أ – شركة الرجل والمرأة
فخلق الله الإنسان على صورته، على صورة الله خلقه ذكراً وأنثى” (تك 1: 27).
Man was created in the image of God, and from the beginning he was a pair, that is, a man and a woman. And just as the triune God was not alone, (1)، فكذلك الإنسان، “لأن الخالق منذ البدء جعلهما ذكراً وأنثى” (متى19: 4). فعقيدة الثالوث القدوس التي يعبَّر عنها بوحدة في الجوهر وتثليث في الأقانيم، هي حقيقة أساسية تعبِّر عن حقيقة الإنسان أيضاً. وهذه الحقيقة الإلهية العظيمة والفريدة تشكِّل أساس حياتنا وقاعدة خلاصنا. لذلك نستطيع أن نؤكِّد، دون أي تردّد، أن هذه الآية الكتابية تشير إلى أن الإنسان قد خُلق على صورة الله المثلث الأقانيم، سواء من حيث الطبيعة أم من حيث الشركة مع الناس الآخرين. ولذا خُلق الإنسان منذ البدء زوجاً، أي رجلاً وامرأة.
ويشير الكتاب المقدّس مراراً عديدة إلى سرّ الزواج. ففي الأمثال نقرأ المرأة العاقلة “ميراث من الرّب” (أم19: 14). ويؤكّد النبي ملاخي أن الله نفسه الذي أبدع الرجل والمرأة معاً هو الشاهد على الرابطة الزوجية (ملا2: 14). وقد حارب المفهوم السائد في عصره ومفاده أن الهدف الوحيد للزواج هو إنجاب الأولاد وأن الطلاق ممكن بعد إنجاز هذا الهدف (أنظر حكمة سليمان4: 1-6، حكمة سيراخ16: 1-4)، وأكّد على أن جوهر السر يكمن في تحقيق الحياة المشتركة وفي حفظ رباط الزوجين غير المنفصل وتنميته، حتى يصبح الاثنان روحاً واحداً وجسداً واحداً (ملا3: 15، تك2: 24، متى19: 5، مر10: 8)، وذكر أن الله “يكره الطلاق” الذي يناقض هذا الهدف المبدئي للسرّ (ملا2: 16).
وهذا المعنى نفسه نجده في العهد الجديد: “من طلَّق امرأته إلاّ في حالة الفحشاء، عرَّضها للزنى، ومن تزوَّج مطلّقة زنى” (متى5: 32، 19: 9، لو16: 18)، “فإن الله سيدين الزناة والفسّاق” (عب13: 4).
On this basis, it can be said that the destiny of man is to resemble his Creator, that is, to live in full love with his fellow human beings, according to the divine example and in accordance with the love of the Triune God. In other words, this destiny is linked to the fellowship of the two sexes in one humanity.
ب – شركة محبة
The union between man and woman would not be in harmony with human nature if it were achieved outside of God’s love, because God’s love is the cause and source of unity and love in the world. When Adam was steadfast in God’s love, he looked upon his wife Eve as a part of himself (Gen. 2:23-24). But when he was cut off from God’s love, by disobedience, he considered his wife a stranger to him, as if she were a different being, and he placed upon her the full responsibility for the disobedience (Gen. 3:12).
إن خلق الإنسان ذكراً وأنثى، والزواج هما إحسان من الله إلى الإنسان ودليل عنايته الفائقة التي ستكون بعد السقوط أساس رجاء الإنسان في الخلاص. فإن الله، منذ اللحظة الأولى للسقوط، وَعَدَ الإنسان بالنهوض ولم يتركه إلى مصيره دونما أمل (تك3: 15). وقد تحقق هذا الوعد بتجسّد المسيح الذي “أخلى” ذاته وصار إنساناً ولم يتردَّد حتى في تقديم نفسه ذبيحة على الصليب من أجل شعبه المحبوب (فليبي2: 7). ولكن كيف يسع الإنسان الساقط أن يدرك محبة الله هذه؟ وكيف يمكنه أن يقبل مشيئة إله المحبة الهادفة إلى إقامة علاقة شخصيّة مع الإنسان؟ لذلك كان ضرورياً أن تترسَّخ الوحدة الكاملة بين الله والإنسان في شخص المسيح الإله المتأنِّس، أي في وحدة الطبيعة الإلهية مع الطبيعة الإنسانية. وكان الزواج هو النموذج والصورة المسبقة والدليل على خلاص الإنسان الصائر بتجسّد المسيح. أمّا محبة الله فهي منطلق الزواج ونهايته وهدفه في آن، لأن الزواج هو شركة محبة.
ج – سرّ المسيح والكنيسة
عندما يتحدَّث الكتاب المقدّس عن الزواج يشبِّهه بزواج المسيح بالكنيسة، ويربطه دوماً برباط المسيح والكنيسة. فيقول بولس الرسول: “إن الرجل رأس المرأة كما أن المسيح رأس الكنيسة التي هي جسده وهو مخلِّصها. وكما تخضع الكنيسة للمسيح فلتخضع النساء لأزواجهن في كل شيء. أيها الرجال أحبوا نساءكم كما أحب المسيح الكنيسة وضحّى بنفسه من أجلها ليقدِّسها ويطهِّرها بماء الاستحمام وبما يتلى من الكلام ويزفها إلى نفسه كنيسة سنّية لا شائبة فيها ولا تغضن ولا ما أشبه ذلك، بل مقدّسة بلا عيب. وكذلك يجب على الرجال أن يحبّوا نساءهم حبهم لأجسادهم. مَن أحبّ امرأته أحب نفسه. فما من أحد يبغض جسده، بل يغذّيه ويعنى به شأن المسيح بالكنيسة…. أن هذا السرّ لعظيم، وأعني به سرّ المسيح والكنيسة” (أفسس 5: 22-32).
وهكذا يغدو الرباط الطبيعي بين الرجل والمرأة “سرّاً عظيماً”، لأن نموذجه هو الرباط بين المسيح والكنيسة. وفيه يتجاوز الإنسان نفسه، ويزول طابع الأنانية والفردية من حياته، وتنقله المحبة الزوجية إلى داخل الوحدة من جديد لذا يقول القديس يوحنا الذهبي الفم أن الرجل والمرأة “ظنّا أنهما منذ البدء اثنان، فانظر كيف اجتمعا مجدَّداً وأصبحا واحداً بواسطة الزواج”.
وهكذا يعود الإنسان إلى وحدة الرجل والمرأة التي ستكتمل في ملكوت الله، حيث لا يكون فيما بعد “لا ذكر ولا أنثى” بل يكون الجميع “واحداً في المسيح يسوع” (غلا3: 28)، “كالملائكة في السماء” (متى23: 30، مر 12: 25، لو20: 36). وهذه الحقيقة يتذوّقها الإنسان المسيحي فعلياً في سرّ الشكر، حيث يتّحد الجميع في جسد المسيح الواحد: الكنيسة.
د – الأطر الإفخارستية للسرّ المقدّس
If we know that the mystery of thanksgiving is a foretaste of the kingdom and the final unity of God’s people, we can understand why Christian marriage in the early Church was linked to the mystery of divine thanksgiving, and why the mystery of divine thanksgiving is the basic condition for the mystery of holy marriage. Christ came to the wedding at Cana of Galilee, and there he performed his first miracle by turning water into wine. He was not content with accepting the joy of the wedding and blessing the reality of marriage, but he symbolized with his miracle the mystery of divine thanksgiving, that is, turning the wine into his blood and the bread into his body, thus introducing the marital bond into the body of the Church.
يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: “عندما يتّحد اثنان بواسطة الزواج فإنهما لا يظهران فيما بعد كشيء أرضي بل كصورة الله نفسه”. وفي مكان آخر يشبِّه الزواج المسيحي بـ “كنيسة صغرى”. فالإنسان مدعو إلى أن يحيا بزواجه المسيحي “في شركة مع المسيح”، أي “مع المسيح والكنيسة” (أف5: 32). والمسيح حاضر دائماً مع الأزواج المسيحيين، حسب وعده أنه كلّما اجتمع اثنان باسمه يكون بينهما.
وهكذا نفهم لماذا يعتبر أحد آباء الكنيسة أن الزواج هو “بيت الله”، ولماذا يعلن لاهوتي معاصر أن ثلاثة “يتزوجّون” في سرّ الزواج: العريس والعروس والمسيح، والمقصود طبعاً الزواج “في الرب” (1كو7: 39).
E- Marriage outside the church
It is clear that there is a vast difference between the natural union of two people outside the Church and the sacrament of holy matrimony. The marriage bond outside the Church takes place according to the law of nature, especially the nature of the fall and corruption. The same applies to linking the meaning of marriage to social goals or to the demographic question. In all these cases, marriage cannot go beyond the reality of death and therefore cannot be considered a sacrament.
أمّا الزواج المسيحي الحاصل في الكنيسة بمباركة الله، فإنه يحوز كمال محبة الأزواج، وتكون هذه المحبة معناه الأوّل وهدفه النهائي، لذلك فإنها لا تتوقّف بالموت، بل تستمر إلى الأبد. وعلى حدّ تعبير القديس إغناطيوس: “كل ما تفعلونه حسب الجسد، فليكن روحياً، لأنكم تفعلون كل شيء بالمسيح يسوع”، أي أن الزواج المُقام في الكنيسة يكون روحياً، بما في ذلك الوحدة الجسدية.
و – هدف الزواج
The primary goal of marriage is to be a continuous journey towards the fullness of love. This goal can be achieved even by barren couples (see Wisdom of Solomon 4:1-6; Wisdom of Sirach 16:1-5). However, the presence of children adds a new element to marriage, namely the element of fatherhood and motherhood. It makes love overflow from the spouses towards the beings that are born, so that each of them is ready to give everything for them, to go beyond himself and surrender himself completely to the love he offers for others (see 1 Corinthians 11:8-12; Ephesians 5:20). He is thus prepared to live that perfect love that he is called to live in the age to come. This sacred goal of marriage, that is, to go beyond the self in order to reach the fullness of love that begins with marital love and is completed in the Kingdom of Heaven, is seen in the symbolic service of holy matrimony.
إن تبادل الخواتم يعني التساوي والتعاون، والكأس الواحدة تعني كمال الحياة المشتركة التي تكتمل باقتراب الزوجين من سرّ الشكر الإلهي والولوج إلى “شركة النفوس والأجساد” في ظل محبة الله التي تحفظهما.
وفي نهاية الخدمة المقدّسة يقول الكاهن: “وأنتِ أيتها العروس، يعظِّمك الله مثل سارة، ويسرِّك مثل رفقة، ولتكثري مثل راحيل مبتهجة برجلك هذا وحافظة حدود الشريعة، لأن الله هكذا ارتضى” (أنظر تث24: 5، أم 5: 18-19).
It is clear that the goal of marriage is not achieved by the efforts of the spouses alone, because achieving this goal is a gift from God. The Holy Spirit, who is active in the Church, distributes gifts to the faithful, and grants Christian spouses the grace of marriage (1 Cor. 7:7), and therefore Christian marriage is one of the seven sacred sacraments.
والزواج المسيحي ليس شأناً يخص الأزواج وحدهم. فهو لا يغيِّر مركزهم في المجتمع وحسب، بل يخلق حالة جديدة داخل جسد الكنيسة، ولا سيّما الرعيّة التي ينتمي إليها العروسان الجديدان. لأنهما لم يعودا فردين منفصلين، بل صارا جسداً واحداً، ودُعيا إلى أن يعيشا كمال المحبة الزوجية “في الربّ”. وعليهما أن يعبِّرا عن هذا الرباط بكامل حياتهما في الرعيّة، وهذا ما يفسِّر سبب اعتبار الزواج المسيحي حدثاً في حياة الرعيّة، ووجوب إقامته في الرعيّة ذاتها، لا بعيداً عنها.
ز – أكاليل الزواج
ليس صدفة أن يُسمّى سرّ الزواج المقدّس في الكنيسة الأرثوذكسية “إكليلاً”. فنحن نعلم أن الأكاليل تخص الشهداء وقدّيسي كنيستنا، ولذا نراهم في الأيقونات مُتَوَّجين بالأكاليل المضيئة. ولكن الكنيسة تكلِّل العروسين الجديدين أثناء خدمة الزواج المقدّس. وبذلك ترمز إلى أن ارتباطهما برباط الزواج المقدّس بنقاوة وطهارة أشبه بنضال الشهداء الذين استبسلوا حتى النهاية فنالوا أكاليل الظفر لحفاظهم على الإيمان. والعروسان يدخلان أيضاً حلبة جهاد جديد، هي ساحة الصراع الروحي الذي خاضه شهداء كنيستنا. ولذا فإنهما يطوفان حول المائدة وأيدهما متشابكة، بينما تستدعي الكنيسة الشهداء القديسين منشدة بخشوع: “أيها الشهداء القديسون الذين جاهدتم حسناً وتكلّلتم…” و”المجد لك أيها المسيح الإله… بهجة الشهداء…) ثم تطلب من أجلهما: “يا الله. إلهنا، يا من حضر في قانا الجليل وبارك العرس الذي هناك، بارك أيضاً عبدَيْك هذين اللذين اتّحدا بعنايتك في شركة الزواج. وبارك مدخلهما ومخرجهما. وأكثر الخيرات في حياتهما. ارفع إكليليهما في ملكوتك. واحفظهما بغير دنس ولا عيب غير محتال عليهما على مدى الدهور”.
حاشية مرتبطة مع عنوان الفصل “نعمة الزواج”: راحع أيضاً “صورة المسيح في الزواج والأسرة” ، لكوستي بندلي، سلسلة “الإنجيل على دروب العصر” رقم6 ، و “العائلة… كنيسة” لبول إفدوكيموف وكوستي بندلي، سلسلة “تعرّف إلى كنيستك”، رقم7 ، منشورات النور.
(1) راجع: “مدخل إلى العقيدة المسيحية، Chapter Seven: The Holy Trinity“، د. كوستي بندلي. و”Dialogue on the Trinity with a Study of the Doctrine of the Trinity in the Bible and the Fathers“، د. جورج حبيب بباوي. و”Does Christianity believe in one God?“…. د. جورج حبيب بباوي… (الشبكة)