الألم والتعزية

المصيبة، الكارثة، الحزن، الضغط، التجربة، المرض، الشدة، الجوع، الخطر… كلُّها عناوين كُبرى يجمع بينها واحد، الا وهو الألم.

الألم ممقوت والسعادة مشوق اليها. يرتجي المرء ألاّ يُجرَّب بالأحزان، يتوق الى فرح مُطلق. تتجاذبُه أفكار التحرر والانعتاق، التحليقُ في سماوات النشوة، مفتشا عنها في دركات المخدرات والدعارة والأهواء التي لا يُطفئ لهيبُها نهمَهه. فيلجأ الى الانتحار تارة او القتل احيانا. يجول في كثافة الظلمة والنور بادٍ أمامه، له آذان ولا تسمع وعيون ولا تبصر.بصر.

المسيح قال: “تعالوا اليَّ ايها المتعبون والثقيلو الأحمال وانا أريحكم” (متى 11: 28)، “من يتبعني لا يمشي في الظلمة” (يوحنا 8: 12) .

المسيح محوِّلٌ للبِلى ومُحطِّمٌ للقيود. يسمح بالتجربة لأنها نافعة. “فمن لا يُجرَّب ويُغمى لا يَخلُص” (يشوع بن سيراخ).

الرسول علَّم “أن كل الأشياء تعملُ معاً للخير للذين يحبون الله” (رومية 8: 28)، “وأن الله لا يدعنا نُجرَّب فوق ما نحتمل بل يجعل مع التجربة ايضا المنفذ لنستطيع أن نحتمل” (1كورنثوس 10: 13).

فالمتوكل على الله يصبر ويذرف الدمع المُفرح، يتأهبُ لمصارعة الشر، “يفتخرُ في الضيقات، يعلمُ أن الضيق يُنشئ صبرا والصبر تزكية والتزكية رجاء والرجاء لا يُخزي” (رومية 5: 3-4). يتيقنُ أن التعزية لا تنشأ دون الموهبة الإلهية الناتجة عن التضرع الدائم وذرف العبرات.

المسيحي الحق، كما يعلِّم الآباء، يعرفُ أن كل من تقدم على طريق الملكوت او اقترب من مدينة الله جُرِّب وامتُحن وازدادت قوةُ الألم عليه، لأنه بمقدار الألم تكون التعزية. فعندما يحس أن التجارب التي تعترضهُ تقوى وتتنوع يعلم أن نعمة أسمى أُضيفت اليه، وأن الله اذا شاء أن يريح أبناءه الحقيقيين لا يرفع عنهم التجارب بل يُعطيهم قوة ليصبروا عليها.

الله، كما يقول القديس اسحق السرياني، لا يفارق محبيه، يَدَعُ قدِّيسيه يُجرَّبون بكافة الأحزان، حتى يكتسبوا خبرة، ويشعُروا بعظمة الله وعنايته بهم. فبالتجارب يحصلون على الحكمة ويتذوقون طعم الصلاح. ويقول ايضا في هذا المجال أن التجربة نافعة ومفيدة لكل الناس، فالمجاهدون يُجرَّبون لكي يزدادوا غنى، والبعيدون عن الله لكي يدنوا منه اكثر، واما الأصفياء فلِكي يسكنوا معه بدالة.

الصمود اذاً بصبر وصلاة أمام التجارب مبارك. يطرق الانسان به عتبات الملكوت. يستحضرُ الله. يستمطر نعمته. يرتسم عليه نور وجه الرب. يُغدق له السرور. ويبتهج قلبُه بالخلاص.

“حبة الحنطة تبقى وحدها ولا تأتي بثمر كثير ما لم تُدفن في الارض” (يوحنا 12: 24). والصحة لا تأتي الا بأدوية مرَّة.

فحذارِ أن نقع في اليأس ونستسلم للألم محزونين دون رجاء. ولنثق أن الله “يسمعُ تنهُّدَ المقيَّدين ويحُلُّ بني المائتين” (مزمور 101: 20).

الوقت وقتُ صراعٍ وأوان تضرُّع، العالم مكانُه والساعة الحاضرة زمانُه. اسهروا وصلوا. “اسألوا تُعطَوا، اطلبوا تجدوا، اقرعوا يُفتح لكم” (لوقا 11: 9). “لا تتّكلوا على الرؤساء ولا على بني البشر لأن ليس عندهم خلاص” (مزمور 146 :3). “تشجعوا ولتقوَ قلوبكم يا جميع المتوكلين على الرب” (مزمور 30: 24). “معنا هو الله فاعْلَموا ايها الأمم وانهزموا لان الله معنا”. آمين.

نقلاً عن نشرة رعيتي
الأحد 26 نيسان 1998 / العدد 17

arArabic
انتقل إلى أعلى