرد غيره أن يراه: “فانتهره المتقدمون ليسكت”. المقصود بالمتقدمين هنا رؤساء اليهود، الذين، وإن نظروا إلى يسوع عابرا إلا أنهم لم يروا فيه المسيح. أما الأعمى الذي لا يبصر فعرفه. هذا دليل على أن الرؤية الحقيقية إنما هي بعين الإيمان. لهذا قال يسوع للأعمى “إيمانك قد خلّصك”، هذا الإيمان الذي كان له عندما “رأى” يسوع قبل أن يبصره.

ولكون هذه الرواية آخر المعجزات قبل الدخول إلى أورشليم، فهي تُعدّ لهذا الدخول وتمهّد له بتشديدها على لقب ابن داود، هذا اللقب الذي لن يكتمل معناه في يسوع إلا بالآلام والموت.

 

الشرح عن نشرة مطرانية اللاذقية:

أسئلة حول الإنجيل:

1- في إنجيل لوقا يُذكر أعمى واحد كما عند مرقس ولكن مّتى ( 20:30 ) يذكر أعميين لماذا هذا الاختلاف؟

إذا تمعنا النظر في ما قاله مرقص الإنجيلي من أن يسوع كان خارجاً من أريحا وأن لوقا يذكر أن يسوع لما اقترب من أريحا أي كان مزمعاً أن يدخلها، وأما مّتى الذي ضمّن كلامه ذكر الأعميين. الإنجيل عموماً لا يعطي روزنامة دقيقة عن تحركات يسوع وأشفيته بطريقة متسلسلة لذلك اكتفى مرقص بذكر أحدهما وسماه بارتيماوس (مر 10:46 ) وهكذا لوقا ذكر الآخر فقط وبكل الأحوال هناك العنصر الأساسي المشترك الذي يجعلنا نعتبر هذه الروايات الثلاث كحدث واحد وهو: شفاء الأعمى يشهد لسلطان يسوع.

2- لماذا سأله المسيح “ماذا تريد أن أصنع لك”؟

لقد سأل يسوع الأعمى لا لأنه لا يعرف ماذا يريد ولكن ليبيّن أن اشتراك إرادة الإنسان مع نعمة الله هو ضروري في كل عمل صالح. ولكي يرفع كل ريب من قلوب الحاضرين بشأن هذا الشفاء بأن الأعمى نفسه يسأل البصر. ولكي يظهر أن الأعمى إنما نال ما طلبه فيتضح إيمانه. ولأن هذا الأعمى كان فقيراً ولذلك كان جالساً على الطريق يطلب صدقة فيُحتمل أن يظن الحاضرون أنه بصراخه “يا ابن داوود ارحمني” يطلب من يسوع صدقة كما كان يطلب من المجتازين هنالك وليس أنه يطلب منه أن يبصر فلمّا سُئل وأجاب أنه يطلب البصر لعينيه أزال كل تشبه وأظهر للجميع إيمانه بالمسيح.

3- إذا سألك المسيح “ماذا تريد أن أصنع لك؟” فماذا يحضر في بالك؟

لعل الكثير منا يتداولون عبارة “المهم الصحة” والمقصود بها الصحة الجسدية، لهم ولكل أفراد العائلة ولعل آخرين يسألون التوفيق لهم ولأبناءهم في كل أمر من دراسة وعمل ونجاح ولعلَ آخرين يسألون حاجاتهم المادية التي تكفيهم. فيأت ترتيب ما يريد الإنسان من الله كما ذكرت سابقاً ولكن!!! هل تعلم يا أخي أن الله قال “اسألوا أو ً لا ملكوت السموات”؟ وهل تعلم أن الله جاء إلى العالم لكي يرفعنا ويعيدنا إلى السموات ثانية؟ لك الحق أن تسأل الصحة والتوفيق ولكن لا يأخذان الترتيب الأول في طلبك من الله بل اسأل أو ً لا أن تبصر بصراً روحياً مدركاً من خلاله خطاياك وطالباً من الرب الرحمة والمغفرة فاسأل أو ً لا الخلاص لك ولعائلتك ثم اطلب الصحة والتوفيق فيكون لك فائدتان سماوية وأرضية وليس واحدة فانية.

4- توضيح:

إن الأعمى الذي ذكره إنجيل اليوم كان مصاباً بمرض جسدي في بصره، وأما نحن فقد أظلمت نفوسنا بسبب الخطايا التي نقترفها بإرادتنا فكان (أي الأعمى) لا يرى الأمور الأرضية وأما نحن فلا نرى السماويات. لكنه لما سمع أن يسوع مجتاز من الطريق الذي كان جالساً عليه نشط إلى طلب النور منه لعينيه. وأما نحن فلا نهتم بشأن غفران خطايانا ولا نصرخ من أعماقنا “ارحمنا يا ابن داوود” مع أننا نؤمن أن يسوع أمامنا دائماً فلنتشبه أيها الأخوة بالأعمى ولنستعطف الرب مثله بنشاط ولنصرخ “يا يسوع ابن داوود ارحمنا” واكشف عن بصيرتنا فننظر عجائبك وندرك قوة أقوالك فنؤمن بما قلت وننال النور السماوي لنكون باصيرين لا عميان في طريق الملكوت.

انتقل إلى أعلى