1- Introducere
في مجمع الآباء الموقرين كان إنسان يدعى “سرابيون” اختص بنعمة “التمييز”، تستحق كلماته أن تُدون. هذا طلبنا منه أن يكشف لنا عن طريق النصرة على خطايانا حيث يلزمنا أن نعرف مصدرها وأسبابها، فبدأ يتحدث قائلاً:
2- أهم الخطايا
إن أهم الخطايا التي تواجه البشر هي ثمانية:
1- النهم. | 2- الزنا. |
3- البُخل أو محبة المال. | 4- الغضب. |
5- الحزن (الغم). | 6- التواني أو الفتور. |
7- حب الظهور. | 8- الكبرياء. |
3- أصنافها وأشكالها
هذه الخطايا صنفان:
(أ) إما أن تكون طبيعية كالنهم.
(ب) أو تأتي من الخارج كالطمع.
أما عن أسلوب الخطية فينا فإنه يأخذ أربعة أشكال:
(أ) فالبعض لا يتم ما لم يقوم الجسد بدور فيه، مثل النهم والزنا.
(ب) والآخر يتم بدون أن يقوم الجسد بأي عمل، مثل حب الظهور والكبرياء.
(ج) والبعض بواعثه من الخارج، مثل الطمع والغضب.
(د) والآخر ينبع من مشاعر داخلية، كالفتور والغّم.
4- الخطايا الجسدية والخطايا الروحية
إنني لا أتكلم من نفسي حسب ضعفي، إنما ببرهان الكتاب المقدس يظهر أن النهم والزنا وإن كانا يوجدان فينا طبيعيًا، إذ ينبعان منّا دون حاجة إلى بواعث ذهنية، بل حسب عواطف الجسد وإغراءاته، إلا أنهما لكي يتمّان فينا، يلزم أن توجد مادة خارجية تثير الجسد. “ولكن كلُّ واحدٍ يُجرَّب إذا انجذب وانخدع من شهوتهِ. ثم الشهوة إذا حبلت تلد خطيَّةً والخطية إذا كملت تُنتج موتًا” (يع 14:1، 15).
فآدم الأول ما كان يسقط في النهم لو لم يجد الطعام في يده مستخدمًا إيّاه بطريقة خاطئة، ولا جُرب آدم الثاني بغير مادة مغرية بل قيل له: “إن كنت ابن الله فقل أن تصير هذه الحجارة خبزًا” (مت3:4).
ومن الواضح أيضًا للجميع أن الزنا لا يتم إلا بعمل جسدي، إذ يقول الله عن هذا الزوج الطوباوي أيوب: “ها هي قوتهُ في مَتْنَيهِ وشدَّتهُ في عضل بطنهِ” (أي16:40).
وبذلك فإذ هاتين الخطيتين بالذات تُثارا بمساعدة الجسد، فهما يحتاجان إلى زهدًا جسديًا بجوار الاهتمام الروحي، حيث تصميم العقل وحده لا يكفي لمقاومة تلك الحروب.
هناك أخطاء مثل الغضب والغم وغيرهما يمكن التغلب عليها بقوة العقل بغير تقشف جسدي.
ويستخدم الزهد الجسدي عن طريق: الصوم والسهر، وأعمال التوبة. أضف إلى ذلك ترك مكان الخطية، لأنه حيث أن الخطية تنتج عن تضافر أخطاء الجسد مع العقل، لذا يلزم أن تتضافر قواهما معًا للتغلب عليها.
ومع أن الرسول الطوباوي يتكلم عن الخطايا عامة بأنها جسدية، إلا أنه يحصي العداوة والغضب والهرطقات أنها أعمال أخرى للجسد. لذا في معالجة الخطايا يلزم أن نكشف عن طبيعتها بدقة مميّزين بين الصنفين، فندعو البعض جسدي والآخر خطايا روحية.
الخطايا الجسدية هي التي تعمل على إشباع الشهوات الجسدية وتلذّذه. وهذه تهيِّج العقل أحيانًا ليقبل رغباتها بغير إرادته. وعن هذا يقول الرسول الطوباوي: “الذين نحن أيضًا جميعًا تصرَّفنا قبلاً بينهم في شهوات جسدنا عاملين مشيئات الجسد والأفكار، وكُنَّا بالطبيعة أبناءَ الغضب كالباقين أيضًا” (أف3:2).
أما الخطايا الروحية فهي التي تنبع فقط من باعث عقلي، فليس فقط لا تهب للجسد لذّة، بل أحيانًا تجلب له ضعفًا وتضرّه. إنها تغذي العقل السقيم بطعام اللذّة البائسة. لذلك فهي تحتاج إلى علاج واحد وليس كالخطايا الجسدية التي تشفي بعلاج مزدوج…
5، 6- آدم الثاني واهب النصرة
إن كان الرسول قد أوضح بكلماته أن ربنا يسوع المسيح قد جُرِّب في كل شيء مثلنا إلا أنه قيل عنه أنه: “بلا خطيَّةٍ” (عب15:4)، أي لم تنتقل إليه عدوى الشهوات، لأنه لا يعرف إغراءات الشهوات الجسدية التي بها نضطرب ضد إرادتنا وبغير معرفتنا. وقد وصف رئيس الملائكة حالة الحبل به قائلاً: “الروح القدس يحلُّ عليكِ وقوَّة العليّ تظلّلكِ فلذلك أيضًا القدوس المولود منكِ يُدعَى ابن الله” (لو35:1).
وكان يلزم بحق لربنا أن يجرَّب بنفس الأهواء التي جرِّب بها آدم حين كان في صورة الله قبل إفسادها، والتي هي: النهم، الافتخار، الطمع، الكبرياء، والتي تشابكت وأفرخت بعدما تعدَّى الوصية وأفسد صورة الله وشبهه.
لقد جرِّب آدم بالنهم حين أخذ الفاكهة من الشجرة الممنوعة، والطمع (الافتخار) حين قيل له: “تنفتح أعينكما”، والكبرياء حيث قيل: “وتكونان كالله عارفين الخير والشر”، وأيضًا جِّرب مخلصنا بالخطايا الثلاث: بالنهم حين قال له الشيطان: “قلْ أن تصير هذه الحجارة خبزًا” (مت3:4). والكبرياء حين قيل له: “إن كنت ابن الله فاطرح نفسك إلى أسفل” (مت6:4). والطمع حين أراه جميع ممالك الأرض ومجدها قائلاً “أعطيك هذه جميعها إن خررت وسجدت لي” (مت9:4).
لقد أعطانا الرب بمثاله كيف نستطيع أن ننتصر، كما انتصر هو حين جرِّب.
لقد لُقِّب كلاهما بـ “آدم”. أحدهما كان الأول في الخراب والموت، أما الثاني فكان الأول في القيامة والحياة. بالأول صارت البشرية كلها تحت الدينونة وبالثاني تحررت البشرية.
لقد جربه الشيطان بنفس الخطايا التي بها انخدع آدم الأول، ظانًا أنه كما خدع الأول يخدع الثاني مثله، فوجد نفسه قد انهزم بالتجارب التي هزم بها آدم الأول. وإذ انتصر الرب في تجربة النهم لم يجسر الشيطان أن يجربه بتجربة الزنا بل عبر به إلى تجربة الطمع الذي هو مصدر الشرور (1تي10:6). وعندما انتصر على الطمع لم يجسر أن يحاربه بالتجارب الأخرى التابعة لها والتي مصدرها وينبوعها هو الطمع، لكنه عبر به إلى آخر الخطايا وهي Mândrie، لأنه يعرف أن الكاملين الذين غَلبوا كل الخطايا يمكن أن يتأثروا بالكبرياء، ولعلمه أنه هو نفسه لوسيفور ومن معه قد سقطوا بسبب الكبرياء من غير أن يسقطوا في أي خطية من الخطايا السابقة…
بهذا الترتيب الذي ذكرناه حسب الإنجيلي لوقا نجد توافقًا وترتيبًا دقيقًا بين الإغراءات وأشكال التجارب التي هاجمهم بها العدو الماكر آدم الأول وآدم الثاني[1]…
10- محاربة الخطايا الست الأولى
وبالرغم من أن الخطايا الثمانية مختلفة عن بعضها البعض من جهة أصلها وطريقة تأثيرها علينا إلا أن الخطايا الست الأولى: أي النهم والزنا والطمع والغضب والغّم (الكآبة) والفتور لها ارتباط بين بعضها البعض. فإثارة أحداها تكون بداية للتي بعدها.
فالزيادة في النهم يتبعه الزنا، والزنا يتبعه الطمع، والطمع يثير الغضب، والغضب يولد الغم (الكآبة)، والغم يُنشئ الفتور… ويجب أن نراعي هذا في محاربتنا الخطايا. فالشجرة الطويلة كثيرة الأغصان تجف متى تعرَّت جذورها أو قُطعت، وبركة الماء لا يمكن تجفيفها ما لم توقف القناة التي تمدها بالماء.
فإن أردت الغلبة على الفتور يلزمك النصرة على الكآبة. ولكي ما تتخلص من الكآبة يلزم طرد الغضب. ولتهدئة روح الغضب يلزم أن نطأ بأقدامنا على الطمع، ولأجل اقتلاع الطمع يلزم الامتناع عن الزنا، ولكي ما نهلك الزنا فلننتهر خطية النهم.
أما الخطيتان الباقيتان أي الافتخار والكبرياء، فإنهما مرتبطان معًا بنفس الطريقة إلى حد ما… ونلاحظ أننا نكون في خطر من هاتين الخطيتين متى صار لنا الغلبة والنصرة الرائعة على الخطايا الست السابقة…
13- اختلاف الهجوم من إنسان لآخر
وإن كانت هذه الخطايا الثمانية تهاجم البشر جميعًا، إلا أنها لا تهاجم الكل بطريقة واحدة. فقد يحتل الزنا مركز الصدارة عند البعض، بينما يحتل الغضب المركز الأول عند آخرين…
14- صراعنا ضد الخطايا
يجب علينا أن نتطلع إلى جميع الخطايا بطريقة تسمح لكل واحد منّا أن يتعرف على الخطية التي تربكه هو بالذات. بهذا يوجِّه هجماته الأساسية ضدّها معطيًا إيّاها عناية خاصة، ساهرًا من أجلها، وموجهًا ضدها سيوف الصوم اليومي، قاذفًا عليها رِماح التنهدات والتأوهات القلبية على الدوام، مجاهدًا في أعمال السهر والتأملات القلبية منسكبًا بدموع وصلوات أمام الله، طالبًا على الدوام أن يحفظه من هجماتها…
ويكون في ذلك مِثلُه مثل ذاك الذي يصارع مع مجموعة من الحيوانات المفترسة في حضرة ملوك أرضيين، فإنه دون اعتبار إلى المكافأة التي يأخذها في ذلك المشهد الذي يدعى pancarpus ، يوجِّه هجومه الأول ضد الحيوان الأقوى والأشد افتراسًا، فإذا ما قتله يستطيع بسهولة أن يتغلب على بقية الحيوانات الأضعف غير المُخيفة…
إلا أنه يلزمنا ألا نظن أنه إذا هاجم إنسان خطية معينة واحدة يهمل في الهجوم على بقية الخطايا الأخرى، فإنه لن ينتصر بسهولة بسبب الهجمات المفاجئة التي تثيرها الخطايا الأخرى…[2]
ويعلِّمنا المُشرِّع نفسه أن نسلك هكذا، غير معتمدين في ذلك على جهادنا الذاتي، إذ يقول: “لا ترهب وجوههم لأن الرب إلهك في وسطك إله عظيم ومخوف. ولكن الرب إلهك يطرد هؤلاءِ الشعوب (رمز للخطايا) من أمامك قليلاً قليلاً. لا تستطيع أن تفنيهم سريعًا لئَلاَّ تكثر عليك وحوش البرية0 ويدفعهم الرب إلهك أمامك ويوقع بهم اضطرابًا عظيمًا حتى يفنوا” (تث21:7-23).
15- حاجتنا إلى العناية الإلهية في الجهاد ضد الخطية
يلزما ألاّ ننتفخ بانتصارنا، لهذا يحذرنا قائلاً “لِئَلاَّ إذا أكلت وشبعت وبنيت بيوتًا جيّدة وسكنت وكثرت بقرك وغنمك وكثرت لك الفضة والذهب وكثر كل مالك يرتفع قلبك وتنسى الربَّ إلهك الذي أخرجك… من بيت العبودية (الخطية)” (تث 12:8-14). كذلك يقول سليمان في الأمثال: “لا تفرح بسقوط عدوك (أي بغلبتك على الخطية والشيطان) ولا يبتهج قلبك إذا عثر0 لئَلاَّ يرى الرب ويسوءَ ذلك في عينهِ فيردَّ عنهُ غضبه” (أم17:24، 18)، أي خشية أن يرى الله كبرياء قلبك فلا يعود يهاجمه (يدافع عنك ضد الخطية)، بذلك يتخلى عنك فتغلبك الشهوة التي كنت بنعمة الله منتصرًا عليها من قبل…
إنه من الأفضل لنا أن نتعظ بالخبرة ونتعلم بما جاء في الكتاب المقدس بأننا لا نستطيع بأي حال من الأحوال أن ننتصر على مثل هؤلاء الأعداء (الخطايا) الأشداء بقوتنا الذاتية ما لم تسندنا العناية الإلهية[3]…
Rezumatul principiilor
الخطايا الجسدية التي يشبع فيها الجسد أو يتلذذ تحتاج إلى تضافر قوى الجسد (الصوم والزهد والسهر) مع قوى العقل (صلاة وتنهدات) في يدي النعمة الإلهية للنصرة عليها.
الخطايا سلسلة كل منها تسلم الإنسان إلى غيرها، لذا يلزم محاربة الأصل…
لكل إنسان خطية معينة، يلزمه أن يركز عليها ضربات السهام من صوم وصلاة وسهر وتنهدات ودموع، وتتطلب النصرة عليها الاهتمام بالخطايا الأخرى أيضًا.
قد جرب الرب وانتصر، لكي نعلم أنه لا نصرة لنا بجهودنا الذاتية بل بالرب يسوع المنتصر.
تتطلب النصرة حياة الشكر لله، لأنه لا خلاص لنا من خطية بغير نعمة الله وعنايته وحمايته لنا.
[1] تحدث بعد ذلك عن أن الافتخار والكبرياء يمكن أن يتحققا بدون أي مساعدة من جهة الجسد.
[2] تحدَّث عن الطمع والغضب أنه يمكن التغلب عليهما بسهولة حتى أن الآلاف تركوا ممتلكاتهم وسكنوا البراري. كذلك عن الغمّ والفتور وهما يظهران بدون حاجة إلى مؤثر خارجي، لذلك فإنهما كثيرًا ما يهاجمان المتوحدين.
[3] تحدث بعد ذلك بإفاضة كيف أن إهلاك الأمم الوثنية في العهد القديم يشير رمزيًا إلى إبادة الخطية في حياة الإنسان.