عودة آريوس: في خريف سنة 334 كتب قسطنطين إلى آريوس يدعوه إلى المثول بين يديه ويؤكد استعداده لإعادته إلى وطنه. فعاد آريوس ومثل بين يدي الأمبراطور وأكد “أرثوذكسيته” واعترف أن الابن مولود من الآب قبل كل الدهور ولكنه لم يقل شيئاً عن المساواة في الجوهر Homoousios ثم التمس قبوله في الكنيسة فأحاله الأمبراطور إلى مجمع ينعقد في صور.
مجمع صور: توفي الكسندروس أسقف الإسكندرية في الثامن عشر من نيسان 328 وخلفه في الرئاسة القديس أثناثيوس الكبير. وكان ملاتيوس زعيم المعارضة في كنيسة مصر قد توفي أيضاً وخلفه في المعارضة يوحنا أرقف. وكان يوحنا أبرع سماسرة الشقاق وتجار الفساد فاندس إلى الأمبراطور وتناول أثناثيوس عنده وأدّعى أن أسقف الإسكندرية فرض على المؤمنين ضرائب وأمدّ فيلومينوس الخائن بالمال وأنه أمر بكسر كأس الأفخارستيا الذي كان به يمارس السر الكاهن اسخيراس. ويرى رجال البحث أن أفسابيوس النيقوميذي هو الذي كان وراء الشغب والذي أزكى نار الشقاق في مصر بعد وفاة الكسندروس وملاتيوس. واستدعى قسطنطين أسقف الإسكندرية. فذهب أثناثيوس إلى نيقوميذية وردَّ هذه التهم. فاقتنع الأمبراطور وأعاد الأسقف إلى كنيسته قبيل فصح 332. وفي أواخر سنة 333 وأوائل 334 عاد يوحنا أرقف وأتباعه إلى المشاغبة فاتهموا اثناثيوس بقتل ارسانيوس أحد أساقفتهم. فأوفد قسطنطين أخاه دلماتيوس للتحقيق في هذا الحادث المزعج. وقام بالمهمة الموكولة إليه فوجد ارسانيوس حياً في أحد الأديرة. ونظر في قضية كأس الأفخارستيا واتصل باسخيراس نفسه فنفى اسخيراس الخبر. واغتبط قسطنطين بما ثبت وكتب إلى اثناثيوس يهنئه ويعنّف المشاغبين ويوجعهم لوماً. وكان الأمبراطور وقد دعا الأساقفة إلى مجمع في قيصرية فلسطين في ربيع هذه السنة نفسها 334 فلما ثبتت براءة أثناثيوس كتب إلى الأساقفة أن يعودوا إلى مراكز أبرشياتهم.
وقربت السنة 335 فأحب الأمبراطور أن يحتفل فيها بمرور ثلاثين عاماً على تسلمه أزمة الحكم. ورأى أن كنيسة القيامة التي كان قد أمر بإنشائها قد تم بناؤها. وكاد يلمس سلماً في الكنيسة الجامعة. ولم يبقَ في نظره عقبة في سبيل هذا السلم سوى التفاهم بين آريوس واثناثيوس فدعا إلى مجمع كبير في صور للنظر في موقفهما في صيف 335 وأمر بانتقال الأساقفة بعد الانتهاء من أعمالهم إلى أورشليم ليحتفلوا بمرور الثلاثين عاماً وليتوجوا هذا الاحتفال بتكريس كنيسة القيامة ورفع الصليب المقدس فوقها.
وكان قد توفي افرونيوس أسقف أنطاكية في سنة 333 فخلفه فلاكيلوس صديق افسابيوس القيصري. فقام فلاكيلوس إلى صور واجتمع حواليه عدد من الأساقفة أخصام أثناثيوس وأركان الآريوسية أمثال افسابيوس النيقوميذي وافسابيوس القيصري وثيوغنيس النيقاوي وماريس الخلقيدوني. ودُعي إلى الإجتماع مع هؤلاء الغلاة عدد من الأساقفة المحايدين أمثال الكسندروس أسقف تسالونيكي فبلغ عدد المجتمعين ستين أسقفاً. وأمَّ اثناثيوس صور على رأس وفد مصري مؤلف من تسعة وأربعين أسقفاً فلم يسمح لهم بالإشتراك في الأعمال. ومثَّل قسطنطين القومس فلافيوس ديونيسيوس. وحافظ على النظام عدد من الجند.
واتهم الملاتيوسيون أثناثيوس بأمور أهمها عبثه بكأس الأفخارستية وضغطه على الإكليروس وعسفه وجوره. وأراد بعض الأساقفة أعضاء المجمع أن يجعلوا من قضية كأس الأفخارستية تهمة أساسية فاقترحوا إيفاد لجنة إلى مصر للتحقيق في هذه القضية. فقبل أثناثيوس بذلك شرط ألا تؤلف هذه اللجنة من أخصامه. ولكن المجمع أبى أن يصغي إلى هذا الرجاء وأوفد إلى مصر أساقفة آريوسيين منذ اللحظة الأولى. وأجرت اللجنة تحقيقاً مغرضاً وقدمت تقريراً مكدراً مؤلماً. ويلوح لبعض رجال الاختصاص أن حرص اثناثيوس على العقيدة الصالحة واندفاعه في سبيلها أخرجاه في بعض الأحيان عن جادة الاعتدال في معاملة الملاتيوسيين. ويستدلون على هذا بما جاء في بعض أوراق البردي التي تعود إلى ربيع سنة 335. وليس هنالك من الأدلة التاريخية ما يحملنا على القول مع روفينيوس المؤرخ بأن المجمع الصوري حقق أيضاً في تهمة فجور. واشتدت الدعاية في صور نفسها ضد اثناثيوس فهاج هائج السكان وتوافدوا على قاعات المجمع متهمين اثناثيوس بالسحر والقساوة ومطالبين بإنزال أشد العقوبات. وطالب جمهور الأساقفة المصريين الذين لم يشتركوا في أعمال المجمع برفع القضية إلى مسامع الأمبراطور وأيدهم الكسندروس أسقف تسالونيكي ولكن معتمد الامبراطور اكتفى بحث أعضاء المجمع على الإتزان والاعتدال.
نفي اثناثيوس: وأيقن اثناثيوس باليأس مما طلب وتقوضت حصون آماله فانسل من صور خفية وانطلق نحو القسطنطينية. فأصدر عليه المجمع حكماً غيابياً قضى بعزله من منصبه وحرر المجمع بذلك رسالة سلامية إلى أساقفة المسكونة مبيناً تغيب أثناثيوس عن مجمعي قيصرية وصور وامتناعه عن الإجابة عما وجه إليه من تهم راجياً قطعه من الشركة.
ووصل أثناثيوس إلى القسطنطينية وطلب مقابلة الامبراطور فرُدّ طلبه. فاغتنم خروج قسطنطين للنزهة على ظهر جواده وأعترض سبيله والتمس عدله. فأصغى الأمبراطور إليه وسمع شكواه. ثم استدعى الأساقفة المجتمعين في صور فمثل بين يديه أفسابيوس نيقوميذية وقيصرية وأربعة غيرهما. ولم يذكروا قضية كأس الأفخارستية وحصروا شكواهم في أن اثناثيوس هدد بمنع تصدير الحنطة من الإسكندرية إلى القسطنطينية. وعبثاً حاول أثناثيوس اقناع الأمبراطور بأن شيئاً من هذا لم يصدر عنه. وأمر قسطنطين بإبعاده فنُفي إلى تريف Terves في غالية