Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
PDF
☦︎
☦︎
☦︎

مقدمة:

الهدف الذي من أجله كتب القديس إيريناوس كتاب “الكرازة الرسولية”، واضحٌ بشكل صريح، إذ يذكر القديس إيرينيوس في السطور الأولى للكتاب أنه يقصد أن يزود ماركيانوس ب- ” مذكرة مُلخصة” في شكل نقاط أساسية يستطيع ماركيانوس بواسطتها “فهم كل أعضاء جسد الحقيقة”. وهكذا يكون كتاب “الكرازة الرسولية” هو اقدم ملخص للتعليم المسيحي، نجده معروضاً بطريقة غير جدليةٍ أو دفاعيةٍ بل بطريقةٍ إيجابية. ولهذا السبب فإن اكتشاف هذا الكتاب في بداية القرن العشرين ولّد حماساً وإثارة كبيرة؛ إذ أصبح بين ايدينا كتاب قام بتأليفه أسقف يعرّفنا عن نفسه بأنه قد عاشر أولئك الذين هم انفسهم قد عرفوا الرسل، كما أشرنا سابقاً. وهكذا يعرض إيريناوس في كتابه مضمون تعليم الرسل. ولقد وُصف هذا الكتاب بأنه مقالة “تعليمية وعظية”، يقدّم المسيحية في خطوط عامة كما كان يشرحها في ذلك العصر أسقف لرعيته. ولذلك، فإن قيمة مثل هذه الوثيقة تتجاوز ما يمكن أن نعرفه من تقدير وأهمية.

الطريقة التي يعرض بها إيرينيوس المسيحية ليست هي المنهج الذي تعودنا عليه بتقديم المعتقدات اللاهوتية، ولكنه بدلاً من ذلك يتبع منهج العظات الكبيرة المُسجلة في سفر الأعمال التي تروى كل أعمال الله الخلاصية التي تصل إلى ذروتها في تمجيد ابنه المصلوب ربنا يسوع المسيح، وأيضاً انسكاب روحه القدوس وإعطاء قلب جديد، قلب لحم بدلاً من قلب الحجر.

وأهم ما يلفت النظر في كتابه أنه في سرده لهذا التاريخ لا يستعمل كتابات العهد الجديد كمرجع لشرحه (*).

من الواضح أن القديس إيريناوس يعرف كتابات العهد الجديد، ويعتبرها جزءً من الكتاب المقدس، كما يتضح تماماً من كتابه الآخر “ضد الهرطقات”، وأيضاً يتضح من كونه في كتاب “الكرازة الرسولية” حينما يقتبس آية من العهد القديم ويُرجعها إلى المكان التي اقتُبست منه في العهد القديم، فإنه كثيراً ما يُعطى هذه الآية في الصورة المكتوبة بها في العهد الجديد (مثلاً، الآيات المنسوبة إلى إرميا النبي في مت9:27-10 هذا الاقتباس في فقرة81 من “الكرازة الرسولية”)، لكن من الجهة الأخرى فإنه يتحدث عن ولادة يسوع من العذراء وصُنعه للمعجزات مبيناً ذلك من إشعياء وغيره من الأنبياء، بينما أسماء بيلاطس البنطي وهيرودس مذكورة في الأناجيل التي تقول إن المسيح قُيد وأُحضر أمامهما كما يبيّن هوشع، وأنه صُلِب وقام وتمجّد كما يشهد بذلك أنبياء آخرون. بل إن كل محتوى “الكرازة الرسولية” مُستقى في نظر إيرينيوس من العهد القديم. وهذه الحقيقة بالتالي تتضمن الاعتراف بأصالة النصوص الكتابية، التي تحمل نفس أصالة الكرازة الرسولية.

التعليم الآبائى في القرن الثاني قبل إيريناوس:

لكي نحصل على فهم أفضل لكتاب “الكرازة الرسولية” فمن المفيد أن نضع أمامنا باختصار بعض الكتابات المسيحية السابقة على إيرينيوس:

إن أقدم كتابات مسيحية وصلتنا من عصر ما بعد الرسل، أي كتابات الآباء الرسوليين تشير بوضوح إلى أنهم كانوا يعرفون بدرجات متفاوتة بعضاً من كتابات الرسل ولكنهم في أغلب الأحوال لم يكونوا يقتبسون من كتابات الرسل أو يستندون إليها كمصادر وحي يُعتمد عليها، أي باعتبارها أنها هي الكتاب المقدس. فعبارة “الكتب المقدسة” بالنسبة للآباء الرسوليين وهكذا بالنسبة للعهد الجديد نفسه إنما تشير إلى كتابات العهد القديم. فالبشارة الإنجيلية كانت إلى ذلك الوقت لا تزال في معظم الأحوال في مرحلة المناداة (أي الكرازة بالفم). فكتاب الديداخي (2:8، 5:9)، وكذلك رسالة اكليمندس الرومانى الأولى (13، 7:46-8) كلاهما يشيران صراحة إلى أقوال يسوع المسيح، ولكن ما يذكرانه وخاصة رسالة اكليمندس هي مجموعة من أقوال متنوعة معروضة بترتيب آخر غير المُدون في الأناجيل. إضافة إلى ذلك فإن اكليمندس الروماني يحث الكورنثيين أن “يتذكروا” هذه الأقوال، مما يُبيّن أن ما كان يشير إليه اكليمندس من المحتمل جداً أن يكون تقليد شفهي مُسلّم احتفظ بأقوال الرب.

القديس أغناطيوس الأنطاكي:

حالة القديس أغناطيوس الأنطاكي الذي عاش وكتب في السنوات الأولى للقرن الثاني هي حالة مُلهمة بنوع خاص. فهو يشير إلى رسائل الرسول بولس (رسالة أغناطيوس إلى أفسس2:12) ولكنه لا يقتبس منها أبداً، فعند أغناطيوس، المسيح هو محتوى إيماننا كما أنه المصدر المُطلق النهائي لإيماننا، كما سُلِّم إلينا بواسطة الرسل. فالقديس أغناطيوس يذهب بعيداً جداً أكثر من كل كُتّاب عصره في تقديره لدور الرسل. ففي كل الرموز المتقابلة المُغرم بها في كتاباته، يضع الأسقف والقسوس والشماس في ناحية ويقابلهم بالآب والمسيح والرسل (انظر الرسالة إلى كنيسة تراليا3). ومن ناحية أخرى فالرسل عنده يُوضعون دائماً في المستوى الأرفع، مع المسيح وأبيه. هذا المستوى ينعكس بعد ذلك على الكنيسة، في وجودها الخاص تاريخياً وجغرافياً، وذلك في الرتب الثلاث: الأسقف، القسوس، الشماس، وتبعاً لذلك فإن أغناطيوس يُصرِّح أو يذكر بتكرار أنه هو كأسقف ليس مثل الرسل، لأنه ليس في وضع يسمح له بأن يعطي أوامر أو يضع مبادئ أو تعاليم (عقائد) جديدة، فهذه التعاليم والعقائد تأتي فقط من الرب ورسله (انظر مغنيسيا13، رومية3:4، أفسس1:3،… إلخ). لقد كان أغناطيوس متشدداً في تأكيده لإعلان الرسل والأنبياء عن يسوع المسيح، كأساس لفهمه هو شخصياً للكتاب المقدس (العهد القديم).

فبحسب أغناطيوس فإننا ينبغي أن نعطى اهتماماً كبيراً للأنبياء، لأنهم هم أيضاً عاشوا بحسب يسوع المسيح وقد ألهمهم بنعمته (مغنيسيا2:8). وفي مقطع هام في رسالته إلى كنيسة فلادلفيا فصلى 8و9، يسجل أغناطيوس مناقشة ربما يكون أجراها مع بعض أعضاء تلك الكنيسة. وبعد حثه لسامعيه أن لا يفعلوا شيئاً بعيداً عما هو “بحسب تعليم المسيح”، فإنه يصف كيف أنه سمع البعض يقولون: “إن كنت لا أجد (هذا الكلام) في “الكتب المقدسة” فلن أؤمن أنه يكون موجوداً في الإنجيل”، أي أنهم سيقبلون الرسالة المسيحية فقط بمقدار ما تتفق مع “الوثائق المقدسة”، أي تتفق مع ما هو مكتوب قبل ذلك، أي كتاب العهد القديم. فكانت إجابة أغناطيوس أنها “مكتوبة”؛ مشيراً بذلك ليس إلى نصوص العهد الجديد، بل يشير إلى يقينه الأكيد أن العهد القديم يحتوى بالفعل على الإعلان عن المسيح. ولكن معارضيه لم يقتنعوا بهذا التفسير للعهد القديم المتمركز حول المسيح. وفيما بعد حينما أدرك سبب الاختلاف في الفهم، فإنه شرح موقفه بوضوح أكثر في رسالته: [الوثائق بالنسبة لي هي يسوع المسيح، الوثائق المقدسة الثانية هي صليبه وموته وقيامته والإيمان الذي بواسطته. بهذا أريد أن أتبرر بصلواتكم… الكهنة مُكرّمون، ولكن رئيس الكهنة هو أعظم لأنه مُؤتمن على قدس الأقداس، وهو وحده أيضاً المؤتمن على أسرار الله. إذ أنه هو الباب المؤدي إلى الآب، الذي دخل منه إبراهيم وإسحق ويعقوب والأنبياء والرسل والكنيسة… كل هذه تؤدى إلى الوحدة مع الله. ولكن الإنجيل فيه شيء فريد: فيه مجيء المخلّص، ربنا يسوع المسيح، وآلامه وقيامته. فالأنبياء المحبوبون قد تنبأوا مشيرين إليه، أما الإنجيل هو اكتمال عدم الفساد] (فلادلفيا2:8-1:9).

فبالنسبة لأغناطيوس، فإن يسوع المسيح، وآلامه وقيامته هو الإعلان الإلهي الوحيد والكامل؛ هذا الإعلان وحده هو الذي يخلّص. وهكذا فمن خلال هذا الباب وحده، يسوع المسيح صار الدخول للأنبياء، وللرسل وللكنيسة كلها إلى الآب. فحينما يقول أغناطيوس إن “الوثائق بالنسبة لي هي المسيح” فهو لا يعني بذلك أن يسوع المسيح هو سلطة مختلفة تعلو الكتاب المقدس؛ بل بالحري بالنسبة لأغناطيوس فإن العهد القديم هو ببساطة يسوع المسيح – الكلمة الذي صار جسداً. فكل كتاب من العهد القديم يختص بإعلان الله هو مُطابق لإعلان الله المُعطَى في المسيح كما كرز به الرسل؛ وبالعكس، فكل ما ينادى به الإنجيل قد سبق وكُتِب في الكتاب المقدس. لكن هذا لا يقلل من قيمة إعلان المسيح نفسه كما يذكر أغناطيوس هذا بقوله؛ إن الإنجيل فيه شيء “فريد”، لأنه يذكر مجيء المسيح وآلامه وقيامته، بينما الأنبياء أشاروا فقط إليه. فبالنسبة لأغناطيوس والآباء الرسوليين الآخرين، اعتبروا الإنجيل المسيحي، الذي هو الإعلان الخاص بيسوع المسيح، وهو بصفة أساسية يُعتبر قراءة للكتاب المقدس متمركزة حول المسيح كما سُلِّم بواسطة الرسل، رغم أن كتابات هؤلاء الرسل لم يحدث أن اقتُبس منها لإثبات هذا التعليم، ولا تم الاقتباس منها باعتبارها كتاب مقدس.

يوستينوس الفيلسوف والشهيد:

أهم شخصية سابقة على إيريناوس، وكان له تأثير عميق بنوع خاص عليه هو القديس يوستينوس الفيلسوف والشهيد المدافع عن الإيمان، يوستينوس الذي كتب في منتصف القرن الثاني هو أول كاتب من الآباء يستشهد بكتابات العهد الجديد، وهو يشير إليها على أنها “مذكرات” الرسل والتي يقول عنها أنها تُسمى “بالأناجيل” (الدفاع الأول3:66).

واستعمال يوستينوس لمصطلح “مذكرات الرسل” لوصف الأناجيل تشير إلى أن هذه الكتابات كان لها بالنسبة له قيمة تاريخية في المقام الأول، ربما أكثر من كونها إعلاناً مُوحى بها مما كان يقتضى عليه في هذه الحالة أن يسمى هذه الكتابات “الكتاب المقدس”. ومع ذلك فهذا الاستخدام للمصطلح من جانب يوستينوس يوضح أن مذكرات الرسل المكتوبة كانت قد بدأت تأخذ بالنسبة ليوستينوس مصداقية الرسل أنفسهم، وهذه المصداقية هي التي بها يصير الإعلان أو الوحي المسيحي مُسلّماً بطريقة فريدة.

والأمر الأكثر أهمية جداً من جهة فهمنا لكتاب إيرينيوس “الكرازة الرسولية” هو أنه رغم أن يوستينوس قد بدأ بالتأكيد يستخدم بعض الكتابات الرسولية، فهو يقتفى أثر الآباء الرسوليين في رؤيتهم للإعلان المسيحي باعتباره قد سبق التنبؤ به في كتب العهد القديم. وهذه النقطة لها عند يوستينوس قيمة دفاعية معينة – فما يؤمن به المسيحيون ليس مجرد إدعاءات حديثة، بل هو النبوات القديمة التي يستطيع أي إنسان أن يقرأها والتي تحققت الآن. هذا الكلام يتضمن تفسيراً دائرياً للإعلان المسيحي: أي أن يوستينوس يقول إن النبوات قد تحققت في المسيح وهكذا أيضاً فإن الإعلان المسيحي المُعطى من الرسل، هو المفتاح لفهم الرسالة التي سبق أن بشر بها الأنبياء:

[ نجد في كتب الأنبياء هذه، إذن يسوع مسيحنا يُخبر به على انه يأتي مولوداً من عذراء وينمو إلى قامة رجل، ويشفى كل مرض وكل ضعف ويقيم الموتى، وأنهم يبغضونه ولا يعترفون به، ويُصلب ويموت، ويقوم ثانية ويصعد إلى السماء، وإذ هو في كيانه ابن الله ويُدعى ابن الله، وأنه يرسل أشخاصاً معينين إلى كل جنس من البشر مبشرين بهذه الأمور، والناس الذين من الأمم هم الذين يؤمنون به (أكثر من اليهود)] (الدفاع الأول7:31).

أي أن تبشير الرسل ليس شيئاً آخر سوى النبوات التي نطقها الأنبياء، وقد بشر بها الرسل إذ أنها قد تحققت في يسوع المسيح. وهذا يعني أن الكرازة الرسولية هي من ناحية المفتاح لفهم العهد القديم، والتأكيد على تحقيقه، بينما من الناحية الأخرى فإن العهد القديم هو الذي يشكّل الإعلان المسيحي كله.

خطورة الغنوسية في القرن الثاني:

مما يساعدنا على تقدير قيمة كتاب إيريناوس “الكرازة الرسولية” هو أن نبحث في تعليم أولئك الهراطقة الغنوسيين الذين كشفهم إيرينيوس بكتاباته مما أدى إلى استبعادهم تدريجياً من جسم الكنيسة الجامعة. وأبرز هؤلاء الغنوسيون هو ماركيون. فهؤلاء الغنوسيون استخدموا أجزاء من العهد القديم وأجزاء من الكتابات الرسولية مع عناصر أخرى عديدة مأخوذة من مصادر مختلفة. وكوّنوا من كل هذه العناصر أساطيراً مُركبة وألفوا كُتباً كثيرة، بعض هذه الكتب ادعوا أن لها أصالة تعليم الرسل. ولأن الغنوسيين لم يستطيعوا أن ينكروا الكتابات الرسولية المُعترف بها والتي لا يوجد بها أي أساس واضح لأساطيرهم، لذلك ادعوا أن الرب لم يعّلم هذه التعاليم الموجودة في كتبهم علانية، بل بدلاً من ذلك علّم عدداً قليلاً من التلاميذ الأكثر جدارة بالثقة، وأعطاهم هذه المعرفة سراً في فترة ما بين القيامة والصعود أو في فترة ما بعد التجلى؛ وأن هذه المعرفة السرّية انتقلت من شخص إلى آخر بالتقاليد الشفهية دون أن تظهر بوضوح في الكتابات الرسولية المُعترف بها في الكنيسة. بينما هذه المعرفة السرّية واضحة جداً في كتاباتهم الغنوسية. ومن الجدير بالذكر أن الغنوسيين كانوا يفسرون كتابات بولس الرسول وإنجيل القديس يوحنا بطريقة خاطئة ليدعموا أفكارهم. إذ يخبرنا القديس إيريناوس أن شخصاً يُدعى بطلميوس كان تلميذاً لفلاندينوس الغنوسى الذي كان دائماً ينادى بأن الإنجيل الرابع قد كتبه “يوحنا تلميذ الرب”، وذلك ليعطى مصداقية لتعاليمه الغنوسية التي كانت تعتمد على التفسير الخاطئ لهذا الإنجيل (AH1:8:5).

وأيضاً هناك تلميذ آخر لفلاندينوس يُدعى هيراكليون هو الذي كتب تفسير لإنجيل يوحنا بين سنتى 170 – 180م تقريباً. وهذا التفسير يكون بهذا الشكل الغنوسى – على قدر ما نعلم – أول تفسير مكتوب لأي سفر من أسفار العهد الجديد.

وإن كان الخطر الذي مثلته الغنوسية هو الشمولية المتطرفة والجمع المُلفق بين عقائد دينية متعارضة، فإن التحدى الذي اثاره ماركيون هو العكس تماماً في تطرفه، وهو الاختصار وحذف بعض الأسفار من الكتب المقدسة. فقد أنكر ماركيون العهد القديم كله، وكذلك رفض معظم الكتابات الرسولية مُدعياً أن أغلب الرسل قد أساءوا فهم الإعلان الحقيقي الأصلي ليسوع المسيح. فقد استند على تأكيد بولس الرسول في غلاطية (6:1-10) أنه يوجد إنجيل واحد فقط ولكن الإخوة الكذبة غيّروه، وكان ماركيون يؤمن أن الرسل الآخرين قد أساءوا فهم يسوع المسيح باعتباره المسيا المنتظر المُرسل من إله العهد القديم الخالق، وهكذا شوُهوا رسالة الخلاص التي تعطى الحرية الحقيقية. هذا الخلاص الذي هو من الإله الحقيقي. لقد كان ماركيون مقتنعاً أن بولس هو الرسول الوحيد الذي فهم يسوع المسيح فهماً كاملاً، يسوع المسيح الذي هو إعلان الإله الواحد الحقيقي – ولكن رغم هذا فإن ماركيون أعاد كتابة رسائل بولس وحذف منها وأدخل عليها تغييرات، فمثلاً فيما يخص إبراهيم ونسله عندما يتكلّم الرسول بولس في (غلا16:3-6:4) عن المواعيد التي أُعطيت لإبراهيم وكيف أنها تحققت في نسله أي المسيح نجد أن ماركيون قد قام بحذف هذا الجزء من غلاطية لأنه يتعارض مع اعتقاده بأن العهد القديم غير مُوحى به من الله. كما كان ماركيون لا يثق سوى في إنجيل واحد هو إنجيل القديس لوقا تلميذ بولس. ولكن هذا لم يمنع ماركيون أيضاً من حذف بعض الأجزاء حتى من هذا الإنجيل.

منهج إيرينيوس في كتاب ”الكرازة الرسولية”:

يبنى القديس إيريناوس كتابه على أعمال الكُتّاب المسيحيين السابقين له، وهو يتخذ موقفاً حاسماً ومدروساً ضد كل من ماركيون والغنوسيين. فإيرينيوس هو أول أب من آباء الكنيسة يستخدم الكتابات الرسولية ويقول إنها من الكتاب المقدس. فهو يعرف نصوص العهد الجديد كلها التي نعترف بها نحن الآن ويستخدمها بالفعل في كتاباته. وهو يُصرّ على أن الأناجيل لا يمكن أن تكون أكثر أو أقل من أربعة أو بالأحرى إنجيل واحد له أربعة أوجه. وهو في كتابه الكبير ” ضد الهرطقات” بعد أن يصف أنظمة الغنوسيين في الجزء الأول من كتاب “ضد الهرطقات”، ثم يوضح تناقضاتهم الموجودة فيها في الجزء الثاني، ثم ينتقل في الأجزاء الثالث والرابع والخامس إلى الشرح من الكتاب المقدس، وأيضاً الشرح من الرسل الذين كتبوا الإنجيل، والذين سجلوا فيه التعليم عن الله، مبينين فيه أن ربنا يسوع المسيح هو الحق ولا يوجد فيه غش (ضد الهرطقات AH3:5:1). وبعد ذلك ينسج بمهارة مقاطع من العهد القديم مع مقاطع من العهد الجديد، لكي يوضح أنه لا يوجد سوى إله واحد الذي أعلن عن نفسه للجنس البشري الواحد في ابنه الوحيد يسوع المسيح بالروح القدس الواحد، وذلك بواسطة التدبير الإلهي الذي يخيّم على الكل على مدى التاريخ.

وكما سبق أن أشرنا فإن إيريناوس في كتابه “الكرازة الرسولية”، لا يستخدم الكتابات الرسولية كثيراً وبشكل صريح. هو يشير إلى الرسل في الفصول 3و41و46و47و86و98و99، ويقتبس من الرسول بولس ثلاث مرات، ومرة يشير إليه على أنه رسول المسيح في فصل 5و8و87، ويقتبس من تلميذ المسيح يوحنا مرتين في فصلى 43و94. وفيما عدا هذه الإشارات القليلة، فإن إيرينيوس يشرح “الكرازة الرسولية” ببساطة ضمن إطار قراءة العهد القديم المتمركزة حول المسيح تلك القراءة التي ميّزت التعاليم المسيحية في القرن الثاني.

إن منهج القديس إيريناوس الخاص في كتابه “الكرازة الرسولية” سبق أن أشار إليه بوضوح كل من أغناطيوس الأنطاكي ويوستينوس، ونقصد هنا قراءة العهد القديم المتمركزة حول المسيح. وهذا المنهج في الواقع يُنسب إلى يسوع المسيح نفسه بعد القيامة، الذي ” ابتدأ من موسى ومن جميع الأنبياء يفسر لهم الأمور الخاصة به في جميع الكتب” (لو27:24). وأكثر من ذلك فإن عدداً كبيراً من النصوص الكتابية التي استخدمها إيرينيوس كان يوستينوس قد سبق باستخدامها لنفس الغرض. وفي أغلب الحالات بنفس تجميع الآيات مع بعضها وبنفس طريقة ترتيبها، فإما أن يكون إيريناوس قد استقى في كتابته كثيراً من يوستينوس أو أن يكون كلاهما قد استقى من مصدر مشترك.

ومع ذلك فإن فرادة إيرينيوس في كتاب “الكرازة الرسولية” تكمن ليس في التحليل النظري للموضوع، بل في عرضه الشامل والواضح الذي قدّمه. وبينما كان يوستينوس يتجول من موضوع إلى موضوع بدون تنسيق واضح، فإن إيريناوس كان يعالج أو يقدم شرحاً للكرازة الرسولية بسهولة، بخصوص عمل الله منذ بداية الخليقة حتى يصل إلى تمجيد ابن الله بصعوده إلى المجد.

ومما سبق أن قلناه بخصوص عرض “الإعلان المسيحي” في كتابات القرن الثاني، يتضّح أنه كان هناك مشروعان مرتبطان معاً: الأول هو توضيح أو كشف محتوى الكتاب المقدس، العهد القديم فيما يختص بإعلان يسوع المسيح كما بشر به الرسل؛ والثاني هو الاعتراف بالإصالة الكتابية لتلك الكرازة الرسولية بإظهار أن كرازة الرسل التي كان مركزها يسوع المسيح كما صيغت في الكتاب المقدس، قد سبق التنبؤ بها كما هي.

هاتان المهمتان عبّر عنهما القديس إيرينيوس بكلمة واحدة هي επίδειξις أي شرح أو برهان للكرازة الرسولية.

محتوى كتاب ”الكرازة الرسولية”:

{jb_iconic_info}[سنتبع هذه التقسيمات، في تقسيم صفحات الكتاب على الموقع… مع العلم أن الكتاب هو عبارة عن جزء واحد، إلا أن المُعرب قام بتقسيمه إلى أجزاء كما أوضح في المقدمة (الشبكة)]{/jb_iconic_info}

  • أولاً: مقدمة قصيرة (فصول 1-3أ).
  • ثانياً: قسمان كبيران:
    1. القسم الأول (فصول3ب -42أ).
    2. القسم الثاني (فصول 42ب -97)
  • ثالثاً: خاتمة (فصول98-100).

أولاً: مقدمة قصيرة:

يبدأ القديس إيرينيوس كتاب “الكرازة الرسولية” بمقدمة قصيرة في الفصول من (1-3أ)، ويذكر في هذه المقدمة أنه بهذا الكتاب يرجو أن يقوى إيمان ماركيونوس، الشخص المُرسل له هذا الكتاب. وذلك بواسطة عرض مختصر “لكرازة الحق”. ويذكِّر إيريناوس ماركيانوس أنه إذا أردنا أن نجتاز الطريق الوحيد نحو حضرة الله فإنه يلزمنا قداسة الجسد، أي الابتعاد عن مخالفة وصايا الله، وكذلك قداسة النفس، أي حفظ الإيمان بالله. وينبغي أن نتجنب الأنواع الثلاثة من الناس المذكورين في (مز1:1):

الأشرار، أي الذين لا يعرفون الله؛ والخطاة، أي الذين يعرفونه ولكنهم لا يطيعون وصاياه؛ والمستهزئون، وهم أولئك الذين يُضّلون أنفسهم والآخرين بواسطة تعاليمهم السامة. فلكى نخلص، من الضروري أن نحفظ قاعدة الإيمان، وأيضاً أن نطيع وصايا الله، لأن الإيمان يتحقق في العمل، والإيمان نفسه مُؤسس على ما هو حقيقي.

القسم الأول:

وبعد هذه المقدمة القصيرة يأتي القسم الأول، وهو يحوي كما ذكرنا فصول (3ب -42أ). ويعطى إيرينيوس في هذا القسم شرحاً للكرازة الرسولية. وهذا القسم ينقسم بدوره إلى ثلاثة أجزاء.

الجزء الأول: موضوعه “الله والإنسان”، وهو يحوي الفصول (3ب -16). وكما سبق أن أكد إيريناوس في نهاية المقدمة، فإن الإيمان يتأسس ويُبنى على ما هو صادق حقاً، وبذلك، فإننا يجب أن “نؤمن بما هو حقيقي كما هو في الواقع”، حتى أننا “إذ نؤمن بما هو موجود حقاً كما هو فعلاً(1)، فإننا نحفظ اعتقادنا ثابتاً” (فصل3). والحق الكتابى بخصوص الإله الواحد، الاب: أنه هو خالق الكل؛ فهو يخلص كل الأشياء بكلمته ويزينها بروحه (فصل5). وهذا الاعتراف الثلاثى بالله الآب، والابن يسوع المسيح، والروح القدس، هو أساس إيماننا وسند سلوكنا (فصل6)؛ ومعموديتنا تتم بالاعتراف بهؤلاء الثلاثة، والمعمودية تجددنا لله بابنه بواسطة الروح (فصل7). فإن كان هذا هو الحق عن الله، فإن الحق من جهة الإنسان هو أنه “مخلوق”، “الله يخلق، أما الإنسان فمخلوق” (انظر AH4:11:2). وبعد أن يصف إيرينيوس السموات السبعة مع الجمع غير المُحصى الذي للقوات الملائكية (الفصلان9و10)، فإن إيريناوس يصف الحق الخاص بالإنسان عن طريق شرح (تك3:1). فالله صنع من الطين مخلوقاً يحمل صورته في جسده وفي روحه نسمة الحياة، كما صنع له معيناً ووضعهما معاً في الفردوس (فصول 11-14). إن حقيقة العلاقة بين الخالق وخليقته تتضح من الوصية التي اعطاها الله للإنسان، والتي كان القصد منها أن يعلّمه “إن سيده وربه هو رب الكل” (فصل15). وكون أن الإنسان لم يحفظ هذه الوصية فهذه طبعاً هي الحقيقة الأخرى المختصة بالإنسان والتي تحدد حقيقة وضعه خارج الفردوس (فصل16).

الجزء الثاني: فصول (17-30)، يصف فيه القديس إيرينيوس تاريخ إعداد الله البشرية للخلاص الذي تمّ بابنه. فبعد موت قايين انتشر الشر في الأرض كلها وفي أيام نوح لم يكن غيره وحده إنسان بار (فصول 17-18). ثم بعد تطهير الأرض بواسطة الطوفان، فإن ابن نوح الأصغر “حام” لُعن لعدم تقواه، واللعنة امتدت إلى كل نسله، بينما ابنا نوح الآخران سام ويافث، فقد نالا بركة ورثها أحفادهما (فصول19-23). وبركة سام ورثها إبراهيم، الذي طلب الله وتبرر بالإيمان، وبعد ذلك ورث إسحق هذه البركة وبعده ورثها يعقوب (فصل24). ثم أنقذ الله أحفاد إبراهيم من مصر بواسطة موسى، وهكذا كشف لهم سر الفصح، وأعطى الوصايا العشر لموسى (فصول25-26). وقبل دخول أرض الموعد هيأ موسى الشعب بأن أعاد تذكيرهم بأعمال الله العظيمة، ووضع لهم ناموساً جديداً وهو التثنية (فصل28). وأخيراً فإن الله أتى بشعبه من البرية إلى أرض الموعد بواسطة يشوع بن نون الذي سُمى “يسوع”، ” الاسم الوحيد الذي يستطيع أن يُخلِّص” (فصول27 -29). وفي تلك الأرض، سكن داود الملك في أورشليم؛ وفيها بُنى الهيكل على اسم الله، والأنبياء كانوا يحثون الشعب أن يرجعوا إلى إله آباءهم مُعلنين لهم أيضاً عن الإعلان الآتي الخاص بالرب يسوع المسيح، ابن داود وإبراهيم حسب الجسد، وابن الله بحسب الروح (فصول29-30).

الجزء الثالث فصول (31-40أ)، يواصل الحديث عن الخلاص الذي أتمه ابن الله، فإن الرب بفضل ولادته من عذراء كان له نفس الجسد مثل ابينا الأول آدم، من أرض عذراء، ولكن بينما كان الرب سالكاً بالطاعة فإن آدم كان عاصياً، وهكذا فإن الرب أتى إلينا بالخلاص وقاد الإنسان إلى الشركة مع الله (فصل31-32)، كما يشير أيضاً للتقابل بين حواء ومريم، وبين الشجرة والصليب (فصلى33-34).

وبواسطة العمل الخلاصي هذا تحققت المواعيد التي أُعطيت لإبراهيم ولداود (فصلى35-36)، ويؤكد إيريناوس أن المسيح وُلد حقاً، ومات وقام مبيناً تقدمه في كل شيء (فصول37-40أ).

ثم يختم إيرينيوس القسم الأول في الفصول (40ب – 42أ) لكي يلخص كيف أن الذي بُشر به بواسطة الناموس والأنبياء، أي ابن الآب، قد وُلِد من العذراء مريم بالروح القدس. هذه العذراء التي من نسل إبراهيم وداود، وأن يسوع الذي هو مسيح الله هو في الحقيقة ذاك الذي سبق وأنبأ عنه الأنبياء (فصل 40ب). كما أن يوحنا المعمدان السابق له، قد أعدَّ الشعب لنوال كلمة الحياة. وقد أرسل المسيح تلاميذه ورسله والذين عاينوه إلى كل العالم لكي “يدعو الأمم ليسكنوا في مساكن سام” – هذه هي ثمرة بركة يافث التي أُعلنت في الكنيسة أي دعوة الأمم بحسب وعد الله (فصول41-42أ).

القسم الثاني:

بعد أن استعرض القديس إيريناوس تاريخ عمل الله الخلاصي، فإنه ينتقل إلى القسم الثاني من الكتاب، والذي يشمل كما ذكرنا الفصول (42ب -97). هذا القسم الثاني يختص بشرح “الكرازة الرسولية” عن طريق البرهنة عليها من الكتاب المقدس. وهذا واضحٌ تماماً في الفصل الافتتاحى (42ب) الذي يصف فيه إيرينيوس كيف أن كل الأشياء التي تمت في يسوع المسيح سبق التنبؤ بها بواسطة الأنبياء، وأنها تحققت في النهاية تماماً كما سبق التنبؤ بها وذلك يجعلنا نوقن أن الله هو الذي أعلن لنا خلاصنا.

ويمكن تقسيم هذا القسم الثاني إلى أربعة أجزاء متميزة:

الجزء الأول الفصول (43-52) يهتم فيه إيريناوس بتوضيح الوجود الأزلي ليسوع المسيح. وهنا يستند على إصرار أغناطيوس على أن العهد القديم هو يسوع المسيح. فإن كانت الكرازة الرسولية الخاصة بيسوع المسيح هي إعلان الله الحاسم، أي كلمة الله، الذي تطلّع إليه كل رؤساء الآباء والأنبياء، فإنه يمكننا أن نرى الأمر بطريقة عكسية، ونؤكد أن الرب يسوع المسيح هو نفسه الذي ظهر وتحدث إلى إبراهيم وموسى (انظر ضد الهرطقات AH4:9:1). فبالنسبة لإيرينيوس توجد علاقة تبادلية بين رؤساء الآباء، الذين أُعطيت لهم المواعيد، وبين نسلهم الذين رأوا هذا الوعد يتحقق(2).

وتبعاً لذلك ففي هذا الجزء من “الكرازة الرسولية” يوضح إيريناوس من نصوص الكتاب المقدس كيف أن الابن، الذي نعرفه الآن – كواقع تاريخى – هو يسوع المسيح، وأنه كان في البدء مع الآب (فصل43)، وكيف ظهر لإبراهيم (فصل44) ويعقوب (فصل45)، وتكلّم مع موسى من العليقة (فصل46)، وكيف يتكلّم داود وإشعياء عن الآب والابن (فصول47-51). ولكن بينما أن الابن بالنسبة لله هو كائن منذ البدء، قبل الخليقة فإنه صار معروفاً بالنسبة لنا الآن فقط، وذلك عندما كُشف لنا باسم يسوع المسيح (فصل43). وهكذا فإن كل الرؤى القديمة هي أحداث نبوية تنبأت بالأمور التي سوف تحدث (فصلى44-45). ويختم إيرينيوس بإعادة التأكيد بأن الكتاب المقدس يقول بوضوح إن المسيح هو ابن الله من قبل وجود العالم، وهو كائن مع الآب ومع الناس. وإنه هو يخلّص جميع الذين يؤمنون به (فصل52).

وفى الجزء الثاني من القسم الثاني (فصول53-66) يتحدث إيريناوس عن ولادة المسيح بالجسد، مستنداً على شهادات من إشعياء (فصول53-57، 59-61، 65)، وعلى شهادات من موسى (فصلى 57-58)، وعاموس (فصل62)، وميخا (فصل63)، وداود (فصل64)، هذه الشهادات تؤكد أن ابن الله سيُولد، كما أنها تصف كيف يُولد، وأنه هو المسيح، وهو الملك الأبدي الوحيد (فصل66).

وفى الجزء الثالث من القسم الثاني، فإن إيرينيوس يوضح كيف أنه سبق التنبؤ (عن المسيح) بأنه سيُجرى معجزات وأشفية (فصل67 من مقاطع من سفر إشعياء)، وأنه سوف يُجلد (فصلى68- 69أ، من إشعياء وداود)، وأنه سوف يتألم، وسوف يُحكم عليه، وعن جيله الذي لا يستطيع أحد أن يخبر عنه (فصول69ب – 70، من إشعياء)، وأنه سيحضرونه مُقيداً إلى الملك (فصل77، من هوشع)، وأن ثيابه ستُقسّم (فصل80، من المزامير)، وأنه سيُباع بثلاثين من الفضة (فصل81، من إرميا)، وأنه سيُعطى مُراً ليشرب (فصل82، من مزامير داود)، وأنه يموت على الصليب (فصول71-76، 79، من إرميا، وإشعياء، وداود، وزكريا)، وأخيراً يقوم ويتمجّد ويرتفع إلى يمين الآب (فصول 72ب، 83-85، من مزامير داود).

ويختم إيريناوس القسم الثاني من “الكرازة الرسولية” بالجزء الرابع (فصول86-97) موضحاً كيف أن دعوة الأمم بواسطة الرسل قد سبق وتنبأ عنها الأنبياء (فصل86). هذه الدعوة تحققت ليس بفرائض الناموس، بل بكلمة الإيمان البسيطة (فصل87). وأولئك الذين خلصوا دُعوا باسم جديد (فصل88)، ولذلك فلا ينبغي ان يعود أحد للوراء مرة أخرى إلى الناموس الذي قد تمَّ تحقيقه بواسطة المسيح (فصل89). إن ناموس الله الآب مكتوب على قلوبهم الجديدة التي من اللحم حتى أن الإنسان يستطيع الآن أن يثق في خالقه (فصل 90-93). وبواسطة هذه الدعوة وتغيير القلب الذي يتم بالكلمة الصائر جسداً والساكن بيننا، فإن التي كانت عاقراً في السابق قد ولدت عدداً كبيراً من الأولاد أكثر من المجمع القديم (فصل94). فأولئك الذين لم يكونوا شعباً هم الآن شعب الله الذين يعرفون رب الناموس، ليس لهم حاجة للمؤدب السابق (الناموس) (فصلى95-96) فالمسيح الذي قد ظهر على الأرض وتحدّث مع البشر قد أدمج روح الله مع خليقة الله (صنعة يدي الله) الذين كُوّنوا بحكمة من التراب، لكي يصير الإنسان في النهاية حسب صورة الله ومثاله (فصل97).

الخاتمة:

ويختم إيرينيوس كتابه “الكرازة الرسولية” بأن يكرر النصيحة التي أعطاها في المقدمة: أننا يجب أن نتمسك بكرازة الحق التي أعلنها الأنبياء، والتي ثبّتها المسيح، والتي سلّمها الرسل ونتجنب كل المعاملات مع أولئك الذين يفكرون في آلهة أخرى لأنفسهم، محتقرين الله الذي هو “الكائن” حقاً، ومنكرين مجيء ابنه وعطية الروح القدس.

منهج القديس إيريناوس في تفسير الكتاب المقدس:

منهج القديس إيرينيوس في تفسير الكتاب هو أنه ينبغي أن يُشرح على أساس الكتاب نفسه، وهو يذكر هذا المبدأ صراحة في كتابه “ضد الهرطقات” بقوله: [تفسيرات نصوص الكتب المقدسة لا يمكن شرحها إلاّ من الكتب المقدسة نفسها] (ضد الهرطقات AH3:12:9)، وفي موضع آخر من نفس الكتاب يقول: [ فإن كانت بعض مقاطع الكتاب تبدو غامضةً، فيجب أن نحاول فهمها بواسطة ما هو واضح وظاهر في الكتاب نفسه وليس بأي طريقة تفكير خارجية] (ضد الهرطقات AH2:27-28). ولهذا السبب بالتحديد انتقد إيريناوس الغنوسيين لأنهم أسسوا تفسيرهم للكتب على أساس مبادئ غير كتابية، فبعد أن يفند القديس إيرينيوس بعض أساطيرهم، يقول:

[ هذه هي طريقتهم التي لم يتنبأ بها الأنبياء، ولا الرب علّم لها، ولا الرسل سلّموها إلينا، فهم يفتخرون بصوتٍ عالٍ أنهم يعرفون أكثر من الآخرين. وهم يستندون في هذا على مصادر خارج الكتاب المقدس، وكما يقول المثل الشعبي فهم يحاولون أن يضفروا حبالاً من الرمل. إنهم يحاولون أن يجعلوا أمثال الرب، أو أقوال الأنبياء، أو كلمات الرسل تتوافق مع أقوالهم بطريقة تجعل الناس يصدقونهم، حتى لا يبدو تلفيقهم أنه بدون مرجع. فهم يتجاهلون نظام الكتب المقدسة وترابطها مع بعضها. وبتجاهلهم لهذا الترابط في الكتاب الذي يكمن فيه أساس الحق فإنهم يفككون أعضاء الحق] (ضد الهرطقات AH1:8:1).

ويوضح إيريناوس طريقة استعمال الكتاب، بأن يقارنها بما يفعله بشخص أو إنسان عندما يأخذ صورة جميلة من الفسيفساء لملك صنعها فنان ماهر من أحجار ثمينة، ثم يعيد ترتيب هذه الأحجار الكريمة التي فيها ليصنع منها صورة كلب أو ثعلب، ثم زعم أن هذه الصورة هي الصورة الأصلية التي صنعها الفنان الأول، ويعلّل قائلاً إن الحجارة أصيلة. والحق أن التصميم قد تهدم و”ضاع نموذج الإنسان الموضوع”. هذا بالضبط ما يفعله الهراطقة بالكتاب المقدس “ويقطعون أوصال الحقيقة”. إن كلماتهم وتعبيرهم وأمثالهم أصيلة، ولكن قياسهم (أو تصميمهم) مزاجى وخاطئ، فيقول: ” بنفس الطريقة فإن هؤلاء الناس يرقعون معاً خرافات العجائز ويقتلعون كلمات وأقوال وأمثال من هنا وهناك ويريدون أن يجعلوا كلمات الله تتكيف مع خرافاتهم” (ضد الهرطقات AH1:9:1).

وفي مثال آخر، يصف إيرينيوس كيف أن بعض الناس يأخذون سطوراً متنوعة من كتابان هوميروس ثم يعيدون ترتيبها. وقد تخدع هذه السطور أولئك الذين ليس لهم سوى معرفة عابرة لهوميروس، لكنها لا تخدع أولئك المتمكنين جيداً من معرفة أشعاره؛ وهؤلاء يستطيعون أن يعرفوا السطور المقتبسة تماماً ويعرفون مكانها ثم يعيدونها إلى سياقها الصحيح (ضد الهرطقات AH1:9:4).

وبنفس الطريقة يواصل إيريناوس كلامه فيقول: [.. أي إنسان يحفظ في نفسه قاعدة الحق غير المتغيّر الذي استلمه بواسطة المعمودية فإنه سيعرف الأسماء والأقوال والأمثال المأخوذة من الكتب المقدسة… لأنه إن عرف الجواهر، فإنه لن يقبل صورة الثعلب على أنها صورة الملك، بل هو سوف يعيد كل مقطع من المقاطع إلى مكانه الصحيح، إذ يكون منسجماً ضمن جسم الحقيقة، وهكذا هو يفضح تلفيقهم ويبيّن أنهم بلا سند] (ضد الهرطقات AH1:9:4).

وبعد ذلك يعطى إيرينيوس وصفاً شاملاً ل-“قانون الحق المُسلّم في المعمودية”، الذي له ثلاثة بنود أساسية، وهى: الإيمان المُسلّم من الرسل بإله واحد الله الآب، والرب الواحد المصلوب والمُقام يسوع المسيح، والروح القدس” (انظر AH1:10:1).

وقانون الحق المُعطى في كتاب “الكرازة الرسولية” (فصلى6و7) رغم أنه مختصر عن ما ورد في كتاب “ضد الهرطقات”، إلاّ أنه مبنى على البنود المحورية الثلاثة: الآب، والابن، والروح القدس، الذين باسمهم تتم معموديتنا.

ومع ذلك، فإن هذه البنود الثلاثة هي جوهر قانون الحق، وليست مجرد عناصر منفصلة لمعتقدات لاهوتية. ولذلك فهي عند إيريناوس مرتبطة بلا انفصال مع ترتيب وترابط الكتب المقدسة (انظر AH1:8:1). وهذا الترتيب والارتباط هو طبعاً ما يصفه إيرينيوس بطريقة مختصرة في كتاب “الكرازة الرسولية” لكى: “بواسطة هذا الكتاب الصغير يمكنك أن تفهم كل أعضاء جسد الحقيقة” (فصل1 من الكرازة الرسولية) التي هي الكتاب المقدس نفسه. وبكتابته لكتاب “الكرازة الرسولية” فإن إيريناوس – الذي هو أكثر من أي كاتب آخر سابق له – حدّد وعرّف الكتاب المقدس كما نعرفه نحن الآن وثبته في مكانه الصحيح والأساسى. وبهذا فإن القديس إيرينيوس قد أعطانا نموذجاً لا مثيل له عن كيف نقترب من الحقائق المُعلنة في الكتاب وكيف نفهمها. وفي هذا تكمن الأهمية الفائقة لهذا الكتاب المختصر.

النص الأصلي لكتاب ”الكرازة الرسولية” وترجماته:

المخطوطات والطبعات والترجمات:

كتاب “الكرازة الرسولية” هو مقال في صورة رسالة مُرسلة إلى شخص يُدعى ماركيانوس. وكان هذا المقال معروفاً منذ القديم إذ أن يوسابيوس المؤرخ أشار إليه في كتابه “تاريخ الكنيسة” (كتاب36:5). ولكن بعد هذه الإشارة منذ القرن الرابع يبدو أن هذا الكتاب اختفى تماماً، ولم يُعثر على أي آثار له. ولكن في شهر ديسمبر سنة 1904م عثر الأرشمندريت الأرمني “كارابت تيرمكيرتشيان” (Karapet Ter-Mekerttschian) على مخطوط في مكتبة كنيسة والدة الإله في إيرفان Erevan بأرمينيا، ثبت فيما بعد أنه يحوي ترجمة أرمينية قديمة للكتابين الرابع والخامس من كتاب “ضد الهرطقات” للقديس إيريناوس، وأيضاً كتابه “الكرازة الرسولية”. وهذا المخطوط محفوظ الآن في ماتينا داران بإيرفان (مخطوط رقم 3710). وبحسب ما وُجد مُسجلاً في نهاية المخطوط فإن المخطوط كان مِلكاً لرئيس الأساقفة تير جوهانس Ter Johannes” شقيق الملك المقدس” هذا الملك من المحتمل أن يكون Haïtoun I هايتون الأول (1226-1269م) الذي اشتهر شقيقه الأصغر بأنه كان عالماً كبيراً، وكان أسقفاً (1259م) إلى أن توفى سنة 1289م، لذلك يمكن أن يكون تاريخ المخطوط هو حوالى منتصف النصف الثاني من القرن الثالث عشر، رقم أن الترجمة – كما سنرى فيما بعد – قد تمت قبل هذا التاريخ بعدة قرون. ونص هذه المخطوط نُشر لأول مرة سنة 1907م مع ترجمة ألمانية ومُقدمة وملاحظات مختصرة قام بها العالِم اللاهوتي المشهور أدولف هارناك وهو الذي قسّم النص إلى مائة فصل.

وبعد ذلك تُرجم النص الأرمني إلى اللغة اللاتينية بواسطة S. Weber، وحينما أُعيد طبع النص الأرمني سنة 1919م صدرت معه ترجمة إنجليزية وأخرى فرنسية، وتضمنت هذه الطبعة التي صدرت سنة 1919م وصفاً للمخطوط، وتضمنت أيضاً بعض الملاحظات عن وجود تنقيحات في المخطوط الأرمني. وصدرت بعد ذلك ترجمات أخرى من بينها ترجمة إنجليزية ثانية قام بها J. Armitage Robinson(3).

وبعد فترة ركود لعدة عشرات من السنين ظهرت ترجمتان أخريتان ساهمت كلاهما في ازدياد فهمنا للنص. الترجمة الأولى إلى الإنجليزية قام بها J.P. Smith واحتوت إلى جانب النص الأرمني، ملاحظات كثيرة جداً ملأت عدد صفحات أكثر من النص نفسه(4)، الأمر الذي جعل البروفيسور John Bher أستاذ علم الآباء بمعهد القديس فلاديمير الأرثوذكسى اللاهوتي بالولايات المتحدة الأمريكية أن يقول إن العالِم سميث قام بجهد كبير في بحث المخطوطة الأرمينية وقيّم كل الترجمات السابقة واقترح تنقيحات للمخطوط.

والترجمة الثانية التي تمت بعد الأولى بسنوات قليلة هي ترجمة فرنسية جديدة أعدّها L.M. Froidevaux وقد نُشرت في سلسلة المصادر المسيحية بالفرنسية SC. 62 سنة 1959م. وقد أضافت هذه الترجمة ملاحظات كثيرة على ما قدمه سميث، إلاّ أن مساهمتها الهامة جداً هي الملحق الموجود بها الذي يحوي مقارنة بين الترجمات، أعدّها Charles Mercier. هذه المقارنة موجودة أصلاً في المخطوط P.O. 12:5 (مع ميكروفيلم لمخطوط إيرفان 3710).

وقد اكتُشفت فيما بعد مخطوطتان بهما اقتبسات صغيرة من كتاب “الكرازة الرسولية”. المخطوط الأول يُسمى “ختم الإيمان”، اكتشفه نفس مُكتشف المخطوط الأول Bishop Karapet Ter-Mekerttschian لكن سنة 1911م في دير القديس اسطفانوس بداراشامب Darachamb، وهذا المخطوط يرجع تاريخ كتابته إلى القرن الثالث عشر. والمخطوط الثاني يرجع إلى القرن الرابع عشر ويُعرف باسم “جالاطا54” وُجد في دير القديس يعقوب للأرمن بأورشليم، وهو الآن محفوظ في مكتبة البطريركية الأرمينية بإسطنبول.

وأخيراً بعد فترة ركود ثانية قام A. Rousseau بعد أن أكمل نشره لكتاب “ضد الهرطقات” في سلسلة SC.، نشر ما يجب أن يُعتبر طبعة قياسية لكتاب “الكرازة الرسولية” باللغة الفرنسية طبعاً. وفي هذه الطبعة نشر روسو بالإضافة إلى النص الأرمني نفسه، ترجمتين إحداهما لاتينية والأخرى فرنسية. ويرى روسو صاحب الترجمة الفرنسية أن النص الأرمني قد تُرجم أصلاً عن اللغة اليونانية بتصرف. وتحتوى أيضاً طبعة روسو التي نُشرت في SC. سنة 1995، ملاحظات مستفيضة وصلت إلى عدد صفحات أكثر من النص نفسه، كما يختم طبعته هذه بستة ملاحق عن تعاليم القديس إيرينيوس اللاهوتية، ومقارنات بين الترجمات المختلفة للنص الأرمني. وبهذا يكون عمل روسو حسب رأي جون بهر John Behr إنجازاً ملحوظاً في مجال البحث الآبائى.

 

المراجع التي استُخدمت في إعداد المقدمة عن حياة القديس إيريناوس وتعليمه اللاهوتي

1- JOHANNES Quasten: PATROLOGY, published 1950, reprinted by Christian Classic, INC., 1983, Westminster, Maryland U.S.A. Vol. I, ps. 287-315.

2- ANTE- NICENE FATHERS, 1884, reprinted by Hendrickson Publishers, INC., 1994, P.O. Box 3473, Peabody, Massachusettes 01961-3473. U.S.A. Vol. I, ps. 309-313.

3 – تاريخ الكنيسة – للأسقف يوسابيوس القيصري،

الكتاب الرابع: فصل 21، ص 190

الكتاب الخامس: فصل 4، ص 217

الكتاب الخامس: فصل 8، ص 222.

تعريب القمص مرقس داود، نشر مكتبة المحبة، الطبعة الثانية، القاهرة 1970.

 

المراجع التي رجعنا إليها لترجمة كتاب ”شرح الكرازة الرسولية ”

1- ΙΩΑΝΟΥ Δ. ΚΑΡΑΒΙΔΟΠΟΥΛΟΥ Δ. Θ.,
    ΕΙΡΗΝΑΙΟΥ ΕΠΙΣΚΟΠΟΥ ΛΟΥΓΔΟΥΝΟΥ.
    ΕΠΙΔΕΙΞΙΣ ΤΟΥ ΑΠΟΣΤΟΛΙΚΟΥ ΚΗΡΥΓΜΑΤΟΣ
    ΕΙΣΑΓΩΓΗ- ΜΕΤΑΦΡΑΣΙΣ- ΣΧΟΛΙΑ ΕΝ
     ΘΕΣΣΑΛΟΝΙΚΗ, 1965

2- St. Irenaeus of Lyons

ON THE APOSTOLIC PREACHING

Translated and Introduction by John Bher

St. Vladimir’s Seminary Press, Crestwood, NY 1997.

3- ANCIENT CHRISTIAN WRITERS,

St. Irenaaeus Proof of The Apostolic Preaching.

Translated and Annotated by Joseph P. Smith, S.J.

Professor in The Pontifical Biblical Instituite,

Rome, Newman Press. No. 16.

الاختصارات

 

BEPES:

Biblioq»kh ‘Ell»nwn Pat?rwn ka… ‘Ekklhsiastikîn Suggraf?wn

(œkd.; Apostolik?j Diakon…aj t?j ‘Ekklhs…aj t?j Ell£doj), Aq?vai 1955 ™x.

EPE:

”Ellhnej Pat?rej t?j ‘Ekklhs…aj, Paterika… ™kd?seij, « Grhg?rioj ? Palam©j » , Qessalon…kh 1972 ™x.

A.N.F:

Ante- Nicene Fathers, Edited by Alexander Roberts, D.D. and James Dondaldson, LL.D. Hedrickson Publishers, Massashusetts 01961-3473, U.S.A. 1994.

AH:

Against Heresies كتاب ضد الهرطقات

P.L.:

Patrologia Latina.

P.O.:

Patrologia Orientalis.

S.C.:

Sources Chrétiennes, Les Edition du Cref, BD De Latour MAUBOURG, Paris

س:سبعينية

 

 


(*) علينا أن نلاحظ أن القديس إيرينيوس لم يكن يستعمل تعبيرات “العهد القديم” و”العهد الجديد” كعهدين منفصلين. بل بعكس أولئك الذين وضعوا فارقاً شديداً بين الإعلان الجديد (أي إعلان إله آخر وبين الإعلان القديم) – نموذج هؤلاء ماركيون الهرطوقى في القرن الثاني – بعكس هؤلاء فإن القديس إيريناوس هو أول من كتب من الآباء مؤكداً على وحدة معاملات الله مع الجنس البشري طوال التاريخ. أي أنه يقول إنه يوجد تدبير إلهي واحد فقط. فحينما يكتب إيريناوس عن مراحل أو عصور مختلفة فهو يفضل أن يتكلّم عن أربعة مواثيق: عهد مع آدم، عهد مع نوح، عهد بواسطة موسى، وأخيراً عهد الإنجيل (AH3:11:8)، وحينما يشير إلى الكتاب المقدس فهو كثيراً ما يميز بين ثلاثة أقسام هي: الكتب النبوية (ويقصد بها كل العهد القديم)، والكتابات الإنجيلية (أي الأناجيل) والكتابات الرسولية (أي الرسائل). انظر

Y.M. Blanchard, Aux Sources du canon: Le Témoignage d’ Irénée (Paris: Cerf, 1993) p. 132-145.

 

(1) وهذا الإصرار على أننا ينبغي أن نرى ونقبل ما هو موجود كما هو، يتكرر كثيراً في كتابه “ضد الهرطقات”، حيث يذكر أن هذا الكتاب الأخير يخص الحق عن الله والإنسان. ويشرح إيريناوس اننا ينبغي “أن نعرف ما هو الذي يستطيع الله أن يفعله؟ وما هي الفوائد التي يمكن أن ينالها الإنسان؟، وذلك لكي لا نضل بالمرة عن الإدراك الصحيح للأمور كما هي فعلاً فيما يخص الله والإنسان” ضد الهرطقات AH5:2:3 .

(2) [إن تهليل إبراهيم نزل على ذريته الذين جاءوا منه… ومن الجهة الأخرى يوجد تهليل متبادل انتقل من الأبناء إلى إبراهيم الذي اشتهى أن يرى يوم المسيح أن يأتي. إذن فبصواب شهد ربنا لإبراهيم قائلاً: ” أبوكم إبراهيم تهلل بأن يرى يومى فرأى وفرح”] (ضد الهرطقات AH4:7:1 وانظر يو56:8).

(3) J. Armitage Robinson, St. Irenaeus: The Demonstration of the Apostolic Preaching (London & NY: SPCK, 1920).

(4) J.P. Smith, St. Irenaeus: Proof of the Apostolic Preaching (ACW16; London& Maryland: Westminster, 1952). A Further English version was prepared by J. Sparks (Brookline, MA: Holy Cross Orthodox Press, 1987), on the basis of the earlier translation.

Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
PDF
sv_SESwedish
Rulla till toppen