Site icon Orthodox Online Network

Liturgy

In order to better understand the meaning of the liturgy and its true, comprehensive dimensions, we must start from its concept as a relationship between God and man. Therefore, it is good to begin by answering two questions: the first, what is man’s view of God? That is, who is God in relation to man? The second, the opposite, what is God’s view of man? That is, who is man in relation to God?

God has two fundamental principles and characteristics for man. The first is that He is the Creator; He is the cause and reason of the universe and the One who brought it into existence. The second is that God is love; He is the caretaker, the shepherd, the advocate, the hearer, and finally He is the Father in the absolute Christian definition. Therefore, the Son came to be our brother so that we may call the Father Father with Him.

ويتمتّع الإنسان بالنسبة لله بميزتين أساسيّتين. الأولى أنّه سيّد هذا العالم، وأعطي له أن يستخدمه “ويتسلّط على طير السماء وسمك البحر…”. ولقد خلق الله العالم كلّه ليضعَه في تصرّف الإنسان وخدمته، “فله” أوجد اللهُ كلّ شيء. والميزة الثانية، أنّ الإنسان، وكما ينتظر الله، يتناول هذه الهديّة –العالم- من الله شكرياً. فكما أنّ الله هو الخالق كذلك الإنسان هو المستخدِم، وكما أنّ الله هو الواهب والمحبّ كذلك الإنسان هو الشاكر والافخارستـيّ.

Therefore, we cannot understand the relationship between God and man or the relationship between man and God Platonically, philosophically and intellectually. Rather, the basis for understanding the relationship is the way they interact with each other through the world! How man interacts with the world is what determines the success or failure of his relationship with God. The world is not an entity independent of man’s relationship with God, but rather the exact opposite. It is the subject and material in and through which man expresses his concept of the relationship with God. Our faith is not metaphysical but liturgical. Man’s interaction with the world as a relationship with God makes him take on his Eucharistic priestly role, and this is the liturgy.

الليتورجيا هي غير الطقوس، الطقوس هي وسائل وتعابير لاحياء الليتورجيا. الليتورجيا هي تبادل العالم مع الله في “علاقة افخارستيّة”! لذلك إذا كانت كلمة ليتورجيا بالأصل اللغويّ اليونانـيّ للكلمة يعني “عمل الشعب”، فهذا يريد أن يقول، كما أنّ “عمل الله” كان وما زال الخلق والمحبّة فإنّ “عمل الشعب” هو الشكر على عطيّة الله في شكر أي إفخارستيّة.

الليتورجيا عمليّة تقدمة العالم بواسطة الإنسان لله وتحويل الكون كلّه وبكل مسائله إلى “ذبيحة تسبيح”.

من هذا المفهوم لليتورجيا، نستطيع أن ندرك لماذا التقليد الأرثوذكسيّ هو ليتورجي، وهل يمكن أن يكون غير ذلك؟ إن الكنيسة تحيا بالليتورجيا وفي الليتورجيا. الليتورجيا هي “عمل الشعب” أي عمل الكنيسة وحياتها وغاية وطبيعة وجودها. إذن، من هذه النظرة إلى الليتورجيا، نقول إنّ كلّ اللاهوت وبكلّ أجزائه ما هو إلاّ تعبير وتسبحة افخارستيّة، تريد أن تشكر وتفسّر المحبّة الإلهيّة.

The change in the view of the relationship between God and man on the one hand, and man and God on the other hand, and the difference in the vision of the world due to contemporary philosophies and the dominance of secularization in the Church in the West, are all reasons that have led and are leading to the decline of Christian ideals in the world. The divine word and the presence of God in the world began to appear separate from life. An atmosphere of discrimination began to prevail, sometimes strongly, between what is in the world and what is in heaven.

وفُرزت أمور الكون إلى فئتين، فئة ما هو “مقدّس”، وفئة ما هو “دنيويّ”! وصار وكأنّ على الحياة أن تجمع بين “الدين” و”الدنيا”، وأحياناً يظهر ذلك مستحيلاً، إمّا عملانياً أو أيضاً مبدئيّاً، من حيث أنّ التناقض لا يأخذ وجه المنافسة أحياناً وإنّما وجه التعارض العقائديّ مرّات عديدة. من هنا أصيبت الليتورجيا بتحوير معنويّ تاريخيّ أثناء عصور السخولاستيك في الغرب. واقترب معناها من معنى “بعض الطقوس التقديسيّة” المنعزلة عن الدنيا.

لذلك قُسّمت الأسرار الكنسيّة إلى سبعة، ومنها سرّ الشكر. وهكذا تبدو هذه الأسرار معزولة عن بعضها البعض وعن الخريستولوجيا وتفقد حقيقتها الاكليزيولوجيّة، فيبدو كأنها جملة أسرار يحمل كلّ سرٍّ فيها نعمتَه الخاصّة (الكهنوت- الزواج- المسحة-…). بينما السرّ الحقيقيّ هو حدث محدّد، وهو سرّ استخدام الكون شكرياً في علاقة متبادلة بين الله –النعمة والإنسان- الطقوس. وهذه هي الليتورجيا. الليتورجيا هي طريقة عمل وحياة تعني أن يقبل الإنسانُ العالمَ والكونَ إيجابياً من الله. لذلك “الافخارستيا” – سرّ الشكر هو سرّ الأسرار، إذا صحّ القول! وهو تاج الليتورجيا ونهايتها.

تريد الطقوس أن تحافظ على هذا الجوهر، فإنّ القرابين المقدّسة التي نقدّمها في القدّاس (التقدمات) تعني تماماً أنّ الإنسان لا يأتي إلى الكنيسة والقدّاس الإلهيّ حاملاً خطاياه وحاجاته وحتى توبته وحسب، إنّما كلّ مؤمن يأتي إلى القدّاس وهو يحمل العالم كلّه معه. هذا ما تعنيه التقدمات من “الخبز والزيت والخمر”. إنّها حركة إعادة العالم (في رموزه) إلى الله تسبحةً شكريّة. إنّها الليتورجيا. ليس القدّاس الإلهيّ لحظة ننسى فيها العالم، بل تماماً اللحظة التي نقدّم فيها العالم. لذلك نصلّي من أجل اعتدال الأهوية، وخصب ثمار الأرض وطقس هادئ وسليم.

إنّ استبدال هذه الرموز الشكريّة (القرابين- الزيت- الخمر-…) بتمرير “الصينيّة” لجمع التقدمات -الماديّة- يحاول أن يحافظ على هذه الحركة والروح الشكريّة ولكن بشكل عمليّ جديد. إنّنا إذن نقدّم العالمَ هنا بتلك الرموز أو التقدمات ثم “نخرج وننطلق بسلام” بعد القدّاس لنعود في القدّاس التالي ونعيد تقديم هذا العالم، وهذه هي حركة تطهير للعالم، كي نتناوله ونتعاطى معه دوماً افخارستياً، وهذا هو الكهنوت العام الملوكيّ الذي يحمله كلّ إنسان معمّد. لذلك في الدخول الكبير في القدّاس يتمّ نقل هذه التقدمات بشكل احتفالـيّ لكي تعطى ليد الأسقف (أو الكاهن) ليرفعها عن الشعب إلى العرش الإلهيّ.

وحين نحمل عالمنا كلّه إلى القدّاس لنقدّمه، هذا يعني أنّنا نقدّمه لله كما هو، أي نقدّم عالمنا المجبول بالفساد والأمراض والحاجات ونقدّم ذواتنا معه حاملة خطايانا وضعفاتنا. لا ينتظر الله منّا تقدمات مقدّسة، بل ينتظر عالمنا ذاته. يقبل الله أن نعطيه عالمنا هكذا كما هو، وهل يمكننا أن نقدّم غيره؟ وهل يريد الله أن نقدّم سواه؟ لكن الأساسيّ في الليتورجيا (كحياة وعلاقة) أنّ هذا العالم الذي نقدّمه مع أوهاننا يصير مقدّساً من الله بالليتورجيا. لا يرفض الله تقدماتنا وعالمنا لكنّه لا يتركه كما هو! فالأشياء عندما تقدّم في الليتورجيا تقدّم كما هي لكي لا تبقى كما هي بل لتتحسّن. نقدّم “ما هو” ليصير بالتوبة والنعمة “ما يجب”، وهكذا في الليتورجيا “يتجلّى العالم”! إنّ العالم هو خليقة الله الحسنة، الحسنة جدّاً، والخطيئة هي الدخيل.

The world is not renewed by destroying the old, but by sanctifying it. There is nothing unclean in the world. Everything can and must become an offering, since everything can be sanctified, and we are called to be priests of this holiness. Everything is a material for sanctification. Grace wants to descend upon everything. It is not required that we sanctify man’s life in the sense of freeing him from his body and from the elements of this world. Man’s holiness is achieved when he plays this priestly role in sanctifying the world. Holiness for man is not a utopian state in which he does not feel any spiritual or physical pain! Holiness means exactly that man becomes a priest and nothing more. Every non-priestly work is a loss and a bit of sin. Man’s basic work is to priest the world, and holiness is this state of priesthood in its splendor. Man’s holiness will not be achieved outside the world, exactly because the world is the only means and material that will achieve his holiness.

إذا كنّا نلاحظ هنا وهناك في العالم عناصر وحالاتٍ وظروفاً غير مقدّسة، فيجب ألاّ يقودنا هذا إلى رفض العالم في سبيل الذهاب إلى عالم آخر “طوباويّ” نجد فيه قداسة! عالمنا كما هو، هو أداتنا وهو مادتنا التي نقدّسُها فتقدِّسنا. لا تقبل المسيحيّة بأيّ فصل بين ما هو “أمامنا” وما هو “ورائيّ”، بين هنا وهناك. أليست هذه هي عثرة الإنسان اليوم في الكنيسة، حين يظنّها أو يراها تختصّ بما هو “هناك” وكأنها مؤسسة تهتمّ بما هو “فوق طبيعيّ” وبما هو غير منظور، وبالتالي هي ليست لحياته هنا. تنقذنا الليتورجيا، التي لا تستخدم أيّ شيء من خارج هذا العالم إلاّ النعمة الإلهيّة، من خطر الفصل بين ما هو “مقدّس”وما هو “ماديّ”. لذلك:

1- تلغي الليتورجيا الخطر الذي يفصل في أيّامنا هذه بين “الزمن” و”الأبديّة”:

Time and history were a necessary evil. That is why people have always wandered in search of good in another world outside this history. But time and eternity meet in the liturgy. Eternity is not a time before or after history, but its leaven. Eternity is history when God mediates it, when his divine will is fulfilled, that is, when the world becomes a sacrifice through man. Eternity is history leavened by the divine will. That is why we can be in history in between! That is, between time and eternity.

The time and place in which we live are exactly the world that awaits our sanctification! Christianity does not reject the elements of spatial and temporal life in anticipation of another time and place. Nor does it despise them! This is the material that man must priest in order to sanctify himself through this message and to sanctify it as well.

2- The liturgy removes the conflict between matter and spirit:

إن أكثر ما يعذّب الفكر الإنسانـيّ اليوم هو الفصل بين الجسد والنفس، وتهويل الصراع بين المادّة والروح. ويبدو أنّ الجسد عدوّ الروح، والعكس بالعكس! وعلينا أن نقهر جسدنا “لكي نحيا بالروح”. وهذا الفصل لا بل الصراع بين ما هو روحيّ وما هو ماديّ يزداد في أيّامنا. وذلك بسبب من ازدياد التخصّص والميكانيكيّة في الأعمال. لقد فقدت طبيعة أغلب الأعمال كلّ علاقة إنسانيّة أو جماليّة أو روحيّة. كانت الأعمال قديماً تصل الإنسان بالطبيعة (الزراعة) وتبني له علاقات (تجارة)، أمّا اليوم فإنّ ضخامة الأعمال وتخصّصها غالباً ما تنـزع الإنسان من هذا الجوّ الروحيّ! حتّى وقت الفراغ الذي كان يُنتظر أن يُخصَّص للأمور الروحيّة، تعويضاً عن تلك الخسارة الحاصلة، فإنّه بدوره بدأ يفقد بألوان تسلياته كلّ ما هو روحيّ، أو أحياناً ينقلب إلى وقت يقتل كلّ ما تبقّى من روحانيّة عند الإنسان، الذي يخرج من عمله المرهق منهكاً.

It seems as if there is no meeting place in the daily and ordinary life of man between the spirit and work, and between the spirit and the environment! And the feeling increases that the spirit requires us to distance ourselves and to leave the frameworks of these lives of ours!

The liturgy is the real meeting place between matter and spirit. The liturgy involves body and matter in sanctification with all that is of the spirit. The liturgy uses the materials of this world, which man is accustomed to seeing as material, and uses them so that they become holy. The bread and wine become the holiest things in existence, the divine body and blood. And not only this, but all the materials of daily life and work that seem to be in the service of matter, the rites of the liturgy take them to use in sanctification. That is why we use wood, water, branches, colors, and spices. Thus the liturgy proves that there is no sin in matter. Rather, sin lies in the use. Matter is an element of dishonor and sin as well as an element of holiness and righteousness. The world is not evil, quite the opposite! That is why in baptism we do not immerse the mind and the head, but the whole body! And in the mystery of the anointing with chrism we anoint all the members from the feet to the head. Everything becomes holy when it receives divine grace.

This liturgical tradition, with its rituals, makes worship happen with eyes open to the material world as it is before us and with its same elements that we use in our daily lives, and not as in the West, by closing our eyes and trying to withdraw from this place and time to meet God in a space that is not here and a time outside our time.

3- The liturgy eliminates the conflict between the individual and the group:

Although all social and civil trends go to deepen individual life, the liturgy is the opposite trend in life. There is nothing individual in the liturgy. Because the relationship with God is not between an individual and his God, but between God and his people. Man is not an individual who cares about his own affairs, but rather man who cares about man. The other is not an instrument of life that we consume, but the goal of our life that we place in his service. Thus man realizes himself in the liturgy.

إنّ حركة العالم، وفي أفضل مجتمعاته تطوّراً وتنظيماً، تريد أن تؤمّن الأنظمة التي تحافظ للإنسان على حريّته واستقلاله وفرادته وفرديّته. وتجد العلاقاتُ السعادةَ في ترتيب استقلاليّة الفرد في مجتمعه وتحديد واجباته وحقوقه ضمن المجتمع الذي يحيا فيه. لذلك “المجتمع” في الأدب الغربيّ هو تجمّع (society) وليس شركة (community) كما هو في تقليدنا الأرثوذكسيّ. فالشركة غير المجتمع عموماً. تتعامل الليتورجيا مع الإنسان على أنّه عضو في شركة القدّيسين.

وإنْ كان هناك شركات وروابط اجتماعيّة في مجتمعاتنا، إلاّ أنّها في العمق تقوم على أساس الفرز والانتخاب من بين الجميع (collection). هذه الطريقة “الفرديّة” على مستوى مجموعات وليس الفرد تطبع الحياة الاجتماعيّة، فهذه “النخبة” ضروريّة بقدر ما تؤمن سعادة الفرد وتكمل له جوانب حياته التي تُعوزه. أَلا نلاحظ هذا التيّار حتّى في حياتنا الكنسيّة؟ حين تظهر فئات نخبويّة تريد أن تبرّر في تجمّعها فرادتها أي فرديّتها ونرجسيّة حبّ الذّات وتطويبها لـ “التجمعات والجماعات” تحت أسماء في الكنيسة. وتجعل هذه الجماعات فوق الكنيسة. هذه كلّها مظاهر تدلّ على تأثير الطابع الاجتماعيّ وليس الروحيّ وعلى غياب فاعليّة الليتورجيا في حياة هذه “الجماعات”. فلا يوجد أيّ مبرّر للفرز في “الشركة” المسيحيّة وفي شركة القدّيسين، لا على أساس اجتماعيّ ولا على أساس ماديّ ولا حتّى على أساس معرفـيّ أو إيمانـيّ. في شركة القدّيسين كلّنا أعضاء جسد المسيح والعضو الضعيف يسنده القويّ. وأكثر الأعضاء هواناً أكثرها كرامةً. ولا يوجد عضو، مهما كان مريضاً أو ضعيفاً، غير ضروريّ للجسد كلّه.

طريقة التعبير عن التقوى خارج الليتورجيّة هي طريقة فرديّة. لكنّ الليتورجيا تعبّر عن عبادة الكنيسة كلّها مع بعضها البعض فليست هي عملاً فرديّاً لكلّ مؤمن تجاه ربّه أو حتّى تجاه الكنيسة. لذلك لا يعرف التقليد الأرثوذكسيّ “قدّاساً شخصيّاً”، لعائلة مثلاً أو لـ”جماعة”. كما أنّه لا يعرف ممارسة “السجود للقربان” كما في الغرب. لأنّ العبادة ليست تقوى شخصيّة أبداً، بل هي حدث تقديم شركة القدّيسين للعالم إلى الله. القربان ليس موضوعاً للتأمّل الفرديّ. القربان الإلهيّ هو حدث يحقّق شركة القدّيسين كجسد للمسيح حيّ. لذلك باستثناء حالات طارئة مرضيّة وحالة الصوم الليتورجيّ لأيّام الصوم الكبير، لا يجري تناول القربان المقدّس دون إقامة القدّاس الإلهيّ. ليست الليتورجيا، وخاصّة سرّ الشكر، لحظات نستمدّ منها قوّة لحياتنا اليوميّة وحسب، إنّما هي حدث يُحي شركة الناس ببعضهم ويُصلح الروابط ويعيد بنيتها الصحيحة. ليست الليتورجيا إذن عملاً فرديّاً إنّما حدث شركويّ -جماعي. ولا يستطيع الكاهن وحده مثلاً أن يقدّس القرابين ولو قرأ نصوص القدّاس كلّها عشر مرّات، وذلك دون وجود “شركة”. الشركة هي التي تستمد النعمة في الليتورجيا.

الذي جعل الأخلاقيّات المسيحيّة تُصاب بالضعف والهزل هو عزلها عن الليتورجيا. وذلك حين تُدرَس بمعزل عنها كمادّة “تشريع” أو “مثاليّات” مسيحيّة. حيث تبدأ الأخلاقيّات المسيحيّة تهتمّ بتحديد الفضائل المسيحيّة، وتعطي للتعليم المسيحيّ طرقاً وأمثلة ومُثُلاً للحياة ليقلّدها إنسان اليوم ويلتزم بها، وعلى أساس ذلك يتمّ تقييمه والحكم عليه. وصارت هناك نماذج للحياة ثابتة لا تتبدّل عبر الزمان ولا باختلاف المكان… وهذه تدين العالم، كما شاع هذا في الغرب. لا تسمح الحياة الليتورجية باستقلاليّة الأخلاق والحياة المسيحيّة ولا تدعها تتمحور حول نواميس محدّدة. الحياة المسيحيّة المثاليّة هي الحياة اليوميّة بعد “تجلّيها” ليتورجيّاً.
المعلّم الأخلاقيّ المسيحيّ الأوّل في الكتاب المقدّس هو بولس الرسول. وعند بولس التعليم الأخلاقيّ هو ليتورجيّ. لذلك نجد في كلّ عباراته الشهيرة الصيغ الليتورجيّة. “فإذا قمتم مع المسيح… أميتوا أعضاءكم التي على الأرض… اخلعوا الإنسان القديم وأعماله والبسوا الإنسان الجديد…” هذه كلّها صيغ ليتورجيّة (موت المسيح وقيامته- المعموديّة خلع اللباس وارتداؤه). الوصايا الأخلاقيّة عند بولس – على كثرتها وقوّتها – هي أسباب ونتائـج لـسرّ المعموديّة والتجديـد وسرّ الشكر. فأخلاقيّاتنا هي أخلاق تلك الشركة الليتورجيّة حين نودع أنفسنا مع والدة الإله وجميع القدّيسين ونجعل حياتنا كلّها للمسيح الإله.

أخلاقيّاتنا ليست شرائعاً جديدة أو قديمة، إنّما هي طبيعة حية “لشركة مقدّسة”. لا تعتمد الكنيسة إذن “مجموعةَ وصايا” أخلاقيّة ثقيلة تفرضها على الناس، وأحياناً نحن لا نحفظها، لتقود الناس مقيّدين إلى تصرفات خلقيّة محدّدة. وإنّما “تجلّي” الكنيسة الناس “كأولاد الله” الأحرار وتنقيهم وتحرّرهم من الروابط والميول الخاطئة. لعلّ السبب الأساسيّ لمظاهر الإلحاد اليوم هو تلك الأخلاقيّات المسيحيّة المنعزلة عن الليتورجيا التي سبق وصفها. حين تظهر كشرائع “مسيحيّة” على الإنسان حفظها وتطبيقها من قرون ولقرون عديدة دون الشعور منه بأنها تطابق حياته فعلاً وأنها ضروريّةٌ لها. لذلك تبدو هذه الأطر والوصايا الأخلاقيّة “سجناً”. وهذا ما يجعل هذه المبادئ تسقط. عندها يسرع المهتمّون والغيورون إلى إيجاد حلول جديدة معتمدين على تقوية الوعظ والتعليم الدينـيّ والتأليف وغيرها مثلها؛ وكأنها ستكون رادعاً أمام تدهور الأخلاق. بينما الحلّ الحقيقيّ هو إحياء الحياة الليتورجيّة. حيث الوعظ والتعليم… كلّه يشكل أداةً فيها وليس غاية. فإنّ “الكلمة” في المسيحيّة ليست فنَّ الكلام بل هي “الشخص” الذي سوف يمسّ قلب كلّ إنسان ويتّحد به. فالكلمة تخدم حدث وحدة الله بالإنسان وهذا ما تحقّقه الليتورجيا، حيث هناك نلاقيه. يقودنا الوعظ والتعليم إلى إدراك أهميّة أن نكون “شركة ليتورجيّة” ويجعلنا نمارس هذه الحياة الليتورجيّة التي تجعل “التجلّي” حدثاً دائماً وتخمّر بالنعمة العجين كلّه. يجب ألاّ يأخذ التعليم مكان الليتورجيا وهو، في تقليدنا، ما يقود إليها. إنّ بشارتنا ليست وعظاً وإنّما محاولة لبناء “شركة” ليتورجيّة. الكنيسة تسير إلى المذبح وليس إلى المنبر، هذا الأخير يشير إلى الأوّل. الاجتماعات جيّدة ولكنّ الليتورجيا هي الاجتماع الحقيقيّ. الجماعة ليست حكماً كنيسة كلّما اجتمعت، وإنّما فقط عندما تكون في عنصرة وفي تقديس وفي ليتورجيا.

4- The liturgy abolishes the difference between eternity and eschatology (έσχατα):

إذا كنّا نؤمن أنّ الأبديّة تلتحم بالزمن بواسطة الليتورجيا، فهذا يجب ألاّ يقودنا للاعتقاد بحركة نحو حلمٍ بـ “فردوس أرضيّ”! تقدّس الليتورجيا التاريخ، نعم. لكنّها لا تجعل الأبديّة محصورة في التاريخ. لذلك كما من صلب الليتورجيا هو تقديسها للزمن، كذلك هو روح السهر والانتظار للأبديّة. ففي الليتورجيا يتحقّق التذوّق المسبق. ولكن هذا التذوّق لا يلغي مسبقاً انتظار “الكلّ”. يتحقّق في الليتورجيا العربون عن الأبديّة. لذلك تقودنا الليتورجيا إلى الأبديّة والاسختا، وتهيّئُنا إليها.

تطهّر الليتورجيا المعركة الروحيّة الداخليّة وتغذيها بالروح من ناحية. لكن خارج لحظاتها ينتظرنا عالم يحرّك هذه المعركة ويطاردها، من ناحية أخرى. ولن تتمّ الغلبة إلاّ “في منتهى الأيّام”. لذلك لا تنمّي الليتورجيا فينا الحلم بعالمٍ فردوسي هنا، إنّما تفتح طريق الجهاد والسعي والمحاولة لتخمير عالمنا هنا بخمير العالم الآتي، إلى حين يأتي المنتهى ويخمّر العجين كلّه.

إلى ذلك الحين تعطي الليتورجيا شبه غلبة، وتذوّقاً وعربوناً. لذلك تحافظ الليتورجيا في طقوسها وصلواتها ونصوصها على ابراز حقيقة هذا الصراع وعلى التذكير بالمعركة القائمة بين الله والشيطان، فنحن نسعى فيها وينمو فينا الانتظار إلى جانب الغلبة. هناك حوار تقديسيّ نقيمه في الليتورجيا بيننا وبين العالم، وهو في مدّ وجزر، لكن الكلمة الفصل ستكون في “المجيء الثاني” الذي تريد الليتورجيا أن تنمّي فينا انتظاره.

Conclusion

إنّ أزمة الحياة الروحيّة اليوم، وصعوبة لقاء الإنسان بالكنيسة اليوم هي تماماً هذه الازدواجيات المرهقة، التي تخلق نوعاً من الانفصام في الشخصيّة. تسعى وتحاول بعض الحلول والشرائع أن تقلّص الهوّة بينها ولكن نراها بالواقع تزيدها. إنّ الحياة الدينيّة بالأسلوب القديم لم يعد ممكناً لإنسان اليوم، الذي يرفض كلّ سلطان لأي مبدأ أو إله لا يراه يمسّ حياته ويغذّيها! من حقّ العالم اليوم ألاّ يكون متديّناً (بالمعنى الظاهريّ للكلمة)، ما دام الدين لون من ألوان علم الاجتماع أو التعليم والوعظ. ولكن من واجبنا أن نُحيي الحياة الليتورجيّة كطريقة تواجد وحياة “شركة” كنسيّة لا تؤزّمها هذه المتناقضات، حيث يجد فيها الإنسان ذاته وعلاقته مع الله والقريب في حريّة الروح.

The liturgy is the characteristic of the Orthodox Church and it is what will protect us from secularization, and it is ultimately the solution for humanity and the whole world.

Metropolitan Boulos Yazigi
Quoted from the old website of the Diocese of Aleppo

Exit mobile version