إن السبت، عشية هذا الأحد، مكرس بصورة خاصة لتذكار المؤمنين الراقدين. وثمة صلة واضحة بين هذا التذكار وذكر الدينونة الأخيرة، الذي هو الموضوع الرئيسي لهذا الأحد. وعلى غرار الأحد السابق يمثّل الصوم موضوعاً ثانوياً في ليتورجيا هذا اليوم. يُدعى هذا الأحد (أحد مرفع اللحم)، لأنه آخر يوم يُسمح فيه بأكل اللحم. ويجب منذ الاثنين، إن كان ذلك ممكناً، الامتناع عن اللحم حتى عيد الفصح. وبالمقابل، فإن استعمال الحليب والسمن والجبن مباح طيلة أيام هذا الأسبوع، ومن ضمنها يوما الأربعاء والجمعة. ويُقرأ في القداس الإلهي فصل من رسالة القديس بولس الأولى إلى أهل كورنثوس ( 8:8- 13) و ( 1:9- 2)، يقول الرسول فيه إجمالاً ما يلي: إن أكل اللحم أو عدم أكله هو شيء سواء بحد ذاته. ولكن هذه الحرية التي نملكها، يجب أن لا تصير معثرة للضعفاء.
فالإنسان الذي يؤمن بالله الواحد ولا يؤمن بحقيقة الأصنام يستطيع، بموجب الضمير، أن يأكل لحم الضحايا المذبوحة للأوثان. ومع هذا، فإذا كان أخ أقل تبصراً، يفكر بأن في الأمر نوع من الاشتراك في عبادة الأوثان، فمن الأفضل الامتناع، وذلك من أجل احترام ضمير هؤلاء الإخوة الذين من أجلهم أيضاً مات المسيح (5). وكذلك، تمشّياً مع فكرة بولس الرسول، يجب أن يتجنب من يعتبر أن له أسباباً وجيهة لكي لا يصوم أو لكي يصوم أقل، كل ما من شأنه أن يعثر أو يجرح ضمائر أضيق أفقاً.
ويصف الإنجيل في القداس الإلهي (متى31:25- 46) الدينونة الأخيرة. (إذا جاء ابن الإنسان في مجده) مع الملائكة، تحشر لدى عرشه جميع الأمم، فيفصل النعاج عن الجداء، مقيماً الأبرار عن يمينه، والخطأة عن يساره. ويدعو الذين أطعموه، وكسوه، وزاروه، تحت الهيئة البشرية للفقراء والسجناء والمرضى، إلى الدخول في ملكوت الآب. ويقصي من الملكوت الذين تصرّفوا بوجه آخر. ويحوي بوضوح هذا الوصف للدينونة، قسطاً من الرمزية. فنحن الذين نصدر الحكم على أنفسنا بمقدار ما نكون باختيارنا قد لازمنا الله أو رفضناه. فإن محبتنا أو عدم محبتنا تقيمنا بين (المباركين) أو بين المبعدين (ربما المؤجلين). وإذا كنّا غير مضطرين إلى إعطاء تفسير حرفي لتفاصيل الدينونة، كما وصفها الإنجيلي، فعلينا بالمقابل أن نسمع بصورة واقعية جداً ما يقوله المخلِّص عن حضوره في الذين يتألمون، لأننا فيهم فقط نستطيع أن نبادر إلى إعانة الرب يسوع.
إن صلوات مساء هذا السبت وسَحَر هذا الأحد تعطي انطباعاً عاماً من الذعر أمام حكم الله. فيدور الكلام فيها على كتب مفتوحة، وملائكة خائفين، وجداول نار، ورجفان أمام المذبح. كل هذا صحيح، وعدّة أمثال في الإنجيل تستعجلنا للاهتداء قبل فوات الأوان. ولكن جانب الظلمة، الظلام الذي لا يمكن للخاطئ المعاند أن يختار الارتماء فيه، يجب أن لا ينسينا جانب النور والرجاء. وإليك جملة من ترنيمة من ترانيم صلاة المساء حيث تجد هذين المظهرين متحدين كما يليق: (يا نفسي، قد آن الزمان. بادري بإيمان قبل فوات الأوان واهتفي: خطئت إليك، يا رب، خطئت، لكني أعرف تحننك أيها الراعي الصالح المحب البشر).
(5) إن مسألة ذبائح الأصنام المسمّاة باليونانية (إيذولوثيتا)، كانت تطرح مشكلة واقعية على ضمير المسيحيين الأولين. فكان هذه اللحوم إمّا أن تؤكل في الهياكل الوثنية خلال موائد ليتورجية، وإما أن تباع في السوق. وكانت الرسالة التي بعث بها الرسل الحاضرون في أورشليم إلى وثنيي إنطاكية المهتدين على يد بولس، تأمرهم باجتناب (ذبائح الأصنام) (أعمال29:15).
فيتراءى أن فكرة القديس بولس الصحيحة هي هذه: أنه لأكيد أن الأمر بالنسبة للمسيحي ليس الأكل من ذبائح الأوثان (إيذولوثيتا) في الموائد الليتورجية داخل الهياكل الوثنية. ولكن إذا وجدت هذه اللحوم في السوق أو قدمت في بيوت الأفراد أثناء مأدبة، استطاع المسيحي أن يلجأ إلى حكمه الذاتي، إلى ضميره فيأكل من ذبائح الأوثان وذلك إذا كان لا يشعر بأنه يرتكب السوء. ولكنه يجتنبها إن عرَّض أخاً آخر للمعثرة. أمّا كتاب (أوامر الرسل)، وإيريناوس، وكيرلس الأورشليمي، ويوحنا الذهبي الفم، وأوغسطين فقد بدوا أكثر تشدداً من الرسول وحرَّموا إطلاقاً الأكل من ذبائح الأوثان.