وفي سن العشرين وبعد أن تمرَّس في هذه السيرة كان أبوه الشيخ الروحي الذي درَّبه قد ترك الحياة، فأسف لفراقه ثم ترك الدير وانفرد في برية قاحلة تبعد عن الدير حوالي ثمانية كيلو مترات تُدعى “الثولا” في الصحراء متوحداً. قضى أربعين سنةً في خلوته مجاهداً جهاد التوبة والصلاة ومختبراً فنون الحرب اللامنظورة وحلاوة مناجاة الله. وكان في خلوته يستقبل من يأتونه للاسترشاد من رهبان وعلمانيين، ويزور المرضى المتوحدين متفقداً كما نعرف من كتابه. ثم انتخب رئيساً لدير جبل سيناء، ولا يعرف بالضبط مقدار الزمن الذي تولّى فيه القديس يوحنا رئاسة دير جبل سيناء ولكنه استقال من الرئاسة ليعود إلى خلوته قبل وفاته. عاش حوالي خمس وسبعين سنةً وتوفي سنة 600 أو قبلها بقليل.
طلب إليه الأب يوحنا رئيس دير رايثو أن يكتب إرشادات للرهبان، فوضع كتاباً اسمه “السلم” سمي فيما بعد سلم السماء أو درجات الفضائل أو السلم المقدسة.
رتّب القديس يوحنا السلمي في كتابه ثلاثين درجة يرتقيها طالب الكمال مجاهداً من الزهد بالعالم إلى الاتحاد بالله مروراً بمحاربة الأهواء واكتساب الفضائل: الصبر والوداعة والتواضع.
كافأ الله فضائل يوحنا بفعل العجائب ، فقد ظهر يوم تنصيبه رئيساً موسى النبي وصار يخدم الضيوف بنفسه، وأنقذ تلميذه موسى من موت محقق بصلاته، وفي زمن الجفاف بفلسطين صلّى فأمطرت السماء بغزارة وله عجائب كثيرة أخرى.
تعيّد له كنيستنا الأرثوذكسية في 30 آذار وفي الأحد الرابع من الصوم الكبير.
- عاتب شيخ أحد الاخوة على تكبره معاتبة روحية. فأجاب الأخ: اغفر لي يا أبي فإني لست متكبراً. فقال له الشيخ الكلي الحكمة: يا ولدي، أي برهان تعطينا على تكبرك أوضح من قولك “لست متكبراً”؟
- لا تتشامخ وأنت من الأرض لأن كثيرين قد أُهبطوا من السماء وهم قديسون وغير جسديين.
- المتكبر رمانة مهترئة في داخلها تلمع بهية في ظاهرها.
- ينشأ الغرور من نسيان الزلات لأن ذكرها يؤول إلى الاتضاع.
- في قلوب المتكبرين تنشأ أقوال التجديف، وفي نفوس المتضعين تأملات سماوية.
- إذا ما قمنا نصلي قامت علينا تلك الأفكار النجسة والممتنع النطق بها. لكنها تنصرف حالاً إذا تابعنا صلاتنا لأنها لا تحارب محاربيها.
- الوداعة صخرة على شاطئ بحر الغضب، تكسر كافة الأمواج التي تلطمها ولا تتحرك أو تضطرب البتة.
- من يظن أنه غير متعلق بشيء يملكه ويغتم لفقده هو مخدوع تمامًا.
- اهرب من أماكن السقطات هربك من السياط، لأنك لا تشتهي الثمرة اشتهاء متواصلاً اذا كانت غائبة عنك.
- لنقرّ بخطايانا لقاضينا الصالح وحده قبل اي انسان. وان أمرنا فلنعترف بها لكل الناس. لأن الجراحات اذا شُهرت لا تصير الى حال اسوأ بل تشفى.
- يعرف المرء صدق حبه لأخيه ومودته له متى حزن لهفواته وفرح لتقدمه وما يناله من النعم.
- من يطيع الله احيانًا ويعصاه احيانًا اخرى يشبه رجلاً يقطر في عينيه دواء احيانًا، واحيانًا احد الحوامض (اسيد). وقد قيل: “واحد بنى وآخر هدم، فماذا انتفعنا سوى التعب؟”.
- إن خادم الله هو الذي اثناء الصلاة يقرع بعقله السماوات فيما جسده بين الناس.
- من مات عن الاشياء كلها يأتي الى ذكر الموت. اما من لا يزال متمسكا بالعالم فيتآمر على نفسه.
- قال احدهم انه يتعذر علينا ان نعبر يومنا ببر وتقوى ان لم نحسبه اليوم الأخير من عمرنا.
- الحقد ثمرة الغضب وادخار للخطايا ومقت للبر واضمحلال للفضائل وسم للنفس ودودة للعقل وخزي للصلاة وقطع للتضرع واغتراب عن المحبة ومسمار في النفس وخطيئة مستمرة ومعصية لا تنام وشر قائم في كل ساعة.
- من اقتنى المحبة فقد أقصى الحقد.
- رأيت البعض يقترفون سرًا وخفية خطايا فظيعة، ونظرًا لما كان يتوهمه الناس من طهارتهم كانوا يحتقرون جهرًا ويهاجمون بقسوة الذين يذنبون ذنوبًا صغيرة.
- الكذب يطفئ المحبة، واليمين الكاذبة إنكار لله.
- ابتداء حب المال التذرع بالإحسان الى الفقراء ونهايته مقت الفقراء. ما دام محب المال يجمع فهو رحيم، ومتى حضرت الأموال أطبق عليها يده.
طروبارية على اللحن الثامن
للبريّة غير المثمرة بمجاري دموعكَ أمرعتَ، وبالتنهُّدات التي من الأعماق أثمرت بأتعابك إلى مئة ضعفٍ، فصرتَ كوكباً للمسكونة متلألئاً بالعجائب، يا أبانا البار يوحنا، فتشفع إلى المسيح الإله أن يخلص نفوسنا.
أيضاً طروبارية على اللحن الثامن
إنَّ البريَّة الجدباءَ بهطل دموعكَ أخصبت. وأتعابك الشاقَّة بتصعيد زفَراتك أثمرت إلى مئَة ضعف. فأصبحت كوكباً للمسكونة يتلألأ بالعجائب يا أبانا البارّ يوحنا. فتشفَّع إلى المسيح الاله في خلاص نفوسنا.
Qandaq com a primeira música
من كتاب تعاليمكَ الحاملة أثماراً دائمة نضارتها أيها الحكيم، تلذذ قلوب المصغين إليها بتيقظ أيها المغبوط لأنها سلَّم مُصعدة من الأرض إلى المجد السماوي الثابت نفوسَ المكرمين إياكَ بإيمانٍ