رسمه يعقوب شمّاساً إنجيليّاً، فأقام على شموسيّته حياته كلّها يعظ ويعلّم ويرنّم أروع الأناشيد وأطيب الشعر الدينيّ. ترك نصيبين بعد سقوطها في قبضة الفرس في العام 363 وسكن الرها (أوديسّا باليونانيّة أو أورفه) الى ان توفاه الله عام 373، التي كانت مركزاً مسيحيّاً وثقافيّاً هامّاً، إذ اجتمعت فيها الثقافتان اليونانيّة والسريانيّة. وفي الرّها خدم الكنيسة شمّاساً وخطيباً يفسّر الكتاب المقدّس، ولاهوتيّاً يحارب أصحاب البدع، وشاعراً ينظم الأناشيد الروحيّة، وناسكاً متوحّداً حين تسنح له الفرصة. توفّي أفرام بعد أن أصيب بالوباء الذي فتك بأبناء منطقة الرّها. تحتفل الكنيسة بتذكاره في الثامن والعشرين من كانون الثاني.
ما ثبت لأفرام من القصائد والأناشيد نذكر: 65 مدراشاً “ضدّ الهرطقات” هاجم فيها المؤلّف أضاليل المنجّمين (ما زال أهل القرن الحادي والعشرين يتابعون تفليكاتهم) وبعض الهراطقة؛ 78 نشيداً “في الإيمان” هاجم فيها الآريوسيّين الذين أنكروا ألوهة السيّد المسيح، ومنها 51 نشيداً في الفردوس يتغنّى فيها ببهاء السماء؛ 12 نشيداً “في الفطير” يحتفل فيها بآلام المسيح وقيامته؛ 25 نشيداً “في الكنيسة” و15 نشيداً “في البتوليّة”، وغيرها في الصلب والصوم.
اشتُهر القدّيس أفرام بصفته كاتب صلاة التوبة التي ترافقنا في كلّ صلوات الصوم الكبير، ولأهمّيّتها نوردها كاملة:
“أيّها الربّ وسيّد حياتي، أعتقني من روح البطالة والفضول، وحبّ الرئاسة والكلام البطّال، وأنعم عليّ أنا عبدك الخاطئ، بروح العفّة واتّضاع الفكر والصبر والمحبّة. نعم يا ملكي وإلهي، هب لي أن أعرف ذنوبي وعيوبي، وألاّ أدين إخوتي فإنّك مبارك إلى الأبد، آمين”.
وهذه الصلاة، بعد صلاة “أبانا”، هي صلاة نموذجيّة، إذ تجمل كلّ ما يمكن المؤمن أن يصلّي ويطلب إلى الله. وقد طلب القدّيس أفرام في وصيّته: “ثلاثين يوماً بعد وفاتي تقدّمون الذبيحة المقدّسة من أجلي، لأنّ الأموات تفيدهم الذبائح التي يقدّمها الأحياء”. القدّاس يجمع الأموات والأحياء، إذ لا أموات في المسيح. فبشفاعات القدّيس أفرام، الحيّ عندك، أيّها الربّ يسوع ارحمنا وخلصنا.
لم تكن اناشيد أفرام غنية بالصور الشعرية وحسب، بل كانت عميقة لاهوتيا وعقائديا. فانه يقول مثلا ان الجنة رُدّت الى البشرية في الكنيسة التي هي أكثر بهاء وأكثر جمالا من جنة عدن، التي لم تكن سوى صورة عنها: “من جهة، زرع الله الجنة البهية، ومن جهة اخرى، بنى الكنيسة النقية”. وأنشد أفرام للمسيح كونه آدم الجديد الذي أعاد فتح الفردوس، قائلا: “تبارك الذي بصليبه فتح الفردوس” و “تبارك الذي أبهج آدم”، وايضا: “تبارك الذي أعتقنا لئلا يُؤسر مثاله” و “تبارك الذي خلّصنا من الأسر”، وهو القائل ايضا: “مباركٌ من فتح بمقاليده جنة الحياة”.تعيد له الكنيسة في الثامن والعشرين من شهر كانون الثاني.
Тропарь
للبرّية غير المثمرة بمجاري دموعك أمرعتَ، وبالتنهُّدات التي من الأعماق أثمرتَ بأتعابك إلى مئة ضعفٍ. فصرتَ كوكباً للمسكونة متلألئاً بالعجائب، يا أبانا البار أفرام، فتشفع إلى المسيح الإله أن يخلص نفوسنا.