نصف الخمسين – حكمة الله

نصف الخمسين

نصف الخمسينفي كل التقليد الكتابي-الآبائي، تحمل كلمة “حكمة” صفة أقنومية وتشير إلى ابن الله وكلمته الذي صار إنساناً لخلاص جنس البشر. أريد أن أشير إلى مقطع أساسي يستعمله آباء الكنيسة كثيراً من عند الرسول بولس: “لأَنَّ الْيَهُودَ يَسْأَلُونَ آيَةً، وَالْيُونَانِيِّينَ يَطْلُبُونَ حِكْمَةً، وَلكِنَّنَا نَحْنُ نَكْرِزُ بِالْمَسِيحِ مَصْلُوبًا: لِلْيَهُودِ عَثْرَةً، وَلِلْيُونَانِيِّينَ جَهَالَةً! وَأَمَّا لِلْمَدْعُوِّينَ: يَهُودًا وَيُونَانِيِّينَ، فَبِالْمَسِيحِ قُوَّةِ اللهِ وَحِكْمَةِ اللهِ.” (1كورنثوس 22:1-24). يتحدث العهد القديم عن الحكمة الأقنوم أي كلمة الله. في حكمة سليمان مقطع مميز، حيث يصلّي سليمان إلى إله الآباء ورب الرحمة لأن يرسل إليه حكمته. في قراءة هذه الصلاة بتأنٍ نقتنع بأنها تتحدث عن الحكمة الأقنوم ابن الله وكلمته الذي به خُلق العالم وخلُص الجنس البشري والخليقة تجددت.

في المكان الأول، ثمّة تشديد قوي على حكمة غير مجردة بل حكمة تجلس عند الله: “هَبْ لي الحكمة الجالسة إلى عرشك” (حكمة 4:9). هذه الحكمة تجلس على عرش الله وتقدر على مساعدة الإنسان: “أرسِلْها من السماوات المقدّسة وابعثها من عرش مجدك لكي تقف إلى جانبي وتجدّ معي وأعلم ما المرضي لديك” (10:9). الحكمة تعرف كلّ شيء وتقود الإنسان إلى أعماله: “فإنّها تعلم وتفهم كلّ شيء فتكون لي في افعالي مرشداً فطيناً وبمجدها تحميني” (11:9). بهذه الحكمة خلق الله العالم. “مكوّن الإنسان بحكمتك” (2:9). حكمة الله المتشخصنة هي دائماً متّحدة بالله، تعرف إرادته، وتشاركه في خلق العام: “معك الحكمة العليمة بأعمالك والتي كانت حاضرة حين صنعتَ العالم” (9:9). وبالتأكيد، خلاص الإنسان يتحقق بها: “بالحكمة نلنا الخلاص” (19:9).

يظهر بوضوح من الدراسة المتأنّية لهذه النصوص التي أوردناها، أي صلاة سليمان إلى الله، أنّ حكمة الله هي شخص، مساعد لله، وكلمة الله. عند تفسير هذه المقاطع على أساس العهد الجديد، الذي فيه كشف الكلمة المتجسّد الحقيقة، يرى المرء الحقّ، الذي هو الحكمة متمثلة في شخص.

يتحدّث كتاب الأمثال عن حكمة الله، كلمة الله، التي بنت بيتها ودعّمته بسبع أعمدة. من ثمّ هيأت مائدة وذبحت ذبحها وسكبت خمرها في جرّة. من ثمّ دعت كثيرين من أتباعها إلى هذه المائدة العظيمة قائلة: “هَلُمُّوا كُلُوا مِنْ طَعَامِي، وَاشْرَبُوا مِنَ الْخَمْرِ الَّتِي مَزَجْتُهَا.” (حكمة 1:9-6). في هذا المقطع نبوءة عن حكمة الله الذي هو ابن الله وكلمته، عن اتخاذه جسداً وتقديسه، تأسيس الكنيسة التي فيها الأسرار، وبالحقيقة فوق كل هذا، سر الإفخارستيا المقدسة. مَن يشترك في هذه المائدة يأكل جسد أسرة الحكمة ويشرب دمها، أي أنه يتّحد بكلمة الله الأقنومية.

arArabic
انتقل إلى أعلى