لا شكّ أنّ العدد “666”، كعلامة للوحش، كان، عبر العصور، عندنا، موضع تأمّل وتبصّر وتكهّن ليس بقليل. اليوم بتنا نقرأه في الأحداث والبيانات والتّقارير والدّراسات الّتي أخذت تتفتّق عن الوثائق والكشوفات الّتي أخذت تظهر، بخاصّة، خلال الثّلاثين السّنة الفائتة، كمثل ما أُميط اللّثامُ عنه في الأرشيف السّوفياتيّ، إثر انهيار الاتّحاد السّوفياتيّ، وما بات ميسورًا لكلّ قارئ مطّلع عبر الحاسوب والإنترنت.
لا نحسبنّ أنّ “Antichrist” ينزل علينا بالمظلّة من الفضاء، بل يبرز من خلال الواقع الّذي نحيا فيه ليخدع ويستأسر! على هذا يقترن الكلام على العدد “666“، اليوم، بالكلام على ما يُعرف بـ”Secret organizations” و”The global financial elite” الّتي تشكّل رأس الحربة لهذه المنظّمات. لقد دأبت هذه المنظّمات على التكتّم حتّى العنف في شأن مخطّطها. لذا يعجب المرء كيف أنّ الكلام عليها بات في التّداول، بيُسر، على النّحو الّذي نعهده اليوم. البادي، لعمري، أنّ تلك المنظّمات بلغت حدًّا من الثّقة بنفسها وتكاد تمسك بزمام الأمور، في العالم أجمع، لدرجة أنّها، لا فقط لم تعد مبالية بما يُقال في شأنها، بل أنّه لم يعد بإمكان أحد، أقلّه في نظرها، أن يهدِّدها في تنفيذ مآربها! ثمّ إذا كانت هناك معطيات انعرفت عنها فإنّ هناك، أيضًا، معطيات لا زالت طيّ الكتمان، في إطارها، وبإمكان تلك المنظّمات، ساعة تشاء، أن تنكر هذا وذاك من الأمور بشأنها، حيث يلزم؛ وليس بإمكان أحد، بسهولة، أن يُثبت ما تقول، لا سيّما وأنّ التّعاطي هو تعاط لمسائل تتناول منظّمات تعمل في الخفاء وتتّخذ من وسائل الإعلام، الّتي تسيطر عليها، وهي أكثر الإعلام المؤثِّر في العالم، مجنًّا يردّ عنها سهام الانتقاد، فيخفي ما يوافق هذه المنظّمات إخفاؤه ويحوِّر ويموِّه ما يناسبها تحويره وتمويهه!
في كلّ حال، ما بات معروفًا أكثر من كاف لإبراز صورة ما يجري، حاليًّا، في العالم، في “مياهنا الجوفيّة”، والاتّجاه الّذي تسير فيه الأمور إلى نقطة الصّفر!
ما هي هذه المنظّمات؟ هي مجموعة منظّمات تشكِّل “The global financial elite” عمودَها الفقريّ والعنصر الأساسيّ الّذي يوحِّد فيما بينها. الكلّ انطلق من مجموعتَين متضامنتَين ارتبطتا، مبدءًا، بـ “Temple of Solomon“، في الزّمن الصّليبيّ، هما “Knights Templar” و”Zion system“. فلمّا انتهت المرحلة الصّليبيّة في القدس (أورشليم)، انتقلت تلك المجموعتان إلى أوروبّا. كلاهما كان من اليهود. عمِلا في السّرّ! فأمّا مجموعة “Zion system” فتوارت دون أن تضمحل لتظهر، خفيًّا، هنا وهناك، وفي أوقات مختلفة في التّاريخ إلى اليوم. وأمّا مجموعة “Knights Templar” فاضطُهدت بعدما زاد عددها واشتدّ أزرها، لا سيّما في فرنسا، وأخذت تهدِّد حكم King Philip the JustThe time of the Catholic Pope Clement V. كان هذا مطلع القرن الرّابع عشر. إثر ذلك أُصيب “Knights Templar” بنكسة كبيرة، لكنّهم، بفضل اتّحادهم بـ”Zion system“، استمرّوا، في منتهى الخفاء، وبعزم لا يلين، مدفوعين بعامِلَين أساسيَّين طبعا بطابعهما “Secret organizations“، الّتي ارتبطت بهم، بشكل أو بآخر، فيما بعد: الحقد التّاريخيّ على الملكيّة والحقد التّاريخيّ على الكنيسة! في العام 1990 صدر كتاب (William T. Sill) عنوانه: “New World Order: The ancient blueprint of secret organizations” (1)، أبان فيه أنّ “Knights Templar“، يومذاك، حاكوا، فعلاً، مؤامرة ضدّ ملوك أوروبّا وضدّ الكنيسة (لافاييت، لويزيانا، ص 113).
في ذلك الزّمان، كانت هناك جمعيّة حرفيّة تعتمد السّرّيّة فيما بين أعضائها، من باب حفظ سرّيّة المهنة. هذه انتشرت في أكثر أوروبّا، وهي “Builders Association“-“Freemason“. هؤلاء، في القرن السّادس عشر، لمصاعب ماليّة، أخذوا يَقبلون في عدادهم أعضاء من غير مهنتهم. وكانت “Builders Association“، يومذاك، ذات وهج اجتماعيّ. مذ ذاك أخذ اليهود، المتأثّرون بـ “Knights Templar” و”Zion system“، يتسلّلون إلى “Builders Association“، لا سيّما لطابع السّرّيّة فيها، ما يناسب واقعهم ومراميهم تمامًا. عملوا بنشاط، وكان المال اليهوديّ، دائمًا، هو ما يقدّمهم على سواهم، إلى أن تمكّنوا من السّيطرة الكاملة على جمعيّة الماسون في مطلع القرن الثّامن عشر. الدّارسون يَحسبون التّاريخ المحدّد لذلك العام 1717. يومذاك كفّت جمعيّة الماسون عن أن تكون جمعيّة حرفيّة، وأضحت جمعيّة سرّيّة غرضها السّيطرة على اقتصاد العالم، ومن ثمّ حكم العالم!
ثمّ كان تطوّر آخر تمثَّل في ظهور جمعيّة سرّيّة أخرى. هذه المرّة في ألمانيا. اسم الجمعيّة كان “The perfect ones” ثمّ الـ “Illuminati” من نور. مؤسّسها كان الجامعيّ Adam Weishaupt (Adam Weishaupt). والتّاريخ أوّل أيّار 1776. شعار هذه الجمعيّة كان: “لا بدّ للـ Illuminati من أن يحكموا العالم”. وكان أن اتّحدت هذه الجمعيّة بـ “Builders Association“، بمضمونها الجديد، في الرّبع الأخير من القرن الثّامن عشر. الـ “Illuminati” هيمنوا على FreemasonryAnd the Jews, through The Jewish financial elite، هيمنوا على ال “Illuminati“. من ثمّ على كِلا المنظّمتَين اللّتَين انبثقت منهما هيئات وجمعيّات تحقِّق مراميهما، في الخفاء، أيضًا وأيضًا، في هذا الاتّجاه أو ذاك، وصولاً إلى الحكم المنشود للعالم!
الحقد الكامن وراء عمل “Secret organizations” تمثّل، في إحدى درجاتها، بطقس كانت تُنحر فيه دمية تمثِّل King Philip the Just الفرنسيّ، ويُقطع رأسها، ويُسكَب النّبيذ الأحمر بمثابة دم عليه؛ ويُلقى، فيه، بشكل يمثِّل التّاج البابويّ (تيارا) أرضًا ويُداس! أمّا الخفية في عمل هذه المنظّمات، فجرى التّعبير عنها بشعار يُتداول، أبدًا، وهو باللاّتينيّة: “Avdi, vide, Tace”، أي “أصغِ، تبصَّر، واعمل في السّرّ”!
في هذا الإطار بالذّات، برز العدد “666“، لدى “Secret organizations” و”The global financial elite“، بمثابة مؤشِّر للسّيطرة على العالم، اقتصاديًّا وسياسيًّا، وبمثابة علامة لاكتمال الزّمن ومجيء المسيح(!) الّذي ينتظره اليهود، وسيطرة اليهوديّة، من خلاله، على شعوب الأرض (الغوييم)، أي الأمم!
السّمة اليهوديّة هيمنت على تكوين “Secret organizations” وفكرها ورموزها ومحافلها. الرّبّان اليهوديّ Isaac Wise (1819 – 1900) هكذا عبَّر: “الماسونيّة مؤسّسة يهوديّة، تاريخها ودرجاتها وتعييناتها الرّسميّة وكلمات سرّها وتفاسيرها، كلّها يهوديّة من البداية إلى النّهاية” (American Jew, August 3, 1866). والمجلّة الماسونيّة الفرنسيّة، المعروفة بـ”الرّمزيّة”، نشرت في تمّوز سنة 1928 تقول: “إنّ الواجب الأكثر أهمّيّة للماسونيّة يجب أن يكون تمجيد اليهود الّذين حافظوا على المعيار الإلهيّ الثّابت للحكمة”! وفي دائرة المعارف الماسونيّة الأوروبيّة (فيلادلفيا 1906) “أنّ كلّ محفل هو ويجب أن يكون رمزًا للهيكل اليهوديّ…”!
على هذا نبحث عن أساس العدد “666” في “المنظّمات السّرّيّة لدى المنابع اليهوديّة!
ثلاث محطّات يجدر التّوقّف عندها استقراءً للمقاربة الكتابيّة والقوميّة للعدد “666” لدى اليهود، ومن ثمّ لدى “المنظّمات السّرّيّة”:
1- في سِفر الملوك الأوّل (أو الملوك الثّالث وفق التّرجمة السّبعينيّة)، الإصحاح 10، الآية 14، كلام على الملك سليمان ابن داود، كرمز للازدهار الماليّ لمملكة إسرائيل. فإنّ غنى سليمان بلغ حدًّا كان معه وزن الذّهب الّذي أُتي به إليه، في سنة واحدة، 666 وزنة، علمًا بأنّ الوزنة الواحدة قيمتها عشرة آلاف دينار. على هذا رسخ العدد “666”، في وجدان “Secret organizations“، باعتباره رمزًا للغنى الكبير!
2- من جهة أخرى، في الإصحاح عينه، أعلاه، الآيات 18 إلى 20، كلام على عرش سليمان، مسيح الرّبّ، أنّه كانت له ستّ درجات وأسد عند طرف كلّ درجة، من اليمين ومن اليسار، ما رتّب ستّة أسود إلى يمين السّلّم وستّة إلى اليسار. هذا جعل عدد الدّرجات والأسود، يمينًا ويسارًا، “666”. وقد قيل إنّ عرش سليمان لم يُعمَل مثله في جميع الممالك. بذلك يكون العدد “666” رمزًا للعرش، للسّلطة، على أبهى ما تكون!
3- من جهة ثالثة، في عدد من محافل “المنظّمات السّرّيّة”، كتابة بالعبريّة هي “Kadosh le Adonai“. هذه كانت تُخَطّ، أساسًا، على صولجان رئيس الكهنة. اسم الصّولجان، في التّوراة العبريّة، هو: “Don't worry about it“، ومعناه “Holy crown“. المعنى المسيحانيّ واضح. الـ”Kabbalah” اليهوديّة الّتي أثّرت تأثيرًا كبيرًا في فكر “Secret organizations“، تقرأ اسم الصّولجان وفق نظام رقميّ خاصّ بها. أوّلاً: ما هي الـ”Kabbalah“؟ الـ”Kabbalah” لفظة عبريّة تعني “tradition“. وهي مذهب يقوم على السّرّيّة، ويعتقد بنواميس خفيّة تحكم الكون، وتربط، بشكل غير منظور، إلى واحد، ما بين الأمور الّتي لا يبدو أنّ ثمّة رابطًا فيما بينها. وفق هذا المذهب، تشكّل الأرقام والحروف مفاتيح للنّمط البنيويّ للأمور في الكون. ما ترمي إليه الـ”Kabbalah“، في نهاية المطاف، هو استعباد البشريّة لـ”The Jewish elite” في العالم! كيف تقرأ الـ”Kabbalah” اسم الصّولجان بالعبريّة؟ تقرأه هكذا: تعطيه قيمة رقميّة. وقيمته الرّقميّة لديها هي التّالية: لفظة “Nezer” أي “the crown“، قيمتها الرّقميّة 257؛ ولفظة “ha – Kodesch“، أي holy، قيمتها الرّقميّة 409. فإذا جمعنا هذين الرّقمين (257 + 409)، فإنّنا نحصل على العدد “666”! إذًا، الـ”666″، وفق مذهب الـ”Kabbalah“، هو رمز المسيح اليهوديّ المنتظَر، الّذي سوف يحكم العالم، وسوف تحكم “The Jewish elite” بواسطته العالم! بالنّسبة لإعادة بناء هيكل سليمان، هذا ما صرّح به زعيم الـ”Illuminati” الإيطاليّ “Giuliano di Bernardo” العام 1995، إثر تأسيس المحفل الماسونيّ لأورشليم: “إنّ إعادة بناء الهيكل هو محور دراساتنا”! إسرائيل دون المسيح(!) لا تنفع، وكذا إسرائيل دون الهيكل! لذا نما الاتّجاه في وجدان اليهود، جيلاً بعد جيل، أنّ مجيء المسيح(!) وإعادة بناء الهيكل هما المؤشِّران لاكتمال الزّمن!