هذا الترميم الروحي وهذا التجديد بالمعمودية يستدعيان أفعالاً ونشاطات تتناسب معهما. المسحة هـي التي تعطي هذه الأفعال وتجعل القوى الروحية، كل القوى، في حركةٍ وفقاً لقابليـة الفاعـل وتعطـي للمعمدين النتيجة التي كانت تعطى بواسطة وضع الأيدي على المستنيرين حديثاً مـن قبـل الرسـل، “بوضع أيدي الرسل كان الروح القدس ينزل على المعمدين حـديثاً”(أعمـال الرسـل 8: 38-39)، وهكذا ينزل المعزي في أيامنا على المثبتين واليك البرهان.
كان الملوك والكهنة تحت ظل الشريعة القديمة يمسحون. إذا كانت الكنيسة تستعمل المسحة لتنـصيب الملـوك، وتعمد إلى وضـع الأيدي لسيامة الكهنـة، مـستدعية الـروح القـدس، فهـذا يعنـي أن الكنيسة تنظر إلى المسحة ووضع الأيدي نظرة واحدة. أضف إلى أن الطقـسين المقدسـين يـسميان ويلقبان بالألقاب والأسماء نفسها. فالسيامة تسمى مسحة كما أن الختم يقال له موهبة الـروح القـدس.
وفي الواقع أن الكهنة القديسين يسمون السيامة مسحة كهنوتية، وعلى أساس اعتقادهم هذا يطلبون فـي ابتهالاتهم إلى االله أن يأخذ المختومون الروح القدس. والسر أن يعطى إلى الذين يقبلونه كختم للموهبـة الإلهية. وهذا ما يرتله المرتلون أثناء المسحة. إن المسيح يسمي ذاته ممـسوحاً لا لأن المـسحة قـد انسكبت فوق رأسه بل بسبب الروح القدس الذي به صار كنزاً لفعل روحي في الجسد الذي اتخذه. لا يقال المسيح الممسوح فقط بل مسحة أيضاً، “إن اسمك زيت ينـسكب” (نـشيد الأنـشاد :1 3). أنـه ممسوح منذ الأزل وصار فيما بعد مسحة لأن كل ملء اللاهوت كما يقول القديس بـولس يحـلّ فيـه جسدياً (كورنثوس :2 9)، ولم يعطه الروح القدس بشح بل أغناه بكـل الكنـوز الروحيـة فانـسكبت المسحة وانتشرت في كل جسده، فصار يقال للمسيح مسحة حقيقية، وأن تعطـى أن تـصير مـسحة تنسكب تكون للمسيح، ومن أجل أن يقوم بمثل هذا العمل، لم يكن مضطراً أن يغير مكاناً، أو أن يهـدم حاجزاً بعد أن حقق ما يفصلنا عنه، ولم يترك فاصلاً بيننا وبينه. إن االله لم يكن بعيداً عنا بالمسافة، ما دام االله يحتل كل مكان، بل كان بعيداً عنا بالشبه. إن طبيعتنا باختلافها معه في كل شيء ابتعدت عنه.
لم يكن بينها وبينه أي شيء مشترك. كان إلهاً وما كانت طبيعتنا إلا بـشرية.وعنـدما تألـه الجـسد، واتحدت الطبيعة البشرية أقنومياً باالله الذي كماله يحدد المسافات، صار مسحة، ولم يعد لعدم الشبه من وجود، والشخص ذاته الذي كان إلهاً من ناحية، ومتجسداً من ناحية أخـرى، هـذا الـشخص محـا المسافات بين الألوهة والبشرة، وصار همزة وصل بين طبيعتين لا يربط جوهرهما البعيد الواحد عن الآخر أي رباط. فكما أن الأريج الذي يملأ الوعاء يصبح والوعاء شيئاً واحداً، لا يمكن أن يعزل عـن محيطة الخارجي لأنه غير محصور ما دام قد احتل الوعاء وصار الوعاء قسماً منه، يشترك بـالأريج كذلك طبيعتنا التي تألهت بجسد المخلص، لا شيء يفصل االله عن الجنس البشري، لا شيء يتعـارض مع اشتراكنا في النعم ما عدا الخطيئة. االله هدم الحائط المزدوج، أي طبيعتنا، بتجسده وإرادتنا الملتوية بالشر، بقبوله للصليب الذي حرر من الخطيئة. لهذا السبب نعمد إلى الختم بعـد المعموديـة الحاويـة والمالكة لفاعلية صلب المخلص وموته. فهو موهبة الروح القدس ولم يبقى بعـد تنحيـة الحـاجزين وأبعادهما ما يعيق انتشار الروح القدس.