Webbplatsikon Ortodoxa onlinenätverk

باسيليوس المبارك القديس الروسي

اشتهر نوع من القديسين في القرن السادس عشر في روسيا بكونهم مجانين المسيح أشهرهم باسيليوس المغبوط الذي تعيّد له الكنيسة الروسية في الثاني من آب ولد باسيليوس فى النصف الثانى من القرن الخامس عشر أثناء حكم الأمير ايفان فاسيليقيش، وكان والداه يعقوب وحنا متقدمين فى الأيام، ولم يهبهما نسلا فصليا الى الله بحرارة ليمنحهما طفلا، وعندما استجاب لصلواتهما، سارعا ليكرسا الطفل لخدمة الرب.

وظهرت نعمة خاصة من الله فى باسيليوس منذ أعوامه الأولى، اذ كان دائم الصلاة والصوم، وهكذا عندما بلغ السن الذى تلتهب فيه الشهوات بعنف، كان قد ضبطها فعلا فى نفسه بنعمة الله.

لما كان في ال16 من عمره سخر من احد الزبائن الذي طلب ان يُصنع له عدد كبير من الاحذية. عاتبه صاحب المحل وسأله عن سبب تصرفه فقال: ما جدوى ان يطلب هذا الرجل احذية تكفيه لسنوات اذا كان سيموت غدا؟ لما تحققت نبوءته ترك أهله وعمله خرج ليجاهد لأجل خلاص نفسه، ليس فى البرية الساكنة حيث الجمال والوحدة، بل فى مدينة موسكو بكل زحامها، وعندما وصل الى المدينة ومباهجها، حفظ قلبه فى أورشليم السماوية. حيث اختار ان يعيش في النسك بين العالم وهو يتظاهر بالجنون، لا مسكن له، يتنقل نصف عار في الشوارع والساحات العامة ويقضي الليل مصليا امام ابواب الكنائس ويبقى صامتا بين الجموع. ولما كان يضطر على الكلام كان يتظاهر بأنه يتكلم بصعوبة. مع انه ترك العالم واهتماماته، كان يرأف بالمساكين والمرضى والمظلومين ويزور السجون.

دخل باسيليوس درب الجهالة لأجل الله، فلم يكن يرتدى الا قميصا طويلا (جلابية)، وكان يحتمل الجوع والعوز وكل فقر، وفى الشتاء كلن يحتمل قسوة برد موسكو وثلجها بلا تذمر، مرددا كلمات شهداء سبسطية الأربعين:” الشتاء قارص لكن الفردوس حلو” وكان يصلى على الدوام ويتأمل فى خالقه.

واذ قيل ” من يتكلم كثيرا لا ينجو من الخطية” لذلك التزم باسيليوس طوال حياته فى العالم بالصمت التام كما لو كان فى البرية، وكان يقضى أيامه وسط المتسولين والشحاذين والعرج أما الليل فكان يقضيه فى الصلاة فى مداخل كنائس موسكو، وكثيرا ما كان يزور سجن السكراء والمدمنين. وهذه كانت تهدف الى تهذيب مدمنى الخمر وتأديبهم، وشوهد كثيرا وهو يصلى فى ذاك المكان.

قبل بلوغ ايقان الرهيب السن الذى يتسلم فيه الحكم، ساد الطغيان المجتمع، وكان القوى يقهر الضعيف بلا رحمة، فكان باسيليوس توبيخا حيا للأشرار وتعزية للمتألمين، ولأنه كان ابنا حقيقيا للكنيسة المقدسة، لذلك ذرف دموعا مريرة من أجل معاصريه وبدموعه قادهم الى التوبة.

فى عام 1521 م، قبل غزو التتار بوقت قصير، انحنى باسيليوس ومجموعة من الأتقياء أمام كاتدرائية الكرملين وصلى بدموع وحرارة لأجل خلاص الشعب من الخطر القادم، وبالفعل بصلواته خلصت المدينة من هؤلاء الغزاة، اذ بينما هم يقتربون منها رأوا جيشا عظيما فى حقولها، فولوا مدبرين سريعا خارج روسيا.

فى 23 يونيو عام 1547م، ذهب باسيليوس المبارك الى دير الصليب ووقف يتطلع الى كنيسة الدير مصليا وباكيا، وكل من كان يمر به، كان ينظر اليه باستغراب، ورغم أنهم لم يعرفوا سبب ذلك لكنهم كانوا يعرفون أنه لا يصنع أو يقول أى شىء بدون سبب، وفعلا كانت هذه نبوة عن نيران رهيبة اندلعت فى صباح اليوم التالى، وكانت بدايتها من هذه الكنيسة ثم التهمت المدينة.

رغم أن باسيليوس كان يحاول أن يخفى حياة القداسة والفضيلة التى له بتصنع الهبل والحماقة وادعاء الجنون، الا أنه لم يستطع، بل أن رائحة حياته النقية وصبره العظيم بلغا مسامع القيصر ايفان والمطران مكاريوس، فدهش كل منهما ومجدا الله الذى أعطاهم مثل هذا القديس فى زمانهما، وقد أراد الله أن يمجد قديسه أمام القيصر لكى يتهذب القيصر ويتعلم.

حدث أن دعى القيصر باسيليوس الى القيصر، وعندما قدموا له مشروبا، سكبه ثلاث مرات من النافذة، فأغضب هذا التصرف القيصر، لكن باسيليوس قال له:” اطفأ نيران غضبك واعلم أننى بسكبى هذا الشراب، أطفأت النيران التى تلتهم مدينة نوفورود كلها الآن”.

وبهذه الكلمات غادر القصر مسرعا، ورغم أن القيصر كان يعرف قداسته، الا أنه شك فيما عن نيران نوفجورود، فسجل الساعة واليوم الذى زاره فيه باسيليوس ،وارسل أحد رجاله الى مدينة نوفجورود ليتحقق من الأمر، فعلم مبعوثه من أهل نوفجورود ان حريقا قد اندلع فعلا، وفى أثناءه رأوا رجلا عاريا ممسكا بدلو أطفىء النار، وعندما سأل المبعوث عن اليوم والساعة، وجد أن ذلك كان فى نفس الوقت الذى سكب فيه باسليوس المشروب من النافذة، فعاد وأبلغ القيصر الذى ازداد احترامه للأبله وبدأ يدعوه كثيرا الى القصر.

بعد مرور فترة من الوقت، حضر بعض مواطنى نوفجورود الى موسكو، ورأوا باسيليوس المبارك وعرفوا أن عينه الذى أطفأ النار فى مدينتهم، فأحاطوه بينما كان يهرب منهم، وبدأوا يخبرون الناس عما حدث ممجدين الله.

في زمن الظلم والبؤس في روسيا كانت طريقة حياة باسيليوس ملامةً حيّة للحكام الفاسدين وتعزية للشعب المقهور. كل تصرفاته المجنونة ظاهريا كان لها معنى وبعدٌ نبوي. وبأفعاله الغريبة، علم باسيليوس ناظريه أن يعيشوا فى حياة التقوى، وأرشدهم الى طريق الحق والخلاص، فمثلا رأى الكثير من سكان موسكو أنه فى سيره فى الشوارع كان يقبل بدموع أركان حوائط بعض البيوت، بينما عند بيوت أخرى كان يبتسم ويقذفها بالحجارة، وعند سؤل عن مغزى ذلك، كانت اجابته القائه حجارة على بعض البيوت: “انى أطرد الشياطين التى ليس لها مكان فى هذا البيت المقدس، كى أمنعهم أيضا أن يجدوا أى ملجأ ولا حتى خارج البيت”. أما عن تقبيله بدموع بعض الوائط البيوت الأخرى، فأجاب أنه يفعل ذلك لانه”: يحدث فيها أمور لا تليق بالمسيحين… لقد أخبرنا المخلص أن نصلى بلا انقطاع لئلا ندخل فى تجربة، وألا نستمتع بالأعمال الباطلة.. هذا البيت يطرد حراسه، أى الملائكة المعينين ليحرسونا منذ المعمودية المقدسة، لأنهم (أى الملائكة) لا يستطيعون أن يحتملوا السلوك الغير لائق، لذلك عندما لايجدون لهم مكانا فى هذه البيوت، يجلسون خارجها حزانى، فأحييهم بدموع، متوسلا اليهم أن يتشفعوا لأجل خلاص النفوس التى عينهم الرب لها”.

تنيح المبارك فى عام 1552م، عن 88 سنة، وبعد أن جاهد فى شوارع موسكو لمدة 72 سنة، وقبل نياحته بقليل سقط مرضا ورقد، فانتشرت سريعا أخبار مرضه فى موسكو كلها وبلغت مسامع القيصر الذى أسرع مع زوجته وولديه لزيارة رجل الله وطلبوا صلواته، وتنبأ باسيليوس لأصغر أولاده قائلا:” كل مثراث أجدادك سيكون لك وستكون وريث العرش” وهذا ما حدث فعلا فيما بعد.

ثم ظهر فرح غير عادى على وجه القديس، لانه كان يرى الملائكة قادمة لتأخذ روحه، وبسلام أسلم روحه الطاهرة فى يد الله، وامتلأت المدينة كلها من رائحة رفاته المقدسة.

تجمعت حشود ضخمة من الناس ليحضروا جنازة القديس، وكان منظرا مؤثرا للغاية، فقد حمل القيصر بنفسه ومعه بعض الأمراء جسد المبارك على أكتافهم، وهناك كان المطران والاكليروس يسبحون ويرنمون المزامير، وكان الناس يطلبون بدموع أن يصلى باسيليوس لأجلهم وشفى كثيرون بمجرد لمس جثمانه. ووضعت رفاته فى مقابر كنيسة الثالوث القدوس، وبنى القيصر ايفان كتدرائية عند قبره، وسماها كنيسة حماية الثيؤطوكوس.

لم تنته ذكرى المبارك بنياحته، بل أن شهرته ازدات جدا بسبب المعجزات التى كان الله يجريها من جسده.

تُعيد له الكنيسة في 2 آب.

Avsluta mobilversionen