Facebook
heyecan
Telgraf
Naber
PDF'ler
E-posta
☦︎
☦︎

10. الصدقة

1. “احترزوا من أن تصنعوا صدقتكُم قُدَّام الناس لكي ينتظرُوكُمْ” [مت 6: 1].

السيد الرب هنا يستأصل ما تبقَّى من أشد الشهوات طغيانًا، أي هياج وجنون المجد الباطل، والذي يتعمق في صدور من يصنعون خيرًا وصلاحًا. والمسيح لم يذكر هذا أبدًا في بداية حديثه، حتى لا يصبح كلامه من نافلة القول (زائد بلا لزوم)، وقبل أن يحثهم على فعل أيّ أمر يجب عليهم فعله، ليعلمهم كيف يمارسون العمل الصالح في حينه. لكن بعد أن قادهم إلى ضبط النفس، بدأ يتعامل بشكل سرِّي لإزالة وغسل ما علق بالنفس من أدوات. لأن هذا الداء لا يتولد هكذا فينا بشكل عشوائي، بل ينمو حينما نمارس العديد من الوصايا. لهذا كان من اللائق أولاً أن يزرع فينا الفضيلة، ثم يزيل الشهوة التي تحجب ثمار العمل الصالح فانظروا كيف بدأ:

لقد بدأ بالصوم والصلاة والصدقة؛ لأن الفضيلة تتأصل في ظل هذه الأعمال الصالحة. لهذا فإن الفريسي كان قد انتفخ وتكبر حين قال:

“أصومُ مرتينِ في الأسبوعِ؟ وأُعشرُ كُل ما اَقتنيهِ” (لو 18: 12). هكذا كان يمجد نفسه باطلاً أيضًا في صلاته – فجعلها صلاة للتباهي والتفاخر – وإذ لم يجد أحدًا من الحاضرين سوى العشَّار. أشار إليه قائلاً: “إني لستُ مثل باقي الناس… ولا مثل هذا العشَّار!” (لو 18: 11).

لاحظوا كيف بدأ السيد المسيح، كما لو كان يتكلم عن حيوان مفترس، من الصعب اصطياده، فهو حيوان ماكر يعرف كيف يخدع غير المتيقظين. هكذا يقول:

“احترزوا أن تصنعوا صدقتكم علانيةً” وهكذا يقول بولس الرسول لأهل فيلبي “احترزوا من الكلاب” (في 3: 2). ولقوله هذا سبب؛ فالشيطان يشبه حيوانًا شريرًا يأتينا خلسة دون جلبة، فيملأنا بالكبرياء ودون أن نلاحظ ينتزع ما بداخلنا. لهذا اهتم السيد المسيح جدًا أن يتحدث عن الصدقة كثيرًا. وأن يذكر أعمال الله “الذي يشرق على الأشرار والأبرار” (مت 5: 45). وكان يحثهم بكل شكل ويحضهم بكل دافع أن يكثروا من صدقاتهم. فينتهي حديثه وقد اِنتزع كل ما يعوق نمو شجرة الزيتون اليانعة ولنفس السبب يقول: “احترزوا من أن تصنعوا صدقتكم قدَّام الناس”. لأن هذا الذي سبق الحديث عنه هو “صدقة الله”.

2. وحين قال “ليس قدَّام الناس”، أضاف “لكي ينظروكم”.

ورغم ما قد يبدو أن ما قاله أولاً قد كرره ثانيًا. فإن من يمعن النظر يري أن الأمر ليس كذلك، بل يختلف ما قاله أولاً عما قيل مرةً ثانية، وأن ما قاله يوفر لنا الأمان كله، والرقة والاهتمام الفائقين للوصف. فالذي يقدم صدقاته أمام الناس قد لا يفعل ذلك لينظروه، وأيضًا قد لا يدفع آخر صدقته قدام الناس، ومع ذلك فإنه يفعل هذا لينظره الآخرون. لهذا فإن المشكلة ليست في طريقة تقديم الصدقة، بل في النية والتي بسببها ينال الإنسان عقاب أو مجازاة. وما لم تكن الصدقة بهذه الدقة، لأحجم كثيرون عن تقديمها. لأنه ليس من الممكن إعطاؤها سرًا في كل حالة. ولهذا فالرب يحرركم من هذا الالتزام، ويحدد العقاب والأجر. لا بسبب الفعل، بل بسبب نية الفاعل. وحتى لا تقول: ماذا؟ هل أكون الأسوأ إذا رآني أحد أتصدق؟ فإن الرب يقول لك “لا ليس الأمر كذلك، وليس هذا ما أقصده، بل إني أقصد الفكر الذي فيك، ومشاعرك المصاحبة للفعل”، لأن مشيئته أن يضع نفوسنا معًا في إطارها الصحيح وأن يخلصها من أيّ مرض يعتريها. وإذ يمنع الناس من أفعال التظاهر والعرض أمام الناس. وبعد أن أظهر لهم عقوبة هذا الفعل، وبطلانه، فإنه يثير نفوسهم مرة أخرى بأن يضعهم في فكر الآب وفكر السماء، فهو لا ينبههم بالخسارة فقط، بل يخزيهم بتفكرهم فيمن وهب لهم الكيان؛ إذ يقول لهم: “وإلا فليس لكم أجر عند أبيكم الذي في السماوات” (مت 6: 1). ولا يتوقف عند هذا الحد، بل يتقدم أيضًا مظهرًا دوافع أخرى تزيد من نفورهم. فمثلما تحدث عن العشَّارين والأمم مشبهًا الشخص الذي يحاكيهم بأنه شخص يحيا في خزي، هكذا أيضًا يتحدث عن المنافقين.

“فمتى صنعت صدقةً فلا تُصوت قُدَّامك بالبوقِ كما يفعل المراؤُون” [ع2].

ولا يقصد أن لديهم أبواقًا يصوتون بها، بل يعني إظهارهم على الملأ لشدة هياجهم. وهو يعبِّر عنها بلغة مجازية، قاصدًا أنهم يعرضون أنفسهم للجميع. ويسمِّيهم بالمرائين لأنهم يضعون قناع الرحمة، بينما روحهم هو روح القسوة المجرد من الإنسانية. لأنهم يتصدقون، ليس لأنهم يرثون لجيرانهم ويشفقون عليهم، بل ليستمتعوا هم أنفسهم بالصدقة على الآخرين. وهو عمل في منتهى القسوة. فيينما يهلك الآخر جوعًا، يطلبون هم المجد الباطل، ولا يضعون حدًا لمعاناته. إذن ليس المطلوب أن نعطي صدقة، بل المطلوب هو غاية هذا العطاء، وأن يكون إعطاؤها كما يليق.

وبعد أن سخر السيد الرب من هؤلاء الناس، وتعامل معهم بهذا الأسلوب، ليخجل السامع منهم، فإنه للمرة الثانية يعود ليقوِّم فكرهم المختل تمامًا. وبعد أن قال إنه لا ينبغي هكذا، يشير إلى ما يجب علينا فعله، فكيف إذن نصنع صدقتنا؟ يقول: “لا تُعرِّف شمالك ما تفعلُ يمينك” [ع3].

والمسيح لا يتحدث هنا بشكل مباشر عن الأيدي، بل بتعبير مجازي يقول: إن أمكن أن تجهل أنت نفسك ما تفعله، فلتسع إلى هذا الهدف في إعطاء الصدقة. فإن أمكن، احجب الصدقة حتى عن أيدي مقدمها. ولا يعني ذلك حسب زعم البعض أن تخفيها عن أصحاب الأفكار الخاطئة عن الصدقات، لأن الرب يوصي هنا أن نخفيها حتى عن أعين الكل.

فكروا في عظم المكافأة التي تنالونها، لأنه بعد حديثه عن عقاب سلوك ما، يشير أيضًا إلى كرامة سلوك آخر، وفي الحالتين يحثهم ويقودهم إلى دروس سامية. أجلّ، فهو يحضهم أن يعرفوا أن الله حاضر في كل مكان، وأن اهتماماتنا لا تنحصر في هذا الزمان الحاضر، بل إن محكمة رهيبة سوف تنعقد لنا هناك. فنعطي حسابًا عن كل أعمالنا، وكرامتنا، وعقوباتنا، ولن يخفي أحد أي شيء مهما كان عظيمًا أم حقيرًا، حتى وإن بدأ مخفيًا عن أعين جميع الناس. وهو يشير إلى كل هذا سرًا بقوله:

فأبوك الذي يرى في الخفاء هو يجازيك علانيةً” [ع4]. وإذ أعد لنفسه حشدًا عظيمًا ومهيبًا من السامعين الناظرين. وإذ يريد أن يضفي على الأمر مهابته الوفيرة يقول: ماذا ترغب؟ أليس أن يجتمع البعض ليشاهد ما يحدث؟ انظر إذن. أن لديك ها هنا بعضًا من هذا الجمع، ليس من الملائكة ولا رؤساء الملائكة، بل “الله إله الكل”. وإن أردت أن يكون لديك أُناسًا أيضًا كناظرين، فإنه لا يحرمك من رغبتك تلك، في حينه، بل يعدها لك وبوفرة كبيرة. لأنك إن أردت أن تتباهى الآن فسوف تتباهى لعشرة فقط أو عشرين، أو لنقل: مائة شخص، ولكن إن بذلت الآن بهذا جهدًا لتحجب شيئًا، فالله نفسه يظهرك آنذاك في حضور العالم كله.

لهذا وإن كان الناس يرون أعمالك الصالحة فاخفها الآن، حتى يراها الناس فيما بعد بكل كرامة، ويظهرها الله ويرفعها ويعلنها أمام الجميع. وإن كان الذي يراك الآن ويدينك بأنك تسعى وراء المجد الباطل، فإنه سيراك آنذاك مكللاً وبدون إدانة، ويعجب بك كل الناس. لهذا إن تريثت قليلاً نلت أجرك، وحصدت إعجاب الجميع، فأية حماقة أن تطرح نفسك بعيدًا عن كل هذا.

وإذ تطلب أجرك من الله وهو الذي ينظر إلى أعمالك، فيحشد أناسًا بعرض ما يجري وما سيكون. فلماذا يجب أن نتباهى. وإن كان لزامًا أن نفعل، فليكن افتخارنا هذا انطلاقًا من محبتنا التي للآب فيها كل الفضل والذي به وحده يجب أن نتباهى، خاصة ولأبينا السماوي المقدرة على أن يهبنا الأكاليل، أو أن ينزل بنا العقاب.

ودعوني أضيف، حتى لو لم تكن هناك عقوبة. فإنه لا يليق بمن يطلب مجدًا، يبرح مكان التباهي والتفاخر بالصلاح، كمن يعرض مشاهد في مسارح الناس. أما البائس والشقي فإن جاءه الملك ليرى أعماله سيدعه يذهب، ويجمع كل حشوده من الناظرين من بين المساكين والأشقياء والبؤساء والشحاذين.

لهذا يأمرنا بألا نتباهى أبدًا. وأن نجاهد لنخفي أعمالنا الصالحة، وألا نجاهد لنوال الشهرة من الناس، بل وأن نجتهد بالأوفر أن نختفي عن أنظار هؤلاء الناس.

11. الصلاة

3. ويقول: “ومتى صلَّيت، فلا تكن كالمرائين. فإنهم يُحبون أن يُصلوا قائمين في المجامع وفي زوايا الشوارع، لكي يظهروا للناس. الحق أقول لكم إنهم قد استوفوا أجرهم” [ع5].

وأما أنت فمتى صلَّيت، فادخل إلى مخدعك، وأغلق بابك وصّلِ إلى أبيك الذي في الخفاء” [ع6].

وهؤلاء أيضًا يدعوهم بالمرائين. لأنهم وهم يتظاهرون أنهم يصلَّون لله، يتطلعون حولهم بحثًا عن الناس، مرتدين لا ثوب التوسل بل ثوب السخف. لأن من يتوسل يتخلى عن كل شيء آخر، وينظر إلى هذا وحده، إلى الذي يملك القوة ليهبه مطلبه، ولكن إن ترك هذا الواحد، وراح يتجول ويزوغ بعينيه في كل مكان فإنه سوف يمضي صفر اليدين، لأن هذه هي إرادته.

ولم يقل السيد المسيح أن مثل هذا لن ينال أجرًا، بل قد “استوفاه”، بمعنى أنه ينال أجره من الذين هم أنفسهم يطلبون هذه الأجرة من الله والذي لا يريد ذلك، بل أن يهب الناس المجازاة التي تأتي من عنده هو وحده. لكنهم يطلبون ما في أيدي الناس، ومثل هذا لا يستحق بعد أن ينال شيئًا من الله. لأن الآخرين لن يفعلوا معهم شيئًا.

ولكن لاحظوا أرجوكم. أن محبة ورأفة الله هي في أنه يعدنا بأن يهبنا الأجر، حتى لأجل الأمور الصالحة التي نطلبها منه. لكنهم إذ يزدرون بها فلا يطلبون ما يجب وما ينبغي سواء من الموضع المناسب، أو بحسب ميولهم وتفكيرهم، يظهرون أنفسهم سخفاء جدًا، لهذا يقدم لنا السيد الرب أمثل الطرق للصلاة ومنها الأجر قائلاً:

ادخل إلى مخدعك، فما قولنا إذن ألا ينبغي علينا أن نصلي في الكنيسة؟ بلى. علينا في الحقيقة أن نصلي هناك دون أدنى شك. لكن بالروح الذي يتكلم عنه هنا. لأن الله يطلب في كل مكان قصد الجميع أن يتم ما يأمرهم به لأنه إن كنت وأنت في مخدعك وقد أغلقت بابك. فأنت تفعل ذلك للتباهي. فلن تنفعك الأبواب المغلقة بشيء، وهنا يجدر بنا أن ننتبه إلى ما يعنيه هذا التعريف بدقة، والذي ذكره حين قال:

“لكي يظهروا للناس”.

لهذا، حتى وإن أغلقت بابك، فإنه يطلب منك أن تفعل ذلك بشكل ملائم، فالمقصود ليس إغلاق الأبواب الخشبية، بل أبواب ذهنك. لأنه مثلما هو الحال في كل شيء آخر، أن تتحرر من المجد الباطل، فبالأخص يكون الحال في الصلاة، لأنه إن لم نفعل ذلك، يتشتت ذهننا ولا نركز ولا ننتبه إلى ما نقوله، فهل ندخل في هذا المرض أيضًا، وإن كنا نحن الذين نصلي لا ننتبه، فهل نتوقع من الله أن يفعل هكذا؟.

4. ورغم ذلك، فإن البعض رغم كل هذه التحذيرات الجادة، يسلكون بشكل غير لائق في الصلاة. حتى وإن أخفوا شخصهم، فهم يجعلون من أنفسهم ظاهرين للكل بارتفاع أصواتهم، إذ يصرخون دون لزوم، فيجعلون من ذواتهم موضع سخرية الآخرين؛ سواء بالإيماءات أو الأصوات. ألا تعلمون أنه إن جاءنا أحد في السوق وفعل هكذا وتوسل في ضجيج وإلحاح مستفز، نطرده حتى لو توسل إلينا. لكنه إن جاءنا في هدوء وبإيماءة لائقة وصحيحة، فإنه يكسب عطف من يتوسل ويحسن إليه. فلنصلِ لا بإيماءات الجسد وحركاته ولا بارتفاع أصواتنا، بل بجدية أذهاننا. لا في جلبة وضوضاء للتباهي أمام الناس القريبين منا، بل بكل هدوء وتواضع، وتركيز الذهن وبآذاننا الداخلية.

لكن هل أنتم متشتتو الذهن، ولا تقدرون على الكف عن الصراخ. صحيح أن المتألم ذهنيًا يفعل ذلك، وأن يصلي ويتوسل مثلما قلت. لكن موسى النبي أيضًا كان متألمًا وصلى بهدوء وتواضع فسمع الله له، ولهذا قال له الله: “ما لك تصرخ إليَّ” (خر 14: 15). وحَنَّة أيضًا لما كان صوتها غير مسموع، تحقق لها كل ما أرادت. “وإذ كان قلبها يصرخ” (1 صم 1: 13).

وهابيل لم يصلِّ وهو صامت بل وهو يحتضر! وصراخ دمه أقوى وأشد من صوت البوق (تك 4: 10). فهل تئنون أنتم أيضًا مثل هذا القديس. أرجو ألا يكون جوابكم بالنفي. ومثلما يأمرنا النبي: “مزقوا قلوبكم لا ثيابكم” (يؤ 2: 13). عليكم أن تصرخوا من الأعماق إلى الله، لأنه مكتوب: “من الأعماق، صرخت إليك يا رب” (مز 130: 10).

إذن من العمق من القلب اخرج صوتًا واجعل صلاتك سرية. ألا تعلمون أنه في قصر الملك الأرضي تسكن كل جلبة، ويرنو صمت في المكان العظيم. أنتم أيضًا، تصرَّفوا هكذا بلياقة عظيمة وأنتم تدخلون إلى قصر ليس على الأرض، بل هو مهيب أكثر، الذي هو في السماء. أجلّ، لأنكم منضمُّون إلى طغمات الملائكة ورؤساء الملائكة وتشتركون مع السيرافيم، وكل هذه الطغمات تُظهر نظامًا صالحًا جدًا، مرنمة في رعدة عظيمة ذلك اللحن السري (الصوفي) وترانيمها المقدسة لله ملك الجميع، فامتزجوا إذن مع هؤلاء حينما تصلون واقتدوا بترتيبهم السري.

لأنكم لا تصلون للناس بل إلى الله، الحاضر في كل مكان، الذي يسمع حتى قبل خروج الصوت، الذي يعرف أسرار ذهنكم. فإن صليتم هكذا، فما أعظم ما تنالونه من أجر، “فأبوك الذي يري في الخفاء هو يجازيك علانية” (مت 6: 6). ولم يقل “سيعطيك مجانًا” بل قال “سيجازيك” أجل، لأنه قد جعل نفسه مدينًا لك، وبهذا كرَّمك تكريمًا عظيمًا. فلأنه هو نفسه غير منظور، سيجعل صلاتك هكذا تكون أيضًا.

5. ثم يذكر محتوى الصلاة نفسها بقوله:

حينما تصلّون لا تُكرروا الكلام باطلاً كالأممِ” [ع7]. رأيتم أنه حينما تحدث عن الصدقة، أزال العائق الذي يسبب المجد الباطل. ولم يضف شيئًا آخر، ولا قال حتى متى يجب أن يعطي الإنسان صدقة. هل من عمل شريف، وليس من السلب أو الجشع؟ لأن هذا أمر مسلَّم به بين الجميع، وقد أوضح وبمنتهى الدقة هذا الأمر، حين طوَّب “الجياع لأجل البرّ”. أما فيما يخص الصلاة، فقد أضاف شيئًا أكثر:

“لا تُكرروا الكلام باطلاً” ومثلما يوبخ المرائين هناك. هكذا أيضًا هنا يوبخ الأمم، مخجِّلاً السامع بسبب تفاهة الأشخاص؟، لأنه منذ ذاك الزمان وحتى الآن تحدث أمور مؤلمة ومزعجة – أعني ظهورنا متشبهين بالمرفوضين من الناس – وبهذا الوصف، ينصح بالعدول عن ذلك الأمر، ويسمى تلك التفاهة “بالتكرار الباطل” مثلما نطلب من الله أشياءً غير لائقة وممالك ومجدًا، وتفوقًا على الأعداء لقهرهم، ووفرة في الغنى والثروة، وعمومًا نطلب منه ما لا يهمنا.

إذ يقول الرب “فهو يعلم ما تحتاجون إليه” [ع8]. ويبدو لي أنه يأمرنا هنا ألا نطيل الصلاة، لا في الوقت، وفي عدد وطول الأشياء المطلوبة والمذكورة، لأن واجبنا حقًا هو المثابرة على الطلبة نفسها، إذ أن كلمته هي “مواظبين على الصلاة” (رو 12: 12). والسيد المسيح نفسه قد شرع أن نتضرع إليه بشكل متواصل، وذلك على مثال الأرملة اللحوح التي توسلت إلى القاضي القاسي القلب العديم الرحمة فغلبته بمداومتها على التوسل والطلبة (لو 18: 1). وعلى غرار الصديق الذي أتى متأخرًا ليلاً وأيقظ النائم من فراشه (لو 11: 5)، لا من أجل صداقته بل لأجل الإلحاح عليه.

فالرب لا يأمرنا في أيّ حال أن نؤلف صلاة من عشرة آلاف عبارة مطولة، ونأتي إليه لمجرد تلاوتها أمامه، لأن ذلك هو ما أشار إليه خفية بقوله “إنهم يظنون أنه بكثرة كلامهم يُستجاب لهم” (لو 6: 7). ويقول: “لأن الآب يعلم ما تحتاجون إليه”.

ورُب سائلٍ: ” فإن كان يعلم احتياجاتنا فما ضرورة الصلاة إذن؟

نحن لا نصلي لكي نرشده، بل لكي نتواصل معه، وأن نكون في علاقة حميمة معه، بالمواظبة على التضرع، لنصير متواضعين ونتذكر خطايانا الشخصية.

12. الصلاة الربانية

6. “فصلوا أنتم هكذا: أبانا الذي في السماوات” [ع9].

هل ترون كيف يلهب الرب قلب السامع مباشرة، ويذكِّره بكل بركات الله الوفيرة منذ البداية. لأن الذي يدعو الله بالآب، (الجمل بعدها غير مرتبطة) ففي هذا الاسم الوحيد ينعم بغفران خطاياه، ورفع العقوبة والبرّ والتقديس والفداء والتبني والميراث، وأخوة الوحيد الجنس وهبة الروح القدس.

لأن الإنسان لا يمكنه أن يدعو الله أبًا ما لم يكن قد اعتاد على نوال هذه البركات. لهذا يضاعف فيهم إيقاظ الروح والإحساس بكرامته التي يدعو إليها من جهة، ولعظم المنافع التي يتمتعون بها من جهة أخرى.

لكنه حين يقول “في السماوات” لا يقول ذلك وكأنه يغلق على الله هناك، بل ليرفع من يصلي من مستوى الأرض إلى فوق، ليثبته في الأعالي وفي المساكن الفوقانية. وحتى يعلمنا أكثر من ذلك، ليجعل صلاتنا عامة نيابة عن إخوتنا أيضًا. لأنه لم يقل: “أبي الذي في السماوات” بل “أبانا” رافعًا توسلاته نيابة عن الجميع، غير مهتم بطلباته هو فقط، بل بخير جاره في كل مكان. وبهذا ينتزع الكراهية على الفور ويستأصل الكبرياء ويطرح الحسد بعيدًا عنه؛ إذ يستحضر أم كل الصالحات (أسلوب مخطوطات قديمة)- أعني المحبة – ويقضي على الفوارق بين الناس. مظهرًا كيف يتساوى الملك والفقير، على الأقل في الأمور الأعظم التي لا غنى عنها، والتي تخصنا كلنا. لأنه أيّ ضرر يلحق بنا من أنسبائنا الأدنى. إن تساوينا معًا في الأعالي وترابطنا سويا، حيث لا أحد يملك أكثر من غيره، ولا الغني أفضل من الفقير، ولا السيد أحسن من الخادم، ولا الحاكم أفضل من الرعية، ولا الملك أكرم من الجندي البسيط. ولا الفيلسوف أشرف من الهمجي. ولا الماهر متميز عن الجاهل، لأن الله أعطى الجميع نفس السمو الواحد، لأنه تنازل ليدعوه الجميع “أبانا”.

7. وحينما يذكِّرنا بهذا الشرف وبالعطية التي من فوق، وبمساواتنا لإخوتنا وبالمحبة، وحينما أبعدنا عن الأرض ورفعنا وأقامنا في السماء، فلنر ما الذي يوصي به لنفعل به. وليكون ما يأمرنا به في المقام الأول كافيًا ليرشدنا إلى كل الصالحات.

لأن من يدعو الله “أباه” وأبًا للكل تتوفر لديه دالة الحديث معه. وليس كمن يظهر غير مستحق لهذا الشرف. وأن يبدي اجتهادًا ملحوظًا يتناسب مع العطية التي أخذها. ومع ذلك فالرب لا يكتفي بهذا، بل يضيف أيضًا عبارة أخرى: “ليتقدس اسمك”.

فجدير بمن يدعو الله أبًا أن يصلي لا ليطب شيئًا وهو في حضرة مجد أبيه، بل أن يحسب كل الأشياء ثانوية بالنسبة لتسبيحه. لأن كلمة “يتقدس” تعني “يتمجد” لأن مجد الله الشخصي مجد كامل، ويدوم إلى الأبد هكذا. لكنه يأمر من يصلي إليه أن يطلب منه أن يتمجد أيضًا بحياتنا. ونفس الأمر قاله قبلاً:

“فليضئ نوركم قدام الناس، فيرى الناس أعمالكم الصالحة فيمجدوا أباكم الذي في السماوات” (مت 5: 16). أجل، والسيرافيم أيضًا يمجدونه قائلين “قدوس قدوس قدوس” (إش 6: 3 مع رؤ 4: 8)، وكلمة “يتقدس” تعني “يتمجد” كما قلنا، أيّ “يمنح ويهب” كما يقول: “حتى نحيا هكذا بكل طهارة ومن خلالنا يمجدك الكل”. وهو نفس الأمر الذي يتعلق بضبط النفس، لنقدم للكل حياة بلا لوم، حتى أن كل من يراها يسبح الرب بالتسبيح اللائق به.

“وليأتِ ملكوتك” [ع10].

هذه أيضًا لغة ابن مستقيم الرأي، لا تأسره أمور الزمان الحاضر المنظورة، ولا يحسب الأشياء المنظورة أعظم، بل يسرع إلى أبينا الآب، مشتاقًا إلى الأمور العتيدة. وينبع هذا من ضمير صالح، وتتحرر النفس من الأرضيات، وهذا ما كان يشتاق إليه كل يوم. ولهذا قال:

“نحن الذين لنا باكورة الروح، نحن أنفسنا أيضًا نئن في أنفسنا متوقعين التبنِّي فداء أجسادنا” (رو 8: 23).

ومثل هذا الإنسان الذي له هذا الاشتياق، لا ينتفخ بأمور العالم الحاضر ولا تغلبه أحزانه، بل كمن يعيش في السماوات ذاتها، يتحرر من كل اضطراب “لتكن مشيئتك. كما في السماء كذلك على الأرض” [ع10].

تأملوا تسلسل الأفكار السامية للغاية، إذ يأمرنا أن نشتاق إلى الأمور العتيدة، مسرعين إلى هذه الإقامة. وإلى أن يتم ذلك، وبينما نحن مستقرون هنا، نجتهد بالأكثر أن نسلك في نفس السيرة عينها التي يحياها السمائيون. إذ يقول الرب، أن عليك أن تشتاق إلى السماء، وأمورها حتى قبل أن تصل إلى السماء. وإذ (و بدون إذ أو وقد) أمرنا أن نُصيِّر الأرض سماءً، وأن نقول وأن نفعل كل شيء حتى ونحن مستمرون هنا – وكأن لنا سيرة هناك – مثلما يصبح الآخرون أيضًا موضوع صلاتنا للرب. لأنه ما من شيء يعوق بلوغنا كما القوات العلوية، ونحن مستوطنون في الأرض، لكن حتى ونحن مقيمون هنا، من الممكن أن نفعل كل شيء وكأننا مقيمون في العالي. وكأن الرب يقول: كل الأشياء تتم دون ما إعاقة، ولا يكون الملائكة طائعين جزئيًا أو عصاة جزئيًا، بل في كل شيء يخضعون ويطيعون. لأن الكتاب يقول:

“ملائكته المقتدرون قوة، الفاعلون أمره” (قابل حز 20: 103). هكذا يا رب اعطنا نحن البشر ألا نصنع مشيئتك جزئيًا، بل أن نصنع كل شيء كمشيئتك.

أرأيتم كيف يعلمنا أيضًا أن نكون متواضعين، موضحًا أن الفضيلة ليست من جرّاء سعينا نحن، بل أيضًا بفضل النعمة التي من فوق. وقد أمر كل واحد من الذين يصلّون أن يأخذ على عاتقه مسئولية العالم كله.

لأنه لم يقل أبدًا “لتكن مشيئتك” فيَّ أو فينا، بل في كل مكان على الأرض. بحيث يزول الضلال، وينزرع الحق، ويستأصل الشر من جذوره، وتعود الفضيلة. فلا يصير هناك فرق بين السماء والأرض، حتى وإن كان هناك فاصل بينهما في الطبيعة، فإن الأرض تبقى لنا بعد طغمة أخرى من الملائكة.

8. “خبزنا كفافنا، أعطنا اليوم” [ع11].

ما هو خبزنا كفافنا أو خبزنا اليومي أو خبزنا يومًا فيومًا؟ (حرفيًا). أيّ خبز يكفينا يومًا واحدًا. لأنه إذ قال: “لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض”، لكن إذ كان يخاطب بشرًا جسدانين خاضعين لضروريات الطبيعة الجسدية، وعاجزين عن التمثل بالملائكة في إدراك عدم التألم (الهوى) والشهوات. وهو يضع الوصايا لننفذها نحن أيضًا، مثلما ينفذونها هم أيضًا. لكنه إذ يعرف ضعف طبيعتنا، فيعلمنا أن نصلي لأجل حاجات الجسد. وكأنه يقول:

أنا أطالبكم بأمر عظيم، هو كمال السلوك، لكن لا يخلو هذا الأمر من الأهواء والشهوات الطبيعية، والتي يفرضها سلطان الطبيعة الجسدانية؛ إذ نحتاج إلى الطعام الضروري. لكن تأملوا أرجوكم، أنه حتى في الأمور الجسدية، فإن الروحانيات هي الأبقى. والسيد الرب لم يأمرنا لأجل وفرة الثروات ولا الحياة المرفهة الناعمة، ولا الثياب الغالية الثمن، ولا لأجل أيّ شيء آخر مشابه، بل لأجل الخبز وحده، قد أمرنا بالصلاة. ولأجل “خبزنا اليومي” أيّ الخبز الذي يكفينا يومًا واحدًا.

ولم يكتف بهذا التعبير، بل أضاف شيئًا آخر قائلاً: “اعطنا اليوم”.

حتى لا نرهق أنفسنا بالاهتمام باليوم التالي الذي يلي “هذا اليوم”، لأن هذا “اليوم” لا نعلم ما يسبقه من زمن، ولا نعرف ما الذي فيه، فلماذا نخضع لهمومه؟

وإذ يستمر في الصلاة يقول بصورة أكمل: “لا تفكروا في الغد”، لأنه يريدنا أن نكون غير مثقلين على الدوام ولا أصحاب أجنحة نطير بها، بل أن نحصل فقط على ما تحتاجه الطبيعة الجسدية من ضروريات لازمة.

9. وفيم يختص بما قد يحدث، حين نخطئ بعد أن اغتسلنا للتجديد، يُظهر محبته للإنسان ليصير عظيمًا، حتى وهو في حال الخطية. فيأمرنا أن نصلي لله لأجل غفران خطايانا لأنه محب للبشر، لهذا يقول:

“واغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا” [ع12]. فهل تدركون مقدار رحمته الفائقة لكل الحدود. فبعد أن اِنتزع شرورًا هذا مقدارها، وبعد عظَّم عطاياه التي لا يُنطق بها. فإن الناس إن أخطأوا مرة أخرى، يحسبهم مستحقين للغفران. وهذه الصلاة خاصة بالمؤمنين. وهذا ما نراه في قوانين الكنيسة، ومن بداية الصلاة: لأن غير المعمدين لا يستطيعون أن ينادوا الله بلقب “أبانا”. فإن كانت الصلاة تخص المؤمنين وهم يصلّون متضرعين أن يغفر الله لهم خطاياهم، فمن الواضح أنه حتى بعد غسل المعمودية “الروحي” تبقى حاجتنا الشديدة إلى انتفاعنا بالتوبة. لأنه لو لم يكن يعني ذلك، لما وضع قانونًا للصلاة التي يجب أن نصليها. ومن يأمرنا بتذكر خطايانا، ويطالبنا أن نسأله الغفران، ويعلمنا كيف علينا أن ننال الصفح ليسهل علينا الطريق، يكون من الواضح تمامًا أنه قد وضع هذه القاعدة للتضرع، وهو يعلم ويؤكد أنه من الممكن حتى بعد جرن المعمودية، أن نغسل أنفسنا من ذنوبنا بتذكرنا لخطايانا. حاشا إيانا أن نكون متواضعين، بأمره لنا أن نغفر خطايا الآخرين، ليحررنا من كل شهوة للانتقام. ويعدنا في المقابل بأن يغفر هو لنا نحن أيضًا خطايانا. واضعًا أمامنا هذا الرجاء الصالح، وليعلمنا أن تكون آراؤنا سامية حيال رحمة الله الواسعة التي لا يُنطق بها من نحو الإنسان.

لكن أكثر ما يجب علينا ملاحظته هو أن الرب في كل عبارة كان يذكر الفضيلة بأكملها، وبهذه الطريقة يذكر الصفح عن الجراح؛ لأن عبارة “ليتقدس اسمك” هي إتمام سيرة كاملة، وعبارة “لتكن مشيئتك” تؤكد نفس الأمر أيضًا. وحال كوننا نقدر أن ندعو الله بأبينا، فإنها مهمة حياة بلا لوم، وفي كل هذه الأمور المدركة هناك أيضًا واجب غفران خطايا الآخرين، وحجب غضبنا عن الذين أذنبوا في حقنا.

وحتى الآن لا يزال المسيح يريد منا المزيد، وحتى يشير إلى مدى جدية الأمر، يذكره بوجه خاص هنا – وبعد الصلاة – لا يذكر وصية أخرى سوى تلك قائلاً:

إنْ غفرتُم للناسِ زلاتهم، يغفرْ لكم أيضًا أبوكُم السماويُّ” [ع14]

إذن نحن الذين نبدأ. ونحن الذين نملك مسار الدينونة التي نجلبها على أنفسنا. لأنه حتى لا يشتكي أحد من بين الذين لا مشاعر لهم، مهما كانت شكواه عظيمة أم قليلة، إذا ما وقف يوم الدينونة ليشكو ضدكم أنتم الذين ستعطون حسابًا، فقد جعل الرب الحكم يتوقف عليكم أنتم، بقوله: مهما حكمتم على أنفسكم، فإنه بنفس القدر إن غفرتم للناس سوف تنالون نفس الغفران مني، حتى وإن لم تكن هناك مساواة بينكم، لأنكم تغفرون لحاجة لديكم، لكن الله لا يغفر لاحتياجه لأحد. وأنتم تغفرون لبشر مثلكم، أما الله فيغفر لعبيده، وأنتم معرضون لاتهامات بلا حصر، أما الله فهو بلا خطيئة. ولكن حتى والحال هكذا، يُظهر الله رأفات محبته للإنسان. لكن الله حتى وإن لم تغفروا للناس، فهو قادر أن يغفر لكم كل خطاياكم، لكنه يريد لكم النفع، معطيًا لكم في كل وقت فرصًا بغير حصر توفر لكم رأفته ومحبته، ليطرح عنكم كل مشاعر متدنية، فيطفئ فيكم جذوة الغضب، ويثبتكم فيه كأعضائه الأخصاء، وذلك بكل السبل.

لأنه ما قولك، هل احتملت بعض الضيق من جارك؟ (لأن تلك فقط هي التعديات، فالفعل إن تم بعدلٍ ليس تعديًا). لكنكم أنتم أيضًا تقتربون من نوال الغفران بسبب هذه الأمور ولأجل أمور أخرى أعظم. وحتى قبل نوال الغفران، قد نلتم عطية كبيرة، إذ تعلمتم أن تكون لكم نفس بشرية، وثورتم على كل أعمال الرأفة. وهنا أيضًا أجر عظيم معد لكم، أن لا يحسب الله لكم أخطاءكم. فأيّ عقاب لا نستحقه أننا بعد أن نلنا هذه الميزة نخون خلاصنا؟ وكيف نزعم أن طلباتنا مسموعة لدى الله، في أمور حياتنا. ونحن لا نحافظ على نفوسنا في أمور تخصنا.

10. “ولا تدخلنا في تجربة، لكن نجنا من الشرير. لأن لك الملك والمجد إلى الأبد. آمين” [ع13]. هنا يعلمنا الرب بكل وضوح مدى تفاهتنا ويقمع كبرياءنا، ويرشدنا أن نستنكر كل صراعاتنا وننبذها بدلاً من اندفاعنا إليها. لأنه هكذا تصير نصرتنا أكثر مجدًا، وتزداد هزائم الشيطان. أعني، أنه ينبغي أن نصمد في نبل إذا ما تم سحبنا أو جرنا. وإذا لم يستدعنا أحد أن نبقى في هدوء وسكينة منتظرين قدوم الصراع، فإن أتى، نُظهر للناس تحررنا من المجد الباطل وتمتعنا بنبل الروح.

والرب هنا يدعو الشيطان “بالشرير” فيأمرنا أن نشن عليه حربًا بلا هوادة. وقائلاً لنا ضمنا أن الشيطان لم يكن هكذا بالطبيعة، لأن الشر ليس من الأمور الطبيعية، بل هو من صنعنا نحن وباختيارنا، وقد دُعي الشيطان هكذا، باعتباره متميزًا في الشر الزائد جدًا فيه، ولأننا إذا قاومناه أو ألحقنا به ضررًا، شنَّ علينا حربًا ضروسًا. لهذا لم يقل الرب: “نجنا من الأشرار” بل “من الشرير”، معلمًا إيانا ألا نثير المتاعب مع جيراننا، لأنه مهما عانينا من قلاقل على أيديهم، علينا أن نوجه عداوتنا للشيطان وحده، فهو أصل كل آثامنا. وإذ يجعلنا مترقبين متحفزين لما قبل الصراع بأن يركز فكرنا في العدو الحقيقي، مستأصلين من داخلنا كل تراخٍ، ويعود فيشجعنا ويرفع من أرواحنا، بأن يذكِّرنا بالملك الذي يرأس صفوفنا، فيصفه أنه أقوى من الجميع، إذ يقول: “لأن لك الملك والقوة والمجد”.

ونفهم من ذلك، أن الله هو صاحب المُلك (الملكوت). وأننا يجب ألا نخشى أحدًا، لأنه لا أحد يقوى أو يحتمل أن يقسِّم المملكة في داخله. لأنه حين يقول: “لك الملك” فإنه يضع أمامنا من يثير الحرب علينا، ليخضعه لنا. حتى وإن بدا معارضًا لنا. فإن الله يسمح بذلك لفترة. لأن الشيطان أيضًا من عبيد الله رغم أنه من رتبة متدنية جدًا، ومن المذنبين بالمعصية، ولا يجرؤ أن يقاوم أيًا من العبيد رفقائه، إن لم يسمح له الله من فوق. ولماذا أقول “العبيد رفقاؤه” فهو لا يثير هياجه مثلاً ضد الخنازير، إن لم يسمح الرب له (قابل لو 8: 32). ولا ضد قطعان الماشية ولا الأغنام، حتى يأخذ السماح من أعلى (أي 1: 12).

ويقول الرب: “ولك القوة” فمهما كانت ضعفاتك ومهما كثرت، عليك أن تثق تمامًا أن لك واحدًا يحكمك قادرًا أن يفعل كل شيء وبمنتهى اليسر لأجلك.

“لك المجد إلى الأبد. آمين”

هكذا فإنه لا يحررك من الأخطار المحدقة بك فقط، بل يقدر أن يمجدك أيضًا ويجعلك مكرمًا. لأنه مثلما أن قوته عظيمة، هكذا أيضًا مجده هو مجد لا يُنطق به وبلا حدود، ولا نهاية.

هل ترون كيف أنه يكلل بطله المظفر بكل السبل ويعده ليمتلئ.

11. ومثلما قلت قبلاً، إنه من بين كل شيء، فإنه يكره جدًا كل من يحمل في قلبه خبثًا، ويقبل جدًا كل من يقبل الفضيلة المضادة لهذه الرذيلة. فبعد الصلاة يضع في فكرنا نفس الصلاح من خلال ما يظهره من عقاب وأجر خاص، ليحث السامع على طاعة الوصية. إذ يقول “فإنه إن غفرتُم للناس زلاتهم، يغفر لكُم أيضًا أبوكُم السماوي.ُّ وإن لم تغفُروا للناس زلاتهم، لا يغفر لكم أبوكُم أيضًا زلاتكُم” [ع14-15].

هنا أيضًا، وبهذا المفهوم يذكر الرب كلاً من السماء ويذكر أبانا، ليخجل السامعين، فيرى السامع أنه من بين كل الناس ورغم أن له مثل هذا الآب، يتحول إلى وحش كاسر، بدلاً من أن يجمع كل أفكاره إلى السماء، لكنه يتفكر في الأرضيات وفي أمور العقل العادية. فنحن لا نصير أولاده بالنعمة فقط، بل وبأعمالنا أيضًا.

ولا شيء يجعلنا مثل الله، كاستعدادنا أن نغفر للأشرار وفاعلي الإثم. مثلما علَّمنا هو قبلاً حينما تكلم قائلاً إن “شمسه تشرق على الأشرار والصالحين” (مت 5: 45)، ولهذا السبب عينه، نجده في كل عبارة يأمرنا ويوصينا أن نجعل صلاتنا عامة لأجل الجميع قائلاً: “أبانا”، و”لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض”، و”خبزنا كفافنا أعطنا”، و”اغفر لنا ذنوبنا ولا تدخلنا في تجربة”، و”نجنا”. وفي كل مرة يأمرنا أن نستخدم صيغة الجمع هذه، حتى لا نضمر لأحد ولو أدنى إحساس بالغضب. فكم عقابًا يكون أشد ليستحقه أولئك الذين بعد هذا كله لا يعرفون الغفران أبدًا، بل يسألون الله الانتقام من أعدائهم، وبكل ما تحمله الكلمة من معان، يتعدون على الناموس، وبينما يحث الرب الجميع ويشجعهم على أن نمنع أنفسنا من الصراع الواحد مع الآخر.

وإذ المحبة هي أصل كل صلاح، فإنه يبعد عنها كل ما يمكن إعاقتها فيجمعنا معًا، ويثبتنا سويًا الواحد مع الآخر. لأنه ما من واحد، وأقول ما من أحد، أبًا كان أم أمًا أم صديقًا أو مهما كان، قد أحبنا مثل الله الذي خلقنا.

وفوق هذا كله، فإن خيراته اليومية لنا ووصاياه لنفعنا قد جعلها ظاهرة لنا، لكن إن كنت تخبرني عن الآلام والأحزان، وشرور الحياة ففكر في كمّ الآثام التي تُسيء بها إليه كل يوم. ولن تتعجب، مهما حلت بك شرور أكثر من هذه، لكن إن كنت تنعم بأي صلاح، فإنك ستتعجب وتندهش.

لكن والحالة هكذا، فإننا نفكر فيما يأتي علينا من كوراث، لكن ما نفعله من آثام كل يوم لا نفكر فيها ولا نُعيرها اهتمامًا. لهذا نحن نتحير، لأننا إن كنا نحاسب أنفسنا بشدة كل يوم على خطايانا، أو حتى ليوم واحد فقط، لأدركنا كم من الشرور التي نتعرض لها. وإن اعترفنا بآثامنا، كل واحد بنفسه، وإن تحدثنا عما ارتكبناه هذا اليوم – رغم أنني بالطبع لا أعرف ما الذي أخطأ به كل واحد منا – فإنه ورغم كل ذلك، تبدو هذه هي آثامنا الكثيرة التي لا يمكن حتى لمن يعرضها أن يحصي عددها.

فمثلاً، أيّ واحد منا لا يبدو مهملاً في صلواته؟ أيّ واحد منا لم يكن مزدريًا بالنعمة، أو ساعيًا إلى المجد الباطل؟ من منا لم يتكلم بالشر على أخيه؟ أو لم يشته شهوة شريرة؟ أو لم ينظر بعينين دنستين؟ أو لم يتذكر أشياءً بمشاعر عدائية؟ أو حتى لم يرتفع قلبه؟.

وإن كنا ونحن في الكنيسة وفي وقت قصير نذنب بشرور هكذا كثيرة، فماذا يكون حالنا بعد خروجنا من هناك؟، فإن كانت الأمواج عالية في الميناء، فماذا إذا خرجنا إلى روافد الشر؟ أعني إلى معترك الحياة، وإلى أعمالنا العامة، وإلى اهتماماتنا في البيت، فهل نقدر حقًا أن ندرك ذواتنا من جديد؟

ولكن ومن بين كل خطايانا الكثيرة والخطيرة، قد أعطانا الله وسيلة سهلة وقصيرة للنجاة وخالية من أية مشقة. لأنه أية مشقة نجدها في غفران خطايا من أساء إلينا؟ لا شيء بل المشقة ألا نغفر بل نظل محتفظين بالعداوة، لكننا حين نتخلص من الغضب، ننتعش كثيرًا، ويصبح سهلاً على من يريد الغفران أن يغفر. لأنه ما من بحر نعبره، ولا رحلة طويلة نقطعها، ولا قمم جبال نتسلقها، ولا أموال ننفقها، ولا حاجة أن نعذب أجسادنا، بل يكفي فقط أن نريد، وحينئذٍ تُمحى كل الخطايا.

لكن إن كنت بعيدًا عن غفران خطية جارك كل البعد، بل تتضرع إلى الله ضده، فأي رجاء بالخلاص يكون لك. إن كنت في كل مرة حين ينبض عليك الانتفاع بسَكينة قلب الله، تراك تستفزه! واضعًا زي المتوسلين، بينما تصرخ بصوت حيوان مفترس، قاذفًا نفسك بكل أوجاع الشرير. لهذا السبب، فإن القديس بولس أيضًا، حين يذكر الصلاة، لا يطلب شيئًا آخر سوى حفظ هذه الوصية، إذ يقول:

“رافعين أيادي طاهرة، بدون غضب ولا جدال (شك)” (1 تى 2: 8)، فإن كنت وأنت المحتاج إلى الرحمة، تطلق العنان لغضبك، بدلاً من ضبطه بالأحرى. ورغم أنك تعلم أنك تطعن نفسك بسيف، فهل يمكن لك أن تصبح رحيمًا وأنت تنفث سموم الشر؟

لكن إن كنت لم تبلغ بعد هذه الثورة من الغضب بكل حدته، افترض أنه يحدث بين الناس، وحينئذ ستدرك مدى التحقير الزائد هكذا: هل يقترب إلينا أحد كإنسان طالبًا الرحمة، وبينما هو يرقد على الأرض، يرى عدوًا، فيغادر متوسلاً إليك ويبدأ في ضربه، وألا تغضب أنت منه بالأكثر؟

فكر أن يكون هذا هو وضع الله أيضًا، فأنت أيضًا وبينما تتوسل إلى الله وتتضرع، تنصرف لتضرب عدوك بكلماتك فتهين نواميس الله، الذي وضع ناموس تخليك عن كل مشاعر الغضب. بينما أنت في صراع مع الذين أغاظوك، فتطالب الله بمخالفة وصاياه. ولا يكفيك انتقامًا أنك تتعدى على ناموس الله، بل تطالبه أن يفعل هو ذلك أيضًا؟ ما هذا؟ هل نسي الله ما أوصى به؟ ما هذا؟ هل الذي أوصى بهذه الأقوال إنسان؟ إنه الله، الذي يعرف كل شيء والذي يشاء أن نحفظ وصاياه بكل دقة، والذي حاشا له أن يفعل ما نفعله. وما نريده أن يفعل، بل يحاسبك أنت القائل بهذه الأمور، فقط لمجرد أنك تقولها في انحراف وكراهية، فينزل بك أشد العقوبة. فكيف إذن تسعى أن تنال منه أشياءً يمنعك هو بشدة أن تفعلها؟

ومع هذا، فإن هناك من بلغوا هذه الدرجة من الوحشية والبهيمية، فلا يكتفون بالتشفع ضد أعدائهم بل أن يلعنوا أولادهم، وينهشوا لحمهم إن استطاعوا بل هم ينهشونها فعلاً.

فلا تقل لي إنك لم تغرس أسنانك في جسد من أغاظك. وإن كنت قد قلت ذلك على الأقل فيما يخصك، فأي شيء أخطر من ذلك الفعل، أن تزعم أن غضبًا قد حل به من فوق. فإنه لابد أن يُسلَّم لعقاب أبدي! وأن يُفنى هو وكل بيته. لماذا؟ وأيّ ألم أشد إيلامًا من هذه القضمات؟ وما أشدها من أسلحة مرة؟ والمسيح لم يرشدك إلى هذا ولم يوصيك أن تخضب دمك بالدماء. كلاً. فالأفواه التي تُدمي بأجساد الناس قد لا تصدم مثل ألسنة تنهش في الآخرين. كيف ستُحيي أخاك إذن؟ وكيف ستلمس الذبيحة؟ كيف تتذوق(تأخذ) دم الرب، وقد امتلأ فكرك بكل هذا السم؟

لأنك حين تصرخ: مزقه إربًا ودمر بيته وحطم كل حاله. وحين تدعو عليه بميتات بلا حصر، فأنت لا تقل شيئًا عن قاتلٍ، ولا تختلف كثيرًا عن وحش كاسر يفترس الناس.

فلنكف إذن عن هذا المرض والجنون، ولنُظهر لمن أغاظونا رأفة أوصانا بها المسيح. لنصبح مثل “أبينا الذي في السماوات” وحينئذ سنكف عن الشر، إن تذكرنا خطايانا. وإن فحصنا بجدية كل أفعالنا السيئة، في البيت أو خارجه، وفي السوق وفي الكنيسة.

12. فإن لم يكن لأي شيء، فعلى الأقل بسبب احتقارنا لأنفسنا فعلاً، نستحق أن يقع علينا أشد العقاب، لأنه حين كان الأنبياء يرنمون والرسل يرتلون الأناشيد والله يتكلم، كنا نحن نضل بعيدًا، ونجلب على أنفسنا ضيقات العالم، ولا نراعي وصايا ونواميس الله، جالسين في هدوء – مثلما ينصت المشاهدون في المسارح لرسائل الإمبراطور في صمت وهدوء – لأنه حينما تتلى هذه الرسائل هناك، والولاة حاضرون مع المحافظين، ورجال مجلس الشيوخ، والشعب وقوفًا في صمت مطْبق أمام الكلمات، فإن قفز أحد فجأة وسط هذا السكون الشديد وصرخ فإنه يلقى أشد العقاب؛ إذ أهان الإمبراطور، لكن هنا، فإن الرسائل قادمة من السماء، وبينما تتلى تسود فوضى في كل مكان، مع أن مرسل هذه الرسائل أعظم بما لا يقاس من ملكنا الأرضي، والحشد المجتمع أكثر وقارًا، فالحاضرون ليسوا من الناس فقط، بل من الملائكة أيضًا، والرسائل تنقِل إلينا أخبار الانتصارات، والأخبار السارة التي تثير فينا رهبة أكثر من أمور الأرض. لهذا لا يحتشد الناس فقط، بل الملائكة ورؤساء الملائكة وكل شعوب السماء وكل سكان الأرض يُؤمَرون بالتسبيح، كالمكتوب: “باركُوا الربَّ يا جميع أعماله” (مز 103: 22).

أجل، فإن أعمال الرب ليست بالإنجازات الهينة، بل هي تفوق كل حديث، وكل فكر، وكل فهم للإنسان.

وهذه الأعمال يعلنها الأنبياء كل يوم، كل منهم بطريقة مختلفة، كارزين بهذه النصرة المجيدة. إذ يقول أحدهم: “ارتفعت في الأعالي. جعلت الأسر أسيرًا، وقبلت من الناس عطايا” (مز 18: 8 س). وأيضًا: “الربُّ قديرُ وجبارُ في القتالِ” (مز 24: 8). ويقول آخر: “هو يقسمُ غنائم القوي” (إش 53: 12 س). لأنه حقًا جاء لهذه الغاية. أن “ينادي للمسبيين بالعُتق، وللمأسُورين بالإطلاق، وللعُمي بالبصر” (إش 51، لو 4: 19).

وحين أعلن صيحة النصرة على الموت قال: “أين غلبتك يا موت؟ أين شوكتك يا هاوية؟” (هو 13: 14). ويعلن آخر الأنباء السارة عن أعمق سلام قائلاً: “فيطبعون سُيوفهم سككًا ورماحهمُ مناجل” (إش 2: 4، مي 4: 3). بينما ينادي آخر أورشليم بقوله: “ابتهجي جدًا يا ابنة صهيون، اهتُفي يا بنت أورشليم. هُوذا ملكُكِ يأتي إليكِ… وديعُا وراكبُا على حمارٍ وعلى جحشٍ ابن أتانٍ” (زك 9: 9). وأخر يعلق عن مجيء الرب الثاني قائلاً بنفس الطريقة: “السيد الذي تطلبونه… هوذا يأتي… ومن يحتمل يوم مجيئه؟” (ملا 3: 1-2). وتطفرون كعجول تحررت من القيود” (مل 2: 4 س). وآخر وهو مندهش لهذه الأمور يقول: “هذا إلهنا، ولا نحسب آخر مثله” (با 3: 35). ومع كل هذا، وبينما نطقت تلك الأقوال وغيرها كثيرًا، وبينما يجدر بنا أن نرتعد، ولا نحسب أنفسا أننا على الأرض بعد، لا نزال وكأننا في وسط سوق كبيرة، نزأر ونثير الاضطراب، ونقضي كل أوقات اجتماعاتنا في جدل حول أمور لا قيمة لها، ولا تعنينا.

وإذ نحن مهملون في كل شيء، في توافه الأمور كما في عظائمها، في السمع كما في الفعل، في الخارج وداخل البيت، وفي الكنيسة، ومع هذا كله أيضًا. نصلي ضد أعدائنا. فكيف يتوفر لنا أيّ رجاء بالخلاص، ثم نضيف إلى كل هذه الخطايا خطية أخرى شديدة تساويها كلها؛ وهي الصلاة الباطلة؟

فهل لنا بعد أيّ حق أن نتعجب؟ إن أصابنا مكروه من أمور مؤلمة وغير متوقعة؟ بينما نتعجب بالحري حين لا تصيبنا مثل هذه الأمور. لأن الأولى هي من طبيعة الأشياء، بينما الثانية تفوق كل الأسباب وكل التوقعات، لأنه من المؤكد أن يحدث ما سيفوق العقل؛ إن الذين صاروا أعداءً لله يستفزونه ليغضب، ينعمون بأشعة الشمس والشتاء، وكل ما عدا ذلك. وكونهم بشرًا، يفوقون الحيوانات المفترسة وحشية، إذ يواجه الواحد الآخر، وينهش الواحد لحم جيرانه، وتصطبغ ألسنتهم بالدماء، حتى بعد المائدة الروحية (الإفخارستيا). وبعد بركاتها العظيمة المُنفعة ووصاياه التي لا تعد.

لهذا ونحن نفتكر في هذه الأمور، فلنطرح عنا هذا السم، ولنضع حدا لعداوتنا، ولنجعل صلواتنا تتفق مع ما نحن عليه الآن، وعوضًا عن وحشية الشياطين، فلنكتس بوداعة الملائكة، ومهما تضررنا في أيّ أمر، فلنفكر فيما نحن فيه، وفي أجرنا الذي يعينه الله لنا لهذه الوصية.

فلنُلطِّف غضبنا، ونهدِّئ انتفاضنا وكبرياءنا، حتى نعبر هذه الحياة الحاضرة في هدوء. وإذا ما رحلنا إلى هناك، نجد ربنا يلاقينا ويعاملنا مثلما عاملنا جيراننا، وإن بدأ هذا الأمر ثقيلاً ومخيفًا، فلنجعله خفيفًا ومرغوبًا. ولنفتح الأبواب المجيدة للثقة فيه، وإن لم تتوفر لدينا قوة للامتناع عن الخطية، فلنفعل ذلك بأن نكون لطفاء مع الذين أخطأوا إلينا (لأن هذا بالتأكيد ليس صعبًا، ولا ثقيل الحمل).

وإذ نترفق بأعدائنا نجلب على أنفسنا رحمة كثيرة، هكذا يحبنا كل من يعرفنا في هذه الحياة الحاضرة. وفوق الجميع يصادقنا الله ويكللنا ويحسبنا مستحقين لكل الخيرات العتيدة، التي ننالها جميعًا بنعمة ومحبة ربنا يسوع المسيح نحو الإنسان الذي له المجد والقوة الآن وكل أوان. آمين.

Facebook
heyecan
Telgraf
Naber
PDF'ler
☦︎
Yukarıya Kaydır