Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
PDF
☦︎
☦︎

أ – البشارة الأولى

رأينا أن طبيعة الإنسان نفسها قد تحوّلت، نتيجة السقوط. وتالياً، فان آدم نقل إلى ذريته إرثاً ثقيلاً، إذ أورثها طبيعة مريضة بالية، نصيبها الموت والفساد. فكيف يستطيع نسل آدم، أي الإنسانية كلها، أن يخلص؟

كان ينبغي، من أجل إتمام خلاص الإنسان، أن يظهر “جذر”،؛ جديد، آدم جديد، مكان الجذر العتيق. كانت الإنسانية بحاجة إلى “أب”، إلى زعيم جديد يعيد اتصال طبيعة الإنسان بالله، ويجعله مساهماً في حياة الله من جديد. لكن الإنسان عجز إيجاد هذا “الأب” بمفرده، لأنه متحدر من جذر آدم العتيق، ومحكوم عليه بالفساد والموت (حكمة سليمان 2: 23). كان يجب أن تعالج طبيعة الإنسان ذاتها، وأن يعيد الإنسان ارتباط طبيعته المتجددة بالله، نبع حياته، حتى يعود إلى الحياة (يو 3: 36، 14: 6، 1يو 5: 12 و20).

وعَجِزَ الإنسان عن تحقيق هذا الأمر بمفرده. فكان ضرورياً أن يقوم الله نفسه بالخطوة الحاسمة. فالله الذي أحب الإنسان “حباً أبدياً”، أظهر هذه المحبة حتى يوم السقوط نفسه، حين قال للحيّة: “وأجعل عداوة بينك وبين المرأة، وبين نسلك ونسلها، فهو يسحق رأسك، وأنت ترصدين عقبه” (تك 3: 15).

وسيخرج من “نسل” المرأة من يسحق الشيطان وأعماله، ويكون الزعيم الجديد المرتقب. وكل من ينحدر منه لن يكون تحت سلطة الفساد والموت.

ب – فترة ترقب

تاريخ العهد القديم تشوق لمجيء “نسل” المرأة، أي المسيح، وتصوير للاتصال الجديد بين الله والناس في الكنيسة. وأقام الله عهداً مع نوح وذريته (تك 9: 9)، وأكد لإبراهيم أن امرأته العاقر سارة ستلد الابن الذي سيجعله الله رئيساً على أمم كثيرة (تك 17: 6)، “لأنه بإسحاق يُدعى لك نسل” (تك 21: 12). وقد أشار بولس الرسول إلى هذه النبوءات مؤكداً أنها تحققت في شخص المسيح: “فليس جميع الذين هم من إسرائيل بإسرائيليين، ولا هم أبناء إبراهيم وأن كانوا من ذريته، بل “بإسحاق يُدعى لك نسل”. وهذا يعني أن أبناء الجسد ليسوا أبناء الله، بل أبناء الوعد هم الذين يحسبون ذريته” (رو 9: 6-8).

أبناء إبراهيم هم أولئك الذين يؤمنون باسم المسيح (أنظر غلا 3: 7-9). ويشير بولس الرسول إلى وعد الله لإبراهيم: “على أن المواعد قد وُجهت إلى إبراهيم والى نسله، ولم يقل: “إلى أنساله” بصيغة الجمع بل “إلى نسله” بصيغة المفرد، أي المسيح” (غلا 3: 16، انظر تك 12: 7، 13: 15-16، 15: 4-6، 17: 7-8، 22: 18). ومن عهد إبراهيم تترقب الإنسانية هذا “النسل” الذي ستتبارك به جميع قبائل الأرض، أي المسيح (تك 22: 18، أع 3: 25-26).

ثم يجدد الله العهد نفسه لإسحق بن إبراهيم (تك 26: 4 و24) ولابنه يعقوب، مشيراً بوضوح شديد إلى عمل الرب. فبعد أن نال يعقوب البركة والدعاء بأن يصبح أباً لأمم كثيرة (تك 28: 3-4)، “خرج من بئر سبع ومضى حاران، فصادف موضعاً بات فيه، إذ غابت الشمس….. فرأى حلماً كأنّ سلّماً منتصبة على الأرض ورأسها في السماء وملائكة الله تصعد وتنزل عليها. وإذا الرب واقف على السلّم ومستند إليها، فقال: أنا الرب إله إبراهيم أبيك وإله اسحق…. أن جميع قبائل الأرض تتبارك بك وبنسلك. وها أنا معك أحفظك حيثما اتجهت ولن أهملك… فاستيقظ يعقوب من نومه وقال: أن الرب لفي هذا الموضع وأنا لم أعلم. فخاف وقال: ما أهول هذا الموضع. ما هذا إلا بيت الله. هذا باب السماء” (تك 28: 11-17).

إن “نسل” المرأة الذي سيسحق الحيّة هو “نسل” إبراهيم واسحق ويعقوب. وسيكون منطلق البركة للعالم أجمع، وسلّماً فريدة توحّد الأرض بالسماء، والإنسان بالله الكائن في أعلى السلّم و”المستند” عليها، مؤكداً ليعقوب تحقيق الوعد المرتقب. هذا المكان الذي يعمل الله من خلاله، ويدعو يعقوب إليه، يتّصف بالقداسة، وهو رسم مسبق للكنيسة، أي وطن الإنسان الحقيقي الذي أعاده إليه المسيح. إنه “بيت الله وباب السماء”، كما ردّد يعقوب نفسه. ويؤكد الرب “أنه لا يزول صولجان من يهوذا ومشترع من صلبه حتى يأتي ذلك الذي تطيعه الشعوب، ويكون رجاء الأمم جميعاً” (تك 49: 10). ويوضح أشعياء النبي هذا الأمر فيشير إلى يسّى سليل يعقوب: “ويخرج قضيب من جذر يسّى وينمو فرع من أصوله. ويستقر عليه روح الرب، روح الحكمة والفهم، روح المشورة والقوة، روح العلم وتقوى الرب” (أش 11: 1-2). “وفي ذلك اليوم سيرتفع أصل يسّى راية للشعوب، فإياه تترجّى الأمم، ويكون مثواه مجيداً” (أش 11: 10). ويشير بولس الرسول إلى هذه النبوءة مؤكداً أنها تحققت في شخص المسيح (رو 15: 8-12).

ويتنبأ أشعياء أنه “سيولد لنا صبّي ويُعطى لنا ابن، فصارت رئاسته على عاتقه، ودُعي اسمه مشيراً، عجيباً، إلهاً، جبّاراً، أباً إلى الأبد رئيس السلام” (أش 9: 6). ثم يصيف النبي عمل المسيح الخلاصي، وافتدائه الإنسان بدمه الذي قدّمه، بمشيئته، من أجلنا: “لأنه أخذ عاهاتنا وحمل أوجاعنا…. جُرح لأجل معاصينا وسحق لأجل آثامنا. فتأديب سلامنا عليه وبشدخه شفينا…. قُدم وهو خاضع ولم يفتح فاه. كخروف سيق إلى الذبح، وكحمل صامت أمام الذين يجزّونه ولم يفتح فاه…. لأجل معصية شعبي أصابته الضربة…. لأنه لم يصنع جوراً ولم يوجد في فمه مكر. والرب رضي أن يسحقه بالعاهات، فانه إذا جعل نفسه ذبيحة إثم يرى ذريته وتطول أيامه، ومرضاة الرب تنجح على يديه. لأجل عناء نفسه يرى ويشبع، وبعلمه يُبَرَّر الصدّيقُ كثيرين ويحمل آثامهم” (أش 53: 4-11). لم يستطيع الحبشيّ فهم هذه النبوءة، لكن الرسول فليبّس الذي ذهب للقائه بأمر الرب، أوضح له أنها تتعلق بشخص المسيح (أع 8: 31-35).

ولم يكن أشعياء النبيّ الوحيد الذي تكلّم على المسيح، فجميع الأنبياء تقريباً تحدثوا عن يسوع، الإله المتأنس، وعن ترقّبهم مجيئه. فقد ذكر داود في المزامير: “ذبيحة وتقدمة لم تشأ، لكنك ألبستني جسداً، ولم تطلب المحرقات ولا ذبائح الخطيئة. حينئذ قلت: ها أنذا آت فقد كتب عني في درج الكتاب، لأعمل بمشيئتك يا الله” (مز 39 : 7-9).

يعلِّمنا الروح القدس في العهد الجديد أن هذه الأقوال النبوية تعني أن الابن يتحدث إلى الآب بفم داود النبي، مشيراً إلى تجسده الإلهي (“إنك ألبستني جسداً”)، وإلى تقديم جسده مرّة واحدة “لتقديس الإنسان وخلاصه” (عب 10: 5-10).

ويشرح كاتب الرسالة إلى العبرانيين آية أشعياء: “ها أنذا والأولاد الذين أعطانيهم الله” (8: 18) فيقول: “لمّا كان الأبناء شركاء في الدم واللحم، شاركهم هو أيضاً فيهما، ليقضي بموته على ذاك الذي يقدر أن يُميت، أعني به إبليس، ويعتق الذين ظلوا طوال حياتهم في العبودية من مخافة الموت. فانه لم يقم لنصرة الملائكة، بل قام لنصرة نسل إبراهيم. فحق عليه أن يكون مشابهاً أخوته في كل شيء” (عب 2: 13 -17).

وقد سبق فتنبّأ ميخا النبي أن المسيح سيولد في بيت لحم، وأن أصله وبدءه يعودان إلى ما قبل أيام الخليقة، أي أنه سيكون مبدأ الدهور (ميخا 5: 10). ويشير العهد الجديد إلى أن هذه النبوءة قد تحققت في شخص الرب يسوع (متى 2: 6). أمّا النبي دانيال فوصف الإله المتأنس بوضوح أكثر: “ورأيت في رؤى الليل، فإذا بمثل ابن البشر آتياً على سحاب السماء فبلغ إلى القديم الأيام وقرّب إلى أمامه. وأوتي سلطاناً ومجداً وملكاً، فجميع الشعوب والأمم والألسنة يعبدونه، وسلطانه سلطان أبدي لا يزول وملكه لا ينقرض” (دانيال 7: 13-14).

“نسل” المرأة إذاً لن يكون إنساناً عادياً ولا مختار الله أو نبياً أو بطلاً وطنياً، بل يكون “إلهاً قوياً” (أش 9: 6) و(مثل ابن البشر) (دانيال 7: 13)، أي يسوع الإله المتأنس.

ج – “اليوم تمت هذه الكتابة” (لوقا 4: 21)

صحيح أن نبوءات العهد القديم تشهد كلها للمسيح (يو 5: 39)، ألاّ أنها بقيت في “الظل” (عب 10: 1)، وتحت “قناع”، “لا يزال إلى اليوم غير مكشوف عندما يُقرأ العهد القديم، ولا ينزعه سوى المسيح” (2 كو 3: 14). لذا ترتل الكنيسة في خدمة الساعة الأولى من اليوم السابق للميلاد: “استعدي يا بيت لحم، وليتأهب المزود وتتقبّل المغارة، فإن الحقيقة قد جاء والظل قد جاز، والإله قد ظهر للبشر من البتول، حاملاً صورتنا. ومؤلهاً طبيعتنا كلها. فلذلك قد تجدّد آدم مع حواء هاتفين: لقد ظهرت المسرة (المسيح) على الأرض لتخلص جنسنا”.

“نسل” المرأة و”جذر يسّى” ومخلِّص العالم هو المسيح (متى 1: 2-6، لو 3: 23 -38). وهكذا تَمت في شخص المسيح جميع نبوءات العهد القديم التي تشير إلى المخلص.

ويكون أشعياء قد تنبأ عن أعمال المخلص المرتقب العجيبة: “هوذا الإله. مكافأة الله حاضرة. هو يأتي ويخلصُنا. حينئذ تتفتح عيون العمي وأذان الصم. وحينئذ يطفر الأعرج كالأيّل ويترنّم لسان الأبكم، إذ قد انفجرت المياه في البرّية والأنهار في البادية. فالسراب ينقلب غديراً والمعطشة ينابيع مياه. وفي وجار بنات آوى الذي يربض فيه تظهر خضرة القصب والبرديّ. ويكون هناك مسلك وطريق يقال له الطريق المقدس، لا يعبر فيه نجس بل هو لهم. من سلك في الطريق حتى الجهّال لا يضل. لا يكون هناك أسد ولا يصعد إليه وحش مفترس، لا يوجد هناك بل يسير فيه المخلّصون. والذين فداهم الرب يرجعون ويأتون إلى مدينتهم بترنيم، ويكون على رؤوسهم فرح أبدي، ويتبعهم السرور والفرح وتنهزم عنهم الحسرة والتأوه” (أش 35: 4-10).

وقد أكّد المسيح أن هذه النبوءة تحققت بشخصه، وأنها تتحقق في الكنيسة التي تجتمع باسمه. فقال عن إعماله: “إن هذه الأعمال التي أقوم بها هي تشهد لي” (يو 5: 36). ولمّا سأله تلميذا يوحنا المعمدان إذا كان هو المنتظر أم ينتظرون آخر، أجابهم: “اذهبا فاخبرا يوحنا بما تسمعان وتريان: أن العمي يبصرون، والعرج يمشون، والبرص يبرأون، والموتى يقومون، والفقراء يبشّرون” (متى 11: 4-5).

وأشار الرب إلى أشعياء النبي، فقال: “اليوم تمت هذه الكتابة التي تُليت على مسامعكم” (لو 4: 18-21، انظر أش: 61: 1-2).

وأكّد سمعان الشيخ إتمام مواعد الله في شخص المسيح، إذ أُوحيّ إليه بالروح القدس انه لن يذوق الموت قبل أن يرى مسيح الرب (لو 2: 26). فلما ادخل الطفل الإلهي إلى الهيكل، أتى ذلك الإنسان الصدّيق، بإرشاد من الروح القدس، واحتضن الصبي وبارك الله قائلاً: “الآن تطلق عبدك أيها السيّد، حسب قولك، بسلام. فإن عينيّ قد أبصرتا خلاصك الذي أعددته لجميع الشعوب، نوراً لهداية الأمم……..” (لو 2: 29-32).

ولكن كيف يمكن أن يصير الله إنسان؟ وغير الموسوع (موسوعاً) في بطن امرأة؟

إن تجسّد المسيح سرّ لا يوصف، فنحن مدعوون إلى أن نؤمن به، فنسجد للسيد مع العذراء مريم ويوسف الصدّيق والرعاة والمجوس. وتعبّر الكنيسة المقدسة عن هذا السر في سحر الميلاد: “كيف أن الذي لا يسعه شيء قد وسع في الأحشاء؟ فقد تمّ ذلك جميعه كما علّم وكما شاء وكما ارتضى هو. لأنه، وهو منزّه عن الجسد، تجسّد باختياره، والكائن قد صار من أجلنا إلى ما لم يكن. فشاركنا في طبيعتنا، دون أن ينفصل عن جوهره الإلهي. ولد المسيح في طبيعتين، راغباً في إتمام العالم العلوي”.

د – آدم الثاني

ذكرنا سابقاً أن المسيح هو الشخص الذي تحققت فيه المواعد (تك 12: 7) ورئيس شعب العهد الجديد (رو 9: 6-8، غلا 3: 16، أع 3: 25) ومخلِّص العالم (لو 2: 11). ويصفه الكتاب المقدس بأنه “بكر لأخوة كثيرين” (رو 8: 29، انظر عب 2: 11) و(آدم الثاني) (1 كو 15: 45).

“الإنسان الأول من التراب فهو أرضي، والإنسان الثاني من السماء. فعلى مثال الرضي يكون الأرضيون، وعلى مثال السماوي يكون السماويون. وكما لبسنا صورة الأرضي فكذلك سنلبس صورة السماوي. أقول لكم أيها الأخوة، أن اللحم والدم ليس بوسعهما أن يرثا ملكوت الله، ولا يسع الفساد أن يرث ما ليس بفساد” (1 كو 15: 47-50).

يشير هذا المقطع بوضوح إلى أن انحدار الإنسان من “آدم الجديد”، أي من يسوع المسيح، هو الذي يخلّصه. وهذه هي الحقيقة الأساسية التي يكررها الكتاب المقدس أكثر من مرة: “فإذا كانت جماعة كثيرة قد ماتت بزلّة إنسان واحد، فبالأولى أن تفيض على جماعة كثيرة نعمة الله الموهبة بإنسان واحد، هو يسوع المسيح” (رو 5: 15، انظر يو 3: 6، 1 يو 1: 2 _ 3، أفسس 2: 14-18).

بآدم الأول أتى الموت إلى العالم، إلا أن القيامة تأتي بآدم الثاني، أي المسيح. “فكما يموت جميع الناس في آدم فكذلك سيحيون في المسيح. فالمسيح أولاً لأنه البكر، ومن بعده الذين يكونون خاصة المسيح عند مجيئه” (1 كو 15: 22-23).

بقولنا أن الإنسان يخلَّصْ بتحدره من آدم الجديد، أي المسيح، إنما نعني أن الرب، ابن الله المتأنس وكلمته، استطاع أن يربط الإنسان بحياة الله من جديد. فالإيمان بالمسيح يسوع “ابن الله المتجسد والمتأنس، الذي صُلب وتألم قُبر وقام وصعد إلى السماء وسيأتي أيضاً” ضروري وأساسي لخلاصنا (انظر1 كو15: 14، عب2: 9-18، أفسس 2: 14-22).

المسيح “رأس الجسد أي رأس الكنيسة. هو البدء وبكر من قام من بين الأموات، لتكون له الأولية في كل شيء. فقد شاء الله أن يحل َّبه الكمال كله، وبه شاء أن يصالح كل موجود، سواء في الأرض وفي السموات، فهو الذي حقق السلام بدمه على الصليب” (كول 1: 18-20). “وأنتم الذين كانوا فيما مضى غرباء وأعداء بالأفكار والأعمال السيئة، فها هوذا اليوم قد صالحكم في جسده البشري، إذ أسلمه إلى الموت، ليجعلكم في حضرته قديسين لا ينالكم عيب ولا لوم، إذا ثابرتم على الإيمان ثابتين غير متزعزعين” (كول 1: 21: 23). “أمّا الآن وأنتم في المسيح يسوع، فقد كنتم أباعد فصرتم أقارب بدم المسيح. فإنه هو سلامنا، وقد جعل من الجماعتين جماعة واحدة، وهدم بجسمه الحاجز الذي يفصل بينهما، أي العداوة، وألغى شريعة الوصايا وما فيها من أحكام ليخلق في شخصه من هاتين الجماعتين. بعدما أوقع السلام بينهما، إنسان جديداً ويصلح بينهما وبين الله. وقد قضى على العداوة بصليبه، لتصير جسداً واحداً. جاء وبشّركم بالسلام. أنتم الذين كنتم أباعد، وبشّر بالسلام الذين كانوا أقارب، لأن لنا به جميعاً سبيلاً إلى الله في روح واحد”.

“فلستم بعد اليوم غرباء أو ضيوفاً بل أنتم أبناء وطن القديسين ومن أهل بيت الله، بنيتم على أساس الرسل والأنبياء، وحجر الزاوية هو المسيح يسوع نفسه، لأن به يحكم كل بناء ويرتفع ليكون هيكلاً مقدساً في الرب، وبه انتم أيضاً تبنون معاً لتصيروا مسكناً لله في الروح” (أفسس 2: 13-22).

ويقول القديس أثناسيوس الكبير: “من أجل أن يتوشح بالمخلوق، صار مشابهاً لنا في الجسد، ليدعى أخاً لنا (مز 21: 23، رو 8: 27، عب 2: 11-12) وبكرنا (رو 8: 2، كول 1: 18، عب 1: 6، رؤ 1: 5). ومع أنه صار إنسان بعدنا، وأخاً لنا بشبه الجسد، فإنه بكرنا. لأن الموت قد استولى على كل الناس بمعصية آدم، أما جسده فلخص وانعتق أولاً، لأنه كان جسد الكلمة. وهكذا هو أعظم منا. وبما أننا شركاء في الجسد، فإننا نخلص معه، وهو يُسمى بكراً بين إخوة كثيرين (رو 8: 27) بسبب قرابة الجسد. وسميّ بكر الأموات (كول 1: 18) لأن قيامة الأموات حصلت به وبعده. سميّ بكر الخليقة كلها لأجل محبة الله للناس، التي جعلتهم لا يخلقون بالابن فقط، بل أن هذه الخليقة التي قال الرسول بولس أنها تنتظر بفارغ الصبر تجلي أبناء الله (رو 8: 19)، ستعتق من عبودية الفساد لتشارك أبناء الله حريتهم” (رو 8: 21).

وهكذا صرنا في المسيح “خليقة جديدة”، “إنساناً جديداً” (2 كو 5: 17، غلا 6: 15). وهذه هي البشارة الجديدة التي جاء بها المسيح إلى العالم. أمّا الرسل الذين نشروا هذه الرسالة فسموا “خدام المصالحة” أي خدام السلام.

“وإذا كان احد في المسيح فانه “خليقة جديدة”. قد زال كل شيء قديم وها هوذا كل شيء جديد. وهذا كله من الله الذي صالحنا على يد المسيح وعهد إلينا في خدمة المصالحة، لأن الله صالح العالم في المسيح ولم يحاسبهم على زلاتهم، وجعلهم على ألسنتنا كلام المصالحة. فنحن سفراء المسيح، وكأن الله يعظ بألسنتنا. فنسألكم باسم المسيح أن تصالحوا الله……” (2 كو 5: 17-20).

“اليوم ينكشف السر الذي قبل الدهور، ابن الله يصير ابن البشر، لكي يهبنا الأفضل باتخاذه الأدنى. لقد خاب آدم قديماً فلم يصير إلهاً كما اشتهى، فصار الإله إنساناً لكي يصير آدم إلهاً. فلتبتهج الخليقة وتفرح الطبيعة، لأن رئيس الملائكة انتصب لدى العذراء باحتشام، وقدّم لها الفرح بدل الحزن. فيا إلهنا الذي بتحنن مراحمك تأنست، المجد لك” (في سحر عيد البشارة).

كل ما ذكرناه يؤكد أن المسيح واحد أوحد، وأن من “يؤمن بالابن فله الحياة الأبدية. ومن لم يؤمن بالابن لا يرى الحياة الأبدية، بل يلزمه غضب الله” (يو 3: 36، انظر يو 14: 6، رو 10: 9-10، أع 4: 12).

“وكان في العالم، وبه كان العالم، ولم يعرفه العالم. جاء إلى بيته، فما قبله أهل بيته. أمّا الذين قبلوه، فقد أولاهم أن يصيروا أبناء الله، هم الذين آمنوا باسمه. وهو ليس من دم، ولا من رغبة ذي لحم، ولا من رغبة رجل، بل الله وَلَدَهُ” (يو 1: 13).

من لا يعترف أن المسيح هو “السيّد والرب الواحد” (رسالة يهوذا 4) فانه يُعرّض نفسه لخطر الهلاك (يهوذا 22) لأنه مسيح كاذب ونبيّ كاذب (متى 24: 5 و11 و24).

ثمة إمكانية واحدة للخلاص، بحسب كلام الله، وهي كامنة في المسيح وفي اندماج الإنسان في جسده أي الكنيسة (رو 6: 1-11، غلا 3: 27-29). أمّا الذين يكرزون بالخلاص بطريقة أخرى، أياً تكن، فلا يتبعون روح الله (انظر أشعياء 45: 21-25، رو 14: 9-11).

Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
PDF

معلومات حول الصفحة

عناوين الصفحة

محتويات القسم

الوسوم

arArabic
انتقل إلى أعلى