ليس تجسّد ابن الله فكرة او نظريّة، انه، كما يقول الأب سرج (بولغاكوف): “حدث وقع مرّة في التاريخ، ولكنه يحوي كل ما في الأزلية من قدرة واستمرار”، ويتابع: “هذا التجسد الدائم… يشكل الكنيسة”، وهذا يعني انه يشكّلها ويؤلّهها. وذلك أن تجسد ابن الله يَهدف الى رفع الإنسانية الى الله (وهذا ما تسمّيه كنيستنا: التأله théosis ) نرتّل في الأسبوع الرابع من الصوم الأربعيني المقدس: “Gud, Guds Ord, da han ville guddommeliggøre mennesket, blev inkarneret af dig, o rene, og blev set som et menneske” (قانون صلاة السحر، الأودية السادسة).
هذا التعليم العظيم، وأعني التلازم بين تجسد الإله الكلمة وتأله الانسان هو مألوف، في الكنيسة الارثوذكسية، منذ عهد الآباء الأوّلين الذين ردّدوا مراراً أن: “Gud blev menneske, så mennesket kunne blive Gud” (القديس إيريناوس اسقف ليون والقديس اثناسيوس الكبير…)، وأن الانسان خُلق وأُمر “بأن يُصبح إلها” (القديس باسيليوس الكبير). ولعل ما يفسر اعتبار عيد القيامة “عيد الأعياد وموسم المواسم” هو أن ابن الله الوحيد حقّق في موته وقيامته تألُّه الانسان، ذلك أننا، بآلامه، تسربلنا (نحن المائتين) “جمال عدم الفساد”، ونُقلنا، بقيامته، “من الموت الى الحياة ومن الارض الى السماء” (من صلوات عيد الفصح).
أساس هذا التعليم هو تأكيد الكتب المقدسة أن الانسان خلق على “صورة الله ومثاله”، وأنه دعي ليعيش مع الله (المثلث الأقانيم) وفيه، ليشاركه مجده ويتّحد به، ليصير –Ved guddommelig nåde– ما هو الله عليه بالطبيعة. وهذا، كما ذكرنا، هو هدف التجسد، فالرب يسوع اتّخذ طبيعتنا ليجعلنا “شركاء الطبيعة الإلهية” (2بطرس 1: 4)، ولا شك في أن قصد الرسول في قوله هنا، هو أنه يجعلنا شركاء القوى الإلهية وليس الجوهر الإلهي. فبين جوهر الله “الذي لا يدنى منه” ونعمته “غير المخلوقة” فرق جوهري. يقول القديس كيرلس الاسكندري: “ما الطبيعة والقوة شيئا واحداً”. فالشركة مع الله هي، تحديداً، اتّحاد بالقوى الإلهية (وهذا ما ثبّته، بقوة، في القرن الرابع عشر، القديس غريغوريوس بالاماس اسقف تسالونيكي). وهذا يبعد عن البحث كل أشكال “الحلولية” التي تنبذها الارثوذكسية نبذاً كلياً. ولا يخفى أن الاتحاد بالله الذي”لا يندمج فيه الخالق والمخلوق في كيان واحد”، كما يقول المطران كاليستوس (وير)، ليس هو حدساً او استدلالاً، وإنما اتحاد حقيقي. يبقى الله هو الله، والانسان إنسانا متميّزا -وليس منفصلا- عن الله.
ولكون الانسان الواحد مركباً من نفس وجسد، فإن تألّه يخصّ كيانه كلّه جسده ونفسه (أنظر: رومية 12 :1؛ 1كورنثوس 6: 19). ما من شك في أن تأله الجسد لا يَكمُل قبل اليوم الاخير، غير أن طلائعه يمكن أن يختبرها الانسان، في هذه الحياة، في جسده المنظور (كما نرى في حياة بعض القديسين الكبار): في إخلاصه لله ومشاركته في الأسرار الكنسيّة… يقول القديس مكاريوس: “في يوم القيامة، يأتي مجد الروح القدس من الداخل، مزيّناً ومغطّياً أجساد القديسين، ذلك المجد الذي كانوا يتمتّعون به قبلا كظلّ مختبئ في نفوسهم…”. وهذا يجعلنا نفهم السبب الذي يدفع الارثوذكسيّين الى تكريم ذخائر القدّيسين او بقاياهم، وذلك أنهم يؤمنون بأن نعمة الروح القدس المستقرة في أجسادهم -وهم في هذه الحياة- إنما تستمر في بقاياهم بعد رقادهم، وتاليا بأن الله يستعمل تلك الذخائر المقدسة للتعبير عن قدرته الإلهية. وما يزيد هذه العقيدة جمالا على جمال هو أن الكنيسة الارثوذكسية تؤكد أن الخليقة ايضا -وليس جسد الإنسان فقط- في اليوم الأخير، سوف تخلص وتتجلّى (رومية 8: 19-22؛ رؤيا يوحنا 21: 1).
لقد أعطى تجسدُ ابن الله الانسانَ ما أراد أن يحصل عليه آدمُ الاول من دون الله. كان آدم يتوق الى التأله وظنّ انه يمكنه أن يصل -وحده- الى مبتغاه، فسقط “وضلّ عن الطريق”. ما من شك في أن الله كان في تصميمه أن يتأله الانسان، فهو ما أراده عبداً بل شريكاً في حياته الإلهية. غير أنّ “التألّه” لا يمكن أن يصل اليه بشر من دون الاتحاد بِمَن هو وحده مصدر “كل عطيّة صالحة وموهبة كاملة”. نرتّل، في خدمة سَحَر عيد “بشارة والدة الإله”، هذا الكلام الذي يوضح ما نقوله في هذا السياق: “I dag afsløres hemmeligheden, der eksisterede før tiderne, og Guds søn bliver Menneskesønnen, så han ved at påtage sig den lavere (dvs. menneskelige natur) giver mig den bedre (dvs. guddommeliggørelse). Adam var skuffet i fortiden og blev ikke en gud, som han ønskede, så Gud blev et menneske, så Adam kunne blive en gud“.
Essensen af talen er, at læren om guddommeliggørelse er et af mesterværkerne i den ortodokse kirkes lære, og den er fuldstændig forenelig med læren i Bibelen og kirkefædrene. Gud, som sendte sin søn for at frelse os fra synd og befri os fra kødets tæthed, ønsker, at vi frit skal dele med ham i hans nåde, hvis kraft og effektivitet vi oplever i omvendelse, som vi søger hver dag, og bevidst involvering. i kirkens liv og kærlighed til Gud og de brødre, som Kristus døde for, en kærlighed, der er ham, i hans sandhed.
Fra min sogneblad 2000/25