عمليًّا، باتت “النّخبة الماليّة العالميّة“، من خلال “المنظّمات السّرّيّة“، تسيطر على أكثر مال العالم واقتصاده، وباتت في وضع مَن يتحكّم بأبرز القرارات السّياسيّة الدّوليّة، من وراء السّتار، باعتماد أسلوب الخداع والابتزاز والعنف، حيثما دعت الحاجة! غيرها يدفع الثّمن وهي تجني الثّمار!
إلامَ ترمي “النّخبة الماليّة”؟ لا الرّبحُ هدفَها الأخير، ولا مجرّد تأمين الغطاء الأمنيّ والسّياسيّ لمكاسبها الماليّة. لقد كان لها مشروعها السّياسيّ الخاصّ بها، منذ البدء. القصد كان، وبقي، التّوصّل إلى إعلان حكومة عالميّة واحدة، وإلى تنصيب ما عُرف، في القرون الوسطى، بـ”Rex Mundi“، أي “ملك العالم“، في إطار نظام عالميّ جديد!
من سنوات و”المنظّمات السّرّيّة” تشيِّع حتميّة النّظام العالميّ الجديد ودنوَّه. بعدما أضحت الولايات المتّحدة الأميركيّة قاعدة تلك المنظّمات بامتياز، قبضت النّخبة الماليّة، نهائيًّا، على السّيولة الأميركيّة، سنة 1913، من خلال الـFRB*؛ ثمّ بعد الانهيار الاقتصاديّ الأميركيّ سنة 1929، ظهر الدّولار الأميركيّ، المتداول حتّى اليوم، سنة 1933، زمن الرّئيس الأميركيّ روزفلت؛ وعليه، على قفا الدّولار الأميركيّ، كلّ رموز منظّمة الـIlluminati: الهرم (13 درجة)، إشارة إلى درجات المنظّمة، تعلوها العين المفتوحة، رمزًا لمَن تدين له المنظّمة بالولاء؛ التّاريخ 1776، الّذي هو، في الحقيقة، تاريخ تأسيس المنظّمة، وعدد الولايات الأميركيّة الأولى الثّلاث عشرة، مرتّب بطريقة تَبرز من خلالها نجمةُ داود المسدّسة الأطراف، والكتابة تحت الهرم: “NOVUS ORDO SECLORUM“، أي “نظام جديد للعالم”، ثمّ الكتابة فوق الهرم: “Annuit COEPTIS“، أي “مشروعنا تكلّل بالنّجاح”!
ثمّ في 17 شباط 1950، قال ركن بارز من أركان المنظّمات السّرّيّة، هو جايمس بول واربورغ، أمام مجلس الشّيوخ الأميركيّ بصراحة كاملة: “ستكون لنا حكومة عالميّة، أرغبنا فيها أم لم نرغب. السّؤال الوحيد المطروح هو ما إذا كانت الحكومة العالميّة سوف تتحقّق بالقوّة أم بالرّضى”!
كذلك، في أوائل التّسعينات من القرن العشرين، 1991، صرّح ركن من أركان “النّخبة الماليّة”، دافيد روكفلر: “نحن على مشارف تحوّل عالميّ. كلّ ما نحتاج إليه هو الأزمة الكبرى الموافِقة. إذ ذاك ترضخ الأمم للنّظام العالميّ الجديد”! هذا معناه أنّ ثمّة مَن ينتظر توفّر الظّروف، والمقصود بها، طبعًا، الظّروف الاقتصاديّة والسّياسيّة، لاختلاق، وأُشدِّد على لفظة اختلاق، أزمة في مستوى العالم، ذات حجم تنوء تحته الأمم لدرجة أنّه لا يعود لها مناص من الرّضوخ لنظام عالميّ جديد، ملفُّه بات مكتمِلاً وجاهزًا ليُوضَعَ قيد التّداول!
ولمّا يَكُنِ الكلام تنظيرًا – هؤلاء يعرفون، تمامًا، عمّا يتحدّثون! – فبين العامَين 2008 و 2009، دخل الكلام، على نظام عالميّ جديد، حيّز التّنفيذ! ففي أوّل أيّار 2008 – وأوّل أيّار هو تاريخ تأسيس منظّمة الـ”Illuminati” – أعلن مجلس العلاقات الخارجيّة (CFR)، التّابع للنّخبة الماليّة والمنظّمات السّرّيّة، والمعتبر بمثابة “الحكومة غير المنظورة” للولايات المتّحدة الأميركيّة، أقول أعلن عن مبادرة جديدة، كما لو كان هيئة سياسيّة عالميّة إشرافيّة عليا(!)، لِجَمع ما يُعرف بـ”G 20″، وهي أبرز دول المال في العالم، لمعالجة موضوع: “برنامج المؤسّسات الدّولية وحاكميّة الأمم: نظام العالم في القرن الحادي والعشرين”! يمتدّ البرنامج، على نحو شامل، فترة خمس سنوات، أي إلى 2013! في أيلول 2008، كما لدعم المبادرة الجديدة، وبدءًا من السّبت الأسود، يوم هبوط أسهم بورصة نيويورك بشكل دراميّ، دخل العالم في أزمة ماليّة لا يعرف أحد مداها، عرّف عنها خبراء الاقتصاد بـ”GFC“، أي “الأزمة الماليّة العالميّة“، أو “GR“، أي “الكساد الأكبر” (Great Recession)! ثمّ في 13 و 14 آذار 2009 اجتمع وزراء المال وحكّام البنوك المركزيّة (التّابعة عمليًّا “للنّخبة الماليّة”)، من تسع عشرة دولة هي: الأرجنتين، استراليا، البرازيل، كندا، الصّين، فرنسا، ألمانيا، الهند، أندونيسيا، إيطاليا، اليابان، المكسيك، روسيّا، المملكة العربيّة السّعوديّة، أفريقيا الجنوبيّة، كوريا الجنوبيّة، تركيّا، المملكة المتّحدة، الولايات المتّحدة الأميركيّة، ودول الوحدة الأوروبيّة، أقول اجتمعوا برعاية “مجلس العلاقات الخارجيّة CFR“، في هورشام، إنكلترة، للإعداد لـ”قمّة لندن” لهذه الدّول، في 3 نيسان 2009. في لقاء القمّة هذا، كما أوردت صحيفة التّلغراف اللّندنيّة، أعلن رئيس وزراء بريطانيا غوردون براون: “أظنّ أنّ نظامًا عالميًّا جديدًا أخذ يبرز على أساس حقبة تقدميّة جديدة من التّعاون الدّوليّ”! المراقبون اعتبروا أنّ هذا معناه الإعلان عن الدّخول الفعليّ في مرحلة NWO، أو النّظام العالميّ الجديد!
باكورة التّشريعات العالميّة نحو مركزيّة الحكومة العالميّة الواحدة للنّظام الجديد للعالم ظهرت في الولايات المتّحدة الأميركيّة. ففي 21 آذار 2010 وافق مجلس الشّيوخ على مشروع القانون (HR 3200)، وكذا الرّئيس أوباما، وهو المتضمِّن أنّه ابتداء من 23 آذار 2013، على كلّ مواطن أميركيّ اقتبال زرع شريحة إلكترونيّة، تعرف بـ RFID (Radio Frequency Identification)، تحت جلده، تحتوي على كلّ المعلومات الشّخصيّة الخاصّة به، بما في ذلك الصّلة بحسابه المصرفيّ! تتركّز التّجارب الرّاهنة على الزّرع تحت جلد الكفّ! هذا أضحى اليوم قانونًا مفروضًا! يُذكر أنّ القاعدة الرّقميّة المعتمدة للشّرائح الإلكترونيّة هي “666”!!! وهذه صارت، منذ العام 1974، من خلال ما يُعرف بـ”Bar – Code“، قاعدة الدّمغ المتداولة في العالم!!!
أمّا على الوجه الآخر من الميداليّة، فكتابة من فوق: المناطق العشر للعالم. تحتها مباشرة غيوم ونار، ثمّ خارطة العالم مقسَّمة إلى عشرة أقسام، لكلّ قسم رقم. ثمّ تحت خارطة العالم الكتابة: “التّغيير اللاحق الثّامن هو “666” (Post – Change 8th is 666)!!!
فقط من باب توارد الأفكار، الوحش الّذي يتكلّم عليه سِفر الرّؤيا، في الإصحاح 13، له عشرة قرون وعلى قرونه عشرة تيجان وعلى رؤوسه اسم تجديف (رؤ 13: 2)! كأن سلطة الوحش، بالرّقم 10، شاملة الأرض برمّتها!
لعلّ هناك مَن يتصوّر أنّ الكلام الّذي يُقدَّم به النّظام العالميّ الجديد عن التّعاون الدّوليّ والأسرة الدّوليّة والأمن الدّوليّ والاستقرار العالميّ والتّسامح والانفتاح والإنسانويّة وحقوق الإنسان والأخوّة وما شاكلها صحيح! لا شكّ أنّ مَن لا يقرأ ما يجري، اليوم، في ضوء ما حصل وما قيل بالأمس البعيد والقريب، ساذجًا يكون! فقط الجهلة والسّذّج الّذين يعتمدون على ما تقوله وسائل الإعلام المأجورة، كإقرارِ واقع، يُصدّقون!
ما هو معنى “النّظام الجديد للعالم“؟
لعلّ خير مَن عبّر عن طبيعة “النّظام الجديد للعالم” هو النّائب الأميركيّ لاري ب. ماكدونالد الّذي أسقط السّوفييت طائرة البوينغ 747، التّابعة للطّيران الكوريّ، سنة 1976، الّتي كان على متنها. قال: “إنّ قوّة الدّفع الّتي لدى آل روكفلر وحلفائهم هي لخلق حكومة عالميّة واحدة تجمع ما بين الرّأسماليّة المتطرِّفة والشّيوعيّة، تحت مظلّة واحدة، يسيطرون هم عليها… هل أعني بذلك مؤامرة؟ نعم، هذا ما أعنيه! إنّي لمقتنع أنّ مثل هذه المؤامرة قائمة، وهي على مستوى دوليّ؛ يجري التّخطيط لها منذ أجيال، وهي آثمة، في مقاصدها، فوق كلّ تصوّر”!
كلام ماكدونالد عن الرّأسماليّة المتطرّفة إشارة إلى أنّ “النّظام الجديد للعالم” يرمي إلى إلغاء المِلكيّة الشّخصيّة وحصر طاقات الأرض قاطبة في الحكومة العالميّة الواحدة الّتي تسيطر عليها “النّخبة الماليّة العالميّة“، على نحو ما تَصوّر وايشوبت، مؤسّس الـ”Illuminati“! أمّا الشّيوعيّة، ضمن هذا التّصوّر، فتُحيل أهل الأرض إلى جماهير “عبيد” يعملون في خدمة تلك النّخبة! شيء غير قابل للتّصديق؟! راجع، إذا شئت، أو إذا استطعت، كتاب أو بعض مقاطع من “بين عصرين“(1) لـ زبغنيو بريجنسكي، أحد أقطاب “النّخبة الماليّة” وأحد مؤسّسي اللّجنة الثّلاثيّة الدّوليّة (TC)، الّتي تتحكّم بأكثر القرارات السّياسيّة الدّوليّة! عن الماركسيّة قال: “تُمثّل الماركسيّة مرحلة حيويّة وخلاّقة في نضج الرّؤية الكونيّة للإنسان… وهي، في آن، انتصار للإنسان الخارجيّ على الدّاخليّ المنفعل، وانتصار للعقل على الإيمان الدّينيّ”! بالنّسبة إلى بريجنسكي، في هذا السّياق، الحكم السّتالينيّ هو “بركة مخفيّة“! يبدو أنّ القتل الجماعيّ، بإزاء هذه الإيديولوجيّة، أمر محتّم لدى هذا الإنسان! يُذكر أنّ ستالين ذبح عشرين مليون إنسان في تلك الأيّام! ويضيف بريجنسكي أنّ مثل هذا المجتمع، كما يتصوّره، سوف تسوسه نخبة تستند هيمنتها السّياسيّة على تفوّقها العقليّ والعلميّ! “هذه النّخبة، الّتي لا تتأثّر بعوائق القيم التّقليديّة“، على حدّ تعبيره، “لن تتردّد في تحقيق أهدافها السّياسيّة، باستخدام أحدث التّقنيّات للتأثير في السّلوك العامّ وحفظ المجتمع تحت المراقبة والضّبط“! إذًا العقل كائن، لدى هؤلاء القوم، في خدمة العِلم والعِلم لأجل استعباد الأرض واستعباد الأرض في خدمة نخبة المال!!!
وليس بريجنسكي وحده مَن يتحدّث بمثل هذه اللّغة. دافيد روكفلر، وهو من أقطاب “النّخبة الماليّة العالميّة“، يتحدّث اللّغة عينها. فلقد زار الصّين سنة 1973. وبعد عودته أدلى لصحيفة النّيويورك تايمس، عدد 10 آب 1973، بتصريح؛ ممّا جاء فيه: “إنّ الاختبار experiment الاجتماعيّ الصّينيّ، زمن الرّئيس ماو، هو من أهمّ وأنجح الاختبارات في تاريخ البشريّة“! يُذكر أنّ من ضمن هذا الاختبار الاجتماعيّ تأسيس ما يُعرف بنظام الوحدات المشتركة (Communes). وفق هذا النّظام وحدة العائلة تنحلّ ويُغرَّب الأولاد عن ذويهم، ويُجْعَلون في حضانات حكوميّة. بإمكان الأهلين أن يروا أولادهم مرّة واحدة في الأسبوع. ومتى رأوهم يُحظَّر عليهم إظهار أيّ عطف تجاههم. الفكرة هي أن يَقطع الأولاد وذووهم كلّ علاقة عطف فيما بينهم ويحوِّلوها إلى الدّولة! تُشطَب أسماء الأولاد ويُعطَون أرقامًا! لا هويّة شخصيّة. لا مجال للأخلاق لأنّ المحبّة العائليّة لا محلّ لها من الإعراب. لا استقامة ولا احترام بين النّاس. لا كرامة إنسانيّة. كالحيوانات يكونون. لا شعور بالذّنب من جرّاء قتل الأفراد ابتغاء تحسين حال الدّولة**“!!! هذا هو الاختبار الاجتماعيّ الّذي اعتبره روكفلر من أنجح الاختبارات في تاريخ البشريّة! بكلّ أسف، هذا هو الاختبار الّذي كلّف الصّين 64 مليون قتيل وفق تقرير اللّجنة الفرعيّة الأمنيّة لمجلس الشّيوخ الأميركيّ!!!
والكلام على الاختبارات الاجتماعيّة يعيدنا إلى ضرورة التّذكير بأنّ الثّورة الشّيوعيّة في الاتّحاد السّوفياتيّ (1917)، والثّورة الشّيوعيّة في الصّين (1949)، وكذلك النّازيّة، في ألمانيا، والّتي كانت “للنّخبة الماليّة العالميّة” يدٌ ليست بقصيرة في تحقيقها كلّها، ما كانت، في الحقيقة، سوى اختبارات مخبريّة اجتماعيّة، وحقول تجارب، لا خبرات إنسانيّة مشوَّهة ومؤلمة جدًّا(!)، بقصد جمع “المنظّمات السّرّيّة” و”النّخبة الماليّة العالميّة” المعلومات والمعطيات المخبريّة بشأن السّلوك البشريّ للجماهير نحو إنشاء “نظام جديد للعالم“، متى حانت السّاعة؛ والسّاعة يبدو أنّها حانت أو تكاد، في نظر مَن يقبضون على العالم “المسكين” اليوم، ويُمعنون به فتكًا وتقطيعًا ليصير موافقًا لتصوّرهم له… كأنّهم آلهته!!!
تعتبرون أنّ هذا فظيع؟! الأفظع أنّ مَن هم وراء “النّظام العالميّ الجديد“، يعملون، في الخفاء، في رياء ما بعده رياء، وفي انعدام حسّ ما بعده انعدام حسّ، لا فقط على الفتك بمَن يقف في وجههم، لا فقط على قتل الأجساد حيثما يلزمهم، بل، بالأكثر والأهمّ والأخطر، على القتل “المنظّم”، من سنين، للنّفوس والأجساد معًا!!!
* البنك المركزيّ الأميركيّ Federal Reserve Bank .
** نقلاً عن القسّ Shink – Ping Wang (الجمعيّة الدّوليّة للكرازة المعمدانيّة في شرق آسيا)، من كتاب “حقيقة المجلس الوطنيّ للكنائس”، ص 10.