Site simgesi Ortodoks Çevrimiçi Ağı

العظة السادسة عشر: الرسالة إلى رومية – الإصحاح الثامن: 28-39

” ونحن نعلم أن كل الأشياء تعمل معاً للخير للذين يحبون الله ” (رو28:8).

          1  يبدو لي أنه يتكلم في هذا الجزء، عن أولئك الذين يتعرضون للمخاطر، وليس هذا فقط، لكنه يُشير أيضاً إلى الأمور التي قيلت قبل هذه. لأن القول بأن ” آلام الزمان الحاضر لا تقاس بالمجد العتيد أن يُستعلن فينا” وأن ” كل الخليقة تئن ” وقوله: “بالرجاء خلصنا ” و” نتوقعه بالصبر” و” لسنا نعلم ما نصلي لأجله” [1] . كل هذه الأقوال قيلت للذين يتعرضون للأخطار، فهو يُعلّمهم بألا يعطوا اهتماماً أكثر بالأشياء التي يعتقدون بأنها تحقق منفعة، بل يجب أن يفضلوا عليها الأمور التي هي بحسب الروح. خاصة وأن كثيراً من تلك الأمور التي تبدو لهؤلاء أنها نافعة تتسبب مرات كثيرة في حدوث خسارة كبيرة. إذاً من الواضح أن الراحة، والتخلص من الأخطار، والحياة في أمان، هي التي يسعى إليها هؤلاء.

          والمدهش لهؤلاء ما اتضح، من أن الأمان هو ليس في طلب الراحة بالطريقة التي يتصورونها  وهذا ما حدث للمطوب بولس نفسه  لقد عرف فيما بعد، أن الأمور النافعة هي في تتميم مشيئة الله، وإذ عرف هذا فقد امتثل لهذه المشيئة. وهو الذي تضرع إلى الله ثلاث مرات أن يُخلّصه من الآلام، لكن حين سمع الله يقول: ” تكفيك نعمتي لأن قوتي في الضعف تكمل” [2] . فإنه كان يُسر عندما يُطرد ويُشتم ويعاني من آلام لا تُشفى “لذلك أسر بالضعفات والشتائم والضرورات والإضطهادات “ [3] . ولهذا قال “لسنا نعلم ما نصلي لأجله”، ونصح الجميع بأن يسمحوا للروح القدس أن يُتمم فيهم مشيئة الله. خاصةً وأن الروح القدس يعتني بنا جداً.

          إذاً بعدما أعدَّهم بكل الطرق، أضاف ما قاله لكي يدفعهم إلى أن يكون لهم فكر مستقيم. لأنه ” نحن نعلم أن كل الأشياء تعمل معاً للخير للذين يحبون الله “. لكن عندما يقول “كل” فهو يقصد تلك التي تبدو مؤلمة. لأنه سواء كانت ضيق، أم فقر، أم سجن، أم جوع، أم موت، أم أي شيء آخر يحل بنا، فإن الله قادر أن يحول كل هذا إلى العكس. لأن هذه هي قوته التي لا توصف، أي أن يجعل ما كان يبدو ثقيلاً، يصير خفيفاً لأجلنا، ويحوله لتثبيتنا. ولهذا تحديداً لم يقل إن الذين يحبون الله لا يأتي عليهم شيء من الأشياء، بل إنها “تعمل معاً للخير” بمعنى إنه يستخدم هذه الأمور السيئة لمسرة من تُكاد لهم الدسائس، وهذا ما يعد أعظم بكثير من أن يمنع الشرور من أن تأتي، أو أن يمحوها عندما تحدث. هذا ما صنعه في أتون بابل (مع الفتية الثلاثة). لأنه لم يمنع إلقاءهم في الأتون، ولا أطفأ اللهب عندما ألقوا هؤلاء القديسين، بل تركهم يشاهدون المعجزة التي صنعها معهم في هذا الأتون.

          وقد صنع معجزات مماثلة مع كل الرسل. فإن كان في مقدور أولئك الذين يسلكون بحكمة، أن يحولوا طبيعة الأمور إلى ما هو عكسها، لكنهم فضّلوا أن يعيشوا في فقر وبهذا صاروا أكثر غنى من الأغنياء، وأكثر بهاءً منهم، رغم أنهم لا ينالوا تقديراً مناسباً، هكذا سيصنع الله مع أولئك الذين يحبونه، ليس مثل هذا فقط، بل وأكثر جداً من هذا. إذاً الأمر يحتاج فقط إلى محبة حقيقية لله، وكل الأمور الأخرى ستتحقق. فتلك الأمور التي تبدو أنها ضارة لهؤلاء، هي في الحقيقة نافعة لهم، أما بالنسبة لأولئك الذين لا يحبون الله، فإن الأمور التي تبدو نافعة لهم، ستكون ضارة. إذاً فقد سبَّب ظهور المعجزات وأيضاً فلسفة التعليم واستقامة العقيدة، ضرراً بالنسبة لليهود، فإنهم بسبب هذه المعجزات زعموا أن الرب يصنعها بقوة الشيطان، بينما كان ينبغي أن يحدث العكس بسبب هذه المعجزات، ولأجل هذه المعجزات شرعوا في أن  يقتلوه. أما اللص الذي صُلب معه، والذي سُمر، وأُهين، وعانى شروراً كثيرة، فإنه لم يخسر مُطلقاً، بل بالحرى ربح الكثير جداً.

          أرأيت كيف أن كل الأشياء تعمل معاً للخير للذين يحبون الله؟ إذاً بعدما تكلم عن هذا النعيم الوافر، الذي يفوق الطبيعة الإنسانية بكثير، والذي يبدو للكثيرين أن تحقيقه أمر مستحيل، فإنه أكد عليه بقوله: ” الذين هم مدعون حسب قصده “. إذاً انتبه للدعوة التي قيلت. لماذا لم يدعُ الجميع من البداية، ولا حتى بولس نفسه لم يدعه مع الآخرين مباشرةً؟ ربما يبدو لك أن هذا التأجيل كان غير نافع؟ كلاّ لقد أظهر العكس، من جهة الأمور ذاتها، إن التأجيل كان مفيداً. إن الله لا يريد أن يهب كل شيء في الدعوة، لأنه لو حدث هذا، لكان اليونانيون واليهود قد اختلفوا. إذاً لو كانت الدعوة وحدها كافية، فلأي سبب لم يخلص الجميع؟ ولهذا يشرح الرسول بولس أن الأمر لا يتعلق بالدعوة فقط، بل أن إرادة أولئك المدعوين كان لها دور في الخلاص. لأن الدعوة لم تكن إجبارية ولا قهرية. فالمؤكد أن الجميع دُعوا، لكن ليس الجميع أطاعوا.

” لأن الذين سبق فعرفهم سبق فعينهم ليكونوا مشابهين صورة ابنه .. ” (رو29:8).

          أرأيت مقدار الكرامة؟ فإن هؤلاء قد صاروا أبناء بالنعمة بواسطة ذاك الذي هو بالطبيعة الابن وحيد الجنس. ولهذا لم يكتفِ بقوله “مشابهين”، لكنه أضاف ” ليكون هو بكراً “. ولم يتوقف هنا أيضاً، لكنه أضاف إلى هذا ” بين اخوة كثيرين “، لأنه أراد بكل هذا أن يظهر بوضوح مدى القرابة. كل هذا يجب أن تعتبر أنه قيل بحسب التدبير. فلأنه إله فهو وحيد الجنس. أرأيت مقدار ما وهبنا إياه؟ إذاً يجب ألا تتشكك من جهة خيرات الدهر الآتي. لأنه في موضع آخر قد بيّن عناية الله، إذ يقول إن هذه الأمور قد سبق وقررها الله هكذا. فالبشر يشكّلون آرائهم من خلال الواقع المنظور، أما الله فقد قرر هذه الأمور منذ القديم، ومن البداية كانت هذه هي إرادته من جهتنا.

” والذين سبق فعينهم فهؤلاء دعاهم أيضاً والذين دعاهم فهؤلاء برَّرهم أيضاً ” (رو30:8).

هذا حدث بمعمودية التجديد “والذين برّرهم فهؤلاء مجدهم أيضاً”. وهذا حدث بالنعمة والتبني.

” فماذا نقول لهذا ” (رو31:8).

وكأنه قال، لا تحدثني بعد عن الأخطار والمكائد التي تصدر من الجميع. فعلى الرغم من أن البعض يتشكك في أمور الدهر الآتي، إلاّ أنهم لا يستطيعوا أن يقولوا شيئاً فيما يتعلق بالخيرات التي تحققت بالفعل دون نقاش، أي من حيث إن الله منحك البر والمجد من البداية من فرط محبته لك. لأنه بالحقيقة قد منحك إياه، بواسطة الأمور التي تبدو لك مُحزنة. وما تعتقد أنه علامة عار، أي الصليب والجلدات والقيود، صارت هي نفسها سبب فائدة لكل المسكونة. تماماً مثلما حدث بخصوص آلام المسيح، إذ بالرغم أنها تبدو كئيبة إلاّ أنه حوّلها لتعطي طبيعتنا الحرية والخلاص، هكذا إعتاد أن يصنع بتلك الأمور التي تعانيها، مستخدماً آلامك من أجل مجدك وسعادتك.

” إن كان الله معنا فمن علينا “. وهل هناك من هو ليس ضدنا؟ لأن المسكونة هي ضدنا، والطغاة، والشعوب، والأقارب والساكنون معنا في وطن واحد. لكن هؤلاء الذين هم ضدنا بهذا القدر الكبير، هم أبعد من أن يؤذونا لأنهم دون أن يقصدوا صاروا هم سبباً لتتويجنا ولخيرات لا تُحصى، طالما أن حكمة الله، تُحوّل هذه المكائد لتصير لخلاصنا ومجدنا. أرأيت كيف أنه لا يوجد أحد ضدنا؟ لأن أيوب أيضاً قد جعل كل ما هو ضده يصير مجداً، أي من حيث إن الشيطان كان قد تسلَّح ضده. خاصة عندما حرّض ضده الأصدقاء، والزوجة، والعبيد، وأصيب بجروح، ومصائب أخرى لا تعد. ولكن لا شيء على الإطلاق سبّب له ضرراً. وهذا كله لم يكن شيئاً جسيماً بالنسبة له، على الرغم من أنه كان جسيماً في حد ذاته بصورة كبيرة، إلاّ أن أيوب كان أعظم، لأن كل شيء انتهي إلى منفعته. فالله كان في جانبه، وما كان يبدو ضداً له تحول إلى فائدته. وهذا حدث في حالة الرسل. خاصة وأن اليهود والأمم والمعلمين الكذبة، والقادة، والجموع، والمجاعات والفقر، وأمور أخرى عديدة كان من الممكن أن تؤثر على مسيرتهم، لكن لم يتغلب عليهم أي شيء. لأن هذه الآلام هي التي جعلتهم مُشرقين، ومُمجدين، وعظماء أمام الله والناس.

إذاً فكَّر في الكلام الذي قاله الرسول بولس للمؤمنين، الذين هم بالحقيقة مُطوبين، الأمر الذي لا يملكه حتى الذي يرتدي التاج. لأنه بالنسبة لبولس، كان الكثيرون ضده من بربر، ومُسلحين، وأعداء يهاجمونه، وحراس متسلطين وقساة عليه، وكان كثيرون من المواطنين يثورون ضده باستمرار، وأمور أخرى لا تُعد، لكن المؤمن الذي يتبع بدقة مشيئة الله، لا يستطيع إنسان، ولا شيطان، ولا أي شيء آخر، أن يُثيره أو يقلقه. لأنه إن نزعتَ عنه الأموال، فإنك تقدم له أجراً، ولو أسأت إليه عن طريق شائعات مشينة، تجعله أكثر بهاءً أمام الله، ولو ألقيته في مجاعة سيكون مُمجداً بالأكثر وسيكون تعويضه أكثر. ولو سلّمته إلى الموت  وهو الأمر الذي يُعد أكثر فزعاً من كل شيء  فقد اخترت له إكليل الشهادة.

إذاً ماذا يمكن أن يُعادل هذه الحياة، عندما لا يوجد شيء يمكن أن يُسبب لنا ضرراً، بل إن هؤلاء الذين يُعدون لنا المكائد، هم في الحقيقة يحققون لنا منفعة؟ لا تتكلم عن ما يصنعه معنا الذين يقدمون لنا إحساناً، ولهذا قال: ” إن كان الله معنا فمن علينا “.

3  ثم بعد ذلك لم يكتفِ بكل ما قيل، بالإشارة إلى برهان المحبة العظيمة لنا، الأمر الذي يُكرره فيما بعد، هذا أيضاً يشير إليه هنا، أي يُشير إلى تقديم الابن ذبيحة. لأنه ليس فقط قد برّرنا ومجّدنا وجعلنا مشابهين صورة ابنه، بل أنه لم يشفق على ابنه، وهذا من أجلنا. ولهذا أضاف قائلاً:

” الذي لم يشفق على ابنه بل بذله لأجلنا أجمعين كيف لا يهبنا أيضاً معه كل شيء ” (رو32:8).

          وهنا يستخدم الكلمات بروعة وحماس شديدين، لكي يظهر محبة الله. كيف إذاً يتركنا الله نحن المحبوبين لديه، وهو الذي لأجلنا لم يُشفق حتى على ابنه، بل سلَّمه إلى الموت لأجلنا؟ تأمل مقدار الصلاح الإلهي الذي يظهر في عدم الإشفاق على ابنه، بل ويُسلّمه للموت، ويُسلّمه لأجلنا، نحن الوضعاء، والجاحدين، والأعداء، والمجدفين. “كيف لا يهبنا أيضاً معه كل شيء”؟ ما يقوله يعني الآتي: إن كان قد وهبنا ابنه، وليس فقط قد وهبنا إياه، بل وسلّمه للذبح، إذاً لماذا تشك في الأمور الأخرى، طالما أنك قد أخذت السيد؟ لماذا تتشكك أو تتحير من جهة ممتلكاته، طالما أن لديك السيد الرب نفسه؟ ذاك الذي أعطى أعظم ما عنده لأعدائه، ألا يعطي الأشياء الأقل لأصدقائه؟

” من سيشتكي على مختاري الله ”؟ (رو33:8).

          هنا الكلام موّجه إلى أولئك الذين يقولون إن الإيمان لا يُفيد مطلقاً، وإلى أولئك الذين يتشككون في حقيقة التبرير. ولاحظ كيف أنه ألجمهم سريعاً عند هذا المقام الذي اختاره لهم. ولم يقل من سيشتكي على عبيد الله، ولا على مؤمني الله، لكن ” على مختاري الله ” لأن الإختيار هو دليل الفضيلة. إذاً لو أن أحد رياضي الفروسية إختار الخيول المناسبة للطريق فلن يستطع أحد أن يشتكي عليه، فإن إشتكى عليه أحد يصبح مثاراً للسخرية، بالأكثر جداً عندما يختار الله النفوس، فإن أولئك الذين يشتكون عليهم، هم مثاراً للسخرية.

” الله هو الذي يبرر. من هو الذي يدين ” (رو34:8).

          لم يقل إن الله يغفر الخطايا، بل قال ما هو أكبر بكثير جداً، أن ” الله هو الذي يُبرر “. لأنه حين يعلن القاضي براءة أحد، وبالأخص مثل هذا القاضي، فأية مصداقية تكون للشاكي؟ وبناء عليه، فليس من الصواب أن نخاف من التجارب، لأن الله هو الذي يقف معنا، وهذا قد أوضحه من خلال كل ما فعله، ولا أن نتردد أمام الهذيان اليهودي، لأن من المؤكد أن الله قد إختارنا وقد برّرنا، والأكثر دهشة، أنه برّرنا بذبح ابنه.

          إذاً من سيحاكمنا، في الوقت الذي فيه توّجنا الله، وذُبح المسيح لأجلنا، ولم يُذبح فقط، بل أيضاً يشفع فينا؟ المسيح هو الذي مات بل بالحري قام أيضاً، وهو أيضاً عن يمين الله حيث يشفع فينا، لأنه عاد إلى مقامه، لم تتوقف رعايته لنا، ولا يزال يحتفظ لنا بنفس المحبة. لأنه لم يكتفِ بالذبح فقط، بل أنه يقدم نموذجاً أعظم للمحبة، أي أنه لا يصنع فقط ما يريده هو، بل أنه يتشفع لنا من أجل هذا الأمر. لأن هذا فقط ما أراد أن يُعلنه، بعبارة أن يتشفع، متحدثاً بطريقة أكثر إنسانية وتسامحاً، لكي يبين محبته. إذ أن عبارة “لم يشفق”، إن لم نفهمها بهذا المعنى، فسيلحق بعدم الفهم معاني غير ملائمة. ولكي تعرف أن هذا هو ما أراد أن يبيّنه، بعدما قال أولاً إنه “عن يمين الله”، أضاف أنه “يشفع فينا”، حين أظهر المساواة في الكرامة، حتى أنه بعبارة “يشفع فينا”، يتضح أن ذلك لا يُعد دليل نقصان أو تقليل، بقدر ما هو دليل محبة فقط.

          لأن ذاك الذي هو الحياة في ذاته، ومصدر كل الخيرات، ومُعطي الحياة، وكل الأمور الأخرى، كيف هو في احتياج أن يشفع لنا، ولصالحنا؟ إنه يشفع بسلطانه، إذ بينما نحن يائسون ومحكوم علينا، خلّصنا من هذا الحكم، وبرَّرنا، وجعلنا أبناء، وقادنا إلى أعلى درجات الكرامة، وحقق لنا كل ما لم نكن نتوقعه أبداً، وطالما أنه حقق كل هذا، ورفع الطبيعة الإنسانية إلى العرش الملوكي، هل سيحتاج أن يتوسل، حتى يجعل أمورنا على ما يرام؟ أرأيت كيف أنه يتضح لنا من كل الإتجاهات أن عبارة “أن يشفع”، لم يقلها لأي شيء آخر إلاّ لكي يُظهر محبته الشديدة والغنية لنا؟ بالإضافة إلى ذلك فمن الواضح أن الآب يطلب من البشر أن يتصالحوا معه. ” إذ نسعى كسفراء عن المسيح كأن الله يعظ بنا “ [4] . ولكن على الرغم من أن الله يطلب، وأن بعض الناس هم سفراء عن المسيح، فإننا لا نقصد هنا شيئاً غير مستحق لتلك الكرامة، بل أمراً واحداً فقط نجنيه من كل ما قيل، وهو المحبة الكبيرة. هذا إذاً ما ينبغي أن نفعله هنا في هذه الحياة. إذاً إن كان الروح يشفع فينا بأنات لا يُنطق بها، وأن المسيح مات ويشفع فينا، وأن الآب لم يُشفق على ابنه بسببنا، واختارك وبرَّرك، فلماذا تخاف بعد؟ لماذا ترتعب طالما أنك تتمتع بهذا القدر من المحبة الكبيرة، وهذه العناية الكبيرة؟!

          ولهذا، فإنه بعدما أظهر عناية الله الفائقة، يضيف الكلام اللاحق بكل جرأة، ولم يقل إنكم مُجبرون وينبغي أن تحبوه هكذا (كما أحبكم)، بل كمَن صار في الله، كما يتضح من شرحه لهذه العناية غير الموصوفة، إذ يقول:

” من سيفصلنا عن محبة المسيح كما هو مكتوب إننا من أجلك نمات كل النهار ” (رو35:836).

          أما أنه لم يقل “محبة الله”: هذا أمر لا يعنيه أن يدعوه المسيح أو أن يدعوه الله. ” أشدة أم ضيق أم اضطهاد أم جوع أم عري أم خطر أم سيف”. انتبه إلى حكمة المطوب بولس. لأنه لم يذكر تلك الأمور التي في حياتنا اليومية والتي صِرنا لها عبيداً، أي محبة المال، وشهوة المجد، والغضب، بل أنه ذكر تلك التي هي أكثر ألماً بكثير من هذه الأمور، والتي هي قادرة أن تُخضع الطبيعة نفسها، ومرات كثيرة تُشتت الذهن، وبدون إرادتنا، وهذا ما يُشير إليه، بالضيقات أي الآلام. لأنه على الرغم من أن ما قيل هو قليل، إلاّ أن كل كلمة هي مكثفة إذ تحمل مجموعة لا تُحصى من التجارب. لأنه عندما يقول “ضيقة” فهو يقصد سجوناً، وقيوداً، وتشهيراً ونفياً، وكل المتاعب الأخرى، مُشيراً بكلمة واحدة، إلى كل الآلام الإنسانية بشكل عام. لكنه يحتقر كل هذه الآلام. ولهذا فهو يعرضها بصيغة سؤال، كما لو كانت أمراً لا اعتراض عليه، لأنه لا يوجد شيء يمكن أن يفصل ذاك، الذي تمتع بمحبة كبيرة وعناية كبيرة عن محبة المسيح.

          4  بعد ذلك، ولكي لا يُعتقَد أن هذه الأمور هي دليل على تخلي الله عنا، يضيف إلى ما قاله كلمات النبي الذي يصرخ بهذه الأمور من سنوات طويلة قائلاً: “من أجلك نُمات اليوم كله. قد حسبنا مثل غنم للذبح” [5] . أي أننا مستعدون أن نُعاني من أجل الجميع. ولكنه أعطى لنا  في الأخطار الكثيرة والكبيرة، وهذه الآلام الجديدة  عزاءً كافياً، من خلال الجهاد، أو من الأفضل أن نقول ليس فقط عزاءً كافياً، بل وأكثر من ذلك بكثير. لأنه يقول إننا لا نعاني هذه الأمور من أجل البشر، أو من أجل أي شيء آخر، بل لأجل ملك الجميع. وهو لم يُتوج هؤلاء بهذا التاج فقط، بل بتاج آخر متعدد الأشكال وكثير التنوع. لأنه لم يكن ممكناً أن يحتملوا ميتات كثيرة طالما أنهم بشر، وهذا يُظهر كيف أن المكافأت لم تصبح أقل أو أصغر على الاطلاق. لأنه وإن كان  نظراً لطبيعتنا  قد وضع لنا أن تموت مرة واحدة فقط، فإن الله وضع فينا لو أردنا أن نعاني هذا الموت كل يوم.

          وبناءاً على ذلك يتضح أنه حين نُمات، سننال أكاليلاً كثيرة، بقدر الأيام التي سنحياها، أو من الأفضل القول، إنها أكثر بكثير، لأنه من الممكن أن نُمات في يوم واحد مرة، ومرتين، ومرات عديدة. إذاً مَنْ هو مستعد على الدوام لهذا، سيأخذ دوماً الأجر كاملاً. هذا من المؤكد ما قصده النبي بقوله: “اليوم كله”. ولهذا فإن الرسول بولس قد أشار إليه، لكي يؤكد على ذلك بالأكثر. لأنه إن كان الذين عاشوا في العهد القديم قد نالوا كمكافأة عن أتعابهم، الأمور المادية الأخرى التي تزول مع الحياة الحاضرة، إلاّ أنهم قد احتقروا هذه الحياة جداً، واحتملوا التجارب والأخطار، فأي غفران سنناله نحن الذين نعتبر أمور هذه الحياة تافهة أو زهيدة بالمقارنة بالسماء والملكوت وما في السماء والخيرات المدخرة، ونحن لم نصل إلى مستوى الذين عاشوا في العهد القديم، ولا حتى بالنسبة لهذا المقياس، والتدبير الذي شكّلوا عليه حياتهم. وهو لم يذكر ذلك تاركاً إياه لضمير المستمعين، واكتفى فقط بالشهادة. وأظهر أن أجسادهم أيضاً تصير ذبيحة، وأنه لا ينبغي أن يقلقوا، ولا أن يضطربوا طالما أن الله قد دبَّر الأمور على هذا النحو. لكنه يعظهم بطريقة أخرى. ولكي لا يقول أحد، إنه فقط يُفلسف هذه الأمور دون أن يختبرها، أضاف: ” قد حسبنا مثل غنم للذبح “، مُشيراً إلى ميتات الرسل اليومية. أرأيت مقدار النُبل والرأفة؟ لأنه كما أن الخراف لا تقاوم عندما تُقاد للذبح، هكذا نحن أيضاً.

          لكن لأن الضعف يعتبر سمة النفس الإنسانية، ورغم كل هذه التجارب المخيفة، انظر كيف أنه مرة أخرى يُشدد المستمع، ويجعله يشعر بالسمو والافتخار، قائلاً:

” ولكننا في هذه جميعها يعظم انتصارنا بالذي أحبنا ” (رو37:8).

          الأمر الأكثر دهشة إذاً، هو أننا لم ننتصر فحسب، بل أننا انتصرنا أيضاً مع وجود مكائد أو دسائس ضدنا. وليس فقط انتصرنا بل “ويعظم انتصارنا” أي بكل سهولة وبدون جهد ومتاعب. وليس بتحمل الصعاب، إذ هو يقوم بإعداد الإرادة، وهكذا في كل مكان نقيم نصباً تذكارياً للإنتصار ضد الأعداء. وهذا مبرر جداً، لأن الله هو ذاك الذي يدعمنا. إذاً لا نتشكك في أن التعذيب الذي يقع علينا يقودنا إلى الانتصار على أولئك الذين يعذبوننا وأنه عندما نُضطهد، فإننا نتغلب على مضطهدينا، وأنه عندما نموت نحوّل الأحياء ونغيّرهم. لأنه في حضور قوة الله ومحبته، لا شيء يمكن أن يعيق تحقيق الأمور العجيبة والمدهشة، ولا يوجد ما يعطل إشراق الانتصار كما سبق وأشرنا. لأننا لا ننتصر فقط، بل ننتصر بطريقة عجيبة، لكي يعلم الذين يفكرون بالشر أن الحرب لم تكن ضد بشر بل كانت ضد تلك القوة التي لا تُهزم.

          لاحظ إذاً أن اليهود كانوا في مواجهة اثنين من المنتصرين، وتحيَّروا وقالوا: ” ماذا نفعل بهذين الرجلين “ [6] . الأمر الأكثر دهشة هو أنه على الرغم من أنهم كانوا يحتجزونهم، ويعتبرونهم مذنبين، وسجنوهم وضربوهم، تحيَّروا وصاروا مرتبكين، وانهزموا بهذه الأمور ذاتها، والتي توقعوا أنهم سينتصرون بها. فلا الطغاة، ولا جموع من البشر، ولا كتيبة شياطين، ولا الشيطان نفسه استطاع أن يهزم هؤلاء القديسين، بل ومع كل هذه القوة المضادة، فقد هزموا الجميع، رغم كل ما ابتدعوا من وسائل ضدهم. بل صارت كلها ضدهم. ولهذا قال: “يعظم انتصارنا”. لأن قانون هذا الانتصار كان جديداً في أن ينتصروا بالأمور المضادة، وألا يُهزموا أبداً، بل كما لو كانوا هم المتحكمون في النهاية، وهكذا يسلكون في هذه الجهادات.

5  ” فإني مُتيقن أنه لا موت ولا حياة ولا ملائكة ولا رؤساء ولا قوات ولا أمور حاضرة ولا مستقبلة ولا علو ولا عمق ولا خليقة أخرى تقدر أن تفصلنا عن محبة الله التي في المسيح يسوع ربنا ” (رو8: 38-39).

          هذا الكلام عظيم، ولكننا لم نعرفه، لأنه ليس لدينا كل هذا الحب الكبير. لكن على الرغم من أنه كلام عظيم ورائع، إلاّ أنه أراد أن يُدلل على أنه لا يوجد شيئاً يُقارَن بالمحبة، أي محبة الله له، وبعدما أشار إلى هذه المحبة، أشار عندئذٍ إلى محبته هو، حتى لا يظهر أنه يقول كلاماً مهماً عن نفسه. وما يقوله يعني الآتي: ما هي الحاجة لأن أتكلم عن أمور الحياة الحاضرة والمآسي المرتبطة بهذه الحياة؟ لأنه حتى وإن تكلم المرء بعد عن أمور الدهر الآتي، وعن حقائق وقوات، أي حقائق مؤكدة مثل الموت والحياة، وقوات مثل الملائكة ورؤساء الملائكة، وكل الخليقة السمائية، هذه الأمور كلها بالنسبة لي هي صغيرة، مقارنة بمحبة المسيح. وحتى لو وعَدَني أحد بحياة لا تنتهي أو هدَّدني بالموت، لكي يُبعدني عن المسيح، فإنني سأواجه هذا التهديد.

          ولماذا يجب أن أُشير إلى ملوك الأرض، والنبلاء، وإلى فلان وفلان؟ فحتى وإن حدثتني عن الملائكة، وكل القوات السمائية وكل الكائنات، وكل ما يتصل بالدهر الآتي، كل هذا بالنسبة لي هو أمر قليل الأهمية، كل ما يوجد على الأرض، وكل ما هو في السموات، وما تحت الأرض، وما فوق السموات، إذا ما قورن بالمحبة فهو كلا شيء.

ثم بعد ذلك، وكما لو كان هذا لم يكفِ ليُعبّر عن شوقه، بل إن هناك أمور أخرى كثيرة أيضاً، يعتبرها مثالاً، بقوله: ” ولا خليقة أخرى “. وما يقوله هنا يعني: أنه لو وُجدت خليقة أخرى أياً كان قدرها، سوى كانت مرئية أم غير مرئية، فلا شيء يمكن أن يفصلني عن محبة المسيح هذه. وقد قال هذا، لا لأن الملائكة أو القوات الأخرى، يسعون نحو هذا (أي ينفصلوا عن المسيح)، حاشا، لقد أراد فقط أن يُظهر محبته الكبيرة للمسيح  بشكل لا يمكن وصفه. لأنه لم يُحب المسيح من أجل تلك الأمور التي أظهرها المسيح، بل أنه من أجل محبته للمسيح، أحب كل ما له، والذي كان يخشاه فقط هو أن يفقد محبته له، لأن هذا بالنسبة له كان يُمثل أمراً أكثر فزعاً من جهنم، لذا فإن مسألة بقائه في هذه المحبة، كان يمثل له أمراً أكثر شوقاً ورغبة، من شوقه لنوال ملكوت السموات.

          6  إذاً كيف نكون مستحقين لذلك، فإذا كان الرسول بولس لا يشتهي حتى تلك الأمور التي توجد في السموات، أمام محبته للمسيح وشوقه إليه، بينما نحن بدلاً من محبتنا للمسيح نُفضّل تلك التي توجد في القذارة والطين؟ وقد قَبِل ذاك أيضاً من أجل محبته للمسيح، أن يُلقي في جهنم ويخسر الملكوت، وإن كان من المؤكد أن هاتين الاثنتين (الحياة الحاضرة والحياة السماوية) كانتا أمامه، بينما نحن لم نحتقر ولا حتى الحياة الحاضرة، تُرى هل نستحق نحن أن نحذو حذو ذاك الرسول، أي نسلك نفس الطريق طالما أننا بعيدون جداً عن افتخاره العظيم بمحبة المسيح؟ لأن ذاك لم يعتبر ولا حتى ملكوت السموات أمراً له قيمة أمام محبة المسيح، بينما نحن نزدرى بالمسيح، على الرغم من أننا نتكلم كثيراً عنه. وياليتنا نظل نتكلم عنه، فحتى هذا لم يعد يحدث الآن، بل على الرغم من أن الملكوت أمامنا، إلاّ أننا نتركه ونُلاحق الظلال والأحلام كل يوم. ولكن لأن الله مُحب للبشر، ومتراءف جداً، صنع معنا نفس ما يفعله أب يحب ابنه، وإن كان هذا قد سبّب له ألماً لأجل الشركة المستمرة معه، وقد فلسف هذه الشركة بشكل مختلف. إذاً لأننا لا نملك تلك المحبة التي ينبغي أن تكون نحوه، قدّم لنا أموراً أخرى كثيرة، حتى يحفظنا بالقرب منه، ولكننا لم نبق قريبين رغم كل ما فعله الله معنا، لكننا عدنا إلى الأمور الطفولية.

          لكن الرسول بولس لم يفعل ذلك، بل كابن مهذب وحر، ومُحب لأبيه يطلب شركة أبيه فقط، ولا يتكلم كثيراً عن أي شيء آخر، لأن الإكرام الذي يعطيه للآب، لا يعطيه للأشياء التي له، بل وعندما يتطلع إلى الآب، لا يهتم مطلقاً بهذه الأشياء، لكنه يُفضل أن يكون معه فقط، حتى وإن عُذب وعُوقب، على أن يقضى أوقاتاً مُرفهة بعيداً عنه. فلنرتعد إذاً لأننا لا نحتقر ولا حتى المال من أجل المسيح، بل نقول إننا لا نحتقر المال، حتى من أجل أنفسنا. لأن القديس بولس كان هو الوحيد الذي كابد بحق كل الآلام من أجل المسيح، لا لأجل الملكوت، ولا لأجل كرامته، بل من أجل محبته للمسيح فقط. لكننا لا يُمكننا أن ننفصل عن الأمور الحياتية، لأجل المسيح، والأشياء المرتبطة به، بل نُسحب منجذبين إلى الطين مثل الحيات، والثعابين، والخنازير، أو مثل كل هذه كلها معاً. إذاً فهل نحن أفضل من تلك الحيوانات من أي جهة، نحن الذين لدينا هذا القدر الكثير والكبير من النماذج المبهرة التي عاشت للمسيح، ولازلنا ننظر بعد إلى أسفل، ولا نحتمل أن نتطلع قليلاً نحو السماء؟ والله الذي سلّم ابنه للموت، ذاك الذي ذُبح لأجلك لا تعطيه حتى الخبز. الله لم يُشفق عليه لأجلك، وأنت تزدري بمن هو ابن حقيقي، على الرغم من أنه يتضور جوعاً، بينما أنت تنفق على ذاتك من عطاياه.

          هل يمكن أن يوجد أسوأ من هذه المخالفة؟ فقد سُلّم للموت لأجلك، ذُبح لأجلك، وجال جائعاً من أجلك، وأعطى لك مما له، لكي تنتفع أنت ذاتك، ومع كل هذا فأنت لا تعطى. مَنْ هم هؤلاء الذين فقدوا الحس كأنهم أحجار، الذين على الرغم من الإحسانات الكثيرة التي تجذبهم إلى محبة المسيح، إلاّ أنهم لا يزالون في هذه الجفوة أو القسوة الشيطانية؟ لأنه لم يكتفِ بموته وصلبه فقط، بل أنه قَبِل أن يصير فقيراً، وغريباً، ومشرداً، وعرياناً، ومسجوناً، ويحتمل الآلام لكي يجذبك إليه، حتى ولو بهذه الطريقة. لأنه إن لم تبادلني العرفان بالجميل، لأني عانيت شيئاً من أجلك، أعطني رحمة بسبب فقري (أي رحمة لمن هم في احتياج). وإن لم ترد أن ترحمن ي لأجل احتياجي أو فقري، فلتتحرك مشاعرك لأجل آلامي، ترفق بي لأجل سجني. وإن لم يجعلك كل هذا مُحباً للناس، اقبل المطلب الزهيد. لأنني لا أطلب شيئاً كثير النفقات، إني أطلب خبزاً، ومسكناً، وكلمة مُعزية. لكن إن كنت بعد كل هذا لا تزال قاسياً، فعلى الأقل لأجل ملكوت السموات يجب أن تكون أفضل، ولو لأجل المجازاة التي وُعدتَ بها. فهل لديك كلمة تقولها عن هذه هذه الأمور؟ ليتك تترفق على الأقل أمام الطبيعة البشرية ذاتها، لأنك تراني عرياناً، وتذكّر ذلك العري الذي حدث فوق الصليب من أجلك. وإن كنت لا تريد أن تتذكر ذلك، فعلى الأقل تذكّر عريَّ في الفقراء. سُجنت لأجلك من قبل، والآن أُسجن لأجلك حتى تتحرك، سواء هنا أو هناك لكي تصنع رحمة ما.

          صُمتْ لأجلك، وأيضاً أجوع لأجلك. عطشت عندما عُلقت على الصليب، وأعطش في الفقراء، حتى أنه بواسطة هذه وتلك، أجذبك إليّ، وأجعلك محباً للناس من أجل خلاصك. ولهذا فعلى الرغم من أنك مدين لي لأجل إحسانات لا تُحصى (قدمتها لك)، إلاّ أنني لا أطلب منك مكافأة كمَن هو مديون لي، بل أنني أتوّجك كما لو كنت تمنحني، وأهبك الملكوت عوضاً عن هذه الأمور الصغيرة. لأني أقول لك لا تمنحني غنىً، على الرغم من أنني صرت فقيراً لأجلك، بل سدَّد فقط احتياجي. إنني أطلب فقط خبزاً، وملبساً، وتخفيفاً للجوع. وإن كنت بعد قد أُلقيت في السجن، فإني لا أطلب أن تحل القيود وتخرجني خارجاً، بل أطلب شيئاً واحد، أن تراني وأنا مقيد لأجلك، وحينئذٍ من أجل هذا فقط، أمنحك السماء. على الرغم من أنني قد حللتك من قيود مرعبة جداً بل هي مرعبة أكثر من غيرها، إلاّ أنه يكفيني فقط أن تراني مُقيداً، إن أردت. إني أستطيع أن أتوجك دون أن تراني هكذا، لكني أُريد أن أكون مديوناً لك. ومن أجل هذا، وعلى الرغم من أنه يمكنني أن أُطعم نفسي، فإنني أجول متسولاً وأقف أمام بابك ماداً يدي. لأني أشتهي أن تطعمني، لأنني أحبك جداً. ولهذا فإنني أشتهي مائدتك، وهذا هو حال الذين يُحبون، وهم يفتخرون بهذا. وحين يجتمع سكان المسكونة (يوم الدينونة)، عندئذٍ سأعترف بك كمنتصر، وعندما يكون الجميع منصتين إليّ، سأعترف بك إذ أطعمتني.

          أما نحن، فعندما يُطعمنا أحد، نخجل من هذا ونُخفيه، ولكن المسيح له المجد، لأنه يُحبنا جداً، فحتى لو صمتنا نحن، فإنه سيعلن في ذلك الوقت ما حدث بإطراء كبير ولا يخجل أن يتكلم به، وذلك عندما كان عرياناً وكسوناه، وعندما كان جوعاناً وأطعمناه. إذاً ونحن نفكر في كل هذا، ينبغي ألا نتوقف فقط عن المديح، بل يجب أن نمارس تلك الأمور التي قيلت. لأنه ما هي المنفعة من وراء هذا الطنين وهذا الإزعاج؟ شيء واحد فقط أريده منكم، هو إثبات المحبة بالأعمال، والطاعة بالأفعال. هذا هو المديح الذي أقدمه، فإن ذلك يعد ربحاً لكم، ويعتبر بالنسبة لي كرامة تعلو على كرامة الإكليل. إذاً انسجوا لكم ولي هذا الاكليل بواسطة الفقراء، حتى نتغذى معاً بالرجاء الصالح، وعندما نرحل إلى الحياة الأبدية، سننال الخيرات التي لا تُحصى، والتي ننتظر أن ننالها جميعاً، بالنعمة ومحبة البشر اللواتي لربنا يسوع المسيح الذي يليق به مع الآب والروح القدس المجد والكرامة إلى أبد الأبدين آمين.


[1] رو18:8، 22، 24، 25، 26.

[2] 2كو9:12.

[3] 2كو10:12.

[4] 2كو20:5.

[5] مز22:44.

[6] أع16:4.

Mobil versiyondan çık