Facebook
Świergot
Telegram
WhatsApp
PDF
E-mail
☦︎
☦︎

(هدف الصلاة الحقيقي هو الدخول في حوار مع الله. ولا يقتصر هذا الحوار على بعض الساعات يصلّي فيها الإنسان. على المسيحي أن يشعر دوماً أنه في حضرة الله، وهدف الصلاة هو بالضبط أن يكون المصلّي مع الله دائماً)… الأب جورج فلوروفسكي

السنة الطقسية

إذا رغب أحد في متابعة الخدم العامة في الكنيسة الانجليكانية أو تلاوة نصها (نظرياً على الأقل) يمكنه أن يكتفي بكتابين: الكتاب المقدس وكتاب الصلاة المشتركة (Book of Common Prayer)، كذلك بالنسبة للخدم في الكنيسة الكاثوليكية، لن يحتاج سوى كتابين فقط. لكن غنى الخدم الأرثوذكسية يفرض على المؤمن، اقتناء مكتبة صغيرة تضم عشرين مجلداً هاماً. وهذه المجلدات على صعوبة استعمالها في البداية، تكوّن واحداً من الكنوز الكبرى في الكنيسة الأرثوذكسية.

الأعياد:

وتضم المجلدات العشرون نصوص خدم السنة الطقسية {راجع لمزيد من الاطلاع كتاب (إكليل السنة المبارك)، بجزأيه، لراهب من الكنيسة الشرقية، بالفرنسية، منشورات النور، وأيضاً (من أجل فهم الليتورجيا وعيشها) لرهبنة دير الحرف، منشورات النور، و (ذبيحة التسبيح) لفريدا حداد، منشورات النور، و (العبادة الفردية والعبادة الجماعية) للأب جورج فلوروفسكي، منشورات النور (الناشر)} التي تشكل مسلسل الأعياد وفترات الصوم التي تحيي ذكرى التجسد وتستعيده في الكنيسة. تبدأ السنة الطقسية في أول أيلول. وبين الأعياد، يحتّل الفصح المرتبة الأولى، فهو (عيد الأعياد) ومكانته فريدة. إلى جانب الفصح هناك اثنا عشر عيداً كبيراً تدعى (الأعياد السيّدية) وهي:

  1. مولد السيدة (8 أيلول)
  2. رفع الصليب الكريم (14 أيلول)
  3. دخول السيدة إلى الهيكل (21 تشرين الثاني)
  4. الميلاد (25 كانون الأول)
  5. الظهور الإلهي أو الغطاس (معمودية المسيح، 6 كانون الثاني)
  6. دخول السيد إلى الهيكل (2 شباط)
  7. البشارة (25 آذار)
  8. دخول السيد إلى أورشليم (أحد الشعانين، قبل الفصح بأسبوع)
  9. الصعود (40 يوماً بعد الفصح)
  10. العنصرة (50 يوماً بعد الفصح)
  11. التجلّي (6 آب)
  12. رقاد السيدة (15 آب)

هكذا، فإن ثلاثة من الأعياد الكبرى الاثني عشر، مرتبطة بالفصح وتُعتبر أعياداً متنقلة، أما الأعياد الباقية فلها تواريخ ثابتة. ثمانية منها خاصة بالمخلص وأربعة تتعلق بوالدة الإله.

وهناك عدد كبير من الأعياد الأخرى أقل أهمية من هذه (تعيّد الكنيسة كل يوم لقديس واحد أو أكثر)، وأبرزها التالية:

  1. ختانة الرب (1 كانون الثاني)
  2. الأقمار الثلاثة (30 كانون الثاني)
  3. الشهيد جاورجيوس (23 نيسان)
  4. قسطنطين وهيلانة (21 أيار)
  5. هامتا الرسل بطرس وبولس (29 حزيران)
  6. النبي الياس الغيور (20 تموز)
  7. قطع رأس السابق يوحنا المعمدان (29 آب)
  8. أول الشهيدات تقلا (24 أيلول)
  9. الشهيد ديمتريوس (26 تشرين الأول)
  10. رئيس الملائكة ميخائيل (8 تشرين الثاني)
  11. الشهيدة كاترينا (25 تشرين الثاني)
  12. نيقولاوس العجائبي (6 كانون الأول)
  13. عيد جميع القديسين (أول أحد بعد العنصرة)

الصوم:

بالإضافة إلى هذه الأعياد، هناك أوقات للصوم {راجع (الصوم) للمطران جورج خضر، منشورات النور و (زمن الصوم) للأب ليف جيلله، منشورات النور (الناشر)}. والكنيسة الأرثوذكسية التي تتطلع إلى الإنسان بكليته، جسداً وروحاً، شددت دائماًُ على ترويض الجسد إلى جانب ترويض الروح. (فالصوم والسيطرة على الذات، هما أولى الفضائل ومصدر وأساس كل خير) {كاليستوس واغناطيوس غزانثوبولوس، في الفيلوكاليا، أثينا، 1961، المجلد 4، ص 232}.

وهناك أربع فترات من الصوم في السنة:

  1. الصوم الكبير المقدس، الذي يبدأ قبل سبعة أسابيع من الفصح.
  2. صوم الرسل، يبدأ يوم الاثنين بعد العنصرة بثمانية أيام، وينتهي في 28 حزيران، عشية عيد القديسين بطرس وبولس. وتتراوح مدته بين أسبوع واحد وستة أسابيع.
  3. صوم رقاد السيدة، ومدته أسبوعان من أول آب حتى 14 منه.
  4. صوم الميلاد ومدته أربعون يوماً، من 15 تشرين الثاني إلى 24 كانون الأول.

بالإضافة إلى فترات الصوم الكبيرة هذه، كل أربعاء وجمعة (وكل اثنين في بعض الأديرة) هي أيام صوم (باستثناء الفترة بين الميلاد وعيد الظهور الإلهي، وطيلة أسبوع التجديدات (أي الأسبوع الذي يلي عيد الفصح مباشرة، وخلال الأسبوع الذي يلي عيد العنصرة). وعيد رفع الصليب الكريم وقطع رأس السابق يوحنا المعمدان وعشية عيد الظهور الإلهي هي أيضاً من أيام الصوم.

وقواعد الصوم في الكنيسة الأرثوذكسية هي من التشدد بحيث تثير دهشة الكثيرين من المسيحيين الغربيين. فخلال أيام الصوم الكبير مثلاً، لا يُحظَّر تناول اللحم فقط، بل يُحظَّر أيضاً أكل السمك وكل إنتاج الحيوان (من شحوم وبيض وزبدة وجبن وحليب). وكثيرون من الأرثوذكسيين، خاصة في المهاجر، يجدون أن الحياة العصرية تجعل من الصعب تطبيق كل قواعد الصوم التي وُضعت في ظروف مادية مختلفة، ولذلك تُعطى بعض الإعفاءات. ولكن حتى مع الإعفاءات، يبقى الصوم الكبير – وخاصة في أسبوعه الأول وطيلة الأسبوع العظيم – بالنسبة للأرثوذكسيين الورعين، بمثابة فترة من التقشف الحقيقي والحرمان الجسدي القاسي. ومع أخذ كافة أنواع التساهل التي يعرفها عصرنا بعين الاعتبار، فمن المؤكد أن المسيحيين الأرثوذكسيين في القرن العشرين، من علمانيين ورهبان على حد سواء، يصومون بجدية ليس لها ما يوازيها في المسيحية الغربية، إلا لدى بعض الرهبنات المتشددة.

المواسم:

وتتميّز بعض فترات السنة الطقسية باحتفالات خاصة، مثل تكريس المياه في عيد الظهور الإلهي (الغطاس) وغالباً ما يقع في الخارج، أمام أحد الأنهر أو على شاطئ البحر، ومثل تبريك الفاكهة في يوم التجلي، وخدمة رفع الصليب والسجود له في 14 أيلول، وصلاة الغفران يوم الأحد الذي يسبق الصوم الكبير مباشرة، حين يجثو المؤمنون والكهنة بعضهم أمام بعض طالبين الغفران. ولكن تصل العبادة الأرثوذكسية إلى أوجها خلال الأسبوع العظيم المقدس، إذ تدخل الكنيسة يوماً بعد يوم وساعة بعد ساعة في آلام الرب. ويبلغ الأسبوع العظيم أوجه أولاً في زياح الجمعة العظيمة مساء أثناء خدمة جناز المسيح، وثانياً في فرح خدمة السحر فجر عيد الفصح. ما من أحد تيّسر له حضور هذه الخدمة إلاّ ويعتريه إحساس بالغبطة الشاملة. لقد أنقذ المسيح العالم من عبوديته القديمة ومن مصادر رعبه السابقة، وباتت الكنيسة بأسرها تبتهج لانتصاره على الظلمات والموت.

التقويم الكنسي:

ولا يسوغ لنا إنهاء الحديث عن السنة الطقسية ما لم نُلقِ بعضَ الأضواء على مسألة التقويم الكنسي التي كانت في الماضي وما تزال موضوع جدال مرير بين المسيحيين الشرقيين. حتى نهاية الحرب العالمية الأولى كان جميع الأرثوذكسيين يستخدمون التقويم (القديم) أي التقويم اليولياني وهو متأخر ثلاث عشر يوماً عن التقويم (الجديد) أو الغريغوري المتبع في الغرب. وفي سنة 1923، دعا البطريرك المسكوني إلى انعقاد مؤتمر أرثوذكسي عام في القسطنطينية، حضره مندوبون عن كنائس صربيا ورومانيا واليونان وقبرص. وقد رفض بطريركا أنطاكية وأورشليم إرسال مندوبين عنهما. أما بطريرك الإسكندرية فلم يرّد على الدعوة. ولم توّجه الدعوة إلى كنيسة بلغاريا في حين أن أوضاع الكنيسة الروسية لم تكن تسمح لها بالاشتراك. وقد وضع هذا المؤتمر بعض المقترحات للدرس، منها زواج الأساقفة والسماح بالزواج الثاني للكهنة المترملين، واعتماد التقويم الغريغوري، لم توافق أية كنيسة أرثوذكسية على الاقتراحين الأولين، أما الاقتراح الثالث فقد تمّت الموافقة عليه وتطبيقه من قبل بعض الكنائس المستقلة. وفي آذار 1924، اعتمدت القسطنطينية التقويم الجديد، وفي العام نفسه أو بعد ذلك بوقت قصير، جرى اعتماده من كل الإسكندرية وأنطاكية واليونان وقبرص ورومانيا وبولونيا، أما كنائس أورشليم وروسيا وصربيا وأديرة جيل آثوس، فقد استمرت في اعتمادها التقويم القديم. أما بلغاريا فقد اعتمدت التقويم الجديد سنة 1968. وقد خلق هذا التباين في المواقف واقعاً من البلبلة، نأمل الخروج منه بسرعة. والآن فجميع اليونانيين (باستثناء رهبان جبل آثوس وأبناء كنيسة أورشليم) وجميع أبناء الكنائس الأخرى التي اعتمدت التقويم الجديد، يحتفلون بعيد الميلاد في نفس الوقت الذي يحتفل فيه الغرب، أي في 25 كانون الأول، في حين يحتفل به الروس ومن لم يعتمد التقويم الجديد بعد هذا التاريخ بثلاثة عشر يوماً أي في 7 كانون الثاني. إلا أن جميع الكنائس الأرثوذكسية تحتفل بعيد الفصح في اليوم نفسه، مثبّتة موعده وفقاً للتقويم اليولياني القديم. وقد ينطبق موعد الفصح الشرقي أحياناً على موعد الفصح الغربي، لكن هناك في أحيان أخرى فارقاً يتراوح بين أسبوع وخمسة أسابيع {وتأتي هذه الفروقات أيضاً من الطريقة التي يجري بها حساب (الابقطيات) التي تحدد الأشهر القمرية}. أما الكنيسة الفنلندية وبعض أبرشيات المهاجر، فتحتفل بالفصح في الموعد الذي تعيّد فيه الكنائس الغربية.

وقد أثار تغيير التقويم معارضة قوية، خاصة في اليونان حيث تستمر جماعات من (أتباع التقويم القديم) (لها أكثر من أسقف واحد) في إتباع هذا التقويم، ويرون أن كلاً من التقويم وتحديد موعد الفصح متعلقان بقرار كنسي صادر عن المجامع المسكونية، ولا يمكن تعديلهما إلاّ بقرار من مجمل الكنيسة الأرثوذكسية وليس من قبل بعض الكنائس المستقلة التي تتصرف بمبادرة ذاتية. أما أديرة جبل آثوس (باستثناء واحد منها) والتي رفضت اعتماد التقويم الجديد، فلا تزال مع ذلك تحافظ على الشركة مع بطريرك القسطنطينية والكنيسة اليونانية، لكن (أتباع التقويم القديم) في مناطق أخرى في اليونان تعرَّضوا للحرم من قبل الكنيسة الرسمية.

الصلاة الفردية

الصلاة اليومية:

عندما تُذكر الصلاة يفكر الأرثوذكسي لأول وهلة بالصلاة الليتورجيا الجماعية، لأن الليتورجيا تلعب بالنسبة لخبرته الروحية دوراً أكثر أهمية مما تلعبه بالنسبة لغالبية المسيحيين الغربيين. لا يعني ذلك أن الأرثوذكسي لا يصلّي إلاّ في الكنيسة، فهناك أيضاً كتب تحتوي على الصلوات التي ينبغي على الأرثوذكسيين تلاوتها يومياً، في الصباح وفي المساء، أمام الأيقونات داخل بيوتهم. لكن معظم هذه الصلوات مأخوذ من الكتب الطقسية المستعملة في الخدم العامة، وهكذا فالأرثوذكسي، حتى عندما يصلّي في بيته، فهو يصلّي مع الكنيسة بأسرها. وحتى عندما يكون داخل حرم بيته، فإنه يبقى في شركه جميع المسيحيين الآخرين الذين يستعملون الكلمات نفسها في صلواتهم. (والصلاة الفردية ليست ممكنة إلا في إطار الجماعة. فما من أحدٍ مسيحي بذاته، بل هو كذلك كعضو في جسد المسيح. وحتى في خلوة غرفته، يصلّي المسيحي كعضو في الجماعة المفتداة، كعضو في الكنيسة. وفي الكنيسة يتعلّم ممارسات العبادة) {جورج فلوروفسكي، (العبادة الفردية والعبادة الجماعية)، منشورات النور، (الناشر)}.

وكما أنه لا يوجد في الروحانية الأرثوذكسية فصل بين الصلوات الجماعية والصلوات الفردية، فلا يوجد كذلك في هذا الموضوع فصل بين الرهبان والعلمانيين، فالعلمانيون يستخدمون الصلوات نفسها التي تردّد يومياً في الأديرة. وبما أن الأزواج والزوجات مدعوون إلى أن يسلكوا نمط الحياة المسيحية نفسه الذي يسلكه الرهبان والراهبات، فهم يرددون الصلوات نفسها. ومن البديهي أن كتب الصلاة تعتبر بمثابة مرشد وإطار فقط، ولكل مسيحي ملء الحرية في مخاطبة الله بكلماته الخاصة.

والإرشادات المعطاة في بداية نص صلاة النهوض من النوم وفي نهايتها مثلاً، تشدّد على أهمية التأمل الشخصي، من أجل أن تكون الصلاة الموجهة للإله الحي صلاة حية. مما تقوله هذه الإرشادات في أول الصلاة: (عندما تنهض من النوم، وقبل أن تبدأ نهارك، قف بورع أمام الله الذي يرى كل شيء، وارسم إشارة الصليب، وصلِّ هكذا: (باسم الآب والابن والروح القدس. آمين). ثم وبعد التوجّه في الصلاة نحو الثالوث القدوس، خصِّص برهة للصمت لكي تحرِّر أفكارك وشعورك من كل الاهتمامات الدنيوية. واتل بعدئذ الصلوات التالية، دون استعجال ومن أعماق القلب). وفي نهاية الصلاة، تتابع الإرشادات: (إذا لم يكن لديك الوقت الكافي، وكنت على عجلة لبدء عملك، فمن الأفضل أن تتلو فقط بعض الصلوات المشار إليها، ولكن بانتباه وتقوى، بدل أن تتلوها جميعاً على عجل وبدون تركيز). وثمة ملاحظة صغيرة في الإرشادات التابعة لصلاة النهوض في النوم، تدعو كل إنسان لقراءة الرسالة والإنجيل المخصصين لكل يوم.

إليكم على سبيل المثال، نموذجين من الصلوات اليومية مختارين من السواعي . أولهما أفشين من صلاة النهوض من النوم كتبه فيلاريت، متروبوليت موسكو:

(أهلّني يا رب أن أستقبل هذا النهار بسلام وأن أبتغي مشيئتك المقدسة في كل شيء. في كل ساعة من يومي هذا، أوضح لي مشيئتك. بارك ما أقوم به مع الآخرين. علّمني أن أستقبل كل جديد بسلام، عالماً مشيئتك تفوق الكل. أنر أفكاري وشعوري في كل عمل أفعله وفي كل قول يصدر عني. وأن صادفني في هذا النهار أمر غريب مرتقب أعنّي لكي لا أنسى أنه آت من لدنك. علّمني كيف أتصرف بحكمة وثبات وألا أكون حجر عثرة للآخرين. أعطني قوة كي أحتمل عناء هذا النهار مع كل ما سيأتي به إليّ. وجّه أنت إرادتي وعلّمني كيف أصلّي، لا بل صلِّ أنت فيّ. آمين).

أما النموذج الثاني فهو من الصلاة الختامية لصلاة النوم:

(اغفر أيها الرب المحب للبشر للذين يبغضوننا والذين يظلموننا، وعامل بالخير الذين يعملون الخير، وامنح إخوتنا والمختصين بنا جميع وسائل الخلاص وحياة أبدية. وتعهّد الذين في الأمراض وامنحهم الشفاء. نجِّ المأسورين. دبِّر الذين في البحر والبر والجو. رافق المسافرين… والذين أوصونا نحن غير المستحقين أن نصلّي من أجلهم، ارحمهم بعظيم رحمتك. اذكر يا رب الذين سبق رقادهم من آبائنا وأخواتنا وارحمهم حيث يفتقد نور وجهك…)

صلاة يسوع:

هناك شكل آخر من الصلاة الفردية المعتمدة منذ قرون والتي لعبت دوراً بارزاً جداً في الحياة الأرثوذكسية، إنها صلاة يسوع: (أيها الرب يسوع المسيح، يا ابن الله، ارحمني أنا الخاطئ). ولأنه يقال أحياناً بأن الأرثوذكسية لا تعير الاهتمام الكافي لشخص المسيح المتجسد، فمن الضروري والمفيد معاً أن نلاحظ أن صلاة يسوع هذه، وهي أكثر الصلوات الأرثوذكسية كلاسيكية، مرتكزة على شخص المسيح بصورة أساسية، وهي مواجهة ليسوع، متخذة من شخصه محوراً لها. والذين نشأوا في تقليد صلاة يسوع لا يمكنهم أن ينسوا لحظة شخص المسيح المتجسد.

وصلاة يسوع يمكن أن يصحبها استعمال السبحة، وتختلف هذه عن السبحة الغربية، لأنها غالباً ما تكون مصنوعة من الصوف، وهي كذلك صامتة تماماً.

وتمتاز هذه الصلاة بمرونة رائعة. فهي ملائمة جداً للمبتدئين، كما أنها تُعتبر الصلاة المؤدية إلى أعمق أعماق الحياة التأملية. ويمكن لكل إنسان أن يستخدمها كائناً من كان، وفي أي وقت، وفي أي مكان: أثناء انتظاره الباص أو القطار، وأثناء المشي وخلال السفر، في العمل، في حالات الأرق، في فترات القلق الشديد، حين لا يستطيع تركيز تفكيره في أي شكل من أشكال الصلاة. ولكن في حين يستطيع كل مسيحي استخدام صلاة يسوع هكذا بطريقة عفوية في أوقات مختلفة من نهاره، يختلف الأمر إذا أراد تردادها بصورة دائمة ومنتظمة، وإتباع الحركات الجسدية التي اتفق أن ترافقها. وينصح الآباء الروحيون الأرثوذكسيون من يريد استعمال صلاة يسوع على هذا الشكل ألاّ يفعل ذلك دون اللجوء إلى أب روحي ذي خبرة لكي يرشده في حياته الصلاتية هذه.

ويكتسب بعض من يمارس صلاة يسوع نعمة خاصة إذ تدخل الصلاة بعد حين إلى قلوبهم، ولا يعودون يؤدّونها كما في السابق بفعل جهد إرادي، بل تصبح عفوية لديهم حين يكتبون أو يتكلمون، أثناء النوم واليقظة. وكما يقول اسحق السرياني: (حين يسكن الروح القدس داخل إنسان، لا ينفك هذا الإنسان عن الصلاة، لأن الروح القدس هو الذي يصلّي فيه باستمرار وسواء كان نائماً أو ساهراً، فإن الصلاة لا تنقطع عن نفسه أبداً. وسواء أكل أم شرب، أو خلد إلى الراحة أو مضى لعمله، وحتى لو كان نائماً نوماً عميقاً، فإن عبق الصلاة سيكون عفوياً كلهاث قلبه) {(المقالات الصوفية)، منشورات فنسنيك، ص174، وأيضاً منشورات النور}.

ويؤمن الأرثوذكسيون بأن قوة الله ماثلة في اسم يسوع، وإن ذكر هذا الاسم يفعل (كإشارة حقيقية لعمل الله، كسرّ مقدّس) {(صلاة يسوع)، لراهب من الكنيسة الشرقية، منشورات شيفتونيّ، ص87}. (إن اسم يسوع، الماثل في قلب الإنسان، يوصل إليه قوة التأليه… ونور اسم يسوع يضيء الكون كله، من خلال القلب) {سرجيوس بولغاكوف، (الكنيسة الأرثوذكسية)، ص170- 171}.

وصلاة يسوع منبع كبير من منابع التعزية والفرح لأولئك الذين يمارسونها باستمرار، ولأولئك الذين لا يعودون إليها إلاّ في المناسبات. وكما هو وارد في كتاب (سائح روسي على دروب الرب) {راجع (سائح روسي على دروب الرب)، منشورات النور، 1982 (الناشر)}: “وهكذا أمضي الآن، مردداً بلا انقطاع صلاة يسوع، وهي أثمن لديّ من أي شيء في الدنيا. أحياناً أقطع مسافة 44 ميلاً في اليوم ولا أحس بأنني أمشي. أحس فقط بأنني أتلو الصلاة. وحين يقرصني البرد، أتلو صلاتي بحماس أكبر وسرعان ما أشعر بالحرارة تسري في جسمي. وحين أشعر بالجوع، أعمد إلى ترداد اسم يسوع مرّات عديدة، فأنسى رغبتي في تناول الطعام. وحين أكون طريح الفراش وأشعر بآلام في ظهري وساقي، أركّز كل انتباهي على صلاة يسوع ولا أعود أحس بآلامي. وإذا عمد أحد لإيذائي، يخطر ببالي فقط كم هي عذبة صلاة يسوع ويتبدّد الألم والغضب وأنساهما تماماً… وأشكر الله لأنني أدرك الآن معنى الكلمات التي سمعتها عند قراءة الرسالة: (صلّوا بلا انقطاع) (1تسا 17:5)”.

كتاب: الكنيسة الأرثوذكسية: إيمان وعقيدة
الفصل الفصل السادس: الأعياد والصوم والصلاة الفردية
تأليف: الأسقف كاليستوس (تيموثي) وير

Facebook
Świergot
Telegram
WhatsApp
PDF
☦︎
Przewiń na górę