وشرَّف الله سمعان بالعجائب فأقبلت الناس عليه تبركاً وإعجابا. فخشي أن يضيع روح الصمت والصلاة. فتوغل بعيداً وبنى لنفسه عموداً وصعد إليه ليأمن شر الوحوش الضارية ويعيش في العراء. فجدَّ الناس في طلبه من جديد. فرأى في سعيهم إرادة العلي فجعل عموده منبراً يبشر منه ويردع باسم يسوع. وطار صيته فتوافدت الناس عليه زرافات وبينهم الأمراء والأساقفة طالبين نصيحة أو تعزية أو بركة أو شفاء. وكانوا ينتشرون حوله مشتركين في الصلاة فيطل عليهم عند العصر مرشداً معزياً شافياً. وأتاه يوماً خليفة الرسولين حاملاً القربان الأقدس. فناوله بيده وعاد معجباً متخشعاً.
ويُروى أن انطيوخوس ابن سبينوس حاكم دمشق قال أن النعمان ملك الحيرة جاء بربعه وحلّ في بادية دمشق ودعاه لتناول الطعام معه. فقام إليه وما أن استوى بهما المقام حتى سأله النعمان عن سمعان العامودي قائلاً هل هو إله في نظر قومه أم بشر. فأجاب أنطيوحوس إنما هو بشر مثلنا ولكنه يخدم الله. فقال النعمان لقد طبق صيت هذا الرجل الآفاق ولقد عظم شأنه بين عشائرنا فإنهم ما فتئوا يفدون عليه زرافات زرافات وينقادون إلى وعظه وإرشاده. ويخشى شيوخنا أن تؤدي هذه الزيارات المتكررة دخول قومنا في المسيحية وإلى موالاة الروم بدافع الدين. وقد اضطررت أنا بدافع المصلحة أن أحرم على قومي الاتصال بهذا الرجل مهدداً بعذاب الموت كل من تخوله نفسه الالتجاء إلى سمعان والإصغاء إليه. ولكني رأيت في منامي رجلاً جليلاً يدخل علي ممسكاً سيفاً ويأمر بجلدي فيطبق بي خمسة من أعواني ويجلدوني جلداً. ثم سمعته يقول لي حذار حذار لما منعت قومك عن زيارة سمعان أولا تدري إني أقطعك إرباً إرباً. فألغيت المنع وسمحت باعتناق المسيحية. وقد انتشرت المسيحية بيننا وأصبح لنا أساقفة وقساوسة.
وكان سمعان كلما ازداد الناس عليه إقبالاً ازداد هو لنفسه تعذيباً وإذلالاً. وفوق تعذيبه افتقده الله بأمراض مؤلمة وسمح بالحط من سمعته والنيل من قداسته. ولكنه كان يصبر ويسكت ويتواضع بل كان يشكر لأولئك الذين أرادوه بسوء لأنهم على رأيه كانوا يعاملونه كما تستحق آثامه ونقائصه. ثم فاضت روحه في السنة 469. وظنه الناس يصلي فسجدوا حول عموده واشتركوا في الصلاة. وطالت عليه صلاته يومين كاملين فصعدوا إليه فوجدوه جثة هامدة. فجعلوا ذخائره في كنيسة كاسياني ثم نقلوه إلى كنيسة الإتحاد بالتوبة. وبقي عموده مزاراً شهيراً وبنى الرهبان حوله ديراً وكنيسة لا تزال آثارها تنطق بالعظمة حتى يومنا هذا.
تعيد له الكنيسة في اليوم الأول من شهر أيلول من كل عام.
وعن موقع مطرانية حلب:
تاريخ بناء كنيسة القديس سمعان: كانت أواصر الصداقة والمودة تربط بقوة بين الإمبراطور زينون والعمودي دانيال، وهذه العلاقة دفعت بالإمبراطور إلى تشييد كنيسة على شرف قديس فاح شذى فضائله حتى شمل كل الإمبراطورية، لذلك يمكن أن ننسب لزينون بداية العمل في بناء كنيسة القديس سمعان في العام 476م. ويرى الباحث الأثري تشالنكو ان كنيسة سمعان قد انتهى بناؤها في العام 490م.
كنيسة القديس سمعان العمودي: تعتبر كنيسة القديس سمعان جوهرة كنائس “المدن المنسية” ومن أجمل روائع الفن المسيحي ومن أعظم وأضخم الكنائس التي بنيت في العالم، فأضحت دُرّة فريدة لا تضاهيها كنيسة أخرى بعظمتها وضخامتها. أقيمت الكنيسة حول العمود، وكانت على شكل صليب مؤلف من أربعة أجنحة متعامدة فيما بينها عدا الجناح الشرقي الذي كان يميل مع الحنية ست درجات أي 2.43م منحرفاً نحو الشمال.
ارتبطت الأجنحة مع بعضها حول العمود بواسطة مثمّن قطره 28م كانت تعلوه قبّة خشبية عظيمة وكان يغطي كل جناح سقف خشبي مائل يستند على الجدران بجملونات مثلثية وربما أخذت فكرة الصليب من المدافن ذات الدهاليز الأربعة.
كان كل جناح بحدّ ذاته عبارة عن كنيسة ذات بهو رئيسي وبهوين جانبيين يفصل بينهما صفان من الأعمدة والأقواس البديعة العالية مشابهاً بذلك نمط الكنائس البازيليك المعروفة من القرن الخامس في المنطقة.
بنيت الحنية في الجناح الشرقي حيث أقيم الهيكل فيها، كماأقيمت في شماله غرفة الخدمة (الدياكونيكون) وغرفة الشهادة(المرتيريون ) في الجنوب وهما على شكل نصف دائرة.ومما يذكر أن هاتين الغرفتين تكونان في جميع الكنائس على شكل مربع أو مستطيل.
وأقيم في الجنوب الشرقي من حنية الكنسية الرئيسة كنيسة صغيرة للرهبان لتأدية الفروض والصلوات اليومية كما أقيم في جنوبها دير للرهبان بطبقتين.