تعيّد الكنيسة الأرثوذكسيّة ذكرى القدّيس موسى النبيّ “معاين الله” و”كليم الله” في الرابع من أيلول. وهو يعدّ من بين كبار أنبياء العهد القديم، واشتُهر بإعلان أحكام الشريعة والوصايا العشر التي أنزلها الله عليه في طور سيناء، حيث أظهر الله مجده وعلّم موسى كافّة المعاملات والعبادات الواجب على الشعب المؤمن تأديتها كي ينال الرضا من الله. أمّا المهمّة الأساسيّة التي أناطها الله بموسى فكانت قيادة الشعب في الصحراء مدّة أربعين سنة بعد أن أخرجهم من أرض العبوديّة إلى أرض الميعاد، أرض الحرّيّة، فلسطين.
We will not stop, here in this haste, at the details of the biography of Moses the Prophet, which is rich in events and miracles accompanied by the epic events prevalent in it. However, we will focus on the symbol that Moses represents and what he did during his life, especially in ancient patristic literature, where Moses was considered one of the symbols that refer to the Lord Jesus Christ. Like Moses, who liberated the people from the slavery of the tyrannical Pharaoh, the Lord Jesus liberated the world from sin and death. Just as Moses led the people in the wilderness to the Promised Land, so Christ leads us to the Promised Kingdom. Just as Moses taught the law, the Lord Jesus handed us the new law, that is, love that freely gives itself, and many other counterparts.
لا تقتصر سيرة موسى النبيّ على دلالاتها إلى الربّ يسوع، بل وجد فيها بعض الآباء وعلى رأسهم القدّيس غريغوريوس النيصصيّ (توفّي بالربّ عام 493 )، رموزًا تشير إلى الفضيلة والأخلاق. فغريغوريوس وضع كتابًا سمّاه “حياة موسى أو الكمال في مجال الفضيلة”، بناء على طلب أحد الرهبان بأن يزوّده قدّيسُنا ببعض الإرشاد في موضوع “الكمال في الحياة”. فاستوحى غريغوريوس حياة موسى النبيّ وجعلها نموذجًا يُحتذى في طلب الكمال، الذي هو سعيٌ دائم لا يسع طالبه التهاون في أيّ أمر ولو بسيط من أموره.
The book consists of two parts. In the first section, which serves as a necessary introduction to the second section, the author deals with a summary of the events that took place with Moses, relying on the narrative of the Books of Exodus and Numbers, adopting a literal interpretation of the facts, and then aims to extract moral meanings that benefit the believer and build him up. As for the second section, it contains the essence of the book, where the life of Moses becomes an image of advancement along the levels of perfection, and an example for the soul in its spiritual journey. The author relies on the symbolic interpretation of the Book of Exodus, as St. Paul the Apostle did in some of his letters, so the events that occurred with Moses become mere images of a historical reality, which is Christ himself.
From here, Gregory recalls what was mentioned in the New Testament regarding similar facts in the life of Moses and what happened with Jesus during his preaching. Thus, John the Evangelist likens the lifting of Christ to Moses lifting the bronze serpent in the wilderness (John 3:14 وعدد 21: 4-9)، والمنّ النازل من السماء قديمًا أصبح في خطاب يسوع خبزَ الحياة (يوحنّا 6: 49، وخروج 16: 4)، وأيضًا الحمل الفصحيّ يُضْحي يسوع الذي بدمه افتدى العالم مخلّصًا وحيدًا… وهذا ما نجده أيضًا في أسلوب الرسول بولس، الذي يقول في رسالته الأولى إلى أهل كورنثس عند حديثه عن الصخرة التي شقّها موسى النبيّ، كي يروي عطش الشعب التائه في الصحراء (عدد 20: 8): “إنّ آباءَنا كلّهم كانوا تحت الغمام، وكلّهم جازوا في البحر، وكلّهم اعتمدوا في موسى في الغمام وفي البحر… فإنّهم كانوا يشربون من صخرة روحيّة تتبعهم، وهذه الصخرة كانت المسيح… ولقد جرت هذه الأمور ليكون لنا فيها عِبرةٌ” (10: 1-6).
ثمّ يصل القدّيس غريغوريوس إلى الغاية التي من أجلها دوّن الكتاب، فيرى أنّ الفضيلة سَيْرٌ دؤوب إلى الأمام، وأنّ الكمال نموٌّ دائم وتطوّرٌ متواصل. وموسى يجسّد هذه الفكرة في سيرة حياته التي كانت مسيرةً إلى أرض الميعاد. وهكذا فالكمال حركةٌ دائمة نحو الله اللامتناهي، حركة “تنسى ما وراءَها وتمتدّ إلى ما أمامها” (فيلبّي 3: 13). ويذهب غريغوريوس أيضًا إلى القول بأنّ الكمال في الحياة يقوم بإعادة النفس إلى طبيعتها الحقيقيّة، أي إلى كونها مخلوقة على صورة الله، فالمفروض إذًا أن يقوم المرء بجلاء هذه الصورة وإعادتها إلى بهائها عبر التحوّل المتواصل إلى الله. والصورة ينبغي أن تشبه صاحبها، لذلك ضرورة السعي الدائم إلى اكتساب الكمال عبر التفوّق على الذات، والاستسلام التامّ لمشيئة الله، والتخلّي عن كلّ هوًى، في سبيل الدخول في شركة كاملة مع الله.
يقول القدّيس غريغوريوس في هذا السياق: “أمّا في موضوع الفضيلة فقد أخذنا عن الرسول بولس أن ليس لكمالنا سوى حدٍّ واحد هو أن لا يكون له حدٌّ”. وهو يعتبر أنّ التوقّف عن السعي هو بداية التقهقر، فيقول: “فكما أنّ نهاية الحياة هي بداية الموت، كذلك التوقّف عن السعي في طريق الفضيلة هو بداية السعي في طريق الرذيلة”. فالكمال في الفضيلة، بالنسبة لغريغوريوس، لا يمكن وضع حدّ له، كما لا يمكن أن ينحصر الكمال ضمن حدود.
هذه بعض معاني حياة موسى النبيّ العظيم الذي قال عنه الكتاب المقدّس: “وكان موسى رجلاً حليمًا جدًّا أكثر من جميع الناس الذين على وجه الأرض” (عدد 12: 3). وقد رأى الآباء في سيرة حياته ما يفيد بناءنا في المسيح الذي تاق موسى ليراه فرآه على جبل التجلّي ففرح. عسى أن نفرح كموسى برؤية الربّ في مجده الأبديّ.
Troparia in the second tune We celebrate the remembrance of your Prophet Moses, and through him we pray to you, O Lord, to save our souls.