كتب لوقا كتابين، الإنجيل المعروف باسمه، وسفر أعمال الرسل. (انظر أعمال الرسل). إنجيله هو موضوعنا اليوم.
لا بدّ أن نذكر، بادئ بدء، بعض كلمات في الرجل تفيدنا في نظرتنا السريعة الى كتابه موضوع هذا المقال. لوقا هو يوناني (تسمّيه خدمة عيده في 18 تشرين الأول “جمال الأنطاكيين”، لعلّه كان انطاكياً من بلاد سورية)، ارتدّ الى المسيح حوالى العام 43م عندما كان بولس وبرنابا يبشّران في أنطاكية. رافق بولس وعاونه في عمله. هو رجل مثقّف، فقد كان يتقن اليونانية المتداولة آنذاك ويعرف الخلفية اليهودية معرفة جيدة (هذا ما تدلّ عليه، على سبيل المثال، الاقتباسات التي أخذها من الترجمة السبعينية واستخدامه الألقاب اليونانية، والطابع السامي الذي يطغى في أقوال يسوع).
دوّن لوقا إنجيله ما بين السنوات 80-90، فقدّم تاريخ الإيمان والخلاص بطريقة غنيّة وراقية. اكّد القديس إيرناوس أسقف ليون (+202) صحة نسبة الإنجيل الثالث الى القديس لوقا “الطبيب الحبيب” صديق بولس ورفيقه (كولوسي 4: 14؛ فيلمون 24؛ 2تيموثاوس 4: 11)، ولم يعارض أحد، في يوم من الأيام، هذا الرأي.
تدلّنا فاتحة الإنجيل (1: 1-4؛ انظر ايضا مقدمة أعمال الرسل) على أن لوقا وجّه كتابه، الى عزيز بالرب اسمه ثيوفيلوس – وهي طريقة أدبية معروفة في زمنه كان يعتمدها الكتّاب اليونانيون – وهذا لا يمنع القول إنه وجّهه، من خلال ثيوفيلوس، الى كلّ أعزاء الربّ وبخاصّة ذوي الثقافة اليونانية الذين كانوا يعيشون خارج فلسطين. اعتمد لوقا، في كتابة إنجيله، على مصادر موثوق بها، ويُعتبر إنجيل مرقس أحد مصادره الرئيسة (توحي كولوسي 4 :11و14، وفيلمون 24، و2تيموثاوس 4: 11 ان لوقا عرف مرقس معرفة شخصية).
يمتاز لوقا بإحساس مرهف، وقد سُُمّي إنجيله “إنجيل الرحمة”، وذلك أنه يُظهر فيه حنان الله بخاصة على الفقراء والخطأة والنساء والأطفال الذين كانوا يعانون من ضروب الاحتقار في تلك الأيام. ولعلّ مرافقته لبولس الرسول جعلته ينطبع على رسوليّة تقوم على تذكير القريبين والبعيدين بوجوب حفظ كلمة الله والعيش بموجب مقتضياتها حتى يكونوا أعضاء حقيقيّين في كنيسة الروح القدس.
يبدو تصميم الإنجيل الثالث واضحاً في خطوطه الكبرى. فبعد المقدّمة (1 :1- 2: 52)، نرى يسوع في الجليل يعلن – بعد تمهيد سريع (رسالة يوحنا المعمدان، معمودية يسوع وتجربته) – سرّه الفصحي (3: 1- 9: 50)، ويدعونا الى أن “نتبعه” على طريق اورشليم (9: 51- 19: 27) حيث سنشهد، في اورشليم، إنجاز هذا السرّ بموته وقيامته (19: 28- 24: 35). يمكننا أن نختزل هذا التصميم الموجز أكثر بقولنا إن إنجيل لوقا هو رحلة الى أورشليم. هي رحلة الفرح الأكبر الذي أعلنته السماء ويشعّ منذ بدء الإنجيل الى نهايته، فرح يكمن في الإيمان بالله الذي – ونحن خطاة – تنازل وأحبّنا إذ غفر ذنوبنا ومنحنا الخلاص، ويتجلّى في كل تلميذ أخذ على عاتقه أن يعلن هذه الحقيقة الخلاصية في كل زمان ومكان.
كان همّ لوقا الأساس أن يتحدّث عن مجيء وثنيين مثله الى الإيمان بيسوع الذي هو “ابن آدم ابن الله” (3: 38)، كما بيّن في نَسَبٍ أظهر فيه يسوع على أنه الآتي ليعيد البشرية كلّها الى الله بعد أن يصحّح علاقتهم به، لأن به فُتِح الملكوتُ للجميع. والواقع أن إنجيله يتوجّه الى كنيسة (أصلها وثني) لم تستطع بعد – مع كونها قَبلت النعمة – أن تحدد موقعها بالنسبة الى العالم اليهودي. ونرى أنها غرقت في عيوب جمّة، فقد خسرت زخمها الرسولي الأول إذ فترت وأهملت الصلاة، وجحد بعض أعضائها وسلك الكثيرون منهم بروح فريسية فاحتقروا الخطأة وتصرّفوا بقسوة مع المساكين والخطأة. هذا ما جعل لوقا يقدّم المسيح – والنبوّة انقطعت منذ زمن بعيد – على أنّه النبي الجديد الذي ينتظره مساكين الله في فلسطين، ولا يميّز في محبته بين يهودي ووثني.
يستعمل لوقا في إنجيله مفردات خاصة فيسمّي يسوع “كيريوس” (أي: السيّد او الرب) الذي تفوق قدرته كل أرباب العالم – وبخاصة الأباطرة – وهم لا شيء أمامه، ويسمّيه “المخلّص” – وهو لقب يفضّله قارئه على اي لقب آخر – الذي “جاء ليطلب ما قد هلك” (19 :10). وما لا شك فيه أن إنجيله من أكثر الأناجيل إبرازاً للمراحل المتعاقبة التي مرّ بها تاريخ الخلاص (العهد القديم، زمن يسوع، زمن الكنيسة وإتمام كل شيء في الزمن الأخير)، وهو، تالياً أشدّهم إعلاناً لآنيّة هذا الخلاص، فكلّ شيء يتم عنده “اليوم”، لأن كل شيء أعطي لنا بيسوع الرب والمخلّص الذي ملكوته الآتي حاضر في العالم وفينا منذ الآن.
لقد أنار لوقا العالم بالضياء لأنه أذاع “مجد الله”، وترى صلوات يوم عيده أنه قادر أن يُصعد الى السماء جميعَ الذين يطيعون الكلمات التي دوّنتها يده التي هي أجنحة يُرتقى بها “نحو عشق الله”.
मेरा पैरिश बुलेटिन
الأحد 12 تشرين الأول 1997
العدد 41