في أقنوم كلمة الله الواحد المركب

أقنوم الكلمة قبل التجسد وبعده: نقول بأنّ أقنوم كلمة الله الإلهي متقدّم على الزمن والأزل. وهو بسيط وغير مركّب وغير مخلوق ولا جسد له ولا يُرى ولا يُلمس ولا يُحصر. له كل ما للآب -بما أنه مساوٍ له في الجوهر- ومتباينٌ عن الأقنوم الأبوي بطريقة الوجود والانتساب. وهو كامل الوجود ولا ينفصل البتة عن الأقنوم الأبوي. وإنّ الكلمة هذا، في آخر الأيام، -بدون أن يبارح الأحضان الأبوية-، قد حلّ حلولاً غير محصور في أحشاء البتول القديسة، بدون زرع وبطريقة لا تدرك، كما شاءَ هو، واصطنع فيها بذاته لأقنومه الأزلي جسداً من البتول القديسة.

أقنوم الكلمة البسيط أضحى بالتجسد مركّباً: كان إذاً في الكلّ وفوق الكلّ. ولمّا صار في أحشاء أُمّ الله القديسة، بل فيها، بفعل تجسده، حينئذٍ تجسد منها فاتخذ باكورة عجنتنا حسداً حيّاً بنفس ناطقة وعاقلة، حتى أن هذه الباكورة تحظى بأقنوم للجسد هو أقنوم كلمة الله الذي كان أولاً بسيطاً -لكونه أقنوم الكلمة- وقد صار مركباً من طبيعتين كاملتين لاهوت وناسوت. ويحمل إليها السمة الخاصة والمميزة، سمة بنوّة الله الكلمة التي يتميز فيها عن الآب والروح، وسماتِ الجسد الخاصة والمميزة التي يختلف فيها عن أمّه وسائر البشر، ويحمل أيضاً خصائص الطبيعة الإلهية التي يتّحد فيها بالآب والروح وعن أمّه وعنا لكونه هو نفسه إلهّ وإنسان معاً. ونحن نعرف هذا الاختصاص الخاص جداُ في أقنوم المسيح.

ولادة المسيح من أمّه لأجلنا تفوقنا: وعليه نعترف بالمسيح وحده أنّه ابن الله بعد التأنس أيضاً وأنه هو هو نفسه ابن الإنسان، مسيحٌ واحد وربٌّ واحد، وحده الابن الوحيد وكلمة الله يسوع ربنا، مكرمين ولادته المزدوجة: الأولى، من الآب قبل الدهور وفوق العلّة والنطق والزمن والطبيعة. والأُخرى، في آخر الأيام، لأجلنا وعلى مثالنا وبما يفوقنا. فهي لأجلنا، لأنّها صارت لأجل خلاصنا. وهي على مثالنا، لأن إنساناً ولد من امرأة وبمقتضى زمن الحمل. وهي بما يفوقنا، لأنّ الولادة ليست من زرع، بل من الروح القدس ومن مريم البتول القدّيسة بما يفوق شريعة الحمل. فلسنا إذاً نبشّر بإله وحسب، مجرّد عن الناسوت الذي فينا، ولا بإنسان وحسب، نازعين عن لاهوته، ولا بكذا وكذا غير ذلك، بل بواحدٍ هو هو نفسه إلهٌ وإنسان معاً، إله كامل وإنسان كامل، كلّه إله وكلّه إنسان، وهو نفسه كلّه إله حتى مع جسده، وكلّه إنسان حتى مع لاهوته السامي. وبقولنا إلهاً كاملاً وإنساناً كاملاً، نُعلن ملء الطبيعتين وعدم انتقاصهما. وبقولنا كلّه إلهاً وكلّه إنساناً، ندلّ على وحدة الأقنوم وعدم انقسامه.

طبيعة كلمة الله الواحدة المتجسدة: ونعترف بأنّ طبيعة الله الواحدة قد تجسدت. وبقولنا تجسدت نعنى مع المغبوط كيرلس هو جوهر الجسد. وعليه إن الكلمة قد تجسّد ولم يتخلَّ عن لاماديته الخاصة. وقد تجسّد كلّه وكلّه غير محصور. فهو جسدياً يصغر ويتقلّص، وهو إلهياً غير محصور، فلا يتّسع جسده للاهوته غير المحصور.
إذاً هو كلّه إله كامل -لا الكلّ إله- فإن الله ليس وحده بل هناك إنسانٌ أيضاً. والإنسان كلّه كامل -لا الكل إنسان- لأن الإنسان ليس وحده بل هناك الله. فإن لفظة الكلّ دليل على الطبيعة، ولفظة كلّه، على الأقنوم. كما أن لفظة الغير دليل على الطبيعة ولفظة غيره، على الأقنوم.

نفوذ الطبيعتين في اللاهوت: واعلم أننا، إذا كنّا نقول بنفوذ طبيعتي الربّ إحداهما في الأخرى، فإننا نعتقد بأن النفوذ واقع من قبل الطبيعة الإلهية، لأن لهذه أن تعبر في الكلّ كما تشاء ولا يمكن شيئاً أن ينفذ فيها. وإنها هي أيضاً تمنح الجسد مفاخرها الخاصّة وتلبث هي بلا انفعال، غير متأثرة بآلام الجسد. فإذا كانت الشمس -وهي تمنحنا قواها الخاصة- تبقى دون أن تشاركنا تأثرنا، فكم بالأحرى صانع الشمس وربّها!

arArabic
انتقل إلى أعلى