Ikon situs Jaringan Online Ortodoks

Keselamatan antara Timur dan Barat

الخلاص بين المفهوم الأبائي الأرثوذكسي
والبدع المتأثرة بـ “انسلم، لوثر وكالفن” [1]

المقدمة:
“هل أنت مخلَّص؟!” هذا السؤال هو تحدٍ متكررٍ يواجه المسيحي الأرثوذكسي من قبل البروتستانت الغيورين على الإيمان ظاهرياً والذين يشعرون أنه من واجبهم أن تحدّوا الجميع بسؤالهم لكل إنسان: “هل أنتَ مخلَّص؟!”. ومهما كان جواب الآخر ينبري البروتستانتي إلى التباهي بأنه من جماعة “المخلَّصين” و”المولودين ثانية”، وأنه إذا مات في هذه اللحظة فإنه سيطير إلى ملكوت السموات بضمانة لا تفوقها ضمانة! هنا ينظر البروتستانتي إلى الآخر بشفقة ورثاء ولسان حاله يقول: إن كنتَ لا تشعر بما أشعر وإن كنتَ لا تؤمن بما أؤمن فلستَ مسيحياً مؤمناً وتستحق الرثاء والعطف والشفقة.

هذا الموضوع قد يستهلك الصفحات تلو الصفحات لدراسة كل أبعاده وجوانبه، خاصة وأنه تأصلّه في الفكر المسيحي الغربي يعود إلى الأصول اللاهوتية لهذا الفكر من فلسفية وأوغسطينية.

من البديهي أن نتساءل أولاً ماذا يعني “الخلاص” في المسيحية؟ تعريف الكلمات والتعابير مهمٌ في كل نقاش وإلا لكان طرفا المناقشة في حديث طرشانٍ. لأن الخلاص في الأرثوذكسية مختلف عنه في المسيحية الغربية (الكاثوليكية)؛ ومن هذه الأخيرة يستعير الفكر البروتستانتي ما يحلو له ويطيب.

الخلاص بالنسبة للأرثوذكسية هو الاتحاد بالله. لأن الإنسان لم يستطع أن يصعد إلى الله قام الله “وطأطأ السموات ونزل” (مز 18: 9) بابنه الوحيد إلى الأرض ليعانق الإنسان ويتحد به ويقدّسه ويخلّصه. توجد فروق في معالجة هذه المسألة بين الأرثوذكس من جهة والكاثوليك والبروتستانت من جهة أخرى. الغربيون يرون التعريف الأرثوذكسي للخلاص غريباً لأن نمط تفكيرهم مقولب على قوالب التفكير الغربي السكولاستيكي المتأثّر بأنسلموس ولوثر وكالفن.

خلق الإنسان وسقوطه:
عقيدة الخلاص متأصلّة عميقاً في مسألة السقوط البشري. فالإنسان مخلوق على صورة الله ومدعوٌ أن يصير على مثاله. لكن سقوط الإنسان جعله يضيّع دعوته ليكون على مثال الله، وهشّم أو شوّه الصورة الإلهية فيه. مازالت موجودة إنما مريضة.

قبل السقوط لم يكن الإنسان كاملاً أي لم يصل إلى حيث كان الله يريده أن يصل. كان كاملاً بمعنى أن خلقه كان كاملاً وبدون عيب. لكنه وُضع في شركة مع الله. كان عليه أن ينمو في هذه الشركة ويقوّي هذه العلاقة مع الله حتى الكمال. هذا ما لم يحصل عليه. نحن اليوم لا نعود إلى الفردوس حيث كان آدم، بل نذهب إلى الملكوت السماوي الذي أعدّه المسيح بدمه على الصليب. الفكر البروتستانتي يؤمن، من جهة أخرى، أن آدم خُلق كاملاً وفي شركة كاملة مع الله. إنما لم يستطيع هذا الفكر أن يجيب على تساؤل: إن كان آدم كاملاً وعلى شركة كاملة مع الله فكيف سقط؟

سقط الإنسان لأنه أراد أن يصير مثل الله بدون الله. خسر الإنسان الشركة مع الله، مصدر الحياة والحرية الحقة ومصدر الغبطة الأبدية. لقد ارتكب آدم وحواء انتحاراً لأنهما قطعا نفسيهما عن الله مصدر الحياة. لهذا بسبب خطيئتهما دخل الموت على الطبيعة البشرية. لم يخلق الله الموت أو الشر أو الخطيئة أو الفساد. خطيئة آدم وحواء سمحت لهذه كلها بالوجود. صارت طفيليات على الطبيعة البشرية. بهذا أعلن الله بعد سقوط آدم نتيجة هذا السقوط: “لأنك تراب وإلى التراب تعود” (تك 3: 19). في المسيحية الغربية (الكاثوليكية والبروتستانتية) الموت كان قصاصاً إلهياً أوجده الله عقاباً لآدم على خطيئته. آدم مات روحياً. موته الروحي جرّ عليه باقي الويلات.

“أجرة  الخطيئة”:
الذنب الموروث للخطيئة الأصلية غير موجود في الكتاب المقدس وفي الآباء الأرثوذكسي [2]. بدل ذلك يعلّمون أن البشرية قد ورثت الطبيعة الساقطة لآدم مع حالة الفساد والموت والمرض الروحي والبُعد عن الله [3]. الخطيئة تعني الفشل، الخروج عن الطريق القويم، وعدم إصابة الهدف. ولو أننا كثيراً ما نعرّف الخطيئة بأنها أعمال أو تعديات نوعية معينة، فهذه التعديات ما هي إلا أعراض لحالتنا المريضة الساقطة. الخطيئة هي رفض الشركة الشخصية مع الله. عندما ترى الديانة أن الخطيئة هي مجرد انتهاكات نوعية لناموس أو دستور أخلاقي، فإنها تتفِّه وصايا الله وتخلِّد الخطيئة نفسها والسقوط باعتبار الله شيئاً خارجياً واستبداله بناموس أو دستور أخلاقي مكان الشركة الشخصية مع الله. فمن الممكن للإنسان أن يكون أخلاقياً نقياً أي بدون تعديات بحسب الدستور وأن يكون روحياً ميتاً.

عندما قال بولس “لأن أجرة الخطية هي الموت” (رومية 6: 23) فإنه لا يعني أن الله يجازي أعمال الإنسان بالموت بل أن الخطية هي مرضنا القاتل. خطيئة آدم كانت بإعلانه أنه ذاتي الاكتفاء ومستقلٌ وبأن اختياره كان اللجوء إلى الطبيعة والحياة البيولوجية تلبية لمتطلبات وجوده. والحياة البيولوجية مرتبطة بالفساد والموت. وبفصل نفسه عن الله الذي له وحده عدم الموت (1 تيموثاوس 6: 16) والمصدر الوحيد للحياة، أضاع آدم الروحَ القدس، الحياة الحقة. لم يخلق الله الموتَ ولا يستلذ بموت الأحياء. لقد سمح باللعنة أن تعبر إلى الأرض: “ملعونة الأرض بسببك” (تك 3: 17) تاركاً الإنسان للنتائج الطبيعية لطبيعته الأرضية: “لأنك تراب وإلى التراب تعود” (تك 3: 19).

الموت:
عندما يشير الآباء إلى موت آدم كدينونة وعقاب، فإنهم لا يقصدون كون الله هو سبب الموت أو علّته أو بأنه أوجده وأعلن العقاب. الله “دان” آدم وكل البشر، لا بحكمه، لكن بوجوده كخالق الإنسان على صورة حريته الإلهية وعدم الموت، وهي صورة لا يمكنها أن توجد إلا بالشركة والنعمة. والآباء يرفضون عزو سبب الموت لله، الذي لم يرغب بهلاك الإنسان. هذا لا يعني أن الإشارات إلى أنّ حالة الفساد والموت كحكم أو دينونة هي غائبة من أدب الكنيسة. إنها موجودة لكن المقصود منها أن تعبّر عن خبراتنا البشرية التائبة تحت الموت وليس مشيئة الله أو عمل الله القضائي أو المعاقب. (كثيراً ما تقول هذه الأعمال بأن الموت لم يكن أمراً من الله بل كان عدواً قد هُزم في المعركة بالرب المتجسد وليس أداةً قد أُلغيت بمجرد أمرٍ إلهي).

الله سمح بالموت كعمل رحمة حتى لا يكون الإنسان خالداً في الخطيئة. يقول ثيوفيلوس الأنطاكي: “هذا بالحقيقة إحسانٌ عظيمٌ: إن الإنسان غير مضطر للبقاء في الخطيئة إلى الأبد”. وخدمة الجناز تردد قول غريغوريوس اللاهوتي: “لئلا يبقى الشر عادم الزوال”.

الله خلق آدم لكي يكون خالداً وكاملاً في الحرية والمحبة مثل الله، لأنه مخلوق على صورته ومثاله. موت النفس (خسارة النعمة الإلهية والشركة مع الله) وفسادية الجسد جعلا هذه الغاية مستحيلة. فالفسادية والموت سينتقلان إلى الأبد كطفيليات في الطبيعة البشرية. وكنتيجة مباشرة، فإن سلطان إبليس “الذي له سلطان الموت” (عبر 2: 14) سيقبض إلى الأبد نفوس الناس وسيكون مصدر الخطيئة.

رومية 5: 12 :
آدم مات لأنه خطئَ؛ نحن الآن نُخطئ لأننا نموت: “من أجل ذلك كأنما بإنسان واحد دخلت الخطيئة إلى العالم، وبالخطية الموت، وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس؛ بسبب هذا أخطأ الجميع” (رو  5: 12) [4]. بكلمات أخرى: بسبب الموت خطئ الجميع. هذه هي القراءة الصحيحة للنص وليست كما تُرجمت إلى اللاتينية وفهمها أوغسطينوس والفكر الغربي من بعدها: الموت اجتاز إلى جميع الناس كعقاب لأن جميع الناس ورثوا طبيعة آدم الساقطة الفاسدة المائلة إلى الشرّ منذ حداثتها (تك 8). هكذا يرثون الموت أيضاً، العقاب العادل. الترجمات الغربية تعكس سوء فهم هذا النص وتعتّم على أن “ملكت الخطية بالموت” (رو 5: 12) في فساديتنا، وأن “شوكة الموت فهي الخطية” (1 كور 5: 56)، وأن الموت هو الأصل وأن الخطية هي الشوكة التي تنبع منه.

“آخر عدو يُبطَل هو الموت” (1 كور 15: 26). المسيح حقّق هذا سلفاً بموته وقيامته، مُبطلاً دائرة الفساد والموت التي لا تنتهي، مطية الخطية. بدون قيامته لا يوجد خلاص. قيامته قتلت الشيطان والخطية بإبطال أصل قوتهما بالذات: الموت والفسادية. من هنا نردد أن المسيح تغلّب على الحواجز الثلاثة التي تفصل الإنسان عن الله: بتجسّده تغلّب على حاجز الطبيعة البشرية المريضة الخاطئة، فقدّسها بتجسده واتحادها بلاهوته، وتغلّب على حاجز الخطيئة بموته، وتغلب على حاجز الموت بقيامته.

تجسد المسيح: لأن المسيح هو الله المتجسد فهو وحده بقادر أن يُظهر الله لنا، وهو وحده بقادر أن يجدّد الصورة الإلهية في الإنسان لأن المسيح نفسه هو الصورة السرمدية لشخص الآب (كول 1: 15 وعبر 1: 3). تجسد المسيح سمح لنا أن نصير “شركاء الطبيعة الإلهية” بتعبير بطرس الرسول (2 بطرس 1: 4). يقول مكسيموس المعترف: “إذا صار كلمة الله وابن الله الآب ابناً للإنسان وإنساناً نفسه لهذا السبب، ليجعل الناس آلهة وأبناء لله، علينا أن نؤمن إذاً أننا سنكون حيث هو المسيح الآن كرأس لكامل الجسد وقد صار بطبيعه البشرية سابقاً نحو الآب من أجلنا. فالله سيكون في <<وسط الآلهة>> (مزمور 82: 1)، أي أولئك المخلَّصين (مزمور 82: 6)، واقفاً في وسطهم وموزِّعاً هناك صفوف الغبطة بدون أي مسافة حيزية تفصله عن المختارين” (الفصول في المعرفة 2: 25).

احتاجت البشرية إلى “ترياق ضد الموت” (اغناطيوس الإنطاكي). “طبيعتنا المريضة احتاجت إلى شافٍ. إنساننا الساقط احتاج إلى مَن يقوّمه. مَن فقد نعمة الحياة احتاج إلى مانح حياة” (غريغوريوس النيصصي). وكما يقول الدمشقي: “من هو بلا بدء ولا جسد تجسد من أجل خلاصنا لكي بالمثل يخلّص المثل”. “الطبيعة الساقطة” تشير إلى كامل الإنسان الذي احتاج إلى إعادة ولادة من جديد في الجسد والروح، ليقوم ويعود إلى درب عدم الفساد وعدم الموت. عندما قال المخلّص بأن العلاج الوحيد لمرض البشرية هو إعادة الولادة كان يتكلّم عن واقعٍ روحي نفسي جسدي في الإنسان وليس عن فكرة حقوقية. إعادة الولادة تعني التحرّر من سيطرة الشيطان ومن عبودية النزوات والاهتمامات الذاتية والإشباع الذاتي والنهوض من حالة الفساد التي نحن فيها وأخيراً التحرر من الموت والفسادية.

ترياق هذه الحالة هو “ناسوت الله” (غريغوريوس اللاهوتي)، خميرة وتخمر استنارتنا وتقديسنا: التجسد الذي كان دائماً الحطة الإلهية قبل الدهور [5]. لهذا استعادتنا لم تحتاج إلى تبدّل في تدبير الله نحونا، والذي كان دائماً محبة غير منقطعة. أن نولد ثانية بالجسد والروح يعني أن نصير أولاد آدم الثاني والجديد، الإنسان الحقيقي الوحيد وصورة الله الحقيقية. لهذا، تخليص المثل بالمثل يعني أن يولد آدمُ الثاني الناسَ بالطبيعة البشرية التي أخذها من أمه ومجّدها بالقيامة.

إن جسد الكلمة المتجسد ودمه هما “الترياق ضد الموت، دواء عدم الموت” (اغناطيوس الأنطاكي). يقول المسيح: “مَن يأكل جسدي ويشرب دمي فله حياة أبدية وأنا أُقيمه في اليوم الأخير” (يو 6: 54). بهذه الكلمات لا يشير المسيح إلى حل قانوني بل إلى ترياق يشفي ويخلّص النفس من ذيفانات الخطيئة وتأثير الفساد الطفيلي على النفس. عندما يقدّم الرب جسده ودمه لغفران الخطايا فإنهما للشفاء المتواصل للجسد والنفس ولتقديسهما وتطهيرهما واستنارتهما وتأليهما. بالجسد والدم يشترك كامل الإنسان، جسداً وروحاً، بناسوت آدم الثاني الجديد لاستعادة وتجميع آدم الأول المهشَّم في كل إنسان ممزَّق بناموسي ذهنه وأعضائه المتحاربين.

هكذا تخلّص الإنسان من الفساد والموت، أي من مستقر الخطية، واستعادته إلى الحياة الأبدية تبدأ في الحياة الحاضرة ليكون له قيامة صالحة عندما يأتي الرب ثانية بمجد. يقول القديس ايريناوس: “لكننا ننال الآن حصة معينة من روحه، تعمل نحو الكمال وتجهيزنا لعدم الفساد، فنصير رويداً رويداً معتادين على نيل الله وحمله (استعداداً لذلك الوقت)… عندما، وقتما نقوم ثانية، نعاينه وجهاً لوجه…”. لهذا فأسرار الإفخارستيا المقدسة المانحة الحياة هي بكل وضوح لا غنى عنها لنفس وجسد المؤمن لأنها وعد القيامة ومشاركتنا في القضاء على الشرير، والموت والفساد. هذا لم يُفهم قط في الغرب الذي ينظر إلى إرضاء العدالة هو الحل الوحيد الممكن.

الغرب يفهم الفداء والفساد بمعنى قانوني حرفي، كجزء من حديثة شرعية. يعلّم أوغسطينوس والغرب بأن الفساد والخطايا الناجمة منه ما هي إلا نتائج الخطيئة الأصلية. يقول أوغسطينوس: “تنشأ الشهوة كنتيجة جزائية للخطيئة (الأصلية)”. وعندما يشير إلى شفاء البشرية فإنه لا يعني شفاء المرض الأصلي بل رفع العقوبات. الخطيئة والفساد والموت هي، بالمفهوم الغربي، عقوبات فرضتها العدالة الإلهية. رفع العقوبات هو رفع لعنة، مما يسمح للمختارين أن يمارسوا مناقب خارجية.

موت المسيح وقيامته: تجسّد المسيح وأخذ الطبيعة البشرية بكل جوانبها. يقول غريغوريوس اللاهوتي: “ما لم يتّخذه لم يُشفَ” . أي حتى يحرّرنا المسيح من سيطرة الخطيئة والموت، وحتى يعطينا حياة أبدية، كان عليه أن يشارك موتنا كما في حياتنا. قال ذلك للرد على أبوليناريوس الذي أنكر وجود النوس NOUS (باليونانية أي الذهن أو الروح). فيسوع أخذ NOUS بشرياً وإرادة بشرية وإلا فلا يكون قد خلّصهما.

لم يمت المسيح لأنه كان مضطراً أن يموت [6]. لقد فعل كل شيء باختياره طوعاً. موت المسيح وقيامته أديا إلى:

  1. غفران الخطايا والمصالحة مع الله.
  2.  التحرر من سلطان الموت.
  3.  الوعد بتجديد العالم كله.
  4.  القيامة العامة.
  5.  النصر على الشيطان.
  6.  سحق الجحيم.

غفران الخطايا: يقول ايريناوس: “الخطيئة التي أتت بالشجرة (تك 3: 6) أُلغيت بشجرة الطاعة لله عندما سُمِّر ابن الله على الشجرة. هناك تغلّب هو على معرفة الشر وأحضر معرفة الخير. الشر هو عصيان الله، والخير هو الطاعة لله”. إن كان عصياننا هو أقصى عمل للأثرة (محبة الذات والتمركز حول الذات)، فإن موت المسيح الطوعي على الصليب هو أقصى عمل من نكران الذات.

التحرر من سلطان الموت: لم يقضِ يسوع فقط على سلطان الخطيئة وفتح الطريق لنا للعودة إلى بيت الآب، بل أيضاً قضى على سلاسل الموت التي تسبي الناس. لأن يسوع هو ابن الله، كان من المستحيل على الموت أن يُمسك به. كتب القديس باسيليوس: “إذ نزل من الصليب إلى الحجيم -ليملأ كل الأشياء بنفسه- حلّ وخزات الموت.

قام في اليوم الثالث وقد جعل لكل ذي جسد طريقاً نحو القيامة من الأموات، لأنه لم يكن ممكناً لخالق الحياة أن يكون فريسة للفساد”. بموته وقيامته أزال يسوع شوكة الموت. الآن يستمر الناس بالموت، ولكن لأن يسوع ملأ عالم الموت بحياته لم يعد الموت بعد نهاية الوجود البشري: لقد صار طريقاً للحياة الأبدية في الله. قيامة يسوع من الأموات هي ضمانتنا أنه يوماً سيقوم كل الناس من الأموات ويشاركون حياة الله الأبدية.

الفداء:
الله لا يتغيّر. “يسوع المسيح هو هو أمس واليوم وإلى الأبد” (عبر 13: 8). هذا مهم في مناقشة الخلاص، لأن الغرب والفكر الغربي يؤمنان بأن الله يتغيّر، وأن الإنسان يمكن أن يُحدث تغيراً في الله.

الله غير المفهوم، لكنه كشف نفسه لنا: “الله الرب ظهر لنا، مباركٌ الآتي باسم الرب”. الإله المسيحي ليس إلهاً مجهولاً، بل هو إله كشف نفسه لأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله. القديس أثناثيوس يقول إنه بدون معنى أن يُخلَق الإنسان ما م يكشف الله نفسه له.

يقول بالاماس: “توجد ثلاثة حقائق في الله، أقصد، جوهر وقوة وثالوث من أقانيم إلهية” (150 فصلاً: 75). أي نميّز في الله الطبيعة عن القوى الإلهية، وتميّز الشخص عن الطبيعة.

التمييز بين الطبيعة والقوى كان للمحافظة على تعليم الكنيسة بأن الله خلق العالم من عدم ex nihilo. أوريجنس قال بأن الله خالق بالطبيعة، ولأن طبيعة الله لا يمكن أن تتغير، لهذا يجب على الله أن يكون خالقاً دائماً. هذا يعني أن العالم أبدي مثل الله. هذا بالضبط ما كان الفلاسفة الوثنيون واليونان يؤمنون به إنما ليس هذا إيمان الكتاب المقدس. لهذا رسم القديس أثناسيوس خطاً فاصلاً بين ما هو الله عليه وبين ما يصنعه الله. أيضاً بدون هذا التميز لا يمكن التمييز بين ابن الله “المولود من الآب قبل كل الدهور” والخليقة المادية التي خلقها الله من عدم.

التمييز الثاني بين الطبيعة والشخص يساعد لفهم الثالوث القدوس وتجسد الابن. فشخص الابن هو الذي تجسّد، مع ذلك بقي كما هو بدون تغيّر. فالله صار إنساناً وتألّم ومات وقام بدون أن يطرأ أي تغيّر على الطبيعة الإلهية.

التألّه: سوء فهم التألّه من قبل البروتستانت والكاثوليك هو وراء سوء فهم الخلاص في الأرثوذكسية. يقول القديس أثناسيوس بأن الله صار إنساناً ليصير الإنسان إلهاً. هذا شوّش الكثير الذين رأوا في هذا عودة إلى الوثنية وتمازج بين الآلهة والبشر.

توجد خطيئتان يرتكبهما الناس في مفهوم الخلاص: يظن البعض أن الناس هم جزء من الإله أو الألوهة. حتى يهرب البروتستانت من سوء الفهم هذا فإنهم يلجأون إلى الخطأ الثاني وهو الاستنتاج أنه لا يوجد اتحاد حقيقي بين الله والإنسان.

الكنيسة في إيمانها بالتألّه تعتمد على تعريف مجمع خلقيدونية لخريستولوجيا المسيح الذي فيه طبيعة إلهية متحدة بطبيعة بشرية “بدون اختلاط أو تشويش أو فصل أو تقسيم”.

ليس الإنسان بطبعه إلهياً. إنه مخلوق وسيبقى هكذا دائماً.

الاتحاد بين الطبيعتين الإلهية والبشرية في شخص يسوع المسيح لا يكون بحسب الطبيعة بل بحسب الأقنوم، “الاتحاد الأقنومي” (كيرلس الإسكندري). هذا ما عالجه لاونديوس الأورشليمي: أقنوم الابن قنّم الطبيعة البشرية التي ضمّها إليه، فصار أقنوماً لها، وصارت جزءاً منه. الطبيعة الإلهية لا تقبل أن يطرأ عليها أي حادث زمني. ولكن الطبيعة البشرية المتحدة بها تقبل أن تمتلئ من أشعة اللاهوت، من القوى الإلهية الجوهرية. أما الاتحاد بين الله والإنسان لا يكون بحسب الطبيعة ولا بحسب الأقنوم، بل بحسب القوى. هذه القوى هي غير مخلوقة. هذا فرق مهم ورئيسي بين الكاثوليك والأرثوذكس. بالنسبة للكاثوليك قوى الله هي في الجوهر وبالتالي لا يصلها الإنسان. الإنسان يتصل بالله عبر نعم مخلوقة [7]. لكن النِعَم المخلوقة لا يمكنها أن تؤلّه الإنسان.

بالنسبة للبروتستانت فنادراً ما يتم الكلام عن الطبيعة والقوى، لكنهم يفترضون أن النعم مخلوقة لهذا لا توجد وسيلة للإنسان أن يشارك الله بصورة مباشرة. لهذا بالنسبة لهم لا يبقى سوى التحسّن الأخلاقي. لكن الإنسان عَطِشْ إلى اتحاد بالله، إلى شركة مباشرة معه، وهذا مستحيل ما لم يجعل الله ذاته قابلاً للشركة مع الإنسان، ما لم يمنح  ذاته عبر القوى الإلهية. هكذا يتأله الإنسان ويبقى إنساناً، ويكون الله قابلاً للمشاركة معه ويبقى متعالياً في الجوهر. الميتافيزيقا الغربية السكولاستيكية عجزت عن التوفيق بين كلام بطرس (2 بط 1: 4) في الاشتراك في طبيعة الله وبين آيات أخرى تجعله بعيد المنال.

العدالة الإلهية:
العدالة الإلهية تعني شيئاً مختلفاً بين الأرثوذكس والكاثوليك. بالنسبة للآباء العدالة الإلهية هي القضاء على الشيطان والموت واستعادة كامل الإنسان جسداً وروحاً إلى عدم الموت وعدم الفساد وإلى معرفة الله في مجده. حتى يحدث هذا لم يوجد تبدّل في الله مطلوب ولا تكفير أو تعويض قضائي، فالناس “مبرّرون مجاناً بنعمته بالفداء الذي بيسوع المسيح” (رومية 3: 24). العدالة الإلهية ليست برنامجاً أو مخططاً شرعياً أو قضائياً أو حقوقياً. عدالة الله ومحبة الله هم الأمر الواحد نفسه. إن فكرة التكفير ليست موجودة لدى الآباء لأنهم كانوا يعرفون بأن عدالة الله هي محبة لا تطلب بالمقابل شيئاً. يقول يوحنا الدمشقي: “وقد ظهر عدله بأن الإنسان لما كان مغلوباً لم يترك اللهُ لغيره أن يقهر الطاغي ولا انتشل الإنسان من الموت بالقوة. بل إن الصالح والعادل جعل ذاك نفسه الذي كان الموت قديماً قد استعبده بالخطايا يعود اليوم من جديد فينتصر، فخلَّص المِثْلَ بمثله”. (الإيمان الأرثوذكسي، كتاب 3 فصل 1). إن موت خليقة الله وموت البار هو أمرٌ غير عادل، لأن الله لم يخلق الموت ولا يستلذ بموت خليقته. لكن الموت دخل إلى العالم بسبب الشرير، بسبب سقوط الإنسان وخطيئته. الغرب يساوي بين الموت والعدالة الإلهية أما في الشرق فالموت غير عادلٌ. الله جاء في الجسد ليلغي هذا الجور والشر وليحافظ على أبنائه فادياً إياهم من قبضة الشرير والموت. هكذا يعلن القديس بولس: “وأما الآن فقد ظهر برّ الله…” (رو 3: 21). بهذا الإطار نجد معنى التبرير والبرّ.

الشيطان والموت كانا دائماً العدو وأبداً لم يكونا أداة أو شريكاً لله كما يفهم الغرب.

يؤمن الغرب بأنه فهمه للعدالة الإلهية هو انعكاس لطبيعة الله العادل وهو فهم يحمل يحمل تشابهاً هائلاً مع العدالة البشرية. يفكر الغرب هكذا بسبب أنه ورث أسلوب أوغسطين في المعرفة المبنية على وجود شبه بين الله والخليقة لأن الواقع المخلوق لديه هو نسخة عن الواقع غير المخلوق الذي هو أفكار أبدية في جوهر الله تُدعى universals.

في العصور اللاحقة لأوغسطينوس، بدأ الغرب بفهم عمل الخلاص على أنه حصراً كفارة استرضائية لإله غاضب منتقم، وهي وجهة نظر تعبّر عن بقايا إيمان وثني. قال أوغسطينوس: “الله هدّد آدم بعقاب الموت هذا إذا أخطأ”. ومقيّداً بضروريات العدالة الإلهية، لا يمكن لله إلا أن يطلب دماً وثأراً كضريبة على تعديات الإنسان ضد القانون الإلهي. إن الحاجة الإلهية للثأر والجزاء ضد الإنسان هما السبب الرئيسي للموت. رغم ذلك كان موت كامل السلالة البشرية غير كافياً. كان لابد من ولادة مّن كان دمه كافياً للدفع. هذه الضرورة كانت السبب الرئيسي للتجسد برأي الغرب: المسيح وُلد لأنه كان الوحيد القادر على صنع التكفير الضروري غير المحدود والذي سيغيّر موقف الله نحو الإنسان والذي سيمكّن الله من منح العفو القانوني أو حلّ الخطايا. إن تعليم الغرب عن الكفارة كان إعلاناً لا لبس فيه عن الضرورة في الله. بالطبع الضرورة في الله كانت بالأصل موروثة في تعليم الأفكار الإلهية في الجوهر الإلهي بحسب أوغسطينوس. الضرورة حلّت محل حرية الله ومحبته غير الأنانية في علاقاته مع أولاده وأمْلَت التجسد.

من جهة الآباء عرّفوا العدالة الإلهية على أنها قضاء الكلمة المتجسد على الشر والموت، أعداء البشرية. ومن جهة أخرى، رأى أوغسطين الشيطان والموت شركاء وأدوات عقابية بيد الله، ورأى الخلاص على أنه مفرّ الإنسان من براثن الله. لهذا بالنسبة للغرب، كل الشر في العالم يأتي من المشيئة الإلهية المعاقبة. وعلى العكس، يشرح غريغوريوس اللاهوتي إجماع الآباء قائلاً:

“لم يكن بواسطة الآب أننا ظُلمنا. على أي أساس أبهج دمُ ابنه الوحيد الآب، الذي لم يكن ليقبل حتى اسحق عندما قدّمه والده، بل غيّر الذبيحة، واضعاً كبشاً مكان الضحية؟ أليس من الواضح أن الآب يقبله (يقبل المسيح) لكنه لا يطلبه ولا يتطلبه، لكن بسبب تدبير (التجسد)، ولأنه على البشرية أن تقدّس بناسوت الله، حتى يعطينا نفسه ويغلب الطاغية ويجذبنا إليه بواسطة ابنه؟”.

التكفير: الكتاب يُظهر بأنه حقيقة ذات وجوه متعددة. في العصور الوسطى قام اللاهوتي انسلموس Anselm رئيس أساقة كانتربري (1033-1109) باختراع نظرية التكفير التي سادت في الفكر الغربي حتى يومنا الحالي.

يقول أنسلموس بأن خطيئة الإنسان كانت إهانة لله (في العصور الوسطى لم تكن الجريمة ضد الشعب أو الدولة بل ضد شخص الملك مثل انكلترا اليوم). بما أن الخطيئة كانت ضد الله فالذنب كان غير محدود. والإنسان لا يمكنه أن يكفّر عن ذنب غير محدود لأن الإنسان محدود. لهذا دعت الحاجة إلى إله-إنسان أي إلى إله متجسد ليكفّر بآلامه وبموته عن خطايا البشرية.

وضع الناس نبرات مختلفة في نظرية أنسلموس: البعض قال عن العدالة الإلهية هي التي يجب أن تُرضى. آخرون قالوا إنها كرامة الله المجروحة بخطيئة الإنسان. آخرون قالوا بأن غضب الله يجب أن يُطفأ.

البروتستانت قبلوا بنظرية أنسلموس. لم يكن الخلاف بين الكاثوليك والبروتستانت فيما إذا كانت العدالة الإلهية أو كرامة الله أو غضبه هي التي يجب أن تُرضى، بل كان الفرق الرئيسي بينهم هو فيما إذا كان الإنسان يستطيع أن يضيف أي شيء بواسطة التوبة على التكفير.

نظرية التكفير مهمة جداً ومؤثرة جداً في الفكر الغربي وقوية جداً أيضاً. فلو ارتكب إنسان مهم جريمة قتل ومَثُل أمام القاضي الذي أمر بأن يدفع فدية أو يُقتل؛ وجاء المختار ودفع الفدية عن المجرم، عندئذ يعلن القاضي “براءته” ويطلق سراحه فيخرج مبررَّاً. فهل غيّر هذا من طبيعة الإنسان أو من أهوائه أو من شرّه أو…؟ بالطبع لا. هكذا أيضاً في نظرية التكفير: المسيح دفع الفدية عنا ليرضي كرامة الله المجروحة ويُطفئ غضبه ويُرضي العدالة الإلهية. كل المطلوب منا هو أن “نقبل” هذه الفدية فنخرج مبرَّرين!

هذا ما يفعله البروتستانت في مؤتمراتهم واجتماعاتهم: المسيح دفع الفدية عنك. أنت خاطئ. اقبل فدية المسيح تصير مبرَّراً. خلال 60 دقيقة أو أقل يخرج الإنسان من خاطئ مصيره الجحيم إلى قديس ضمن الملكوت [8]!

توجد ثلاث مشكلات لاهوتية في هذه النظرية:

المشكلة الأولى: إنها مبنية على أن الله ذو خصائص بشرية: فهو يغضب، ويحقد، ويثأر، ويُهان، وتُجرح كرامته، إلخ. لكننا وجدنا أن الله لا يتغيّر. لنفترض جدلاً أن خطيئة الإنسان تدفع الله للغضب. هذا يعني أن الله لم يكن غاضباً قبل خطيئة الإنسان. وبحسب هذه النظرية، زال غضب الله بعد أن أرضاه المسيح بفدائه على الصليب. هذا يعني أن الله يتغيّر، وأن هذا التغيّر سبّبته أعمال الإنسان!

لو تركنا جانباً كرامة الله المجروحة وغضبه وأخذنا العدالة الإلهية. الله عادلٌ. ولأنه لا يتغيّر فلا يمكنه أن يترك الإنسان يفلت ما لم تأخذ العدالة الإلهية مجراها. هذا يعني أن العدالة أعظم من الله لأن الله خاضع للعدالة! هذا ضد اللاهوت المسيحي. هذا ما يقوله الله عن نفسه: “لأن أفكاري ليست أفكاركم ولا طرقكم طرقي يقول الرب” (أشعيا 55: 8).

المشكلة الثانية: إنه تجعل الخطيئة مشكلة لله بالأحرى لا مشكلة الإنسان. إحدى أوجه هذه النظرية هو أن الله رحيم وعادل بالوقت نفسه. رحمة الله تريد أن تخلّص كل الناس. لكنه لا يستطيع أن ينتهك عدالته الإلهية. لهذا فالخطيئة هي مشكلة بالواقع لله. المشكلة هنا ليست ما تفعل الخطيئة للإنسان، بل ما تُحدث الخطيئة من تأثير على الله وعلى موقفه من الناس. في الشرق المسيحي الخطيئة تُرى على أنها مرض يصيب الإنسان. بحسب نظرية التكفير، هذا المرض يصيب الطبيب أكثر من المريض، والشفاء يعتمد على موقف الطبيب نحو المريض أكثر بالحري من صحة المريض.

المشكلة الثالثة: الخلاص في نظرية التكفير الغربية يبقى خارجاً عن الإنسان وبالتالي يبقى الإنسان بدون تغيّر. فالخلاص يعني أن ذنب الإنسان قد زال، وإذا كان هذا الذنب مجرد موقف قضائي قانوني أمام الله، فهذا يعني أن الإنسان يبقى بدون تغيير في طبيعته وبدون شفاء لأمراضه. بمعنى آخر: الإيمان بكفارة المسيح على الصليب، بحسب نظرية التكفير الغربية، لا يمحو خطايا المؤمن، بل لا يعد هذا المؤمن متهماً بعد بهذه الخطايا. يبقى الإنسان في الجوهر خاطئاً بدون تغيير.

هذا يعني أن الله والإنسان يبقيان طوال حدثية الخلاص خارجين أحدهما بالنسبة للآخر. فالإنسان لا يُغيَّر أو يُعَاد خلقه، بل يُعلَن أنه “غير مذنب” وحسب. هذا لأن نظرية التكفير تفترض أن الله والإنسان لا يمكنهما أن يتحدا على أي مستوى سوى مستوى الطاعة الأخلاقية. هذا إنكار عمليٌ للتجسد الإلهي في الفكر الغربي.

بالنسبة للأرثوذكس الحالة هي العكس تماماً. ليست المسألة هي الموقف الأخلاقي للإنسان نحو الله، ولكن تغرّب الإنسان عن الهدف الذي خُلق من أجله وهو الشركة مع الله، أن يكون معه ويتحد به. المصير البشري الضائع قد اُستعيد في المسيح، آدم الجديد الثاني.. فما هو عليه بالطبيعة نصير نحن عليه بالنعمة.

لهذا ترفض الكنيسة الأرثوذكسية نظرية التكفير بالفداء لأنها تخالف أبسط مبادئ اللاهوت المسيحي ولأنها تترك الإنسان بدون تغيير. بالنسبة للأرثوذكس: أن تخلص يعني أن تستعيد صحتك الروحية. ليس هو موقف الله نحو الإنسان الذي بحاجة إلى تغيير، وإنما بالحري حالة الإنسان. الخلاص في اللاهوت الأرثوذكسي ليس هو حالة البرارة الغربية، بل التأله (القديس اليوغوسلافي يوستين بوبوفيتش عن الآباء). نحصل على بذرته في المعمودية ونبلغ ذروته في الجهاد الروحي المرير المكلَّل في القيامة العامة بالتلألؤ كالمسيح على الجبل. البرارة في حد ذاتها ليست التألّه. وليست حالة ثابته. هي مكتسبات متواصلة في الجهاد بنعمة الفداء. وفي أفسس (1: 7) الفداء بدم المسيح هو مغفرة الخطايا.

الإيمان مقابل الأعمال:
لا يوجد شيء أثار جدلاً شديداً مثل موضوع الإيمان والأعمال. بدأت المشكلة أيام العهد الجديد عندما افترض البعض أنه إذا كان لدينا الإيمان فلا حاجة للأعمال. على هذا الافتراض الخاطئ أجاب القديس يعقوب: “… الإيمان أيضاً إن لم يكن له أعمالٌ ميّت في ذاته…” (يعقوب 2: راجع 14-20). لا يختلف يعقوب هنا مع بولس كما افترض خطئاً لوثر وبروتستانت آخرون. بل يختلف يعقوب هنا مع سوء فهم بولس القائل: “إذاً نحسب أن الإنسان يتبرر بالإيمان بدون أعمال الناموس” (رومية 3: 28). الأعمال هنا هي أعمال ناموس موسى اليهودي. أي يقول بولس إن الإنسان لا يستطيع أن يجعل نفسه مبرراً بأعمال الناموس وإلا لمات المسيح بدون سبب. وأعمال الناموس بلا قيمة خلاصية في نظر بولس، وزال حكمها في المسيحية.

البروتستانت والكثلكة: البروتستانت يضعون هذه المسألة على مستوى ثنائية متعاكسة: إذا كان الإنسان يخلص بالأعمال فما حققه المسيح على الصليب لم يكن كافياً للخلاص. ولأن هذا مستحيل، لأن المسيح حقق على الصليب كل ما يكفي لخلاص الإنسان، فهذا يعني أن الخلاص يأتي بالإيمان حصراً، وبالتالي لا ضرورة للأعمال.
لكن إذا كان الإنسان لا يتبرّر بأعمال الناموس فهذا لا يعني أن الإنسان يخلص بالإيمان حصراً. هذا ما أراد قوله القديس يعقوب. أيضاً، إذا كانت الأعمال تُنقص من قيمة ما فعله المسيح فهذا يعني أن الخلاص هو خارجي لحالة الإنسان الروحية. أي أنها تفترض أن نظرية الخلاص هي نظرية التكفير.

إذا بدأنا بالافتراض أن الخطيئة هي إهانة لكرامة الله مما يقتضي تكفيراً لا محدوداً، وإذا افترضنا أيضاً أن الابن الوحيد هو وحده القادر على هذه الكفارة غير المحدودة بدلاً عن الإنسان، عندئذ كل ما يبقى هو كيف يمكن تطبيق هذه الكفارة على الناس كأفراد. كل فريق في زمان الإصلاح، البروتستانت والكاثوليك، أصرَّ على ضرورة الإيمان بالمسيح. لكن السؤال: “هل يوجد شيء آخر ضروري؟”.

بحسب اللاهوت الكاثوليكي: خطيئة الإنسان تسبب عقاباً أبدياً وزمنياً. المسيح كفّر عن العقاب الأبدي لا الزمني. لهذا فسرّ التوبة ضروري للتكفير عن العقاب الزمني. إذا مات المسيحي بدون التكفير هذا فإنه يذهب إلى المطهر حتى يكفّر هناك. “صكوك الغفران” تم اختراعها لتقليل فترة البقاء في المطهر.

كان رد الفعل البروتستانتي على هذا منطقياً: كيف لا يمكن لذبيحة المسيح أن تكون كافية لدفع دين الخطيئة؟ رأينا سلفاً أن السؤال في نظرية التكفير بين الكثلكة والبروتستانتية كان هذا: هل يمكن للتوبة أن تضيف أي شيء على تكفير المسيح؟ البروتستانت أجابوا: كلا. الأرثوذكس سيوافقون على هذا فقط إذا قبلنا نظرية التكفير الغربية.

الخلاص بالمفهوم الأرثوذكسي:
كل التصورات البروتستانتية على أنواعها تفترض أن الخطيئة هي عمل قانوني يهين كرامة الله ويثير غضبه. لهذا يجب إرضاء كرامة الله وغضبه. عمليا لم يُقل شيء عن الإنسان سوى مثوله أمام الله.

المفهوم الأرثوذكسي للخلاص ينطلق من بديهيات مختلفة جداً. كما رأينا إن فكرة أن أعمال الإنسان الخاطئة تُحدث تبدلاً في الله (تُثير غضبه وتجرح كرامته) هي أقرب ما تكون إلى التجديف. الله لا يتغيّر. لا يخضع الله لصراع داخلي بين عدالته ورحمته.

بالنسبة للأرثوذكسية: الخطيئة ليست جريمة ضد العدالة الإلهية، لكنها مرضٌ يُتلف الإنسان. لم يأتِ المسيح لكي يشفي كرامة الله المجروحة، بل ليشفي الإنسان من مرضه. بسبب الخطيئة صار الإنسان أسير الموت والفساد. الله حياة، والإنسان قطع نفسه عن الله مصدر الحياة الأبدية. جاء المسيح ليُعيد هذه الحياة الضائعة للإنسان.
عند الحديث عن الخلاص فإننا نتكلم لا فقط عن استعادة الطبيعة البشرية المريضة بل أيضاً الشخص البشري المريض.

بسبب خطيئة آدم وحواء صارت الطبيعة البشرية منفسدة وأسيرة للموت. لم يرِثْ الإنسان ذنب خطيئة آدم. هذا ذنب شخصي. بل ورث نتائج السقوط التي أصابت الطبيعة البشرية العامة ككل. أيضاً لم نرِثْ طبيعة مائتة فحسب، بل أيضاً طبيعة أصاب الفساد ملكاتها. الإرادة البشرية صارت مشلولة بالخطيئة وتفضّل الشر على الخير.

المسيح بتجسده بدأ عملية شفاء طبيعتنا المريضة. طبيعته الإلهية اتحدت بطبيعتنا البشرية وإرادته الإلهية قدّست إرادتنا البشرية. بطاعته لله الآب شفى المسيحُ بدمه الإرادة البشرية وبموته وقيامته قضى على قوة الموت وحرّر الإنسان المسبي معيداً الطبيعة البشرية إلى الحياة الحقة.

هذا هو البعد الموضوعي للخلاص. المسيح خلّص الطبيعة البشرية ومنحها مجده وعدم الموت وألّهها. إنما يوجد بعد شخصي للخلاص. فحتى لو كان كل الناس سيقومون في اليوم الأخير من الأموات إلا أنه ليس كل الناس سيذوقون القيامة المغبوطة.

لو كان الخلاص مسألة موقف لله نحو الإنسان بالحري لا مشاركة حرة للإنسان في حياة الله، لكانت السماء مليئة بأناسٍ أُعلنوا أنهم “غير مذنبين” من قبل الله، ومع ذلك فنفوسهم ما تزال مفسودة بالخطيئة.

ليست الخطيئة مشكلة الله بل مشكلة الإنسان. المسيح فعل كل شيء ليستعيد الطبيعة البشرية ويفتح أبواب الملكوت للإنسان، أما دخولنا إلى الملكوت فهو متوقف علينا [9].

الله لا يُجبر الإنسان على شيء. الإنسان بحريته المطلقة عليه أن يقبل أو يرفض المسيح. المسيح أعاد الصورة الإلهية في الإنسان إلى ما كانت عليه. أما بلوغنا المثال الإلهي فهو متوقف على اختيارنا الحر. بكلمات أخرى، يستطيع الله أن يجعلنا غير مائتين، لكنه لا يستطيع أن يجعلنا صالحين ومُحبين.

التأكيد الأرثوذكسي على التعاضد Synergria بين الله والإنسان، بين الإرادة البشرية والإرادة الإلهية، لا يعني الإنقاص من عمل المسيح لخلاص الإنسان: المسيح غالب قوة الخطيئة والموت وأعاد للطبيعة البشرية الصورة الإلهية. الأكثر من هذا، فقط في المسيح، أي فقط بالاتحاد بجسده يُشفى الإنسان، جسداً روحاً وشخصاً: “لأننا به نحيا ونتحرك ونوجد” (أعمال 17: 28).

أيضاً عقيدة التعاضد الأرثوذكسية لا تعني أن خلاص الإنسان شيء يمكن أن “يستحقه” الإنسان أو “يستأهله” أو “يكسبه”. فكرة الاستحقاق بأكملها غريبة عن اللاهوت الأرثوذكسي. عندما يعود المسيح سيكون الكل بالكل، وسنختبر حضوره إما كنور وحياة أو كدينونة ظلمة. ليس الفرق كامن في موقف المسيح منا: لأنه محبة وسيظل هكذا يحب الكل. الفرق هو في موقفنا نحن تجاه المسيح: هذا هو الجانب الشخصي أو البعض الشخصي من الخلاص؛ هذا هو عالم الإيمان والأعمال [10].

مرة خلصتَ، دائماً خلصت؟
الفرق بين الأرثوذكس والغرب ليس مجرد لاهوت تجريدي نظري. الفروق تطال حتى أوجه التقوى المسيحية. هذا يظهر عند مناقشة الخلاص. فالبروتستانتي يتباهي بأنه نال الخلاص مرة وإلى الأبد. أما الأرثوذكسي التقي فيعترف أنه خاطئ ولسان حاله يقول إن ما هو عليه إنما هو نعمة الله. البروتستانتي يفسّر موقف الأرثوذكسي بأنه لا يعرف يسوع. في موقف البروتستانتي غباوة وكبرياء. بولس قال إنه أول الخطأة (1تيمو1: 15). البروتستانتي لا يقرع صدره مثل العشّار.

بالنسبة لمعظم البروتستانت: من الممكن أن يعرف المرء بكل تأكيد بأنه مخلَّص وبأنه يضمن الملكوت السماوي. تحتاج هذه الفكرة الهامة إلى نقاش.

التأكد المغبوط من الخلاص:
“كتبتُ هذا إليكم أنتم المؤمنين باسم ابن الله لكي تعلموا أن لكم حياة أبدية ولكي تؤمنوا باسم ابن الله” (1يو 5: 13).

بالنسبة للبروتستانتي من البديهي أن يعرف المسيحي بأنه مخلَّص وأن يضمن خلاصه. فكيف يستطيع الأرثوذكسي أن ينكر ما قيل ببساطة في الكتاب المقدس؟

الجواب هو أن البروتستانتي والأرثوذكسي يستعملان كلمة “خلاص” بمعنيين مختلفين، لهذا يصلان إلى نتيجتين متناقضتين في نقاش هذه المسألة.

الفهم البروتستانتي متأصّل في إطار نظرية التكفير السابق ذكرها. فالفرق بين المخلَّص والهالِك هو في موقف الله منهما، وليس في أية صفات فيهما. وأيضاً يفترض أن حالة الإنسان يمكن أن تتغيّر في لحظة من خاطئ كبير إلى قديس عظيم.

أن تكون “مخلّصاً” بالنسبة للبروتستانتي يعني أن تُعلَن “غير مذنب” من قبل الله. هذا يعني أن الله عندما ينظر إليك فإنه يرى برَّ المسيح بدلاً من خطاياك وحالتك الساقطة الخاطئة. بفداء المسيح البديل على الصليب أرضى المسيح عدالة الآب وكرامته وأطفأ غضبه. ولأن الشخص “المخلَّص” يقف أمام الله “مبرّراً”، أي بريئاً من كل تهم الخطيئة ضده، فإنه باستطاعته أن يدخل إلى الملكوت ويتمتع بالحياة الأبدية.

من جهة أخرى فإن الذي ينكر المسيح ولا يقبله رباً ومخلصاً شخصياً، يبقى في خطيئته. عندما ينظر الله إليه، فإنه لا يرى برَّ المسيح بل حالة هذا الإنسان الخاطئة لهذا يُلقى هذا الإنسان في الجحيم.

ضمن هذا الإطار فإن عقيدة التأكد المغبوط ذات معنى. إذا قبل المرءُ المسيحَ ووضع كل ثقته في عمل المسيح الفدائي، عندئذ يمكنه أن يكون واثقاً من الله سيحفظ وعده: “ويكون كل مَن يدعو باسم الرب يخلص” (أعمال 2: 21). لقد قبلتُ المسيحَ، لهذا أنا مخلَّص. لا شيء يمكن أن يكون أبسط من هذا.

بالنسبة للأرثوذكسي ليست مسألة الخلاص كيف يرى اللهُ الإنسانَ. الله دائماً ينظر إلى الإنسان بمحبة، بغض النظر عن تصرفات الإنسان: “فإنه يُشرق شمسه على الأشرار والصالحين ويُمطر على الأبرار والظالمين” (متى 5: 45). إنها مقدرة الإنسان على الاتصال بالله وليست مقدرة الله على الاتصال بالإنسان.

بما أن الخلاص بالنسبة للأرثوذكسي يشير بالنهاية إلى الحالة الروحية الفعلية للمسيحي، لهذا نجد المسيحي الأرثوذكسي متحفظاً عن التصريح بأنه مخلّص. القول بأنه مخلص يعني أنه يأخذ مكانة الله في الدينونة. عندما يقول البروتستانتي بأنه مخلص فإنه لا يصف حالة روحه، بل أن الله لا يعد يراه خاطئاً. أما القول بأنه مخلّص بالنسبة للأرثوذكسي فهو يعني أنه وصل إلى حالة سامية من البر أمام الله. وهذا ما لا يتجاسر الأرثوذكسي على الانتفاخ ليلفظه. هو يعرف أنه يوحنا السلمي قال إن حالة المرء الأخيرة مرتبطة بلحظة وفاته (26: 107). وأنطونيوس الكبير قال إن التجربة باقية حتى لحظة الموت. والذهبي الفم قال إن يسوع يكمل في اللحظة الأخيرة الذين هم للمجد. هذا كله يعني أن المجد مرتبط بالجهاد حتى الرمق الأخير. وذلك لا يكفي لأنه ليس شيء طاهراً أمام الله. بل هو أي الله يكمّلنا في اللحظة الأخيرة. في الفكر الغربي هي حالة ثابتة static بينما في الفكر الأرثوذكسي هي متحركة ديناميكية. فالتوبة ديناميكية متواصلة بحرارة.

إن جوهر سقوط الإنسان هو الكبرياء. ولبّ مرض الإنسان الروحي هو أثرته (محبته لذاته). فحتى يُشفى الإنسان بجب أن يكون متواضعاً وأن يعتنق الفقر الروحي “طوبى للفقراء بالروح، فإن لهم ملكوت السماوات” (متى 5: 3 و8). ملكوت السماوات ليس للذين قد أُعلن أنهم “غير مذنبين”، بل لأولئك الفقراء بالروح والأنقياء القلب.
لهذا فالمسيحي الأرثوذكسي التقي يحجم عن تقويم ذاته وحياته الروحية. إنه يترك هذا لأبيه الروحي (البروتستانتي ليس لديه أبوّة روحية ولا يفهم معناها لهذا فهو بعيد جداً عن التقوى المسيحية بالمفهوم الأرثوذكسي). فكلما اقترب من الله كلما شعر بعدم استحقاقه وأدرك مدى عظمة الله ومدى صغر نفس الإنسان. وبالعكس، كلما ابتعد الإنسان عن الله كلما رأى اللهَ صغيراً ورأى ذاته كبيراً وشعر بعظمى نفسه وبكبريائه. أعظم القديسين في الكنيسة وضعوا ثقتهم في نعمة الله لكنهم لم يتباهوا قط بأنهم مخلَّصين أو قديسين. لا يعني هذا فقدان الثقة بالله. حاشا، بل يعني تواضعاً عميقاً أمام الله. القديس يقول مع أشعياء: “.. ويلٌ لي إني هلكت لأني إنسانٌ نجسد الشفتين وأنا ساكن بين شعبٍ نجس الشفتين” (أشعيا 6: 5).

بالنسبة للقديس اسحق السوري، التواضع هو أن يرى الإنسان نفسه دون كل الملخوقات [11]. فالإنسان المتواضع حقاً لن يدين أو يحكم على أي إنسان. أما في اللحظة التي نظن فيها أننا وصلنا فإن الكبرياء تفصلنا عن الله.

ضمانة أبدية أم وهم مشكوك فيه؟
بالنسبة للآباء، لا بد للإنسان أن يكون متواضعاً لكي يصل إلى ملكوت السماوات.

بالنسبة للبروتستانتي، لا يعرف فقط أنه مخلَّص بل أيضاً أنه لا يمكن أن يسقط ثانية [12]. هذا التعليم بدون شك ذو جذور في تعاليم كالفن. مع ذلك فقوته ليست في الناحية العقائدية بل النفسية.

الضمانة الأبدية هي نتيجة تعليم كالفن في المثابرة. بحسب التعليم الأصلي، فالذين اختارهم الله للخلاص قبل بدء العالم سيُحفظون حتى النهاية ولن يسقطوا أبداً من النعمة. تعليم المثابرة هذا هو نتيجة طبيعية لتعاليم كالفن الأخرى. فطالما المختارون قد تمَّ انتخابهم من الله بغض النظر عن أعمالهم، لا يوجد شيء نستطيع أنا أو أنت فعله للتأثير على اختيار الله. وبما أن نعمة الله لا يمكن مقاومتها بحسب كالفن، إذاً لا يمكن أن ترفضها حتى لو أردتَ ذلك: عندئذ من البديهي أن نصل إلى نظرية الضمانة الأبدية، لأنه لا يوجد شيء يمكنه أن يجعلك تخسر خلاصك. المثابرة لا علاقة لها بالمسيحي أو قواه بل بقوة إرادة الله.

الشيء الملفت للنظر هنا هو أن غالبية المؤمنين بنظرية الضمانة الأبدية ليسوا من أتباع كالفن. بالنسبة لأتباع كالفن إن نظرية الضمانة الأبدية ذات معنى لأنهم يؤمنون بأن الله قد سبق واختار المخلَّصين قبل بدء العالم بصورة مستقلة عن قواهم أو تقواهم أو إرادتهم الحرّة. وبما أن “خلاصهم” هذا لا علاقة له بإيمانهم، لهذا لا يمكنهم أن يخسروه. لهذا فالضمانة الأبدية لهم هي بديهية لتعليمهم هذا. أما أتباع يعقوب أرمينيوس Arminius Jacob فقد رأوا أن المسيحي بإمكانه أن يقبل أو يرفض المسيح. مع ذلك يؤمنون بالضمانة الأبدية! كيف يمكن للإنسان أن يختار خلاصه وكيف يمكن له أن لا يخسره إن اختار هكذا؟ المعمدانيون الجنوبيون (أكثرية البروتستانت في أمريكا) هم على هذا الرأي المتناقض: يختار الإنسان بإرادته الحرة، ومع ذلك مت خلص، يضمن خلاصه ولا يستطيع أن يخسره!؟ أي: يستطيع الإنسان أن يختار المسيح بحريته ولكنه، متى اختاره، لا يستطيع أن يرفضه؟!

غالبية بروتستانت العالم حالياً على هذا المبدأ. لا يعيرون أهمية فيما إذا كان لاهوتهم متناقضاً مع نفسه أم لا [13]. إن عقيدة الضمانة الأبدية -“تخلص مرة، تخلص للأبد”- ذات أبعاد نفسية هائلة جذابة سمحت بجذب الكثيرين من الناس إلى البروتستانتية. هذا التعليم يعني أن الخلاص عملية تحدث مرة واحدة في الزمان، وتعتمد على موقف الله من الإنسان.

طبعاً، الكنيسة الأرثوذكسية ترفض هذا التعليم الخاطئ عن الخلاص لأنها ترفض الإطار الذي فيه تمت صياغة هذا التعليم. فالخلاص حدثية حية من الشركة المتواصلة مع الله. ولا يمكن للخلاص أن يُقال بأنه تامٌ حتى يوم القيامة العامة، عندما يصير المسيح “الكل بالكل”. طالما نحن نعيش بالجسد فإن خلاصنا يعتمد على اختيارنا الحر الذي يحترمه الله مهما يكن. القديس بولس يتكلم عن حياته الروحية قائلاً: “إذاً أنا أركض هكذا كأنه ليس عن غير يقين؛ هكذا أُضارب كأني لا أضرب الهواء؛ بل أقمع جسدي وأستعبده حتى بعد ما كرزت للآخرين لا أصير أنا نفسي مرفوضاً” (1كور 9: 26-27).

بكلمات أخرى كان بولس يعمل من أجل خلاصه حتى يصل إلى ما كان يرجو. مع ذلك كان يعرف بأنه لم يكن يعمل بقوته بل بقوة الله. هكذا كان يحثّ أهل فيليبي: “إذاً يا أحبائي، كما أطعتم كل حين ليس كما في حضوري فقط بل الآن بالأولى جداً في غيابي تمّموا خلاصكم بخوفٍ ورعدةٍ، لأن الله هو العامل فيكم أن تريدوا وأن تعملوا من أجل المسرة” (فيليبي 2: 12-13). لا يشك الأرثوذكس للحظة واحدة أن الله هو العامل فينا أن نرغب وأن نعمل من أجل خلاصِنا، ولكن: ليس ضد مشيئتنا، وإلا لما عدنا بشراً بل حيوانات ذات غرائز بدون عقل وإرادة حرة. الخلاص يعني شركة حرّ’ وإلا لا توجد شركة على الإطلاق.

في كل قداس إلهي نصلّي: “أن تكون أواخر حياتنا مسيحية سلامية بلا حزن ولا خزي وجواباً حسناً لدى منبر المسيح المرهوب”، وذلك لأن خلاصنا يعتمد لا على موقف الله منا (الله محبة ويحبنا سواء قبلناه أو رفضناه) بل على موقفنا من الله قبيل موتنا. لا يجرؤ أرثوذكسي مهما بلغت قداسته القول بأنه وصل إلى ذروة الحياة الروحية وهو حيّ بعد. لأن أقدس إنسان هو أكثر إنسان قدرة على رؤية حالته الخاطئة. لهذا يبقى المسيحي ساهراً يقظاً لئلا يسقط. وإذا سقط يؤمن بأن الله يقبله للحال متى تاب توبة صادقة.

مراجعة لآيات كتابية عن الخلاص:
يستهوي الكثير من البروتستانت الاقتباس من آيات الكتاب المقدس للدلالة على أن الإنسان ينال الخلاص بمجرد قبوله الإيمان الشخصي بيسوع المسيح، وبأن هذا الخلاص مضمون [14]. بالطبع معظم الأرثوذكس قليلو الخيرة في التعامل مع آيات الكتاب ويا للآسف، فضلاً عن أن موضوع الخلاص لم يُطرح قط في الكنيسة الأرثوذكسية على هذا النحو. دراسة موضوع الخلاص دراسة كتابياً أمرٌ خارج على نطاق هذه العجالة، إنما لا بد لي من ذكر بعض الملاحظات العامة التي تساعد المسيحي على فهم الآيات الكتابية.

في البداية لا بد من تعريف الخلاص الذي نتكلم عنه خاصة لدى مناقشات الآيات الكتابية. إذا كان الإنسان قد خُلق بدون عيب وفي حالة شركة مع الله، وكانت هذه الشركة تتطور إلى أن سقط بسبب المضلِّل، فإن “الخلاص” بطبيعة الحال هو العودة، على الأقل، إلى حالة الإنسان قبل السقوط، أي الخلاص يعني التخلص من الفسادية والخطيئة والموت التي دخلت كلها على الطبيعة البشرية وعلى حياة الإنسان. بالطبع نحن في المسيح سنصل إلى ما كان آدم مدعواً إليه، لا مجرد حياة الشركة مع الله، بل الاتحاد بالله، التقدّس بنعمة الله غير المخلوقة، “شركاء الطبيعة الإلهية” أي التأله. هذا في الأرثوذكسية. وكما وجدنا إن الله لا يتغيّر بسبب سقوطنا. فهو يحبنا دائماً ويريدنا أن نشاركه حياته. الأمر متوقف بالكلية علينا: “اليوم إن سمعتم صوته لا تقسوا قلوبكم”. هو دائماً يدعونا إليه. في الأرثوذكسية ليس الخلاص حكم الله القضائي علينا، سواء “مذنب أم بريء”. حكم الله لا يغيّر من طبيعتنا المريضة. الخلاص هو الولادة الجديدة بالروح القدس؛ هو استرجاع الصورة الإلهية المهشَّمة في الإنسان إلى رونقها وعافيتها. هو تقلّد أسلحة روحية بالروح القدس الساكن فينا عند مسحنا بالميرون المقدس. هو جهاد الإنسان الروحي، روحاً وجسداً، حتى الوصول إلى قياس قامة ملء المسيح. لهذا نلاحظ أن اللاهوت الغربي يتنكّر عملياً للتجسّد الإلهي ولمفاعيله في حياة الإنسان [15]. لو كان الخلاص أمراً قضائياً يصدره الله لما احتاج السيد أن يتجسّد ويُصلب ويقوم.

أولاً – الآيات الكتابية الدالّة على أن الخلاص أمرٌ آني يتحقق للتو بالكلام:
“كل مَن يدعو باسم الرب يخلص” (أع 2: 21 ورو 10: 13)

“وكان الرب كل يوم يضمّ إلى الكنيسة الذي يخلصون” (أع 2: 47)

“آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص أنت وأهل بيتك” (أع 16: 31)

” إن اعترفتَ بفمك بالرب يسوع وآمنت بقلبك أن الله أقامه من الأموات خلصت” (رو 10: 9).

“إذ نعلم أن الإنسان لا يتبرّر بأعمال الناموس بل بإيمان يسوع المسيح” (غلا 2: 16)

“بالنعمة أنتم مخلّصون” (أف 2: 5)

“لأنكم بالنعمة مخلَّصون بالإيمان وذلك ليس منكم. هو عطية الله. ليس من أعمالٍ كي لا يفتخر أحدٌ” (أف 2: 8-9)

“ليحلّ المسيح بالإيمان في قلوبكم” (أف 3: 17)

“بكلامك تتبرّر وبكلامك تُدان” (مت 12: 37)

نلاحظ هنا أن كتبة العهد الجديد يستعملون كلمة “الخلاص” بمعانٍ عديدة ومغايرة للمفهوم الغربي (خاصة البروتستانتي). مثلاً: القديس بولس كان يستعمل كلمة “قديس” استعمالاً مغايراً لاستعمالها الحالي؛ كان يدعو جميع المؤمنين قديسين أي “مفروزين” لأن حياتهم قد تغيّرت بالمسيح فصاروا مغايرين لأهل العالم ومفروزين عنهم [16]. الأمر نفسه في الخلاص: جميع المؤمنين الذين آمنوا بيسوع المسيح نالوا “خلاصاً”، صاروا “مخلَّصين” مثلما صاروا “مقدَّسين” و”قدّيسين” و”مفروزين”. المؤمنون بيسوع نالوا شيئاً بل أشياء لم ينلها غير المؤمنين بيسوع. لهذا هم مخلَّصون. لكن هل كان كتبة الآيات السابقة يقصدون بالخلاص ما يقصده بروتستانت اليوم؟ هذا ما سنراه أدناه.

لكن قبل الانتقال إلى المجموعة الثانية من الآيات، يجب أن نلاحظ ما يلي فيما يخصّ الآيات السابقة:

  1. عند الحديث عن الخلاص بالإيمان مقابل الأعمال، فإن المقصود حصراً هو أعمال ناموس موسى وليس أعمال الإيمان المسيحي على ما سنراه لاحقاً. ناموس موسى سبّب مشكلة كبيرة للمسيحية الأولى نرى صداها في آيات الكتاب التي تركّز على أن الخلاص هو حصراً بالإيمان لا بأعمال الناموس كيلا يفتخر أحدٌ.
  2. إن القول “كل من يدعو باسم الرب يخلص” (أع 2: 21 ورو 10: 13) لا يعني أن يلغي دور المعمودية وسواها في خلاص الإنسان. إنما المقصود أنه لا يوجد خلاص سوى باسم الرب يسوع الذي “رفعه الله أيضاً وأعطاه اسماً فوق كل اسم، لكي تجثو باسم يسوع كل ركبة ممّن في السماء وعلى الأرض ومَن تحت الأرض، ويعترف كل لسانٌ أن يسوع المسيح هو ربٌ لمجد الله الآب” (فيلبي 2: 9-11).

البروتستانت مغرومون بالاقتباس من المجموعة الأولى من الآيات لإثبات صحة تعليمهم. لكن هل هو تعليم العهد الجديد أيضاً؟ هذا ما ستكتشفه المجموعات التالية من الآيات [17].

ثانياً – آيات تدل على ضرورة جهاد المؤمنين “المخلَّصين” حتى بلوغ الخلاص المرتقب:
لو كنا “مخلَّصين” على الطريقة البروتستانتية لما احتجنا إلى الجهاد ضد الأهواء والشهوات وإلخ… لو كان “المخلِّص” على الطريقة البروتستانتية ضمن خلاصه لكان في حالة خلاص من الأهواء والشهوات والتجارب والآلام وإمكانية السقوط، إلخ. فهل هذا ما كان يقصده كتبة العهد الجديد؟ لنرَ:

“لأن الإرادة حاضرة عندي وأما أن أفعل الحسنى فلستُ أجدُّ. لأني لستُ أفعل الصالح الذي أريده، بل الشرّ الذي لستُ أريده فإياه أفعل… فلستُ بعد أفعله أنا بل الخطيّة الساكنة فيّ” (رو 7: 18-20) حتى بعد “الخلاص” بولس يفعل الشر الذي لا يريده، بسبب الخطية الساكنة فيه.

“إذاً أنا نفسي بذهني أخدم ناموس الله ولكن بالجسد ناموسَ الخطيئة” (رو 7: 25) إذاً لا تملكنَّ الخطيّة في جسدكم المائت لكي تطيعوها في شهواته، ولا تقدّموا أعضاءكم آلات إثم للخطية…” (رو 6: 12-13).

“جرّبوا أنفسكم هل أنتم في الإيمان؟ امتحنوا أنفسكم” (2 كور 13: 5). لماذا نمتحن أنفسنا إن كنا نظن أننا “مخلَّصون” على الطريقة البروتستانتية؟!

“لكي تقدروا أن تقاوموا في اليوم الشرير وبعد أن تتمّموا كل شيء أن تثبتوا (أف6: 13) يجب أن نقاوم وأن نتمّم وأن نثبت حتى ننال الخلاص!

“ليس أني قد نلتُ أو صرتُ كاملاً، ولكني أسعى لعلّي أدرك الذي لأجله أدركني أيضاً المسيح يسوع” (فيل 3: 12). “الخلاص” يعني “الكمال”. لكن بولس لا يجرؤ على القول أنه وصل إلى الكمال، فهل هو مخلَّص على الطريقة البروتستانتية؟! بالطبع لا. بل هو مخلَّص على الطريقة المسيحية: لقد نال عربون الخلاص وهو يجاهد الآن حتى يصل إلى ملء الخلاص الذي يناله في اليوم الأخير عندما يرى الله وجهاً لوجه. هذا ما يكرّره سابقاً ولاحقاً كما نرى:

“أيها الأخوة، لستُ أحسبُ نفسي أني أدركتُ، ولكني أفعل شيئاً واحداً: إذ أنا أنسى ما هو وراء وأمتد إلى ما هو قدام” (فيل 3: 13).

“فلا ننم إذاً كالباقين بل لنسهر ونصح” (1 تسا 5: 6).

“لم تقاوموا بعد حتى الدم مجاهدين ضد الخطيئة” (عبر 12: 4).

الضمانة الأبدية هي تعليم بروتستانتي مهم في “الخلاص” كما رأينا. فالمخلَّص لا يسقط لأن المسيح يُقيمه إن سقط ويخلَّصه. يردّد البروتستانت: “المسيح أمين ولا يترك أحباءه ولو سقطوا”. السؤال هنا: ماذا لو سقطوا هؤلاء الأحباء ولم يتوبوا؟ ماذا لو رفض هؤلاء “الأحباء” المسيح حتى بعد قبولهم له؟ هذا ما تجيب عليه المجموعة الثالثة من الآيات:

ثالثاً – آيات تدل على أن “المخلَّصين” عرضة لتجارب والسقوط والهلاك:
قصة حنانيا وسفيرة (أع 5: 1-11) مثالٌ بليغ لنا: فحنانيا وسفيرة آمنا بالرب يسوع وصارا من “المخلَّصين”. لكنهما كذبا على الروح القدس ولم يتوبا، فنالا قصاصاً إليهاً عادلاً بالطبع. لو كان حنانيا وسفيرة من البروتستانت المخلَّصين لكانا قد ضمنا الأبدية مهما حصل! لا نخدع أنفسنا أيها الأحباء.

“إن كان أحدٌ مدعوٌ أخاً زانياً أو طمّاعاً…” (1 كور 5: 11). بولس يقول إنه من المحتمل لأحد الأخوة “المخلَّصين” أن يكون زانياً أو طماعاً. إن كانت الشهوة ما تزال حية في المخلَّص، وهذا واقع، فكيف يكون “مخلَّصاً ومِن ماذا مخلَّصاً؟” من الواضح إذاً أن المسيحي لا يصل إلى مرحلة الخلاص بالكامل إلا في يوم القيامة العامة.
“إذاً أيٌ مَن أكل هذا الخبز وشرب كأس الرب بدون استحقاق يكون مجرماً في جسد الرب ودمه” (1 كور 11: 27). الذين يتناولون هم بالطبع من “المخلَّصين” فكيف يكون المخلَّصون مجرمين في جسد الرب ودمه؟!

“إني أتعجّب أنكم تنتقلون هكذا سريعاً عن الذي دعاكم بنعمة المسيح إلى إنجيل آخر” (غلا 1: 6). “أبعد ما ابتدأتك بالروح تكمّلون الآن بالجسد؟!” (غلا 3: 3. أيضاً راجع 4: 9). ألم يكن أهل غلاطية “مخلَّصين” عندما قبلوا الإيمان؟ فكيف تخلَّوا عن بشارة الإنجيل؟

“لأن كثيرين يسيرون مّمن كنتُ أذكرهم لكم مراراً والآن أذكرهم أيضاً باكياً وهم أعداء صليب المسيح، الذين نهايتهم الهلاك” (فيل 3: 18-19). هل يصير “المخلَّصون” أعداء صليب المسيح ونهايتهم الهلاك؟! بولس يقول هذا ما حدث فعلاً. إذاً: لا توجد ضمانة من أن “المخلَّص” قد ضمن الملكوت لأنه قد يسقط في أي لحظة ويتخلّى عن المسيح. هذا ما تقصده الآية التالية:

“ولكن الروح يقول صريحاً أنه في الأزمنة الأخيرة يرتدّ قومٌ عن الإيمان” (1تيمو 4: 1).

“… ملاحظين لئلا يخيب أحدٌ من نعمة الله” (عبر 12: 15). نعمة الله لا تتخلى عنك؛ بالحري أنتَ مَن يتخلّى عنها.

“تمسّك بما عندك لئلا يأخذ أحد إكليلك” (رؤ 3: 13) هذا ما قبل لملاك (راعي) كنيسة فيلادلفيا. هذا الإكليل هو مؤقت وليس أبدي. الإكليل الأبدي نناله عند الدينونة العامة. عندئذ لن يؤخذ منا. أما الإكليل المؤقت فهو زمني قد نخسره إن كنا لا نستحقه.

أين إذن المدعون بأنهم صاروا “مخلَّصين” وأنهم إذا ماتوا الآن يطيرون إلى ملكوت السماوات؟ كيف يحكم البروتستانت “المخلَّصون” على أنفسهم بأنهم صاروا حقاً “مخلَّصين” قبل أن يحكم الرب الديّان عليهم؟! هل هذا ما يعلّ/ه الكتاب المقدس؟ انظر إلى المجموعة الرابعة من الآيات:

رابعاً – الدينونة في اليوم الأخير هي التي ستقرّر مَن سيخلُص:
“فعمل كل واحد سيصير ظاهراً لأن اليوم سيدينه. لأنه بنارٍ يُستعلن وستمتحن النار عملَ كل واحد ما هو…” (1 كور 3: 13).

“إذاً لا تحكموا في شيء قبل الوقت حتى يأتي الرب الذي سينير خفايا الظلام ويُظهر آراء القلوب، وحينئذ يكون المدح لكل واحد من الله” (1كور 4: 5).

“ليمتحن كل واحد عمله وحينئذ يكون له الفخر من جهة نفسه فقط لا من جهة غيره” (غلا 6: 4).

“لأنه لا بد أننا جميعاً نظهر أمام كرسي المسيح لينال كل واحد ما كان بالجسد بحسب ما صنع خيراً كان أم شراً” (2 كور 5: 10). الخلاص والدينونة مرهونان بحكم المسيح في اليوم الأخير

“وأما مَن افتخر فليفتخر بالرب. لأنه ليس مَن مدح نفسه هو المزكَّى، بل مَن يمدحه الرب” (2 كور 10: 17-18). ليس مَن يقول “أنا مخلَّص” هو المخلَّص بل مَن يعلنه الرب مخلَّصاً. من الواضح أن بولس لم يكن بروتستانتياً لأنه لم يفهم الخلاص على الطريقة البروتستانتية!

“ليُحضركم قديسين وبلا لوم ولا شكوى أمامه إن ثبتم على الإيمان متأسّسين وراسخين وغير منتقلين عن رجاء الإنجيل” (كول 1: 23).

“صادقة هي الكلمة أنه إن كنا قد متنا معه فسنحيا أيضاً معه. إن كنا نصير فسنملك أيضاً معه. إن كنا ننكره فهو أيضاً سينكرنا” (2 تيمو 2: 11-12). لاحظ شيئاً هاماً هنا: “إن كنا ننكره فهو أيضاً سينكرنا”. الرب سينكر من ينكره لأنه أمين. لهذا في أدب آباء البرية، معلّمي المسكونة، نجد أن أكبر النساك أكثرهم وعياً لخطاياه وخشية من يوم المسيح المرهوب، لا لأن المسيح غير أمين. بل على العكس: لأن أمانة المسيح هي التي ستحكم في هذا الشخص وهي التي ستقرر فيما إذا كان قبل قبل المسيح بأمانة وإخلاص من قلبه ونفسه وعقله.

“لكن الذي يصبر إلى المنتهى فهذا يخلص” (متى 24: 13). آمين!

لعمري، هل لدى البروتستانت “المخلَّصين” خطٌ هاتفي أحمر مع المجد الإلهي يستطيعون به معرفة المخلَّصين حتى قبل يوم الدينونة العامة؟!

إذاً: لا يستطيع البروتستانت أن يضللوا الأرثوذكس أو الكاثوليك بمسألة أن البروتستانتي قد نال الخلاص وضمن الملكوت وأنه بقبوله يسوع له المجد قد صار من كبار القديسين وهو لا يعرف أبجدية الحياة الروحية المسيحية.

إذاً: بقبول المسيح مخلصاً شخصياً وبالولادة الجديدة الروحية بالمعمودية وبنيل الروح القدس له المجد بمسحة الزيت المقدس، وبمناولة جسد الرب ودمه والاتحاد به ينال الإنسان خلاصاً من حالته الساقطة، حالة الخطيئة التي كان يعيش فيها قبل أن يصير مسيحياً. “الخلاص” الحادث في المسيحي هو باختصار كل معاني المعمودية ومفاعيلها. لكنه عندما يولد المسيحي من جديد يولد طفلاً جديداً صغيراً عليه أن ينمو في المسيح إلى أن يصل إلى قياس ملء قامة المسيح. عندئذ: إن بقي المسيحي أميناً للمسيح ولم ينكره يحصل في اليوم الأخير وفي الدينونة العامة على ملء الخلاص: التأله و”مشاركة لله طبيعته الإلهية” بتعبير الرسول بطرس. إذاً: خلاص المسيحي أمرٌ ديناميكي متحرك متطوّر؛ هو حدثية مستمرة لا تكتمل إلا بعد الموت عندما يميّ. الرب الجداء من الخراف. لنقرأ المجموعة الخامسة من الآيات.

خامساً – آيات تدل على أن الخلاص لا يكتمل قبل الموت/الخلاص حدثية مستمر:
“الروح نفسه يشهد لأرواحنا أننا أولاد الله. فإن كنا أولاداً فإننا ورثة أيضاً، ورثة الله ووارثون مع المسيح. إن كنا نتألّم معه لكي نتمجّد معه” (رو 8: 16-17): لم نتمجّد معه بعد. حتى لو دعانا بولس “ورثة”، إلا أننا لم ننل هذه الورثة بعدـ بل نلنا “عربون ميراثنا لفداء المقتنى لمدح مجده” (أفسس 1: 14).

“لأن الخليقة نفسها أيضاً ستُعتَق من عبودية الفساد إلى حرية مجد أولاد الله. فإننا نعلم أن كل الخليقة تئن وتتمخّض معاً إلى الآن. وليس هكذا فقط، بل نحن الذين لنا باكورة الروح أنفسنا أيضاً نئن في أنفسنا متوقعين التبنّي فداء أجسادنا” (رو 8: 21-22): لاحظوا هنا هذه الفكرة المهمة جداً: الخليقة مازالت تئن وتتمخض حتى الآن. الخليقة لم تُعتق بعد من الفساد إلى حرية مجد أولاد الله. نحن لم ننل التبني بعد، بل نلنا عربون التبني. إذاً: كيف بعد هذا كله نستطيع القول أننا خلصنا بالمعنى الغربي؟ إننا بهذا القول نخدع أنفسنا: نحن نلنا عربون الخلاص وعربون التبني وعربون الملكوت السماوي. لن نصل إليهم إلا في اليوم الأخير بعد أن نُثبت أننا بقينا أمناء ليسوع. عندئذ تنعتق الخليقة من الفساد وينال المؤمنون التبني فيصيرون أولاد الله في الملكوت، كالملائكة لا يعودون يخطئون بعد. عندئذ يستطيعون القول أنهم مخلَّصين.

إذاً: إن كنا لم ننل ملء الخلاص بعد، بل نلنا عربونه، فلا بد القول أننا بالرجاء خلصنا. يقول الرسول العظيم:

“لأننا بالرجاء خلصنا. ولكن الرجاء منظور ليس رجاء. لأن ما ينظره أحدٌ كيف يرجوه أيضاً. ولكن إن كنا نرجو ما لسنا ننظره فإننا نتوقعه بالصبر” (رو 8: 24-25). خلاصنا غير منظور بعد بل نتوقّعه بالصبر: “طوبى للرجل الذي يحتمل التجربة، لأنه إذا تزكّى ينال إكليل الحياة الذي وعد به الرب للذين يحبونه” (يعقوب 1: 12). لاحظ أنه قال “للذين يحبونه” أي يحبون الرب وليس “للذين يحبهم الرب”، لأن الرب يحب جميع الناس، الصالحين والأشرار. إذاً بناء على محبتنا للرب وثباتنا في هذه المحبة يقرر الرب خلاصنا.

قبل متابعة الآيات لا بد من الوقوف هنا عند ما قاله بولس: “لأننا بالرجاء خلصنا”. ثم قال: “ولكن إن كنا نرجو ما لسنا ننظره فإننا نتوقّعه بالصبر”. إن كنا لم نحصل على الخلاص بل نتوقعه بالصبر فكيف يقول بولس “إننا بالرجاء خلصنا” بدلاً من القول: “إننا بالرجاء سنخلص”؟ كيف يستعمل بولس صيغة الماضي لحدث لن يتم إلا في المستقبل؟

الجواب بسيط: بولس يؤكد أننا حتى ولو لم ننل ملء الخلاص بعد، فإننا نتذوّقه ونعيش شيئاً منه الآن. نحن لم نصل إلى الملكوت بعد، ولكننا نعرف أن الكثير من القديسين قد تذوّقوا هذا الملكوت قبل رحيلهم عن العالم. لهذا بولس يستعمل صيغة الماضي لحدث سيتم في المستقبل كما لو كان هذا الحدث قد تم سلفاً. هذا يذكرنا بقول بولس نفسه: “وأقامنا معه وأجلسنا معه في السماويات في المسيح يسوع” (أفسس 2: 6). من الواضح أن بولس لا يقصد أننا قمنا مع المسيح وجلسنا معه في السماويات (لأننا مازلنا على الأرض ننتظر يوم موتنا)، لكنه يقصد أننا نلنا عربون القيامة وعربون الجلوس مع المسيح في السماويات، لأننا نلنا بالروح القدس الساكن فينا “عربون ميراثنا لفداء المقتنى لمدح مجده” (أفسس 1: 14). رغم ذلك، بولس يحذّرنا من أن الله لا يجبرنا على خلاصنا إن كنا نرفضه. لهذا قال:

“ليُحضركم قديسين وبلا لوم ولا شكوى أمامه، إن ثبتم على الإيمان متأسسين وراسخين وغير منتقلين عن رجاء الإنجيل” (كول 1: 22-23).

“هذا وإنكم عارفون الوقت أنها الآن ساعةٌ لنستيقظ من النوم فإن خلاصنا الآن أقرب مما كان حين آمنّا… فلنخلع أعمال الظلمة ونلبس أسلحة النور” (رو 13: 11-12). لاحظوا هنا هذا: لو قرأنا بولس القائل: “إن اعترفتَ بفمك بالرب يسوع وآمنت بقلبك أن الله أقامه من الأموات خلصت” (رو 10: 9) بدون قراءة أي شيء آخر لاستنتجنا أننا ننال الخلاص بمجرد الإيمان بالمسيح. لكن ليس هذا ما يقصده بولس ولو كره الكارهون. لأنه بولس نفسه هو القائل أعلاه: فإن خلاصنا الآن أقرب مما كان حين آمنّا.. هذا يعني أننا لم ننل الخلاص بعد. بولس يستعمل كلمة “الخلاص” بأكثر من معنى: إنها تعني الخلاص من حالة الخطيئة والظلمة التي كنا نعيش فيها قبل معرفة المسيح، وتعني عربون الخلاص الذي نناله الآن بناء على إيماننا بيسوع المسيح، وتعني الخلاص الذي سننال ملئه في اليوم الأخير إن بقينا أمناء للمسيح. كلما اقترب موتنا، يقول بولس، كلما اقترب خلصنا. المعنى واضح.

“ومتى لبس هذا الفاسد عدم فساد ولبس هذا المائت عدم الموت فحينئذ تصير الكلمة المكتوبة: اُبتلع الموت إلى غلبة” (1 كور 15: 54).

“وكما لبسنا صورة الترابي سنلبس أيضاً صورة السماوي” (1 كور 15: 49). ما المقصود هنا؟ يقول بولس: كما لبسنا صورة آدم (الأول) الترابي هكذا سنلبس صورة آدم (الثاني) السماوي أي يسوع. أي أننا بعد عدم الفساد لكن: “عند البوق الأخير فإنه سيبوَّق فيُقام الأموات وعديمي فساد ونحن نتغيّر، لأن هذا الفاسد لا بد أن يلبس عدم فساد وهذا المائت يلبس عدم الموت. ومتى لبس هذا الفاسد عدم فساد ولبس هذا المائت عدم موت فحينئذ تصير الكلمة المكتوبة: اُبتلع الموت إلى غلبة…إلخ” (1كور 15: 52-58). إذاً: لم نلبس بعد عدم فساد وعدم موت ولم نلبس بعد صورة آدم السماوي (يسوع المسيح) ولم تتحقق الكلمة المكتوبة أو (الوعد) بعد. هذا كله سيحدث في اليوم الأخير. عندما تُبطل كل رئاسة وكل سلطان وكل قوة ويصير جميع الأعداء تحت قدميه، وآخر عدو يبطل هو الموت، عندئذ يخضع الكل له فيكون الله الكل في الكل، عندئذ فقط ننال الخلاص من الفساد، من الخطيئة ومن الموت؛ حينئذ فقط نستطيع القول أننا لن نخطئ بعد، ولن نفسد ولن نموت، فنصير مثل الملائكة في السماوات.
“يا أولادي الذي أتمخّض بكم أيضاً إلى أن يتصوَّر المسيح فيكم” (غلا 4: 19). إن كان المسيح لم يتصوَّر بعد في أهل غلاطية “المخلَّصين” فكيف كانوا “مخلَّصين” بالمفهوم البروتستانتي؟!

“… إلى أن ننتهي جميعاً إلى وحدانية الإيمان ومعرفة ابن الله، إلى إنسان كامل، إلى قياس قامة ملء المسيح.. بل صادقين في المحبة، ننمو في كل شيء إلى ذاك الذي هو الرأس، المسيح” (أف 4 : 13-15). المسيحي مدعوٌ للنمو في الإيمان والمعرفة حتى الوصول إلى قياس قامة ملء المسيح.

“حتى تميّزوا الأمور المتخالفة لكي تكونوا مخلَّصين وبلا عثرة إلى يوم المسيح” (فيل 1: 10). إذا لم نميّز الأمور المتخالفة التي تبعناها لن نكون مخلَّصين يوم المسيح. من الواضح أن الخلاص غير مضمون ويعتمد على الإرادة البشرية لا الإلهية.

“تمّموا خلاصكم بخوف ورعدة، لأن الله هو العامل فيكم أن تريدوا وأن تعلموا من أجل المسرّة” (فيل 2: 12). يصرخ الرسول: “تمّموا خلاصكم بخوف ورعدة”. خلاصكم غير كامل بعد. تمّموه بخوف ورعدة. لا تدمدموا قائلين: نحن مخلَّصون! بئس هذا الفكر الباطل. بدلاً من أن نتمّم خلاصنا بخوف ورعدة ومحبة وتواضع، نشمخ برؤوسنا قائلين: “نحن مخلَّصون”؟! من الواضح أن بولس لم يكن بروتستانتياً وإلا لما قال ما قاله.

هل يتبرّر الإنسان بالإيمان أم بالأعمال:
الجواب يعتمد على المقصود بالإيمان وبالأعمال. لأن الإنسان يبترّر بالإيمان وبالأعمال بدون أن يوجد تناقض بين القولين. كيف؟

في معظم مناقشات الإيمان والأعمال في رسائل بولس كان الحديث لا عن أعمال الإيمان المسيحي بل عن أعمال الناموس اليهودي كما ذكرنا. لهذا قال بولس: “وبه (بالإنجيل) أيضاً تخلصون” (1 كور 15: 2) و”بالنعمة أنتم مخلَّصون” (أف 2: 5) و”إن اعترفتَ بفمك بالرب يسوع وآمنت بقلبك أن الله أقامه من الأموات خلصت” (رو 10: 9) و”إذ نعلم أن الإنسان لا يتبرّر بأعمال الناموس بل بإيمان يسوع المسيح” (غلا 2: 16) و”لأنكم بالنعمة مخلّصون بالإيمان وذلك ليس منكم. هو عطية الله. ليس من أعمال كي لا يفتخر أحدٌ” (أف 2: 8-9). لو قرأنا هذه الآيات على حدة لاستنتجنا أن الإنسان لا يمكنه أن يتبرّر بأعمال الناموس اليهودي بل بالإيمان بيسوع المسيح له المجد. لكن هذه الآيات لا تعني أن التبرير بالإيمان يلغي دور الأعمال المسيحية. لأنه إن كان التبرير هو بالإيمان عند بولس فلا يعني هذا أن بولس يلغي دور الأعمال في حياة المسيحي ولا يضع بولس في موقف متعاكس مع يعقوب كما افترض خطأً لوثر وسواه. ماذا قال بولس عن الأعمال وعن الخلاص بالأعمال؟
“فإن الذي يزرعه الإنسان إياه يحصد أيضاً” (غلا 6: 7).

“تمّموا خلاصكم بخوفٍ ورعدة” (فيل 2: 12)

“جاهد جهاد الإيمان الحسن وامسك بالحياة الأبدية التي إليها دُعيت” (1 تيمو 6: 12)

“إن كان أحدٌ يجاهد لا يُكلَّل إن لم يجاهد قانونياً” (2تيمو 2: 5)

“فعمل كل واحد سيصير ظاهراً لأن اليوم سيدينه. لأنه بنارٍ يُستعلن وستمتحن النار عمل كل واحد ما هو…” (1كور 3: 13)

“إذاً لا تحكموا في شيء قبل فوات الوقت حتى يأتي الرب الذي سينير خفايا الظلام ويُظهر آراء القلوب، وحينئذ يكون المدح لكل واحد من الله” (1 كور 4: 5)

“ليمتحن كل واحد عمله وحينئذ يكون له الفخر من جهة نفسه فقط لا من جهة غيره” (غلا 6: 4)

“لأنه لا بد أننا جميعاً نظهر أمام كرسي المسيح لينال كل واحد ما كان بالجسد بحسب ما صنع خيراً كان أم شراً” (2 كور 5: 10)

إذاً: سيُدان الإنسان بناء على أعماله في اليوم الأخير. هذه الإعمال ستعكس إيمانه بالمسيح. من هنا نجد أن الخلاص هو بالإيمان وبالأعمال معاً. هذا ما سبق للرب له المجد أن قاله: “… وحينئذ يجازي كل واحد حسب عمله” (متى 16: 27). هذا المشهد قدّمه الرب في حديثه عن اليوم الأخير: “… لأني جعتُ فأطعمتموني،….” (متى 25: 14-31). بالطبع الأعمال بدون إيمان كحساب البنك بدون رصيد: ورق في ورق ولا تنفع شيئاً. لهذا لم يأتِ الرسول يعقوب بجديد عندما قال: “هكذا الإيمان أيضاً إنْ لم يكن له أعمالٌ ميتٌ في ذاته…” (يعقوب 2: 17) و”بالأعمال يتبرّر الإنسان لا بالإيمان وحده” (يعقوب 2: 24).

الخلاص سرٌ عظيم. سمة المسيحي الحقيقي هي التواضع، تواضع العشّار الذي اعتبر نفسه غير مستحقٍ أن ينظر إلى السماء فخرج مبرّراً. والسبح لله دائماً.

نقلاً عن:
كتاب: سألتني فأجبتك
بقلم: د. عدنان طرابلسي


حواشي الدراسة:

[1] هذا العنوان (الخلاص بين المفهوم الأبائي الأرثوذكسي والبدع المتأثرة بـ “انسلم، لوثر وكالفن”) من وضع الشبكة

[2] قام الأب Lyonnet بدراسة لنصوص آباء الكنيسة الناطقين باليونانية في شرحهم لرومية 5: 12. النتيجة أرثوذكسية. الترجمة اللاتينية Vulgate لرومية 5: 12 خاطئة. ضلّلت الغرب. الترجمة الفرنسية B.J وترجمتها العربية (دار المشرق) صحّحتا الخطأ.

[3] راجع د. عدنان طرابلسي “وسقط آدم”.

[4] الترجمة اليسوعية القديمة: “اجتاز الموت إلى جميع الناس بالذي جميعهم خطئوا فيه” هذا يعني أننا نحمل عبء خطيئة آدم الشخصية. الترجمة اليسوعية الجديدة (دار المشرق) صحيحة: “سرى الموت إلى جميع الناس لأنهم جميعاً خطئوا”. ترجمة الكسليك المارونية: “بما أن الجميع…” ال Du Fait Que” B.J”: وهكذا تراجعوا عن ضلال Vulgate (اسبيرو جبو).

[5] هل كان التجسد سيقع ولو لم يسقط آدم؟ في “التجليات في دستور الإيمان”، ناقشت الموضوع بصورة أدق منها في سر التدبير. الآباء الكبار يقولون أن التجسد حدث لإنقاذنا. سيمرّ معنا تأييد ذلك (اسبيرو جبور).

[6] نظرياً -كما قلت في سر التدبير خلافاً للوسكي- كان يجب أن تكون طبيعة يسوع المسيح البشرية غير قابلة للألم والموت. لكن هو اختار أنّ لا تكون كذلك. أخذ طبيعة قابلة للألم والموت والفساد (ما عدا البلى في القبر، سر التدبير 153). لوسكي مولع بافتراض المخالفات: قضاء بين عدم قابلية ناسوت يسوع للنساء وقابليته الطوعية له فنقضه Larchet في “التأليه بحسب مكسيموس، ص 512” (اسبيرو جبور).

[7] في قاموس الروحانية المسيحية الفرنسي وسواها تراجع المؤلفون وطرقوا مطولاً موضوع التأله لدى الآباء. وحديثاً أصدرت النشرة الكاثوليكية Le Cerf كتاب صديقي Larchet الضخم: “تأليه الإنسان بحسب مكسيموس المعترف” (اسبيرو جبور).

[8] على الانترنت توجد مواقع يصير فيها أكبر الخطأة قديسين “مبرّرين” خلال ثلاث دقائق!

[9] النقص الفاحش في الغرب هو إهمال دور الروح القدس. وقف عند الصليب ودم المسيح. هناك العنصرة المجيدة. الروح القدس أعاد المسيح إلينا يوم العنصرة ليعيش فينا ونعيش فيه في الروح القدس نفسه. ليس الخلاص عملية ثابتة بل هو عملية متحركة في الروح القدس الذي يتجلّى فينا حتى نبلغ ملء قامة المسيح. بولس أوصانا أن نمتلئ من الروح القدس. فليست المسألة تحليلاً فلسفياً حقوقياً بل حياة روحية في الروح القدس (اسبيرو جبور).

[10] للدمشقي قول لطيف اختصره بالاماس: يسوع تجسّد وصُلب ومات وقام… فقام برحلة خاصة به. ولكن في الأسرار عاد إلينا. البروتستانتية ألغت الأسرار والكثلكة تلاعبت بها، فخرجت عن بعد مقدماتها التقليدية. هذه العودة في الأسرار بفعل الروح القدس هي لب اللاهوت الأرثوذكسي. في الأسرار صرت يسوع وصار  يسوع إياي. غريغوريوس اللاهوتي يعتبر كل تفاصيل حياة يسوع خاصة بشخصه كأن يسوع هو غريغوريوس، يمزج نفسه بكل حياة المسيح كأنها حياته الشخصية. هذه هي الأرثوذكسية: الحياة في المسيح (اسيبرو جبور).

[11] هذا رأي الذهبي الفم والسلمي وكثيرين سواهما. الكثلكة والبروتستانتية بحاجة إلى غسل في معمل القديس أفرام والمقالة الخامسة من كتاب “السلم إلى الله” لتخلصا من الفلسفة والعقلانية. والبروتستانتية بحاجة إلى الخلاص من هوس التفسير الذي مزّقها إرباً للتركيز على فهم أرثوذكسي للكنيسة كجسد المسيح في التاريخ، الواحد غير المجزأ إلى أفراد. فكل بروتستانتي كنيسة فردية. وهي بحاجة إلى صلوات القديس أفرام والتريودي الأرثوذكسي، وإلا سيزداد تنسخها (اسبيرو جبور).

[12] ليست كل الفئات البروتستانتية تؤمن بهذا. الميثوديست Methodists والمعمدانيون ذوو المشيئة الحرة Free Will Baptists وأتباع كامبل Campbellites لا يؤمنون بالضمانة الأبدية.

[13] في كتاب معمداني اسمه: “Witnessing to People of Eastern Orthodox Background” لمؤلفه Matt Spann، يحاول المؤلِّف استعراض الفروق بين الأرثوذكس والبروتستانت بغية تسهيل تبشير الأرثوذكس في البلاد الأرثوذكسية. تحت فقرة آدم قبل السقوط، يقول إن البروتستانت يؤمنون بأن آدم كان كاملاً وعلى شركة كاملة مع الله. لم ينتبه المؤلف إلى أن آدم بالمفهوم البروتستانتي قد سقط لأنه رفض الله، رغم أن آدم كان كاملاً برأيه. واليوم البروتستانتي، وهو غير كامل مثل آدم، لا يمكنه أن يسقط أو يرفض الله، رغم أنه لا يملك شركة كاملة مع الله مثل آدم قبل السقوط (بالمفهوم البروتستانتي). هذه التناقضات في اللاهوت البروتستانتي ليست غريبة ولكنها مؤسفة وتستحق الرثاء.

[14] المعمدانيون في أميركا يدعمون إسرائيل المعتدية. وبروتستانت ألمانيا وبريطانيا وأميركا غسلوا الدنيا بالدماء وهم أهل الاختراعات الحربية البارزون. فهل أعمالهم هذه جرائم معاقبة في الآخرة؟ فليعتدلوا. التاريخ المعاصر ضد حروبهم واستعمارهم وقهرهم للشعوب (اسبيرو جبور).

[15] التجسد رفع طبيعتنا فوق الملائكة (سر التدبير الإلهي ص 64 و66). الأرثوذكسية تقول بالنعمة الإلهية غير المخلوقة والتأله. هذا مبني على مجمع خلقيدونيا الرابع المسكوني والخامس والسادس المسكونيين: الطبيعة البشرية موجودة في أقنوم الابن (اسبيرو جبور).

[16] في الأرثوذكسية: عَمّدنا الروح القدس فولدنا في المسيح وسكن فينا وأخذناه في الميرون وتناولنا القربان المقدس وصرنا أعضاء في الكنيسة “القدوسة الجامعة”. بولس قال: قد اغتسلتم، قد تقدّستم، قد تبرّرتم (كورنثوس الأولى 2: 9).

[17] الخطأ البروتستانتي الأكبر هو حلول الكتاب المقدس محل جسد المسيح (أي الكنيسة). فوجودهم التاريخي قام على الاقتطاع من جسم الكنيسة الكاثوليكية لتأسيس جماعة منفصلة من كل تاريخ سابق لها. الكنيسة رسولية قائمة على الرسل (رؤيا 21: 22 وأفسس) منذ يوم العنصرة. ينتمي الإنسان إليها بمعمودية قانونية. فما علاقتهم بيوم العنصرة؟ هل ترك الروح القدس الكنيسة منذ العنصرة حتى لوثر في 1518؟ وهل قامت عنصرة جديدة في 1518؟ لا، لذلك البروتستانتية فرع نما خارج الكنيسة (اسبيرو جبور).

Keluar dari versi seluler