Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
PDF
☦︎
☦︎

1. الأسبقية الزمنية لإنجيل مرقس بالنسبة إلى الأناجيل الأخرى:

كان يُعتقد في القديم أن إنجيل مرقس يشكل جزءاً من إنجيلي متى ولوق، ولذلك لم تكتب له تفاسير إلا القليل من قِبَل آباء الكنيسة. ولكن إبتداء من القرن التاسع عشر، وخاصة منذ بداية القرن العشرين، ساد الرأي بأن إنجيل مرقس هو أقدم أناجيل العهد الجديد، وأنه كان أحد المصادر التي استخدمها متى ولوقا. إن هذين الإنجيليين استخدما كل ما جاء عند مرقس ما عدا بعض المقاطع القليلة جداً (1: 1، 3: 21-22، 4: 26-28، 7: 3-4، 8: 22-26، 12: 34، 14: 51-52 (1) إلخ)، كما تبنّيا سلسلة عرضه للحوادث. ولا نجد عندهما مكاناً يختلفان فيه عنه، وقد أضاف كل واحد على حدة مادة جديدة من تقليده الخاص.

2. شهادات التقليد الكنسي القديم:

لقد وصلنا خبر سجّله العديد من الكتاب الكنسيين القدماء مفاده أن إنجيل مرقس صدى لكرازة بطرس، أي بعبارة أخرى هو “مذكرات بطرس الرسول” حسب تعبير الكاتب يوستينوس (الحوار 106: 3)، وكل ما جاء من معلومات لاحقة يستند إلى شهادة بابياس Papias في منتصف القرن الثاني والتي وردت عند المؤرخ إفسابيوس {التاريخ الكنسي (3، 39، 15)} تقول: “مرقس مفسّر لبطرس دوّن بدقّة كل ما ذكره الرسول، أورد أقوال الرب وأعماله لكن بدون ترتيب زمني لأنه لم يسمع الرب شخصياً ولا تبعه بل، تبعاً لبطرس الرسول، جاءت تعاليمه وفقاً للحاجة فإنه لم يؤلف أقواله الرئيسية تأليفاً بحيث لم يخطئ مرقس في أي شيء بل كتب كل ما تذكّره، وكان همّه الوحيد عدم إهمال ولا تحريف ما جاء في هذه الأقوال”. وكذلك الكاتب ترتليانوس يصف مرقس بأنه مفسّر لبطرس.

وإلى جانب ذلك، جدير بنا أن نلاحظ أن تعاليم بطرس الرسول اللاهوتية التي نعرفها من خلال رسائله الجامعة أو من خطاباته في أعمال الرسل لا ترد في إنجيل مرقس. وهذا الأمر غير ضروري لأن إنجيل مرقس يهتم، على الأخص، بأعمال يسوع وليس بلاهوته كما يفهمه أحد تلاميذه. ومن جهة ثانية كان مرقس مساعداً للرسول بولس أيضاً (أنظر أعمال الرسل 13: 5، 13: 12و15، 15: 37. كول4: 10، 2تيمو4: 11). ولذلك حاول بعض المفسّرين أن يبرزوا عناصر بولسية في إنجيله. صحيح أن مرقس كان تلميذاً للرسولين الكبيرين بطرس وبولس وعاملاً معهم، ولكن كانت عنده معرفة شخصية بالحوادث التي سردها. لقد رأى الكثيرون من المفسّرين في الحادثة الإنجيلية التي وردت في 14: 51-52 (2) – والتي تتكلم عن الشاب العريان الذي كان يتابع مشهد القبض على يسوع في بستان الجسمانية– “مثالاً شخصياً حياً” لكاتب الإنجيل.

3. مضمون الإنجيل:

لا نتوقع في إنجيل مرقس كما في الأناجيل الأخرى، أن نجد سيرة حياة كاملة ومنظمة ليسوع المسيح. سوف نجد بعض الحوادث المميّزة في حياة الرب يسوع وتعليمه نابعة من تقليد الكنيسة الغني. هذه المعلومات الجزئية تدلّ على أن وعود الله من أجل خلاص البشر قد تحقّقت في المسيح.

بادر معظم المفسّرين إلى تقسيم مضمون الإنجيل حسب المناطق الجغرافية لعمل الرب يسوع: الجليل، اليهودية، العمل الأخير في أورشليم، الآلام فالقيامة. سوف نحاول أن نعطي تصميماً للإنجيل ليس بالاستناد إلى المناطق الجغرافية، بل إلى الإعلان التدريجي لوجه المسيا وإعلان ملكوت الله المبشَّر به.

  • أ- البدايات المسيانية: سابق المسيّا، المعمودية، التجارب (1: 1-13)
  • ب- عجائب المسيا ومقاومته لممثلّي الطبقة الدينية القديمة (1: 14 – 3: 6).
  • ج- خلق شعب الله الجديد. إعلان سرّ ملكوت الله عبر الأمثال والعجائب (3: 7 – 5: 43)
  • د- رفض المسيا من قبل اليهود. وتوجهّه نحو الوثنيين. كشف الملكوت للوثنيين (6: 1 – 8: 26).
  • هـ- إعلان آلام المسيّا للتلاميذ (8: 27 – 10: 52).
  • و- الدخول إلى أورشليم والتعاليم الأخيرة قبل الآلام (11: 1 – 13: 37).
  • ز- الآلام والقيامة (14: 1 – 16: 8).
  • ح- الخلاصة: ظهورات القائم من بين الأموات (16: 9-20).

4. خصائص إنجيل مرقس:

أوّلاُ: من حيث المضمون واللاهوت.

ثانياً: من حيث اللغة والأسلوب.

أوّلاُ: من حيث المضمون واللاهوت.

I – بعكس أناجيل العهد الجديد الأخرى لا يهتم إنجيل مرقس بعرض تعاليم يسوع “الأقوال” بقدر ما يهتم بشخصه وبسلطة ابن الله العجيبة، سلطة المسيّا الذي يخرج الشيطان ويحرّر الناس من عبوديتهم له أي “الأعمال”.

مباشرة من البداية يتّضح مضمون الكتاب بالعبارة: “بدء إنجيل يسوع المسيح ابن الله”. الجدير بالذكر أن اللقلب المسياني “ابن الله” لا يستخدمه الناس في إنجيل مرقس لتسمية يسوع، بل يستخدم من قبل الله الآب الذي يتوجّه به إلى ابنه في لحظات مميزة من حياته الأرضية (المعمودية، التجلي)، أو من قبل الشياطين الذين يعترفون بالمسيا ويدركون أنها نهاية سيادتهم الخاصة، وأيضاً يطلقه يسوع على نفسه (مرقس14: 61) (3). أخيراً فإن العبارة “ابن الله” ترد مرة واحدة كاعتراف إيمان على لسان قائد المئة الروماني القائم إلى جانب صليب يسوع (15: 39).

II – في إنجيل مرقس يتجنب الكاتب بصورة خاصة تسمية يسوع بـ “المسيح” (فقط في 8: 29) (4)، ونادراً ما يدعوه: ابن داود (10: 47، 12: 35)، النبي (6: 15، 8: 28)، الرب (7: 28، 11: 3)، المعلّم (4: 38، 5: 35، 9: 17، 10: 17، 12: 32 وغيرها). أما يسوع فيستخدم، بصورة خاصة، لنفسه لقب “ابن الإنسان”. إن عمل يسوع يُعرض في إنجيل مرقس كعمل يقود إلى آلام ابن الإنسان.

لقب “ابن الإنسان” هو اللقب المسياني الوحيد الذي يستعمله يسوع نفسه بصورة خاصة، بينما يتجنب العبارة “مسيا” (المسيح). تأتي عبارة “ابن الإنسان” من الأدب اليهودي الرؤيوي وخاصة من كتاب دانيال (7: 13-14) ومن كتاب أخنوخ الحبشي (37-71)، الذي يظهر شركة قديسي العليّ الأخروية التي تكتمل بشخص واحد هو رمز الإنسانية الجديدة. إن تفسير العبارة بحد ذاتها انتشر وساد مع الزمن في اليهودية، وبات “ابن الإنسان” هو المخلّص الأخروي المنتظر والديّان الآتي من السماء.

ويسوع هو الذي يجمع في شخصه دور “ابن الإنسان” ودور “عبد الرب” المتألم الذي تلكّم عنه أشعيا النبي. والجدير بالملاحظة أن المقاطع التي تتنبأ عن آلامه “كابن الإنسان” تتأثر مفرداتها بأشعيا (مثلاً مرقس 8: 31، 9: 31، 10: 33، 9: 12، 10: 45 إلخ). ففي ضمير يسوع المسياني يكمن بوضوح معنى الآلام وانتظارها.

III – في رواية الإنجيل كلّها لا يكتفي يسوع بتجنب لقب “المسيّا”، بل ويحافظ على الصمت الكلي عن دوره المسياني. كما يفرض أيضاً هذا الصمت على الآخرين أي على الشياطين الذين يعترفون به (1: 34، 3: 12)، على المرضى الذين شفاهم (1: 444، 5: 43، 7” 36، 8: 26) وعلى تلاميذه (8: 30، 9: 9). وكذلك هو يصنع العجائب بعيداً عن الجموع، ويعلّم بالأمثال حتى يخفي سر ملكوت الله عن الذين هم في “الخارج” (4: 11 وما يليه). وهذه الخطة التي يستعملها يسوع، مؤكداً عليها في إنجيل مرقس أكثر منه في الأناجيل الأخرى، تسمى “سرّية المسيا” أو “السرّية المسيانية”. هذه السرية تفسَّر بتحفظ الربّ يسوع التربوي تجاه مفاهيم الشعب المسيانية الغامضة. لقد كان للرب يسوع شعور مسياني واضح، لكنه لم يكن المسيا الأرضي السياسي كما كان يفهمه اليهود الذين فكّروا في وقت من الأوقات أن يعلنوه ملكاً (يوحنا6: 15)، مسيئين فهم رسالته كونه عبد الله المتألم. وبالتالي كان ينبغي أمام الشعب اليهودي، وأمام تلاميذه الذين كانوا يشاركون في كثير من الأحيان المفاهيم المسيانية السائدة، أن يحافظ على هذا الموقف الراهن الذي لا يشكّل فقط خطة له، بل وسبيلاً للإعلان عن علمه.

ثانياً: من حيث اللغة والأسلوب:

إن أسلوب إنجيل مرقس بسيط للغاية. يتصف بالحيوية الكبيرة التي تعود من جهة إلى استعماله الكثير لأفعال في صيغة الحاضر التاريخي (في 151 مكاناً)، ومن جهة أخرى إلى ربط الجمل بحرف أو بكلمة بسيطة (من جهة، وللحال، من جهة ثانية، أي…). يختصر مرقس في سرده للحوادث، ومع ذلك فهو يورد تفاصيل غير موجودة عند الإنجيليين الآخرين الإزائيين متى ولوق، اللذين يوردان الحادثة الموازية بشكل أوسع (أنظر مثلاً مرقس4: 38 تسكين العاصفة، و5: 13 و6: 7 و6: 39 و10: 46 إلخ…)

اللغة التي يستعملها الإنجيلي هي اللغة المحكية ويستخدم كلمات كثيرة لا ترد في نصوص من تلك الفترة الزمنية. كما أن لوقا في الروايات المتشابهة يستبدل هذه الكلمات بغيرها (مثلاً بدل  عند لوقا أي سرير؛ بدل  عند لوقا أي يموت؛ بدل  عند لوقا أي  يا ربّ؛ بدل عند لوقا أي يا آبّا أيها الآب وغيرها). كما يستعمل تعابير زائدة (مثلاً من بعيد، من صغره، يخرج خارج، إلخ.)، وعنده تفضيل خاص لاعتماد التصغير في الوصف

(صغار الكلاب، صغار النفوس، صغار الأسماك، البنت الصغيرة، المركب الصغير إلخ…)، ويستعمل أيضاً عبارات آرامية كثيرة، وتعابير آرامية استخدمها يسوع نفسه مرفقةً بشرح الإنجيليّ (بونرجس، طليثا قومي، قربان، إفات، أبّ، إلوهي لما شبقتني) وكذلك تعابير لاتينية (يأخذ طريق، يعمل كافي، يأخذ أخيراً …) وكلمات لاتينية (مثلاً لاجيون، سبيكولاتور، ديناريون، كنديريون، كوستوذيا…)، وفي بعض الأحيان يشرح عبارات يونانية بعبارات لاتينية مقابلة لتسهيل الأمر على القرّاء (مثلاً 12: 42 “فلسين قيمتهما ربع”، 15: 16 “إلى داخل الدار التي هي دار الولاية”). وبصورة عامة، يبقى عند القارئ انطباع أن أسلوب مرقس “أسلوب شفهي”، أي أن الإنجيليّ الراوي يتكلم بلهجة حيوّية وشفهية لا كتابية.

5. القرّاء، مكان التأليف وزمانه:

لا يفترض إنجيل مرقس وجود قرّاء مطّلعين على العهد القديم (الإنجيلي مرقس لا يأخذ منه شواهد عديدة كما يفعل متى)، وعلى العادات اليهودية. عندما يذكر الإنجيلي عادات يهودية يشرحها لقرّائه الذين لا يعرفونها (مثلاً 7: 3، 14: 12، 15: 42). من الواضح إذاً أنه يتوجه إلى المسيحيين الذين من الأمم العائشين خارج فلسطين.

أما مكان التأليف فهو حسب الرأي السائد منذ القديم روما (اقليموس الاسكندري، التاريخ الكنسي لإفسافيوس {6، 14، 6}، إيرونيموس)، بالرغم من وجود بعض الآراء القليلة التي تجعل مكان التأليف في الإسكندرية (القديس يوحنا الذهبي الفم)، أو في إحدى مقاطعات سوريا (شريبر)، أو في الجليل (ماركس). وأكثرية المفسرين المعاصرين يؤيدون الرأي الأول استناداً إلى المبرّرات التالية:

علاقة بطرس بمدينة روما في تلك المرحلة الزمنية (مرقس هو مفسّر الرسول بطرس).

وجود كلمات لاتينية عديدة في الإنجيل، وتفسير تعابير يونانية بتعابير لاتينية مقابلة.

إن سيادة هذا الإنجيل وانتشاره عائدان إلى ارتباطه بكنيسة روما.

أما بالنسبة لزمن الكتابة فإن أغلبية المفسرين ترجعه إلى ما قبل السنة 70 أي بين 64 و70 مع أن بعض المفسرين يعتبرونه بعد السنة 70. وسبب ميل الأغلبية إلى الفترة 64-70 هو أن الإصحاح 13 لا يشير إلى خراب أورشليم والهيكل السنة 70. أما الكتّاب الكنسيون الأولون فقد تبنّوا وجهة النظر هذه كونهم يتكلمون عن كتابة الإنجيل بعد موت بطرس (ايريناوس)، أو حتى في حياة بطرس (اقليموس الاسكندري).

6 المراجع:

 لقد استشهدنا قليلاً بتفاسير آبائية لإنجيل مرقس، واستشهدنا أكثر بتفاسير آبائية لإنجيلي متى ولوقا.

وفيما يلي نذكر أولاً التفاسير المعاصرة باللغات الأجنبية التي استخدمناه، دون أن نذكر المرجع إلا عند اضطرارنا لذكر اسم الكاتب، وثانياً بعض الدراسات حول إنجيل مرقس

  • P.Trembéla: Ipomnima is to kata Markos، Athénens، 1951

  • I.Karavidopoulo: Aparchai Ekklisiologias is to kata Markos Evaggelion، Thessalonique، 1972.

  • M.J. Lagrange، I’Evangile selon Saint Marc، Paris 1929.

  • E. Trocmé، la Formation de I’Evangile selon Marc، Paris، 1963.

  • Ch.Masson، I’Evangile de Marc et I’Eglise de Rome، Paris،1986.

  • M.Sable، I’Evangile selon Marc: Tradition et Redaction، Grmbloux، 1974.

  • J. Schniewind، Das Evagelium nach Markus، Göttingen، 1931.

  • E. Lohmeyer، Das Evagelium des Markus، Göttingen، 1937.

  • W. Grundmann، Das Evagenlium nach Markus، Berlin، 1965.

  • J. Schmid، Das Evaggelium nach Markus، Regensburger، 1963.

  • E. Schzeizer، Das Evaggelium nach Markus، Göttingen، 1967.

  • W.Marxsen، Der Evangelst Markus، Göttingen، 1956.

  • V. Taylor، the Gospel according to St. Marc، London، 1952.


(1) مرقس 14: 51-52 “وتبعه شاب لابساً إزاراً على عريه فأمسكه الشبّان فترك الإزار وهرب منهم عرياناً”

(2) راجع الحاشية (1) في الصفحة 5.

(3) مر 14: 61-62 “أأنت المسيح ابن المبارك فقال يسوع أنا هو وسوف تبصرون ابن الإنسان جالساً عن يمين القوة”.

(4) مر 8: 29 “فأجاب بطرس وقال له أنت المسيح”

Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
PDF
arArabic
انتقل إلى أعلى