Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
PDF
☦︎
☦︎

يقول القديس بولس: “فإن قمتم مع المسيح فاطلبوا ما فوق”. ويضيف: “لأنكم قد مُتُّم وحياتكم مستترة مع المسيح في الله. متى أُظهر المسيح حياتنا فحينئذ تُظهرون أنتم أيضًا معه في المجد” (كو 3: 1-4). تختفي فينا الحياة حسب الجسد إذا لامتنا طبيعتنا الدنيئة ثم نقلنا طموح حياتنا من الأرض إلى السماء. كما يقول المثل: “الحكماء يدخرون معرفة” (أم 10: 14). ثم ننتظر الحياة الحقيقية، ويظهر المسيح فينا ونمتلئ بمجده ونتحول إلى حالة مقدسة. دعونا الآن نستمع إلى كلمات النشيد وكأننا متنا بالجسد فلا ننجذب إلى الكلمات ذات المعنى الجسدي. فيتحول الشخص الذي مات عن الأهواء، المعنى اللفظي لكلمات النشيد إلى معاني نقية وغير ملوثة. ولما كان فكره خاليًا من الأمور الأرضية، لذلك يُشغل باله بالأشياء العليا حيث المسيح الخالي من الهوى، والجالس عن يمين مجد الله (كو 3: 1). دعونا الآن نستمع إلى الكلمات التي تصف جمال العروس النقي. ليتنا نستمع وكأننا لا نشارك في طبيعة الجسد واِنتقلنا إلى دائرة الروح.

ما أحسن حبك يا أختي العروس”، كم محبتك أحسن من الخمر وكم رائحة أدهانك أطيب من كل الأطياب” [ع10]. “لأن من يصنع مشيئة الله هو أخي وأختي وأمي” (مر 3: 30). وهو بكر طاهر ومرتبط بالله. ويسمى هذا الشخص الذي يشارك في حجرة العرس الطاهرة، بالعروس. ويتضح ذلك لكل من يعرف الكلمات المقدسة الموحي بها بعد البحث لفهم هذه الكلمات المقدسة، لا أرى أنها مجرد تمجيد كلمة الله للعروس. فيشرح العريس اِزدياد جمالها: فلم تكن لتتزّين بنبغىّ وصايا الحق التي يرُمز إليها بثدييها، إلا إذا ما صارت أولاً أختًا للرب من خلال الأعمال الطيبة، وجددت نفسها بالزواج مع البكر بالميلاد الفوقاني، وأصبحت العروس المخطوبة الموعودة لعريسها. ويقول الذي يُسميها أخته وعروسه أن ثدييها تتحول إلى شيء أحسن وأكمل لأنهما لا يمتلئان باللبن، غذاء الأطفال، ولكنهما يفيضان بالخمر النقي الذي يفرح الأكثر كمالاً. ولم يفسد أصحاب الحانات نقاء هذا الخمر بخلطه بالماء.

تحوي هذه الكلمات، مثل فرحة العرس، شعور المحبة الدافئ بين الحبيبين اللذين يُعبران لبعضهما عن حبهما المشترك. ويُضفي العريس بكلمات مماثلة على الكنيسة التي مجدها في أقواله المبكرة. عبرت العروس في أول النشيد عن رغبتها في أن يأتي إلى فمها كلمة الله الخارج من فم الله المقدس كما هو موضح برمز القبلة. وأشارت إلى سبب هذه الرغبة وهي أن ثدييه جميلان. إنهما يفوقان الخمر واسمي من كل رائحة ذكية للأطياب والعطور: “ليقبلني بقبلات فمه لأن حبك أطيب من الخمر. لرائحة أدهانك الطيبة اسمك دهن مهران. لذلك أحبتك العذارى” (نش 1: 2-3). نحن نتعلم هذا من الفلسفة المقدسة التي أتت من مصادر أخرى غير فلسفة أفلاطون مثلاً وبالتحديد: يحضر الله معنا بقدر ما تُحضر أنفسنا أمامه. وشهد داود متنبئا: “طوبى للكاملين طريقًا، السالكين في شريعة الرب. طوبى لحافظي شهاداته من كل قلوبهم يطلبونه. أيضًا لا يرتكبون إثمًا، في طرقه يسلكون، أنت أوصيت بوصاياك أن تحفظ تمامًا” (مز 119: 1-4). ويُشبِّه النبي هوشع الشخص الذي يعيش حياة البطش والقسوة، بالدب أو النمر. ويمكن فهم هذه التشبيهات الغامضة بتعاليم الإنجيل (مت 25: 34-36). بمن يضعهم الملك على يمينه ومن يضعهم على يساره، فعلى اليمين يضع الغنم الوديعة الطيبة أما على اليسار فيضع الماعز المخيفة المتوحشة. ويؤقلم الملك نفسه على حسب اختيار هؤلاء الذين أدينوا والآن تعطى العروس استجابة موفقة عندما تغني لجمال مليكها وتضفي عليه التمجيد بكلمات مماثلة وهو يقبل ثدييها ويغيرهما للأحسن ولأنهما توقفا عن إنتاج اللبن ويعطيان الآن خمرًا يفرح القلوب الأكثر كمالاً، والذين لا يتبعون الاِهتمامًات الطفولية إنهم الآن قادرين على عمل الأعمال الطيبة بتأثير ما يشربونه من كوب الحكمة (أم 9: 2-5).

أضاف النص في مدح الخمر الذي تُنتجه ثديي العروس بقوله أن له رائحة طيبة: “وكم رائحة أدهانك أطيب من كل الأطياب”. لابد أن نحصل على فهم جيد للأطياب من الكتاب المقدس. تعطي العطور شعورًا طيبًا لحاسة الشم. وقدَّم نوح مثل هذه الذبيحة لله وشمَّ الله رائحتها الطيبة (تك 8: 21). لذلك فالذبيحة الندم وطلب الغفران والشكر وذبيحة الخلاص والتطهير والخطية. تتكون هذه الكلمات من توابل وذبائح كاملة وتقدمات تُحرق بالكامل وأعضاء من تقدمات منذورة لله مثل، صدر وأحد فصوص الكبد أو دهن الكلية، بالإضافة إلى هذه مجموعة الأعشاب العطرة والبخور ودقيق القمح المنقوع في الزيت وأنواع البخور المختلفة، وكثير من الأمثلة المرتبطة بالنار وجميعها مصنفة تحت أنواع العطور.

يرشدنا طيب عطر العروس على أن سر الحق الذي يقدمه الإنجيل هو وحده الرائحة العطرة لله. أنه يعلو على كل رائحة للشريعة لأنه لا يختفي وراء الرموز أو الظلال بل يقدم مباشرة رائحة الحق الطيبة. وإذا اتسمت إحدى التقدمات السابقة برائحة طيبة لله يكون ذلك نتيجة لمعناها العميق وليس المعنى الظاهري أو اللفظي. ويتضح ذلك من قول النبي: “لا آخذ من بيتك ثورًا ولا من حظائرك أعتدة. هل آكل لحم الثيران أو التيوس” (مز 5: 9، 13).

قدم شعب إسرائيل الكثير من ذبائح الحيوانات في العديد من المناسبات. وعندما نفكر في الدرس المستفاد من هذا الموضوع نجده يرتبط في تفكيرنا بسرّ وهو وجوب التضحية بأهوائنا. “ذبائح الله هي روح منكسرة، القلب المنكسر والمنسحق يا الله لا تحتقره” (مز 51: 19 ). لذلك تمجد ذبيحتنا لمديح الواحد صاحب الرائحة الطيبة. تشم النفس الرائحة الطيبة مثل بولس: “رائحة المسيح الطيبة” ( كو 2: 15)، وترتفع أعلى من كل رائحة رمزية للشريعة. وتصبح النفس عطرة الرائحة في حياتها وتشم مرّ الكهنوت وبخور الضمير الذي يتكون من الفضائل المختلفة. حياتها هي رائحة عطرة للعريس. عندما قارن سليمان الشعور المقدس بالعطر المادي للشريعة أضاف أن الفضائل تعطي رائحة طيبة وغير مادية: “وكم رائحة أدهانك أطيب من كل الأطياب”.

يقودنا النص التالي إلى تمجيد أعلى مما سبق ويشهد على وفرة الهبات الممنوحة للعروس، التي يعطيها الله استجابة لليقظة والصلاة. يوجه كتاب الأمثال حكمة للتلاميذ أن يذهبوا إلى النملة (لاحظ الفرق بين المعلم وتلميذه)، وتقول الحكمة لمحبيها “اِذهبوا للنحلة وتعلموا من عملها” (أم 6: 8). يعمل النحل في إنتاج العسل، وهو عمل نبيل لكل من الملوك وعامة الشعب الذين يستفيدون من عمل النحل بتناول هذا الغذاء الصحي. وتقول الأمثال يقدِّر جميع الناس النحلة وينظرون إليها بشرف، وبالرغم من أنها حشرة ضعيفة إلا أنها تعمل بحكمة وينظر إليها كمثال للحياة الفاضلة. لذلك تقدم لنا النحلة وكأنها تُشرِّف الحكمة.

تنصحنا هذه الكلمات بأن لا نرفض التعاليم الطيبة ولكن نستوعب من حقول الكلمات المقدسة الموحي بها ونُجمع أفكارًا من كل منها لكي نكتسب الحكمة. وهكذا نبني بداخلنا ما يُشبه قرص العسل ونحزن في قلوبنا نتيجة عمل الحب كما في خلية النحل. تخلق النظرات المختلفة في ذاكرتنا مخازن تشبه خلايا الشمع لا يمكن محوها. ويجب أن تشغل أنفسنا بالعمل النبيل في الفضيلة، بتقليدنا النحلة الحكيمة التي تنتج قرص العسل حلو المذاق ولا تؤذي أحدًا. لقد استبدلت النحلة بانشغالها فيما تنتجه أي أعمال الحياة الحاضرة بنعمة الأبدية. توزع النحلة ثمرة عملها من أجل خبز الملوك والشعب. وتصبح النفس مرغوبة لعريسها بطريقة مشابهة، فتشرفها الملائكة وتكمل قوّتها في الضعف بالتمسك بالحكمة.

تعلمنا حكمة النحلة أن نكون مثابرين وحريصين على عملنا على مثالها. تُوزع النعم الروحية المختلفة على الذين يعملون بجهد لنوالها بنسبة الحماس والجهد الذي يبذلونه. لذلك يقول العريس لعروسه: “شفتاك يا عروس تقطران شهدًا، تحت لسانك عسل ولبن، ورائحة ثيابك كرائحة لبنان” [ع11]. ينظم النص بحيث يقدم أكثر من فائدة، فهو ينطبق على كل من يستمع له للبالغ والطفل، فالعسل للبالغين واللبن للأطفال. ويخاطب بولس المولودين حديثًا ويغذيهم بكلمات العطف والحنان بينما يُكلم البالغين بالحكمة المخفية عن كل العصور التي لم يقبلها هذا العصر ولا عظماؤه ( كو 2: 6-8). ويقول كلمة الله أن خليطًا من هذا العسل واللبن يوجدان تحت لسان العروس حيث يُخزَّن ويكون جاهزًا، لأن الشخص الذي يجب أن يتكلم لابد أن تكون عنده القوة المتعددة الجوانب للكلمة تحت لسانه، وتكون جاهزة لكل مستمع في الوقت المناسب.

يتحرك العريس نحو تمجيد أعظم بعد مدح لسان العروس “رائحة ثيابك كرائحة لبنان”. توضح هذه الآية طريق الفضيلة لكل من يرغب فيه. إن نهاية الحياة الفضلى هي التشبه بالله. لذلك يجب ممارسة الفضائل لكي ننال نقاء الروح ونخلوا من الاِرتباك الذي تسببه الأهواء، حتى نمتلئ بالسموّ الغير المحدود نتيجة للسلوك الفاضل في الحياة.

ليس لحياة الفضيلة شكل واحد، كما أنها ليست جامدة، إنها تشبه الفن في عمل جلباب بنسيج خيوط مختلفة يثبت بعضها رأسية وأخرى أفقية. لذلك يلزم لنا العديد من العناصر للسلوك في حياة فاضلة. ويعدد الرسول المقدس الثمار الكثيرة لعمل الروح وهي محبة فرح سلام طول أناة لطف صلاح إيمان وداعة تعفف (غلا 5: 22). نلبس هذه المميزات عندما نخلع عنا ملابس فساد هذا العالم ونستبدله بحياة السماء عديمة الفساد. لذلك يستقبل العريس ملابس عروسه ويقارن رائحتها برائحة خليط الأعشاب العطرة والبخور. ولكنه سبق وأشار أن عطر العروس يفوق عطر كل الأطياب. ونظن أن ذلك يقلل من قيمة المديح لأن رائحة العروس كانت أحسن من رائحة كل الأطياب، والآن تُقارن فقط بواحدة منها. يقول كلمة الله: “رائحة ثيابك كرائحة خليط الأعشاب العطرة والبخور”، يُستخدم خليط الأعشاب العطرة والبخور في عبادة الله، وهو أحسن من كل الأطياب ويستحق أن يكون العطر المخصص لله. يمكن فهم هذا السر كالآتي: تشبه ثياب فضيلتك يا عروستي قداسة الله، وتشبه الطبيعة الإلهية التي تفوق الحدود في نقائها وخلوّها من الاهواء، ورائحة ثيابك يمكن مقارنتها بخليط الأعشاب العطرة والبخور المخصص لتشريف الله.

نتعلم من التمجيد الذي يضيفه العريس على عروسه ماذا؟ يعني أن نكون أختًا أو عروسا لله! وهو يقول: “أختي العروس جنة مغلقة” [ع12]. عندما يُعلق أي شخص أنه عروس متمسكة بالله، يصبح هذا الشخص أختًا لله لأنه يعمل إرادة الله، كما يقول الكتاب (مر 3: 35). دع هذا الشخص يصبح بستانًا مملوئًا بكل أنواع الأشجار المزهرة: التين الحلو والزيتون المثمر والنخيل العالي والكرم الوفير الثمر. فليس عنده شجيرات شائكة ولا قريس وبدلاً منها ينبت السرو والآس. ويعرف داود العظيم كيف يزيّن هذا البستان كما ارتفع به إشعياء: “الصدِّيق كالنحلة يزهو كالأرز في لبنان ينمو” (مز 92: 11)، “أني مثمرة كشجرة الزيتون” (مز 52: 8) “إمرأتك مثل كرمة مثمرة في جوانب بيتك. بنوك مثل غروس الزيتون حول مائدتك” (مز 128: 3): يقول إشعياء “عوضًا عن الشوك ينبت سرو وعوضًا عن القريس يطلع آس ويكون للرب اسمًا علامة أبدية لا تنقطع” (إش 55: 13). ويكرم النبي ميخا من يجلس تحت الكرمة: “بل يجلسون كل واحد تحت كرمته وتحت تينته، ولا يكون من يرغب لأن فم رب الجنود تكلم” (مي 4:4).

يشير كل نبي إلى نوع من الشجر الذي يرمز إلى سرّ وسوف لا نتناوله بالتفسير الآن. كلنا نعرف حلاوة ثمرة التين وهي ناضجة، بينما تكون مرة المذاق وهي فاجة، لا يمكن أكلها ولكن بعد ذلك تنضج إلى فاكهة جميلة يُفرح مذاقها الحلو حواس النفس. ماذا يفيد المحصول الزيتون مرّ المذاق وهو أخضر وحامضي العصارة بعد أن ينضج في الخريف؟

يعصر الزيت من الزيتون الناضج ويستخدم في الإضاءة ويدهن به الجسم لإزالة الألم ويريح التعب وينشط الرأس ويفرحها ويساعد الذين يسلكون حسب الشريعة. كيف تجعل النخلة أيضًا ثمرها صعب المنال للسارقين؟ أنها تحفظ كنزها عاليًا ولا تسقطه على الأرض. ولنتأمل جمال كرم العنب ورائحة السروّ المنعشة وثمرة الـ mystle حلوة المذاق. ويمكن أن نفهم كيف تشير هذه الأمثلة إلى الحياة الفضيلة، لو نظرنا إليها على أنها كناية عن الطهر والخير والبركة.

لذلك فالحديقة المُعتنى بها يانعة بهذه الأشجار. إنها محمية من كل جوانبها بسياج الوصايا، حتى لا يقتحمها اللصوص أو الحيوانات المتوحشة. هي محاطة بحماية الوصايا ولا يمكن أن يفسدها الخنزير من الوعر ويرعاها وحسن البرية. (مز 80: 13). إذا حفظ شخص حديقته، يُصبح أختًا وعروسًا لمن يقول، “أختي العروس جنة مغلقة”.

تحتاج هذه الجنة إلى ينبوع لكي تظل يانعة ومروية على الدوام. لذلك يُضيف العريس ينبوعًا في تمجيد عروسه قائلاً: “عين مقفلة مختوم” [ع12]. ويعلمنا كتاب الأمثال عن هذا الينبوع: “لتكن لك وحدك وليس لأجانب معك” (أم 5: 17). ويشهد النشيد على ذلك بقوله “مقفلة” أي محروسة. ويعني هذا، ومن وجهة نظري، وأن فضيلة تحلينا بالتعقل والمنطق تنمو وتفيض دائمًا. ثم تتحرك حوافز أفكارنا نحو ما هو مقبول ويساعدنا ذلك في اِكتساب الخير والصلاح. أما إذا حوّل أي شخص أفكاره نحو الشر فإن فيض المياه ينسكب على الغرباء. وإذا وجهنا عنايتنا لطريق الأشواك الذي ترونه الأفكار الشريرة فإن النباتات الجيدة تجف وتذوي لأن جذورها لا تنضج عليها مياه الأفكار الطيبة. تُخيف الأختام اللصوص وتمنعهم من اِقتحام الأماكن المختومة، وهكذا تحميها منهم وكل ما لا يُسرق يبقى محفوظًا لصاحبه. لذلك يشهد تمجيد النشيد للعروس بامتيازها في الفضيلة لأن عقلها بقي سليمًا من الأعداء ومحروسًا لسيدها في النقاء والهدوء. يختم النقاء هذا الينبوع طالما كان قلب العروس يشع بالشفافية، ولم يخيِّم عليه لوشاية الأفكار الشريرة. دعنا نوضح هذا كما يلى: إن صفات نفوسنا هي في الحقيقة مميزات خاصة بنا. وقد نقتني أشياء خارجية خاصة بأجسادنا. هل يوجد تشابه بين الطبيعة الروحية والمادة؟. ينصحنا كتاب الأمثال أن لا ندع ينبوع أفكارنا يضيع هباء على ما هو غريب عن أرواحنا أي ما يخص الجسد، بل نحوله إلى حديقتنا، ونرى به نباتات الله التي توجد في فكر نفوسنا والتي تبقى مختومة، إذ تفيض خارجًا، تختم بختم الحق وتتشكل خلال الميل الفطري للخير.

دعنا نحوّل اِنتباهنا إلى ما يتلو من تمجيد، “أغراسك فردوس رمان مع أغراس نفيسة فاغية وناردين. ناردين وكركم. قصب الذريرة وقرفة مع كل عود اللبان. مرّ وعود مع كل أنفس الأطياب. ينبوع جنات بئر مياه حية وسيول من لبنان” [ع13-15]. تمجد هذه الكلمات الرائعة الله في علاه. ماذا تعنيه هذه الآيات؟ يعرف القديس بولس وحده كيف يُعبر عن أسرار الروح القدس (1 كو 14: 1). كيف تكون العروس فردوس رمان؟ كيف تأتي الفاكهة االتوتية المختارة من الرومان؟ كيف تكوّن الفاكهة التوتية المختارة العديد من الروائح العطرة والتوابل؟

يوجد في الفاكهة التوتية المختارة السروّ والناردين والكركم. وقصب الذريرة والقرفة مع كل أنفس الأطياب من لبنان. ثم تمدح الحديقة وتسمى ينبوع الحدائق، وهي حية وتفيض مياه من لبنان. فإذا كانت الحقائق التي تكلمنا عنها في السابق حقيقة فإنها تمكننا من البحث عن العمق والغنى والحكمة ومعرفة الله (رو 11: 33). سنتخذ كلمة الله المقدسة كمرشد لنا لفهم محتوى هذا النص حتى لا يفوتنا أيّا من معانيها العظيمة. توجد جميع مفردات التمجيد التي ذُكرت في السابق والتي أُضيفت حاليًا إلى مديح العروس، وتعطيها قوة حتى يرتفع قلبها إلى أعلى، أي إلى المكان الذي يُرمز إليه “بالأخت والعريس” لكلمة الله. وتربط كل هذه التعبيرات النفس كالعروس إلى عريسها. وحسب القديس بولس (أف 5: 23) تُعتبر النفس جسد واحد عندما ترتبط بعريسها الغير قابل للفساد بينما يُشير الإنجيل للإرادة إذ تحفز النفوس إلى روح المحبة والإخاء. ثم يمدح ثديي العروس التي تقدم الخمر بدلاً من اللبن، ويتضح أن هذا المديح يخص الإنتاج، لأنه لا يُمدح من لا يُنتج.

يُصنِّف عطر العروس كأحسن أنواع العطور ولا تُصنِّف العروس بأن لها هذا العطر، إلاّ إذا كانت تسعى جاهدة في التقدم في عمل الخير. ثم يُقارن قرص العسل بكلام العروس الذي يخرج من فمها، وتجهز الحكمة خليط اللبن والعسل الذي يوجد أسفل لسانها. وليست هذه كلمات ولكنها قوة، لأن كلمة الله يقود العروس لكي تصل إلى مستويات أعلى حتى يصبح فمها ينبوع العسل ولسانها بيت الكنز، المختلط بالحكمة. حيث تفكر بعمق في أرض الموعد التي تفيض لبنًا وعسلاً (تث 6: 3). وعندما يرفع كلمة الله عروسه إلى هذا المستوى من خلال صعودها إلى أعلى، يقودها إلى مستوى اسمي من ذلك قائلاً أن ملابسها لها رائحة خليط الأعشاب العطرة والبخور. يشهد الإنجيل أن المسيح له هذه الرائحة العطرة (أنظر غلا 3: 27، رو 13: 41). تصل الحياة الفاضلة في النهاية إلى الشركة مع الله لأن رائحة خليط الأعشاب العطرة والبخور هي مظهر القداسة. لا يقود كلمة الله النفس دائمًا إلى أعلى بواسطة اللبن والعسل، ولكن بعد مقارنة النفس برائحة خليط الأعشاب العطرة والبخور، تصبح الحديقة (النفس) صورة من الفردوس. وحراستها ليست بسيطة كما كان الحال مع جدودنا الأوائل لكنها محمية من كل ناحية بواسطة حفظ وصايا العريس.

هل ترى الآن قدرة العروس على الصعود إلى أعلى؟ اَرني مرة أخرى الخطوة التي تلي هذه المرحلة. فالحديقة التي تحمل ثمارها المفرحة محوّطة ومحمية كما أنها أيضًا تحولت إلى نبع ماء صالح للشرب ومختوم، ولكن العروس لا تتكون من هذه العناصر، لأنها تُسرع إلى الوصول إلى شيء أعظم، وهو حديقة مزهرة من فمها. فإذا قرأنا النص العبري بتدقيق نجد أنه يعني الآتي: الفروع المزهرة الخارجة من فمك هي حديقة رمان. كلمة “الرائحة” الخارجة من فمك هي حديقة رمان. تحمل شجرة الرمان كل نوع من الفاكهة: سروّ بالناردين، كركم، قصب الذريرة والقرفة وكل نوع من الأطياب من لبنان ومرّ، وعود وأحسن الأطياب. لذلك فبمساعدة الله وحسب النعمة الموجودة بالمز تضع العروس درجات الترقي هذه في قلبها متدرجة من قوة إلى قوة (مز 84: 6-7). يُعرف ما يصدر من فم العروس عند مرحلة كاملة من تقدمها. ويستعمل النص التعبير “يصدر” لكي يوضح الهدف الآتي: إن أي شيء يُرسل يصل إلى أيادي الواحد الذي يستقبله. يُعلمنا الرسول أن التلاميذ أُرسلوا لكي يبشروا بالحق وسمَّاهم كلمة الله بالرسل (لو 6: 13)، ما الذي يصدر إذن من فم العروس؟ يتضح أن كلمة الإيمان تُصبح حديقة تنبت في قلوب الذين يتقبلونها. ويُسمى البستان الذي تنموا فيه أشجارًا كثيرة، بالحديقة.

لكي نعرف النباتات التي يزرعها كلمة الله في المؤمنين يسمي النشيد هذه بأشجار الرمان. وتصدر هذه من فم العروس. يصعب سرقة فاكهة الرومان لأن فروع الشجرة تحمل أشواكًا حادة. وتحاط الفاكهة بغطاء سميك يصعب تمزيقه كما أن مذاقه مُرّ. وعندما ينضج الرومان في الوقت المناسب، يتمزق الغطاء الخارجي ويكتشف عما بداخله من فاكهة حلوة المذاق وجذابة للنظر وتقرب من العسل في حلاوتها، وتشبه عصارتها الخمر في مذاقها ومبهجة لبلعها. إني اَفتكر أن ما تصدره العروس من فمها هو “حديقة رومان” موجودة في نفوس من يستمعون لها. لذلك يلزم أن نهتم ونعي كلمات العروس ولا نضعف ونشبع رغبات ومسرات هذه الحياة بل يجب أن نختار الحياة المنضبطة والتي يمكن بها أن نجابه الصعوبات. لذلك لا يمكن للصوص أن يحصلوا على ثمرة الفضيلة لأنها محمية بالغطاء المرّ لضبط النفس. ومحاطة بطريقة حياة حازمة وجادة، وتطرد بعيدًا كل من يحاول الاقتراب من الثمرة بوازع شرير وكأن لها أشواك حادة.

وعندما يقترب موسم التمتع بمذاق الرومان يُقدم لنا نوعًا آخر من الفاكهة لنُسرّ به تُنتجه أشجار أخرى، ليست برقوقًا أو بلحًا أو أي فاكهة أخرى للتمتع بها، ولكن أنواعًا عدة من الأطياب فيُخلط السوّ بإبداع مع النارد: أحدهما دافئ بينما الآخر ذا رائحة عطرة. لا يُمدح الدفئ إذا سببت حرارته رائحة غير مقبولة. ولكن يلزم للطهارة أن تساعد الدفئ فتشهد أننا على نار مع الروح، وأننا تطهرنا من كل نوع ردئ من الدفئ.

ويوجد بين ثمار العروس أنواعًا أخرى من العطور مثل النارد والكركم، ويبقى لنا أن نتكلم عن رمز الكركم. ومن يعرف هذه الزهرة يحكم أنها لا توحي بالحرارة أو البرودة. أنها تتفادى المبالغة في كل ناحية، ولكن عندها القدرة على تخفيف الألم. ويوضح النشيد بأنه يُعلم بطريقة سريّة عن الفضيلة بواسطة الكركم ويظهر أن كل فضيلة تقع بين شرِّين: نقص أو فيض إلا في الخير. مثال ذلك يمكن ملاحظة أن الشجاعة والكرم، كأنهما توجدان بين الجبن والمغامرة بينما تقع صفة الكرم بين البخل والتبذير. ويعتبر الجبن والبخل نقائض بالنسبة لمستوى الخلق العادي ولذلك فهي شر. ويتبع التبذير والتهور، الزيادة عن المعدل والكثرة الفائضة، بينما يُعتبر المتوسط بينهما من الفضائل. لذلك يتبع الكركم الفضيلة كما جاء في النشيد وذلك لقوته على تعديل وتجنب الزيادة أو النقصان في الفضيلة.

يظهر هذا التوضيح مناسبًا، لذلك أقول أن سرّ الكرم يشير بصدق إلى إيماننا. وهذه الزهرة، ذات الورقه الخارجية واللون المعتم، هي في الحقيقة ثلاثة زهور، فالزهرة الخارجية لونها معتم، وعندما تسقط البتلات التي تحيط بها تظهر ثلاث زهرات تُستخدم في العلاج الطبي. وتتشابه هذه الزهرات المختفية تحت البتلات في الحجم والرائحة والجمال والخواص. فلونها جميل ورائحتها عطرة ولها فائدة طبية. ويوجد ثلاث زهرات أخرى صفراء اللون تشبه الآولى ولكن ليس لها فائدة طبية. وقد يقطف من يجهل هذه الخواص الزهور عديمة القيمة بدلاً من المفيدة. وبالمثل يبتعد الأشخاص عن الإيمان الحقيقي عندما يختارون الأخطاء (المزيفة) المختفية بدلاً من التعاليم الصحيحة. ليختار المستمع أحد أو كِلا التفسيرين حسب حُكمه لأن لكليهما نفس المعنى إذا نظرنا إليها بطريقة معينة، إحداهما يقترح التكامل في الفضيلة ويوجه الثاني إلى الحصول على الطهارة والقداسة. وفي الحقيقة لا تختلف الفضيلة عن القداسة.

دعنا الآن نختبر بقية العطور التي ذكرت في النص: قصب الذريرة والقرفة ومجموعة من الفواكه التوتية. والأخيرة هي الرمان التي تتبع حديقة العروس. ولقصب الذريرة رائحة أعطر من جميع الأطياب ويستعمل في ذبيحة الكهنة حسب الوصية (خر 30: 23). تستعمل القرفة في نواحي عديدة لقوتها الطبيعية ويصعب تصديق بعض اِستعمالاتها ويشير البعض أنه إذا وضعنا كمية صغيرة من القرفة في ماء يغلي فإنه يبرد في الحال وأيضًا، عندما توضع القرفة في حمام ساخن فإن الهواء الدافئ يصبح باردًا. ويقال أن للقرفة القوة على تحطيم أي مركب، يتكون من المادة بعد فسادها وتظهر أن الأمثلة الأخرى التي تقال عن القرفة لا يمكن تصديقها فقد قيل أنه إذا وضعنا قرفة في فم شخص نائم، فإنه لا يمتنع عن إجابة سؤال، بل يظل نائمًا ويعطى إجابة واعية وكاملة على السؤال. لا يمكن تأكيد هذه النتائج إلا بعد عمل تجارب، وإلا يكون من الحمق الاعتقاد في صحة هذه النتائج. وعلى أي حال فالقرفة تدرج في كتالوج التوتية المختارة، لأن لها أهمية روحية. لا تنمو القرفة على شجرة الرمان، لا ينمو من فم العروس أي حدائق حقيقية ولكن ذلك له معنى رمزي، واعتقد أنه لا يجب أن نهمل أي قصص عن القرفة أو أي شيء يتصل بهذا الموضوع.

يمكن أن نفهم مما سبق أن كل عنصر رمزي يوضح الحياة الكاملة حسب الفضيلة. ويمكننا أن نقول ونعلّم بأن القرفة توجد بالنفس. عندما يمتلئ الشخص برغبة جامحة أو يحترق بالغضب فإنه يتمكن من التحكم بالمنطق لكي يُطفئ نار الانفعالات. أنه يشبه إلى حد كبير النوم في هذه الحياة. فإذا وضعت القرفة، التي تساعد على التيقظ والمنطق، في فمك فإنك سوف تُظهر بوضوح الصفات التي تحفزها. ويشبه ذلك الملائكة الذين لا ينامون لأنهم دائمًا قائمين على الحراسة. لذلك فإنك تقول الصدق، وهكذا تقلد الملائكة التي لا تنام والتي لا تهرب من مواجهة الحق بواسطة خيالات غير واقعية. لذلك يمكن القول أن القرفة تنفخ في فمك لكي تُطفئ نار الانفعالات وأي غضب يغلي في قلبك، ونتيجة لذلك يُنقي المنطق والتعقل من الأوهام التي تشبه الأحلام والارتباك في الحياة الحاضرة. وكل من لا يفهم هذه الحقائق عن القرفة قد يتوهم خطأ في نص النشيد الذي يصف العروس بكلمات تبدو غير حقيقية (أو واقعية).

يتضمن الكتاب المقدس الكثير من القصص المأخوذة من مصادر أخرى. ويذكر دون تحفظ الأسماء من القصص التاريخية حتى يوضح مضمونها، مثل بنات أيوب اللآئي تم مدحهن إلى أقصى حد. وتشير أسماؤهن العظيمة إلى شيء بديع: وكان اسم الأولى يميمة والثانية قصيعة والثالثة قرن هفوك (أي 42: 14). ويتضح أن قصة قرن هفوك توجد بالقصص الأغرتعى القديم: حيث كان ماعزها البري مغرمًا بالماعز الذي كان يعيش في جزيرة كريت والذي فقد قرنه نتيجة لذلك، وفاضت منه كل أنواع الثمار. هل نصدق ما تقوله المخطوطات عن قرن هفوك؟ كلا بالتأكيد، ولكن تشير الثمار الناتجة عن الفضيلة كما هو موضح من أسماء بنات أيوب. ويسمح الكتاب المقدس باستخدام مثل هذه الأسماء الواردة في قصص المخطوطات. ولا نتعلم من هذه التعبيرات عن المواد العطرة ولا عن مسار الشمس على الأرض: نحن نعلن أن السلوك الفاضل في هذه الحياة، هو وحدة الذي يعطي معنى الأسماء ويشير اسم قصيعة إلى النقاء والرائحة العطرة وعلى الصفات اللآزمة للحياة. بينما يرمز اسم يميمة إلى النهار، وكما يقول القديس بولس: “لأنكم كنتم قبلاً ظلمة وأما الآن فنور في الرب” (أف 5: 8). يصبح مديح العروس ذا قيمة عالية بالارتباط مع القرفة وما ترمز إليه من نقاء.

يُظهر الشخص بداخله الصورة المقدسة على الدوام، متى وصل إلى النقاء وحصل على قمة المديح. ويقول أصحاب الرؤية الصائبة والملاحظة الدقيقة عن هذا النص “ينبوع جنات، بئر مياه حية وسيول من لبنان” أن غابات لبنان التي يفيح منها رائحة خليط الأعشاب العطرة والبخور ليست نوعًا واحدًا، إذ يوجد أنواع مختلفة من الأشجار وينبوع العطر حسب نوع الشجر. لذلك فالشخص الذي يتصف بالقداسة في أي ناحية من نواحي حياته يشهد بجمال غابات لبنان التي تشير إلى الصورة المقدسة.

لا يمكن لأي شخص أن ينال شركة مجد الرب دون أن يشترك أولاً في الآم السيد المسيح متشبهًا بموته (في 3: 10). لذلك، فسلسلة “عطور” المديح تذكر الفاكهة التوتية للرمان. وبالإضافة إليها االمرّ والعود وبقية التوابل (العطور) الأساسية. يشترك المرّ والعود في بعض صفات قبر السيد المسيح، كما يقول الإنجيل المقدس: “وجاء أيضًا نيقوديموس الذي أتى أولاً إلى يسوع ليلاً وهو حامل مزيج مرٍ وعود مائة منَّا” (يو 19: 39)، إن الذي دُفن ذاق الموت من أجلنا. تظهر لنا “العطور الأساسية” النقاء وحياة خالية من السلوك العشوائي المغامر. ويقدم لنا عاموس نقيض ذلك كالآتي: “الشارِبون من كؤوس الخمر، والذين يدهنون بأفضل الأدهان” (عا 6:6). ويذكر عاموس قبل ذلك بقليل: “الآكلون خرافًا من الغنم وعجولاً من وسط الصيرة. الهاذرون مع صوت الرباب المخترعون لأنفسهم الآتي الغناء كداود” (عا 4: 5). لا تُخلط خمر العنب بالطين ولا يُلوث نقاء رائحة العطر بخلطه بالتوابل. غير أنه كان على الإسرائيليين أن يؤنَّبوا بواسطة هذه النبوءة لأنهم حملوا الكلمة النقية المقدسة المصفاه من كل الرواسب. وكان لديهم عطر التوابل النقي وتمتعوا بالاحتفالات الروحية في جميع العصور، وبالرغم من ذلك لم يرفضوا الاشتراك في الشرور. فغيروا الخمر الصافية إلى فضلات معكرة ونقاء العطور الأساسية إلى خليط ضار من الأفكار الشريرة. ولكن ينسب النشيد الشريعة النقية غير المزيفة إلى العروس لأنها أنتجت “العطور الأساسية”.

لا تبقى العروس هنا، إنها لم تصل بعد إلى ما هو أعلى، ولم يُشير النص على صعودها، ولكن يصدر من فم العروس رمان وحدائق للأعشاب العطرة (التوابل). لقد أصبحت الآن ينبوع يفيض منها ويرى الحدائق. نحن لم نتعلم ذلك مثل ما حدث لبولس وأبلوس، إحداهما زرع والآخر رَوَى (1 كو 3: 6)، فكلاهما استخدم زراعة وريّ العروس الحدائق. قد يحتوي تمجيد العروس على شيء اسمي. يقول النص أن العروس هي النبع الذي لا يفيض مع النهيرات، ولكن يفيض بحدائق، لذلك عمل الرسول المقدس “الحدائق الحية” الذي عاش بينهم وعمل حديقة الكنيسة التي ارتفعت من خلال عظاته.

بعد ذلك يرفع النشيد العروس إلى أعلى قمة للمجد، مُضفيًا عليها اسم ينبوع المياه الحيّة المتدفقة من لبنان. لقد تعلمنا من الكتاب المقدس عن طبيعة الله المعطية للحياة كنبوءة من شخص الله تقول: “تركوني أنا ينبوع المياه الحيّة” (إر 2: 13). ثم يقول السيد المسيح للمرأة السامرية: “أجاب يسوع وقال لها، لو كنت تعلمين عطية الله ومن هو الذي يقول لك اِعطيني لأشرب لطلبت أنت منه فأعطاك ماء حيّا” (يو 4: 10). ثم قال: “إن عطش أحد فليقبل إليّ ويشرب. من آمن بي كما قال الكتاب تجري من بطنه أنهار ماء حيّ. قال هذا عن الروح الذي كان المؤمنون به مزمعين أن يقبلوه” (يو 7: 37-39). تقول كل من هذه الفقرات أن الماء الحي هو الطبيعة المقدسة، لذلك جاء للنشيد أن يسمي العروس بصدق بئر ماء حي يفيض من لبنان. هذا في الحقيقة يتعارض مع ما هو معروف فجميع الآبار تحتوي مياه ساكنة، والعروس فقط عندها مياه جارية في بئر عميق ومياهها تفيض باِستمرار. من يتمكن ويستحق أن يفهم العجائب الممنوحة للعروس؟ يتضح أنها قد وصلت إلى أقصى ما تتمناه فقد قورنت بالجمال الأبدي الذي منه نشأ كل جمال. وفي نبعها تشبه نبع عريسها تمامًا، وحياته بحياتها وماؤه بمائها. إن كلمة حي وبه تحيا كل نفس تستقبله. هذه المياه تفيض من الله كما يقول ينبوع المياه الحيّة: “لأني خرجت من قبل الله وأتيت” (يو 8: 42). تحفظ العروس فيض ماؤه الحي في بئر نفسها وتصبح بيت كنز لهذه المياه الحيّة التي تفيض من لبنان أي التي تكوّن سيول من لبنان، كما يقول النص. لقد أصبحنا في شركة مع الله بامتلاكنا هذه البئر حتى نحقق وصية الحكمة (أم 5: 17-18)، ونشرب مياها من بئرنا وليست من بئر آخر. نعمل هذا في المسيح ربنا له المجد والعظمة إلى الأبد آمين.

Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
PDF

معلومات حول الصفحة

عناوين الصفحة

محتويات القسم

الوسوم

arArabic
انتقل إلى أعلى