Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
PDF
☦︎
☦︎

أ – تجسّد الكلمة

“هلموا نبتهج بالرب مذيعين السرّ الحاضر. فقد زال سياج الحائط المتوسط. والحرّية المحرقة تنقلب عائدة والشاروبين يبيح رجوع الحياة. أمّا أنا فأعود إلى التمتع بنعيم الفردوس الذي نفيت منه قبلاً بسبب المعصية. لأن صورة الآب وشخص أزليته، المستحيل أن يكون متغيراً، قد اتخذ صورة عبد، آتياً بغير استحالة من أم لم تعرف زواجاً، فلبث إلهاً حقيقياً كما كان، واتّخذ ما لم يكن، إذ صار إنساناً لمحبته البشر. فلنهتف: يا من وُلد من البتول، اللهم ارحمنا”.

هذا النشيد الذي ترتِّله الكنيسة في غروب عيد الميلاد يظهر سرّ التجسد الإلهي العظيم ويوضح معناه الخلاصي.

فالمسيح إله تام وإنسان تام، لأنه “يملك سمات طبيعة الآب، وسمات طبيعة الأم. وهكذا وحّد في شخصه جوهر الألوهة وجوهر الطبيعة الإنسانية التي اتّخذها كلها: جسداً ونفساً ناطقة: أخذها كلها لكي يقدسها. والحقيقة انه كان كاملاً، أي حائزاً الطبيعة الإلهية كلها، واتخذني بكلّيتي، أي اتخذ الطبيعة الإنسانية كلها. فوحّد الكل بالكل لكي يمنح الخلاص للكل (أي للطبيعة كلها)، لأن ما لا يُتّخذ لا يشفى” (يوحنا الدمشقي).

في شخص آدم سقطت الطبيعة الإنسانية، وكان لسقوطها نتائج مهلكة. أمّا في شخص المسيح فان الطبيعة نفسها، التي خُدعت قديماً وصارت إلى الفساد، انتصرت على الخصم وقامت من بين الأموات وارتفعت وجلست عن يمين الآب (1 كو 5: 21-26، 45-50). “يقترب الموت، وفيما هو يبتلع طعم الجسد، ينغرز فيه شصّ [2] الألوهة. وبعد أن يذوق جسد عديم الخطأ وصانع الحياة، يفنى ويتقيأ كل الذين ابتلعهم منذ البداية. فكما أن الظلمة قد تلاشت بدخول النور، هكذا يُطرد الفساد باقتراب الحياة، وتصير الحياة للكل، والفساد لمسبّب الفساد” (يوحنا الدمشقي).

اتّحدت طبيعتا المسيح في شخص واحد، أو كما يقول الآباء، في أقنوم واحد مركّب. غير أن كل طبيعة منهما احتفظت بسماتها المميزة: فطبيعة المسيح الإنسانية تبقى مخلوقة ومنظورة وموصوفة ومائتة، أمّا الطبيعة الإلهية فتبقى غير مخلوقة أو منظورة أو موصوفة أو مائتة. وهذا ما تنبغي معرفته من أجل فهم شهادات الكتاب المقدس فهماً صحيحاً، والبقاء في الحقيقة الخلاصية (يو 8: 32، 14: 6، 2 بط 2: 16).

عندما نتحدَّث عن طبيعة المسيح الإلهية يجب ألا ننسب إليها خصائص الطبيعة الإنسانية. وعندما نتكلم على الطبيعة الإنسانية يجب ألا ننسب إليها خصائص إلهية. لكن المسيح شخص واحد، فإذا نسبنا إليه خصائص الطبيعة الإلهية أو خصائص الطبيعة الإنسانية نبقى في الحقيقة، لأن كلاً من هذه الخصائص تمكن نسبتها إلى المسيح الواحد الأوحد. وعلى هذا النحو يُسمّى مسيحاً وإلهاً وإنساناً وابناً لله…. ولا يشير إلى طبيعة واحدة بل إلى طبيعتين.

وبسبب اتحاد الطبيعتين في المسيح الواحد، دون اختلاط، نقول أن ما يحدث في الطبيعة الإنسانية يحدث في المسيح الواحد، أي أن خصائص هذه الطبيعة تنتقل إلى الطبيعة الثانية في الشخص الواحد، دون أن تتحوّل الواحدة منهما إلى الأخرى. ولذا استطاعت كنيستنا أن تقول في ترتيلة مساء عيد الميلاد: “إن المولود من العذراء إله)” واستطاع الكتاب المقدس أن يتحدث عن آلام الله (زخريا 12: 10، يو 3: 13، 8: 58، أع 20: 28، رؤ 1: 7). وقد أشار يوحنا الإنجيلي إلى هذا السرّ عندما كتب: “في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، والكلمة هو الله” (يو1: 1)، “والكلمة صار بشراً وسكن بيننا فرأينا مجده، مجد الابن الواحد الذي أتى من لدن الآب” (يو1: 14).

لا ريب أن تجسّد الكلمة هو أعظم ظهور إلهي بالنسبة إلى الإنسان، ولكنه لم يكن، بأية حال، ظهوراً لجوهر الله بل لشخص الرب. وهكذا يُفهم نشيد الأودية التاسعة من أحد مرفع الجبن: “إن الإله الذي لا يستطيع البشر معاينته، ولا تجسر طغمات الملائكة أن تنظر إليه، بك ظهر، أيتها النقية، في البشر كلمة متجسد. لذلك نعظمه مع الأجناد السماوية، وإياك نغبط”.

يشير هذا النشيد إلى معاينة شخص الرب الذي لم يعرفه الرسل بصورة تامة بل “حسبما استطاعوا”. ويؤكد القديس ديونيسيوس الأريوباغي “إنه بقي خفياً حتى بعد الظهور” وبالتعبير اللاهوتي الدقيق: “حتى أثناء الظهور”.

ب – ألوهة الرب في العهد القديم

رأينا أن العهد القديم شهد لألوهة المسيح (أش 9: 6، ميخا 5: 1، دا 7: 14)، ولكن ما ذكرناه ليس الشهادات الوحيدة. فمن المؤكد أن صوت الأنبياء كان داخل “القناع”، وشكّل “ظلاً” للإعلان “في المسيح” (2 كو 3: 14، عب 10: 1، يو 5: 39). ألاّ أن العهد الجديد ألقى نوراً ساطعاً على نبوءات العهد القديم وشرحها، بوحي إلهي، شرحاً صحيحاً. وسنذكر بعض آيات العهد القديم التي تشهد لألوهة الرب بطريقة لا تحتمل النقض:

“عرشك يا الله إلى الدهر… أحببت البرّ وأبغضت النفاق. لذلك مسحك إلهك، يالله، بالبهجة” (مز 44: 7-8). وقد ذكر كاتب الرسالة إلى العبرانيين هذه النبوءة مؤكداً أنها تتعلق بالمسيح (عب 1: 8-9)، أي إنها تشهد لله الآب ولله الابن في آن.

وجاء في المزامير “في البدء أسّست الأرض، والسموات هي صنع يديك. هي تزول وأنت تبقى، وكلها تبلى كالثوب، وتطويها كالرداء فتتغيّر، وأنت أنت، وسنوك لن تنقص” (مز 101: 26-28). وقد أكّدت الرسالة نفسها أن هذه الشهادة تتعلّق بشخص المسيح (عب1: 10-12) وأنها تشهد لألوهة الابن ومساهمته في خلق العالم.

ذكر سفر يوئيل أن “كل من يدعو باسم الرب يخلص” (2: 32) والنبي أشعياء أن “من آمن به لن يخزى” (28: 16). وشرح بولس الرسول هذه المقاطع الكتابية فقال: “هذا الكلام هو كلام الإيمان الذي ننادي به. فإذا شهدت بلسانك أن يسوع ربّ، وأمنت بقلبك أن الله أقامه من بين الأموات، نلت الخلاص… فقد ورد في الكتاب: “من آمن به لن يخزى”. فلا فرق بين اليهودي واليوناني (الوثني)، فالرب ربّهم جميعاً يوسع على كل من يدعوه. “فكل من يدعو باسم الرب يخلص”. وكيف يدعون من لم يؤمنوا به؟ وكيف يؤمنون بمن لم يسمعوا به؟ وكيف يسمعون به من غير مبشِّر؟ وكيف يبشِّرون أن لم يُرسلوا؟” (رو 10: 149).

وجاء في المزامير: “صعدت إلى العلى وسبيت السبي وأعطيت مواهب للناس بل للمتمرّدين لكي تسكن بينهم أيها الرب الإله (يه إلوهيم)” (مز 68: 18 وفي السبعينية 67: 19). فمن هو الرب الإله (يه إلوهيم)؟ إنه المسيح كما أجاب بولس (أفسس 4: 7-10). ورأى النبي أشعياء “الرب جالساً على عرشٍ عالٍ رفيع، وبيت مجده ممتلئ” (أش 6: 1) وسمع “صوت الرب” (أش 6: 8-13). وقد نسب يوحنا الإنجيلي هذه الآية إلى الابن (يو 12: 37-42)، أمّا الرسول بولس فنسبها إلى الروح القدس (أع 28: 25-27).

عندما نكرز بإيماننا أن الله آب وابن وروح قدس، لا نعترف بآلهة مختلفة، بل بالإله الواحد الأوحد المعلن في العهد القديم (خر 20: 3، تث 4: 35-39، أش 43: 10-11، 44: 6، 45: 5 و21-22، 46: 9). لكن في إله العهد القديم الواحد كلمة إلهية (حكمة)، لأن روحه إلهية متأقنمة، أي أن لها أقنوماً خاصاً.

“لما رأى أشعياء الله رمزياً على عرش رفيع، محفوفاً بملائكة المجد، هتف صارخاً: ويحي أنا الشقي، لأنني سبقت فرأيت إلهاً متجسداً، وهو النور الذي لا يعتريه مساء، وسيّد السلام” (قانون دخول السيد إلى الهيكل).

ج – “ها أنا واقف هناك على الصخرة” (خروج 17: 6)

ينبئنا بطرس الرسول أن ابن الله وكلمته تحدث إلى أنبياء العهد القديم وأطلعهم على الحوادث المقبلة: “سعوا إلى الكشف عن الزمان والأحوال التي دلّ عليها روح المسيح فيهم، حين شهد من ذي قبل بآلام المسيح وما يتلوها من المجد”. (1 بط 1: 11). وقد أشار بولس الرسول إلى “صخرة” جبل حوريب التي منها انبجس الماء، وقال أن الله الذي كان يقف على الصخرة هو المسيح نفسه: “وقال الرب لموسى: مُر أمام الشعب وخذ معك من شيوخ إسرائيل، وعصاك التي ضربت بها النهر خذها بيدك وامض. وها أنا واقف أمامك هناك على الصخرة في حوريب، فاضرب الصخرة فأنه يخرج منها ماء فيشرب الشعب” (خروج 17: 5-6، أنظر 1كو 10: 1-5).

د – “أنا هو الكائن” (خروج 3: 14)

“إن الذي خاطب موسى على طور سيناء قديماً برموز قائلاً: أنا هو الكائن، تجلّى اليوم في طور ثابور على التلاميذ وأظهر في ذاته جمال عنصر الصورة الأولى باتخاذه الجوهر البشري، وأقام موسى وإيليا شهوداً لهذه النعمة، وجعلهما مشتركين في السرور وسابقي الكرازة بالانعتاق بواسطة الصليب والقيامة الخلاصية” (عيد التجلي _ صلاة الغروب).

يوحد هذا النشيد شخص الرب يسوع وشخص الله الذي تجلّى لموسى. ويؤكّد القديس باسيليوس الحقيقة نفسها، فيشير إلى سفر الخروج (3: 14) حيث يظهر الله لموسى، ويقول أن هذا الشخص يُدعى أيضاً ملاكاً وإلهاً. ثم يشير إلى أن ملاك الرب قد ظهر لموسى بشكل لهيب ناري، ويذكر أن الصوت الذي سُمع كان يقول “أنا، هو إله أبيك إبراهيم” (خروج 3: 6) و”أنا هو الكائن” (خروج 3: 14). ثم يتساءل: “ماذا إذن؟هل هو نفسه ملاك وإله؟” ويجيب أن النص يتحدث عن الذي تعلمنا أن اسمه، “رسول الرأي العظيم” (أش9: 6)، ولو أنه سُمِّي بعدئذ ملاك الرأي العظيم، فتسميه الملاك لم تكن تسميته مهينة فيما مضى. وليس هذا المقطع الكتابي هو الوحيد الذي يحمل فيه الرب تسمية الملاك والإله، إذ نلاحظ أن يعقوب أيضاً، عندما سرد الرؤيا للنسوة، قال: “كلّمني ملاك الله” (تك 31: 11) وبعد قليل: “أنا هو الله الذي ظهر لك في المكان الذي مسحت لي النصب” (تك 31: 13). ويذكر الكتاب المقدس في مكان آخر: “أنا الرب إله إبراهيم أبيك وإله إسحاق” (تك 28: 13).

وينتهي باسيليوس الكبير إلى القول: “إن الذي يٌسمى ملاكاً هنا، هو الذي ظهر ليعقوب هناك. ويبدو واضحاً لنا أن المقطع يُسمى الشخص نفسه ملاكاً وإلهاً، إنما يشهد للابن الوحيد الذي سيظهر للبشر من جيل إلى جيل ويبشّر قدّيسي الرب بمشيئته”.

هـ – ابن من جوهر الآب

المسيح هو ابن الله، أي انه وُلد من الآب ولم يُخلق (مز 2: 7، 109: 3، أمثال 8: 25، أع 13: 33، عب1: 5، 5: 5). وهو ابن الآب “الوحيد” (مر 12: 6، يو 1: 14 و18، 3: 16، 1 يو 4: 9).

“السمة المميّزة “للخصب الطبيعي” تكمن في أن المولود يأتي من جوهر الوالد ويكون مشابهاً [3] له في الطبيعة” (يوحنا الدمشقي). وبكلام آخر، يكون ثمة ولادة إذا أتى المولود من جوهر الوالد أي كان مشابهاً له في الطبيعة، ويكون ثمة خلق إذا أتى المخلوق من خارج جوهر الخالق أي كان غير مشابه له في الجوهر. وهذا يعني أن لفظة “ابن الله” تماثل لفظة “الله”. لأن الابن شريك في جوهر الآب، وكلاهما من جوهر واحد. فإذا انطلقنا من هذه الحقيقة لا بدّ أن نستنتج أن الابن يملك كل الخصائص الإلهية ما عدا خاصته الأقنومية المتعلّقة بولادته الأزلية من الآب (مز 101: 26-28، عب 1: 10-13، أمثال 8: 30، يو1: 1، عب 1: 2-3، 7: 3، رؤ 1: 17، 1 كو 1: 24). وهذه الآيات تثبت كلها أن الابن قد وُلد من الآب منذ الأزل وخارج الزمن، لأن معرفة الولادة وقفٌ على الله وحده.

فإذا كان الابن، بوصفه ابناً حقيقياً، قد خرج من طبيعة الآب، وما دامت هذه الطبيعة كاملة وعديمة الهوى، فان ولادة الابن تكون خارج الزمن. فلو لم يولد الابن منذ الأزل. لكان ثمة فترة زمنية لم يكن فيها الآب أباً، ثم صار كذلك فيما بعد. وهذا يعني تغيراً في أقنوم الآب، وهو أمر مستحيل في الألوهة. غير أن هذا التعليم لا يصحّ في حالة خلق العالم، لأن الخليقة ليست من جوهر الله بل من إرادته (انظر أمثال 8: 30، يو 1: 1، عب1: 10-13، 7: 3).

أراد آباء الكنيسة مساعدتنا على فهم هذا السرّ الذي يكشفه الكتاب المقدس، فاستخدموا صوراً من الطبيعة المخلوقة: “إنه مثل النار والنور، فالنور يأتي من النار لكنهما موجودان معاً، دون أن تكون النار سابقة للنور. وعلى هذا النحو ولد الابن أبدياً من الآب. وكما أن النور الذي يولد باستمرار من النار يوجد على الدوام فيها، ولا يبتعد عنها أبداً، فكذلك يولد الابن من الآب دون أن يبتعد عنه” (الدمشقي).

لقد مُنح أنبياء العهد القديم إعلان الكلمة غير المخلوق، ورأوا مجد الله غير المخلوق. لكن رسل العهد الجديد تقبّلوا الإعلان “في المسيح يسوع” (عب 1: 1) الذي اتّخذ جوهرنا “وصار مساوياً لنا في الجوهر”، دون أن يكفّ عن امتلاكه جوهر الآب (كو2: 9). ولهذا السبب يجب النظر إلى المسألة (الخريستولوجية) والمسألة (الثالوثية) بمنظار هذا التساؤل الوحيد: هل كان المسيح قبل تجسّده ابن الله؟ وهل بقيّ بعد تجسّده ابنه الوحيد؟ وهو تساؤل يشكّل عثرة لليهود والوثنيين. لكن باسيليوس الكبير قال عند ذكره الحجج المتعلّقة بهذا الموضوع: “من هو الجسدي في فكره، وعديم الخبرة بالكلام الإلهي، إلى حدّ أن يتّجه ذهنه، عند سماعه بالولادة الإلهية، إلى التفكير في الأمور الجسدية التي يتّحد بموجبها الذكر والأنثى، أو الحمل داخل الرحم، أو تكوّن الجنين ونمّوه وخروجه في الوقت المحدد؟ ومن هو البهيمي إلى حدّ أن ينحدر عقله إلى التفكير في الأهواء الجسدية عند سماعه أن الله الكلمة خرج من الله وأن الحكمة وّلد من الله؟ المسيحي الحقيقي هو الذي يحفظ المعتقدات الخاصة بالله نقيّة وبعيدة عن المعاني الوضيعة واللحمية، ويقبل بولادة مناسبة لقداسة الله وأزليته، فلا يهتم بالطريقة التي وّلد بها الله، لأنه أمر لا يعبَّر عنه ولا يُفهم، لكنه يعود إلى التشابه في الجوهر الذي تمت تسمية الولادة على أساسه. ولكن كون طريقة الولادة غير مُعبَّر عنها وغير مفهومة، لا يعني أن نبطل إيماننا الثابت بالآب والابن. يؤكد الكتاب المقدس ولادة الابن الأزلية عندما يقول: “في البدء كان الكلمة”، أي أن الكلمة كان موجوداً عندما خُلق المخلوق الأول “بدء الزمن”، لأنه هو خالق كل خليقة الله (يو 1: 1-3، رؤ 3: 14)، ولهذا يوصف بأنه “بكر الخليقة كلها” (كول 1: 15-17)، أي انه المختار الذي يسمو على الخليقة كلها (انظر خروج 4: 22، مز 88: 28، عب 12: 23).

“لا يستطيع الذهن أن يصل إلى “ما كان”، ولا يستطيع الخيال أن يتجاوز “البدء”، لأنك مهما صعدت بالذهن إلى فوق فلن تصل “ما كان”، ومهما سعيت إلى أن ترى تدابير الآب الأزلي فلن تفلح في تجاوز “البدء”. إنه لمن حُسن التقوى أن يُفهم الابن مع الآب” (باسيليوس الكبير).

و – ألوهة المسيح في العهد الجديد

يقدّم العهد شهادات واضحة عن ابن الله. فالرب نفسه لم يُخفِ هذا الحدث، ممّا سبّب عثرة لليهود، لأن شهادته لنفسه تماثل الشهادة لألوهة ماسيّا الذي ينتظرونه: “فأتى اليهود بحجارة ليرجموه. فقال لهم يسوع أريتكم عدّة أعمال صالحة من لدن الآب، فلأي عمل منها ترجموني؟ فقال اليهود لا نرجمك للعمل الصالح ولكن للكفر، لأنك لست سوى إنسان، وجعلت نفسك الله. فأحابهم يسوع:…. أن كنت لا أعمل أعمال أبي فلا تصدقوني. وإذا كنت اعملها، فصدّقوا هذه الأعمال أن لم تصدّقوني تعلموا حق العلم أن الآب فيّ وإني في الآب” (يو 10: 31-38). “فسأل عظيم الأحبار أيضاً: أأنت المسيح ابن المبارك؟ فقال يسوع: أنا هو. وسوف ترون ابن الإنسان جالساً عن يمين القدرة، وأتياً على غمام السماء. فشقّ عظيم الأحبار ثيابه وقال: أيّ حاجة بنا إلى شهود وقد سمعتم الكفر؟” (مر 4: 61-64، انظر متى 26: 63 65، لو 22: 70-71، يو 5: 18، 4. 26).

يشهد هذان المقطعان من العهد الجديد بوضوح أن المسيح نفسه يؤكد ألوهته. وهذا هو سبب حكم اليهود عليه (يو 10: 33). لكن الرب يتقبل الاتهام ويقول إنه هو الحقيقة الوحيدة: “من رآني رأى الآب الذي أرسلني” (يو 12: 45، 14-9)، “أنا والآب واحد” (يو 10: 30)، “أنا في الآب والآب فيّ” (يو 14: 10و20، 17: 21-23). “إن الآب الذي فيّ هو الذي يأتي بالأعمال” (يو 14: 10)، “لقد أولاني أبي كل شيء” (متى 11: 27، يو 3: 35). “إني قد أُعطيت كل سلطان في السماء والأرض” (متى 28: 18). “قال الله ربنا: أنا الألف والياء، الكائن والذي كان والذي سيأتي، الضابط الكل” (رؤ 1: 8). لا يشير هذا القول إلى “الحمل” أي إلى الابن وحسب، بل إلى “الجالس على العرش” (رؤ 21: 5) الذي يطلب من يوحنا أن يكتب أنه “سيجعل كل شيء جديداً”، وأنه “سيروي العطشان من ماء الحياة مجّاناً” (رؤ 21: 5-6، انظر أش 41: 4، 44: 6). ولكننا نعلم أن الابن أيضاً هو “الكائن والذي كان والذي سيأتي” وأن “به خُلق الكل وفيه يجدون هدفهم النهائي” (كول 1: 15-17)، وأنه يروي من “ماء الحياة” (يو 4: 10-14) و”الضابط الكل” (متى 11: 27، 28: 18، يو 3: 35).

يضاف إلى هذه الشهادات كلها شهادة الملائكة وتلاميذ يسوع. قال الملاك للعذراء مريم: “إن الروح القدس يحلّ بك وقدرة العليّ تظلّلك، لذلك يكون المولود منك قدّوساً، وابن الله يُدعى” (لو 1: 35)، وليوسف: “إنه هو الذي يخلّص شعبه من خطاياهم” (متى 1: 21)، وللرعاة “وُلد لكم اليوم مخلّص في مدينة داود، وهو المسيح الرب” (لو 2: 11). أمّا التلاميذ فقالوا: “أنت ابن الله حقاً” (متى 14: 23، 16: 16) وسجدوا له.

ويحلّل بولس الرسول بوضوح تام “تجرَّد الله من ذاته”، فيقول: “فمع أنه في صورة الله لم يعدّ مساواته لله غنيمة، بل تجرَّد من ذاته متّخذاً صورة العبد. وصار على مثال البشر، وظهر بمظهر الإنسان، فوضع نفسه وأطاع حتى الموت، موت على الصليب. لذلك رفعه الله، ووهب له الاسم الذي يفوق جميع الأسماء، كيما تجثوا لاسم يسوع كل ركبة في السماء وفي الأرض وفي الجحيم، ويشهد كل لسان أن يسوع المسيح هو الرب، تمجيداً لله الآب” (فليبي2: 6-11). يشهد هذا المقطع الكتابي بوضوح تام أن طبيعة المسيح الإلهية تؤكد كونه ابن الله، أي إله.

والأمر نفسه جليّ في اعتراف بطرس الرسول، وخاصة في جواب المسيح نفسه. فقد شهد بطرس: “أنت المسيح ابن الله الحيّ” (متى 16: 16) فأجابه الرب يسوع: “طوبى لك يا سمعان بن يونا، فليس اللحم والدم كشفا لك هذا، بل أبي الذي في السموات” (متى 16: 17، انظر غلا 1: 15-16). لو كان اعتراف بطرس يعني أن المسيح هو ابن الله بالمعنى الروحي، لما أجابه الرب أن الآب نفسه هو الذي كشف له هذه الحقيقة. ففي ذلك الحين لم يكن معاصرو الرسل يؤمنون أن المسيح هو ابن الله بالمعنى الطبيعي، لذلك احتاج بطرس إلى إعلان الله لا إلى شهادة بشرية.

لكن بطرس لم يكن الوحيد الذي شهد لألوهة المسيح. فقد قال يوحنا: “في البدء كان الكلمة، والكلمة كان لدى الله، والكلمة هو الله” (1: 1) و”الكلمة صار بشراً وسكن بيننا، فرأينا مجده مجد الابن الواحد الذي أتى من لدن الآب ملؤه النعمة والحق” (1: 4). و”هذا هو الإله الحق والحياة الأبدية” (1 يو 5: 20). أمّا توما فصرخ: “ربّي وإلهي” (يو 20: 28). ويؤكّد الرسول بولس لشيوخ أفسس أن الروح القدس قد أقامهم أساقفة ليرعوا كنيسة الله التي “اقتناها بدمه” (أع 20: 28)، وللعبرانيين أن “الابن الذي جعله (الله) وارثاً لكل شيء وبه أنشأ العالمين، هو شعاع مجده وصورة جوهره” (عب 1: 2-3)، أي أن المسيح هو ختم جوهر الله.

وقد تحدث بولس في رسالته إلى تيطس عن “إلهنا العظيم ومخلّصنا يسوع المسيح” (2: 13). وقال لأهل كولوسي: “ففيه يحلّ جميع كمال الألوهة حلولاً جسدياً” (كول 2: 9، انظر 1: 19). وأخيراً قال لتيموثاوس أن سرّ التقوى العظيم قوامه أن الله “قد ظهر في الجسد وتبرّر في الروح وتراءى للملائكة وبُشِّر به عند الوثنيين وآمن به العالم وارتفع في المجد” (1 تيم 3: 16). كل ما ذكره بولس، خاصة “تبرّره في الروح” أي شهادة الروح القدس لألوهة الرب يسوع، يشكل الأسس غير المتزعزعة لإيماننا بألوهة المسيح واعترافنا بها، وهما ما يحقق لنا الخلاص (يوئيل 2: 23، أش 28: 16، أع 4: 12).

ز – “حمل” سفر الرؤيا

ثمة كرازة بألوهة المسيح في السفر الأخير من الكتاب المقدس، أي سفر الرؤيا. فان يوحنا، تلميذ المسيح، لمّا رأى الكتاب المختوم الذي لم يستطع أحد في السماء ولا في الأرض أن يفتحه، أخذ يبكي، بحرقة ومن غير تعزية، تعاسة الجنس البشري اللابث في ظلام الجهل. وحينئذ قال له واحد من الشيوخ: “لا تبكِ. هوذا الأسد من سبط يهوذا وذريّة داود قد غلب. وسيفتح الكتاب ويفضّ أختامه السبعة” (رؤ 5: 5). إن الأسد المتحدر من سبط يهوذا وذرية داود هو المسيح (متى 1: 2-16. إنه مخلّص الإنسان وحده (متى 1: 21)، ولا أحد سواه يمكن أن يخلص الإنسان من ظلمة الجهل ووطأة الخطيئة (أع 4: 12).

ثم يرى يوحنا الرب نفسه واقفاً بشكل حمل: “ورأيت بين العرش والحيوانات الأربعة وبين الشيوخ حملاً قائماً كأنه ذبيح، له سبعة قرون وسبعة أعين هي أرواح الله السبعة التي أُرسلت إلى الدنيا كلها” (رؤ 5: 6). وقوف الحمل هو إعلان لقيامة المسيح، وخاصة قيامته بالجسد. فكما أن توما الرسول قد دُعي ليرى جراح المسيح في جسده الناهض (من بين الأموات) فكذلك يرى يوحنا الجراح ظاهرة في جسد الحمل، فيقول: “كأنه ذبيح”. لكنه كان واقفاً، أي أن يوحنا رأى جسد الرب الناهض بقوته الكلّية (القرون السبعة) وحكمته الكلّية (الأعين السبعة). أمّا الحيوانات الأربعة فهي الكنيسة التي ستملك مع المسيح. “فأتى الحمل واخذ الكتاب من يمين الذي استوى على العرش. ولمّا أخذ الكتاب سجد الحيوانات الأربعة والشيوخ الأربعة والعشرون للحمل، وكان مع كل واحد منهم كنّارة وأكواب من ذهب مُلئت عطوراً هي صلوات القديسين. وكانوا يرتلون نشيداً جديداً….. ” (رؤ 5: 7-9).

إننا نرى الكنيسة تقدِّم سجود عبادة للمسيح وتقرّب التسبيح والتمجيد لله الآب الذي رآه يوحنا جالساً على العرش وللمسيح، الإله المتأنس، أيضاً: “وسمعت كل خليقة في السماء والأرض وتحت الأرض وفي البحر والعالمين أجمع يقولون: للذي على العرش استوى وللحمل الحمد والإكرام والمجد والعزّة إلى ابد الدهور. فقال الحيوانات الأربعة: آمين. وجثا الشيوخ الأربعة والعشرون ساجدين” (رؤ 5: 13-14). لا يمكننا، على ضوء الكتاب المقدس، أن نعطي تفسيراً آخر لهذا السجود فسجود العبادة يليق بالله وحده (متى 4: 10، تث 5: 9، 6: 13).

يجثو يوحنا على قدمي الملاك ليسجد له، فيقول الملاك: “لا تفعل. إني عبد مثلك ومثل إخوتك الذين لديهم شهادة يسوع. فله أْسجد” (رؤ 19: 10).

في الأزمنة الأخيرة التي تشير إليها رؤيا يوحنا، لا يجوز سجود العبادة حتى للملائكة، لأنه وقف على الله وحده. ولكن الكنيسة كلها تسجد للابن “الحمل” في رؤيا يوحنا “كسيّد وربّ وحيد” (رسالة يهوذا 4).

ويؤكّد الكتاب المقدس أيضاً أن أولئك الذين لا يعترفون بالمسيح كـ “سيّد وربّ وحيد” أي كإله، معرّضون للموت، وأن واجب كل مسيحي أن يحاول إبعادهم عن النار” (يهوذا 22) بكل وسيلة.

إذا أردنا أن نحيا فلا بدّ أن نؤمن بالمسيح. “من يؤمن بالابن فله الحياة الأبدية. ومن لم يؤمن بالابن لا يرَ الحياة الأبدية، بل يلزمه غضب الله” (يو 3: 36، انظر يو 14: 6، 1يو 5: 12-20).

“كان في العالم، وبه كان العالم، ولم يعرفه العالم. جاء إلى بيته فما قبله أهل بيته. أمّا الذين قبلوه فقد أولاهم أن يصيروا أبناء الله، هم الذين آمنوا باسمه. وهو ليس من دم ولا من رغبة ذي لحم ولا من رغبة رجل بل الله ولده” (يو 1: 10-13).

ح – بسلطة وقوة

“فآمن به من الجمع عدد كبير وقالوا: أيجري المسيح من الآيات حين يأتي أكثر ممّا أجرى هذا الرجل؟ فسمع الفرّيسيون أن الجميع يتهامسون بذلك، فبعثوا بعض الحراس ليمسكوه” (يو 7: 31-32).

“وقف يسوع في آخر يوم من العيد وهو أعظم أيامه، فقال بأعلى صوته: من كان عطشان فليأتني، ومن آمن بي فليشرب، وستجري من جوفه انهار من الماء الحيّ، كما ورد في الكتاب…. فقال بعض الجمع الذين سمعوا ذلك الكلام: هذا هو النبي حقاً! وقال غيرهم: هذا هو المسيح! وقال آخرون: أمِن الجليل يأتي المسيح؟ ألَمْ يقل الكتاب أن المسيح يأتي من نسل داود، من قرية بيت لحم؟ فوقع بين الجمع خلاف من أجله…. ورجع الحراس إلى الأحبار والفرّيسيين فقال لهم هؤلاء: لماذا لم تأتوا به؟ فأجابهم الحرس: ما تكلّم إنسان قط مثل هذا الرجل” (يو 7: 37-46، انظر متى 9: 33).

نجد في العهد القديم كثيراً من الأحداث العجائبية، حيث تُنقل كلمة الله بأفواه الأنبياء: “هكذا يقول الرب”. وكانت تلك العجائب تتحقق بعد الصلاة وذكر اسم الله (انظر مثلاً الملوك الثاني 17: 20-23، 18: 36-39، والملوك الرابع 2: 14، و4: 32-37).

أمّا الرب يسوع فقد أُعطي كل سلطان في السماء وعلى الأرض (متى 28: 18)، حتى سلطة غفران الخطايا (متى 9: 2، مر 2: 5، لو 5: 20). والأعمال التي قام بها تشهد لألوهته (يو 5: 36، 10: 25، انظر متى 4: 23، 11: 5، 15: 31، مر7: 37، لو 7: 22، أش 61: 1-2)، فقد قال لابن الأرملة: “يا فتى، أقول لك: قم” (لو 7: 14)، ولصاحب اليد المشلولة: “أمدد يدك” (مر 3: 5، متى 12: 13) وللبحر: “أُصمت اخرس! ” (مر 4: 39)، وللروح النجس: “أنا آمرك، أخرج منه، ولا تعد إليه” (مر 9: 25).

لم يكتفِ الرب يسوع إذن باجتراح العجائب، بل كان “يعلّم مثل من له سلطان” (متى 7: 29، مر 1: 22، يو 7: 46). لذلك قال أكثر من مرّة في العظة على الجبل: “سمعتم انه قيل للأولين….. أمّا أنا فأقول لكم” (متى 5: 21-48).

ط – اسم يسـوع

قال أشعياء النبيّ: “وعلى اسمه تتوكّل الأمم” (42: 2). وأكّد متى الإنجيلي أن هذا القول النبوي ينطبق على المسيح (متى 12: 21).

“كُتب أن المسيح ينبغي أن يتألّم ويقوم من بين الأموات في اليوم الثالث، ويُدعى باسمه في جميع الأمم إلى التوبة لغفران الخطايا….. وأنتم شهود على ذلك” (لو 24: 46-47).

أن الكرازة باسم المسيح، والأحرى كرازة اسم المسيح، أمر ضروري لخلاص الإنسان، لأن من لا “يؤمن باسم ابن الله الوحيد” (يو 3: 18، 14: 1) لا ينال الخلاص. فالرب قد أولى المؤمنين باسمه “أن يصيروا أبناء الله” (يو 1: 12، انظر 1 يو 5: 13). “فما من اسم آخر تحت السماء أُعطي للناس نستطيع به أن ندرك الخلاص” (أع 4: 12، أنظر13: 38-39، رو 3: 22).

الإيمان باسم المسيح هو ما يحقّق الشركة مع الله الواحد المثلث الأقانيم، أي الاشتراك في الخلاص، فنحن بيسوع المسيح نتوصّل “إلى الآب في روح واحد” (أفسس 2: 18)، ولا بد للمرء أن “يجتذبه” الآب (يو 6: 44) وان “يلهمه” الروح القدس (1طو 12: 3) حتى يستطيع أن يأتي إلى المسيح ويعترف انه ربّ.

وهكذا يظهر بوضوح إننا، نحن المسيحيين، نؤمن ونعترف بشخص المسيح وباسم المسيح، وندعو الله الواحد المثلث الأقانيم: آباً وابناً وروحاً قدساً.

ويحثنا الرسول بولس على أن نشكر الله الآب دائماً وعلى كل شيء “باسم ربنا يسوع المسيح” (أفسس5: 20)، فكل ما نعمله، بالقول والفعل، يجب أن نفعله باسم الرب يسوع “شاكرين الله الآب” (كول 3: 17).

والرب نفسه يؤكّد أن كل من يطلب شيئاً باسمه يُستجاب له (يو 14: 13-14، 16: 23)، وقد أولى تلاميذه سلطاناً لفعل العجائب باسمه (متى 10: 1، 3: 15، 6: 7-13، 16: 17-20، لو 9: 1-2 و10، 9: 17-19)، وقد ورد في أعمال الرسل كثير من العجائب التي اجتُرحت باسم المسيح (أع 2: 43، 5: 12، 8: 7، 14: 10).

قال بطرس الرسول للمتسول المُقعد: “باسم يسوع الناصري قمْ وامشِ” (أع 3: 6، أنظر أيضاً 4: 10، 9: 34). وقال بولس لروح العرّاف الذي كان في الجارية: “آمرك باسم يسوع أن تقلع عنها” (أع 16: 18).

كانت معمودية المؤمنين تتمّ على اسم الله المثلث الأقانيم (متى 28: 19)، لكن الرسل شدَّدوا في كرازتهم على المعمودية باسم يسوع (أع 2: 38، 19: 5)، دون أن يعني ذلك أنهم لم يحافظوا على كامل وصيّة الرب (متى 28: 19). فالمعمود يصبح “شاهداً للمسيح” (أع 1: 8، لو 24: 47-48) ويُدعى “مسيحياً” (أع 11: 26، 26: 28، 1 بط4: 16)، ولذا كانت اجتماعات المسيحيين الحقيقيين تُعقد دائماً باسم المسيح (متى 18: 20).

نستنتج من كل ذلك أن الإيمان الحقيقي الذي يقود إلى الخلاص هو الإيمان باسم المسيح. فمغبوط كل من، “بسبب اسم المسيح” (متى 10: 22، مر 13: 13)، يُبْغَضْ ويُعيّر ويُوشى به ويُضطهد (متى 5: 11، لو 6: 22) أو يُحاكم ويُجلد ويُسجن ويُقتل (متى 10: 17 -18، لو 21: 12-17). “طوبى لكم إذا عيّروكم من أجل اسم يسوع….لا يكونّن فيكم من يتألم ألم قاتل أو أثيم أو متطفل، ولكنه إذا تألم لأنه مسيحي فلا يخجل بذلك وليمجد الله على انه يُدعى بهذا الاسم” (1 بط 4: 14-16).

إذا تألم أحد لأنه مسيحي، أي لكونه حاملاً اسم المسيح الذي هو الحقيقة المتجسّدة الوحيدة (يو 14: 6) فهو يتألم من أجل الحقيقة، وليس له أن يخجل بل أن يُمجِّد الله بالاسم الذي يحمله. أمّا الذي لا يُضطهد من أجل اسم المسيح فينبغي ألاّ يتفاخر بل أن يخجل لأنه لا يتألم من أجل الحقيقة.

ولا بدّ من تأكيد هذا الأمر بصورة خاصة، لأن ثمة أُناساً ضالين يؤكدون إنهم يُضطهدون ويُسجنون في سبيل الحقيقة، دون أن يحملوا اسم المسيح أو أن يكرزوا به، أي دون أن يكونوا “شهوداً للمسيح”. فهؤلاء البشر لا يعانون أو يتألمون من أجل الحقيقة، بل لأنهم يحرّفون الكتاب المقدس، ويخرقون القوانين العامة. لذلك ينبغي أن يخزوا ويخجلوا (1 بط 4: 14-16)، حسب قول الكتاب المقدس.

أمّا الشهود الحقيقيون للمسيح إلهنا فإنهم مغبوطون، لذلك يبتهجون إذا أُبغضوا أو اضطُهدوا، ويتحملون ذلك كله من أجل اسم المسيح الذي يكرزون به بأقوالهم وحياتهم. ولا يمنعهم أي تهديد عن إتمام هذا الواجب العظيم (أنظر أع 40: 18-20، 5: 28-42) إنهم يعلمون أن الإيمان بإله مجرَّد وغير محسوس لا يخلصهم، ولا بدّ من الإيمان بألوهة يسوع المسيح والاعتراف باسمه. ولذا فان الشهداء القدّيسين الذين رآهم يوحنا “تحت المذبح” “سُفكت دماؤهم في سبيل كلام الله والشهادة (للحمل) التي شهدوها” (رؤ 6: 9).

ثمة أهمية كبرى لاسم المسيح من أجل خلاصنا. فكلام الله يؤكّد أن اسم “الله” و”الحمل” سيكون مكتوباً على جباههم “أبناء الملكوت” (رؤ 22: 3-4).

علينا إذن أن نحمل هذا الاسم، فنُدعى ونكون مسيحيين، وأن نحيا في وسط العالم “شهوداً للمسيح”، وأن نفعل ما يفعله جميع المسيحيين الأتقياء، وما حثنا عليه الرب نفسه (يو 14: 13-14، 16: 23) فندعو باسمه قائلين: “أيها الرب يسوع المسيح، ارحمني أنا الخاطئ”.

ى – “من أنكر الابن لم يحظَ بالآب” (1 يو 2: 23)

“يا أبنائي، ها هي ذي الساعة الأخيرة قد أتت. سمعتم أن المسيح الدجّال سيأتي، وقد أتى كثير من المسحاء الدجّالين. من ذلك نعرف أن الساعة الأخيرة قد أتت. خرجوا من عندنا ولم يكونا منّا، لو كانوا منّا لظلوا معنا. ولكن لا بدّ أن يتضح أنهم ليسوا كلهم منّا. أمّا انتم فقد قبلتم المسحة من الروح القدس وحصلتم جميعاً على المعرفة. كتبت إليكم لا لأنكم تجهلون الحق، بل لأنكم تعرفونه، وما من كذبة تأتي من الحق” (1 يو 2: 18-21).

“من هو الكذّاب أن لم يكن ذاك الذي ينكر أن يسوع هو المسيح؟ هذا هو المسيح الدجّال الذي ينكر الآب والابن. من أنكر الابن لم يحظى بالآب. ومن عرف الابن حظي بالآب. أمّا انتم فليثبت فيكم ما سمعتموه منذ البدء. فإن ثبت فيكم ما سمعتموه منذ البدء، ثبتم انتم أيضاً في الابن والآب. فالحياة الأبدية هي الموعدة التي وعدكم بها. هذا ما أردت أن اكتب به إليكم. وقصدي أولئك الذين يبتغون إضلالكم” (1 يو2: 22-26، انظريو5: 22).

ويتساءل القديس أثناسيوس الكبير: “كيف يمكن أن يتكلّم عن حقيقة الآب، من ينكر الابن الذي يكشف حقيقة الآب وكيف يستطيع أن يملك آراء صحيحة عن الروح، من يطعن بالكلمة الذي يرسل الروح؟”.

ثمة أنبياء كذبة في الشعب: “وكما كان في الشعب أنبياء كذّابون، فكذلك يكون فيكم معلمون كذّابون يحْدثون بدعاً مهلكة وينكرون الرب الذي افتداهم، فيجلبون لأنفسهم هلاكاً سريعاً” (2 بط 2: 1).

تشكّل هذه الأقوال الكتابية تحذيراً واضحاً لنا جميعاً. فمن نال “مسحة” الروح القدس (1 يو 2: 20) يبقى عضواً في الكنيسة، أي أن الذي يحفظ في داخله “ما سمعه منذ البدء” و”يؤمن بالآب والابن” (1يو 2: 24) يبقى في الآب والابن (1يو 2: 24). أمّا الذي ينكر الرب يسوع المسيح، فهو ينتمي إلى “البدع المهلكة” التي تودي به إلى “الهلاك السريع” (2 بط 2: 1).


[1] حاشية مرتبطة بالعنوان “شخص الإله-الإنسان” راجع ( ألوهة المسيح ) لكوستي بندلي ، منشورات النور (الناشر ).

[2] الشصّ: هو الجزء المعدني من صنارة الصيد ، وهو ما يعلّق فيه الطعم عادة ( المعرب )

[3] الأصح، هو أن نقول “مساوٍ” وليس “مشابه”، لأن المشابه هو مصطلح استخدمه أنصاف الآريوسيين أو المعتدلين منهم. ولكن الكيسة الجامعة أبسلت هذا القول كما أبسلت قول آريوس.. إلا أن سياق الكلام يؤكد أن المقصود هو المساواة والمطابقة في كل شيء وليس الشبه النسبي فقط كما يقول الهراطقة… إلا أنه وجب التنبيه… (الشبكة)

Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
PDF

معلومات حول الصفحة

عناوين الصفحة

محتويات القسم

الوسوم

arArabic
انتقل إلى أعلى