Site icon Orthodox Online Network

Philotheos Zervakos, Elder

وُلد الشيخ فيلوثيوس المُبارك سنة 1884 في قرية صغيرة من أعمال بيلوبونيز، وأُعطي إسم قَسطنطين في المعمودية المقدّسة. أَظهر، منذ الطفولة، محبة مميزة نحو الله حيث كان يهرع راكضاً إلى الكنيسة عند أول جرس. تطوّر استمتاعه بمطالعة قصص القديسين إلى رغبة شديدة في الحياة الرهبانية. لقد رأى الناس بوضوح في هذا الشاب حماساً كامناً، فراحوا، منذ البدء، يثنونه عن سلوك هذا الطريق. لقد كتب الشيخ (فيلوثاوس) في سيرته الذاتية: “عندما ذهبت إلى السرير ونمت، رأيت عمالقة مخيفين ذوي وجوه بشعة مروعة يتجهون نحوي. لقد أخافوني وهم يصرّون بأسنانهم حاملين السكاكين وشاهرين السيوف والحراب. واحد منهم، بالأخص، يبدو أنه قائدهم، قال بغضب: {تخلّص بسرعة مما يجول في خاطرك وإلا سوف نُصفّيك، مقطّعين إيّاك إرباً}. ثم نخسوا جسدي بسيوفهم وسهامهم.”

قاوم قسطنطين الهجوم متوسلاً معونة والدة الإله الفائقة القداسة، لكن الحادثة أضعفت عزمه. راح يتوجّه إلى الإهتمامات الدنيوية مستسلماً للمسرّات والرغبات العالمية. الشكر لله على أن له صديقاً كان يشاركه اهتمامه بالموسيقى ويُنشد معه تراتيل دينية. وفي زيارته له أحد الأيام، كان من حسن حظّ قسطنطين أنّه شاهد لديه كتاب حسن التجليد عنوانه: “جواهر الفردوس”. كان يحوي بين نصوصه مُختارات من سير قدّيسين وعظة للقديس باسيليوس الكبير “حول مراقبة الذات”. شعر قسطنطين وكأنه يملك بين يديه كنزاً سماوياً. دون أي يقول أكثر من كلمة “وداعاً” لصديقه، أخذ قسطنطين الكتاب إلى بيته واستغرق في قراءته. لقد أثّرت فيه عظة القديس باسيليوس بقوّة: “لقد أصابني الخوف والرعدة من التأمّل في ساعة الموت التي لا تعرف وقتها مما جعلني أُفكّر في نفسي، ترى ماذا سيحدُث إذا مُتّ في هذه اللحظة، هذه الساعة أو هذا اليوم. إلى أين ستذهب روحي. لم أَقُم بشيء حَسَن من أجل خلاص نفسي، في حين أن عقلي لا يزال مُتعلّقاً في هذا العالم الباطل. إبتداءً من تلك اللحظة تخلّيت عن الآلات الموسيقيّة، العالم وكلّ ملذّاته وجعلت عقلي وقلبي وروحي متعلّقين بمحبّة ربّنا يسوع المسيح الحلو والخيرات السماويّة.” في ذلك الوقت صار قسطنطين معلّماً في قرية فونيكيون Phonikion حيث بقي لحوالي ثلاث سنوات (1901 – 1904). كان له تأثير في تنشئة تلاميذه، مُغذّياً أرواحهم كما عقولهم. فقد كان يأخذهم إلى الكنيسة حيث يعلّمهم الوقوف بخشوع وانتباه في حضور الرب. وعندما كان أحدهم يُسيء التصرّف في المنزل أو في طريقه إلى المدرسة، كان يَعترف بذلك أمام زملائه التلاميذ ومعلّمه. كان الشيخ ناجحاً جدّاً في دمغ نفوس تلاميذه بالإيمان وخوف الله ممّا جعلهم يتحوّلون -وقد كانوا قبلاً “أسوأ من الوحوش”: مُجدّفين، عقوقين، غير مُطيعين لأهلهم، غير نظاميين في المدرسة – فأصبحوا كالنعجة الوديعة”. كان من الواضح، حتى في ذلك الحين، أنّه يمتلك موهبة الأبوّة الروحيّة.

لقد تعرّضت رغبته المُتجدّدة بالحياة الرهبانيّة إلى اختباراتٍ قاسية. ظهرت له الشياطين تكراراً في أحلامه ويقظته، تُهدّده، تُفزعه وتعتدي عليه جسدياً وعقلياً. فمن جهة كان عليه خوض معركة ضد الخوف والجُبن، ومن جهة أخرى ضد الرغبات الجسدية وتصوّرات الملذّات العالميّة. خلال إحدى المواجهات، حاول الشرير تحريضه على الانتحار. كما حاول أهله، بكلّ جهدهم، رغم كونهم أتقياء، أن يثبطوا من عزيمته للمضي في الطريق الذي اختاره. فقد صرّح أباه بأنّه فيما لو غادرهم قسطنطين فإنّه سوف يُهلِك نفسه، يُغرقها: “لماذا هناك القليل من الأطباء، المُحامين، الضباط والمعلّمين الذين يُصبحون رهباناً؟ ألا يعرفون ما هي مصلحتهم؟”. كان قسطنطين يُحبّ ويحترم أهله، فقد كان يعتني بهم ويعطيهم راتبه. كان من الصعب تحمّل مواجهتهم، لكنّه شدّد على نفسه بكلمات الإنجيل: “من أحبَّ أباً أو أماً أكثر مني، فلا يستحقُّني” (متى 10: 37). لقد ناقش والده بالمنطق: “إذا ما طلبني ملك أرضي إلى قصره لأكون إلى جانبه مانحاً إيّاي مرتبةً عظيمة، فماذا ستفعل حينها؟ أَظن أنّك ستكون مسروراً جداً مُعتبراً ذلك شرفاً عظيماً. فيجب أن تكون أكثر فرحاً، الآن، لأنّ الملك السماوي، يسوع المسيح، يُناديني لأكون بجانبه”.

One night, Constantine left his parents' home, confused about where to start and where to go. He left without a coat or shoes, carrying only the Bible, heading to the Holy Lavra Monastery in search of a spiritual father. His journey was arduous because of the hot sand and thorns, which caused ulcers on the soles of his feet, and he almost died of thirst and exhaustion. But this steadfastness strengthened his resolve, and his reward was to go to the venerable Father Eusebius Mathopoulos in Patra.

قام الأب إفسابيوس بنصحه: “عدْ إلى البيت، إلى أهلك في الوقت الحالي، وعندما تُنهي خدمتك العسكريّة {مُعطياً ما لقيصر لقيصر}، سيكون بمقدورك أن تذهب لخدمة الملك السماوي”.

بعد سنتين تقريباً وقعت القرعة على قسطنطين للانضمام إلى الجيش وتمَّ تثبيته في أثينا. سَمح له برنامج الخدمة أن يُشارك في الخدم الكنسيّة، وحضر بشكل مُتكرّر صلوات الأب إفسابيوس وقام بالترتيل عدّة مرّات في صلوات الغروب التي كان يُقيمها الأب (القديس) نقولا بلاناس. إلاّ أنّ الشرير استمرّ بتعقّبه. فكونه رقيباً بُعث في دوريّة إلى جزء قذر سيء السمعة من المدينة يتردّد إليه السكارى وبنات الهوى. “من أجل أن يبقيني بعيداً عن الإنحراف، فإن الإله الصالح والمحبّ البشر جعلني أشمّ رائحة نتانة وأشعر بمقت واشمئزاز تجاه بنات الهوى حين كنت أدخل بيوت فسقهم. هذه الرائحة النتنة استمرّت في أنفي لبعض الوقت”. وهكذا تمّ صونه من الوقوع ضحيّة الإغراء.

At the end of his military service, Constantine revealed to Saint Nektarios, then director of the Rosario Seminary in Athens, his desire to become a monk on the Holy Mountain. The saint advised him instead to go to the monastery of Longovarda on Paros. He nevertheless gave him his blessing when he saw his determination to go to the Holy Mountain, a mountain whose fame the ardent and ambitious young man could not resist.

In May 1907, Constantine took a steamer to Thessaloniki, where he was supposed to continue on to the Holy Mountain. He was pleased to stop, which would give him the opportunity to venerate the relics of the great martyr Saint Demetrius, whom he had revered since childhood. But when he made his preparations to continue his journey, the Turks, who were evacuating the city at the time, prevented him from doing so and arrested him, suspecting him of being a spy. He was taken to the infamous White Tower, but the Pasha himself rushed to order his release and to board a Greek steamer that was about to sail to Greece. Constantine, astonished by the Pasha’s intervention, later learned that Saint Demetrius had appeared to the Pasha that morning and ordered him to go quickly to such-and-such a street and release a young man who had been unjustly arrested and convicted, and to send him on the steamer Mycale, which would take him back to Greece.

نزل قسطنطين من الباخرة في فولوس حيث قابل أُناساً طيّبين حاولوا مساعدته على تأمين إذن بالدخول إلى الجبل المقدّس، إلاّ أنّه أدرك أنّها ليست إرادة الله وذلك بعد أن قامت العراقيل عند كلّ محاولة. كتب لاحقاً: “لقد تعلّمت درساً قيّماً، يجب أن أكون مُطيعاً بالكليّة لأبي الروحي، بدون معارضة، وأن أختشى، لا عن مشيئتي بل مشيئة أبي الروحي كما فعل الربّ يسوع المسيح عندما أتى إلى العالم لا ليُتمّم مشيئته بل مشيئة الآب الذي أرسله”.

بعد بضعة أيّام، أبحر إلى مرفأ سبيروس في جزيرة باروس، ومن هناك شقّ طريقه سيراً على الأقدام إلى دير لونغوفاردا. لقد تحقّق، أخيراً، توقه إلى دير يمكث فيه: “عندما شاهدتُ النظام، التقوى، الطاعة، المحبّة، التعاطف والإنسجام بين الإخوة، شعرتُ بفرخ عارم حتى أنّني ظننت نفسي في الفردوس”. تمَّ قبوله كمبتدئ، وبعد سبعة أشهر، في كانون الأول سنة 1907، أُعطي الإسكيم الصغير وسُمي فيلوثيوس “مُحبّ الله”.

في سنة 1910، أخذ الأب فيلوثيوس، وقد أصبح شماساً، البركة لتحقيق حلم صباه وذهب إلى الجبل المقدّس حيث أراد في الماضي ان يُصبح راهباً. لقد كتب بحماس إلى صديق حول هذا الحجّ، واصفاً الفرح والرهبة اللذين اختبرهما عندما أصبح في “بستان العذراء” وتمكنه من تكريم الكنوز الروحيّة العديدة: بقايا القدّيسين والأيقونات العجائبيّة في الأديرة المتعدّدة والأساقيط (جمع إسقيط) التي زارها. لقد ذكر بحزن، في سيرته الشخصيّة: “لقد وجدتُ، فقط، قليلاً من الأشخاص القدّيسين يُعدّون على الأصابع. لم أرَ أيّا من أصحاب المواهب أو صانعي العجائب كما كان يوجد في السابق”.

On his return journey, he stopped in Thessalonica to venerate the relics of Saint Demetrius. Once again he was arrested by the Turks on suspicion of being a spy. He was placed in a cell surrounded by three layers of barbed wire, where he found a young man like himself being held. He had not been there long when a great commotion broke out in the harbor, causing the guards to rush there. A fuel tank on a passenger ship had caught fire. The young man quickly took a pair of pliers from his pocket and cut some of the wires. He then led Fr. Philotheos out of the prison to a Greek steamer anchored outside the harbor. After he had arranged his things, Fr. Philotheos turned to thank the young man, but he had already disappeared. He did not learn who he was until years later: he was celebrating Mass in the church of Saint Demetrius when he looked up and saw that the icon of the saint bore a striking resemblance to his liberator.

بدلاً من العودة إلى لونغوفاردا، استغلّ الأب فيلوثيوس الفرصة ليزور اباه الروحي، القدّيس نكتاريوس الذي صار حينها يعيش في ديره الرهباني في آيينا. وجد رئيس الكهنة مُرتدياً جبّة رَثّة وهو يحفر بالمعول في الباحة. ظنّاً منه بأنّه أحد العمّال، طلب الأب فيلوثيوس من القدّيس نكتاريوس أن يذهب إلى المطران لإبلاغه بأنّ إبنا روحيّاً له، شماساً، ينتظر خارجاً ليراه. لم يكشف القدّيس عن هويّته مباشرة بل قاد الزائر إلى غرفة الإستقبال: “إنتظر هنا وسأذهب لأطلب منه المجيء”. بعد عدّة دقائق عاد: “لقد صُدمت وتفاجأت” يتذكّر الأب فيلوثيوس: “لقد وجدتُ أن الرجل الذي ظننته عاملاً… وخاطبته بخشونة وبطريقة الأمر، كان المطران نفسه! حتى أنّي لم آخذ بعين الإعتبار أنّها كانت ساعة الإستراحة بعد الظهر، إذ ينام الجميع…! لقد ركعت والدموع في عينيّ متوسّلاً إليه أن يسامحني على تكبّري وسوء تصرّفي”.

قام، حينها، الأب فيلوثيوس بالتوسّل إلى القدّيس ليعلّمه كيف يتغلّب على الكبرياء الممقوتة من الله، وهكذا بدأ القدّيس نكتاريوس بالشرح مفسّراً كيف أنّه، وحسب الآباء القدّيسين، كلّ خطيئة تُغلب بفضيلتها المقابلة: “…يتمّ التغلّب على الحسد بالمحبّة، الكبرياء بالتواضع، البخل بالفقر، الجشع وقساوة القلب بالإحسان والتعطّف، التراخي بالاجتهاد، الشراهة والاستعباد للبطن بالصوم والإمساك، الكلام الباطل بالصمت، الانتقاد والنميمة بلوم النفس والصلاة…”. لقد شدّد القديس على أنّنا لا نقوم بهذا بفضل جهدنا الشخصي وقوّتنا. يجب أن نتوسّل إلى الله ليقوم بذلك.

غادر الأب فيلوثيوس أباه الروحي، وهو مملوء بالغنى الروحي والعزم، إلى لونغوفادا في أيلول سنة 1910. في 22 نيسان سنة 1912، يوم أحد السامريّة، رُسم الأب فيلوثيوس كاهناً على يد الميتروبوليت جبرائيل الذي من تريفيليا من أعمال أولمبيا. لقد وصف تلك المناسبة في رسالة بعثها إلى أبيه الروحي الجزيل الوقار في دير كاراكاللو: “عندما شارف التكريس على أن يبدأ، وقف المطران في الباب الملوكي مُتحسّساً خطورة مهمّته، وبدأ يتكلّم عن الكهنوت. كان متأثّراً ولم يقُل إلاّ بضع كلمات بليغة مفعمة بالمعاني. عندما انتهى، طلب من جماعة المُصلّين بصوت خفيف: {ليسجد كلّ واحد من الحاضرين وليُناشد الربّ بإيمان أن يُرسل الروح القدس على الذي سوف يُسام ليكون نافعاً ومُفيداً لنفسه ولإخوته وللمجتمع”. سرعان ما ركع الجميع – الرجال، النساء والأطفال – وصلّوا بانسحاق. العديد من أصدقائي وإخوتي الروحيين المُنحدرين من عائلات نبيلة ومعروفة، الذين قد عرفتهم عندما خدمت في أثينا كضابط صغير، والذين أُقاسمهم محبّة روحيّة قويّة، كانوا حاضرين. كانوا يرفعون الصلوات لتحلّ نعمة الروح القدس عليّ، كانت الدموع تنهمر من أعينهم وهم راكعين حتى نهاية خدمة الرسامة. شعرتُ بانسحاق كبير حتى أني عجزت عن إمساك دموعي. لقد أحسستُ بقلبي يَضرُب بشدّة، ممّا جعل الدموع في عينيّ طوال ذاك النهار.” في حالة شخص آخر ذي نضج روحي اقلّ، فإنّ مثل هذا الشعور المجيد ممكن أن يؤدّي إلى عُجب روحي وكبرياء، خاصّةً إذا ما كان الشخص لا يزال فتياً. إلاّ أنّ الأب فيلوثيوس كانت محروساً بحساسيّة حادّة تجاه إقترافه الخطيئة. في الرسالة نفسها يقول: “حتى وبعد تلقّي نِعَمٍ عديدة من الأب فإنني انا، الخاطئ غير المستحقّ، لا أزال أعيش في التواني وأتمرّغ كالخنزير في الخطيئة، غير مُدرك كيف يجب أن أتصرّف تجاه الله وتجاه إخوتي وقد تسربلتُ بدرجة من الكهنوت السامية. إنني أخاف ان أُدان كما حصل للخادم الشرير الذي خبّأ وزنته. إنني أتضرّع مُلتمساً إلى حضرتك من قدسك أن تذكرني في صلواتك أنا الفاسد الدنس الخاطئ، وكذلك عندما تُقدّم الذبيحة غير الدمويّة حتى أنال الرحمة من لدن الرب”.

The following year, Father Philotheos was ordained archimandrite. He began preaching and receiving confessions in the villages and towns of Paros and the surrounding islands. Over the years, his pastoral and missionary journeys took him further and further afield until he became the first confessor in all of Greece.

رلقد كان الطلب قوياً على شيخنا للوعظ أنّى ذهب. سنة 1924، قام بحجّ طويل إلى الأراضي المقدّسة ومصر، وقام بوصف تلك الرحلة بالتفصيل في كتابه “الحجّ العظيم العجيب إلى فلسطين وسيناء” الذي أُصدر بعد سنة. وفي الكتاب محفوظة الخدمة التي سُئل ان يُقيمها في الجلجلة يوم الجمعة العظيمة. من الممكن أن نحكم على موهبته كواعظ من خلال ردّة فعل مُستمعيه التي ذكرها بدون تكلّف في رسالة بعثها من أورشليم إلى أبيه الروحي الشيخ إيروثيوس: “لقد كانوا يُصغون إلى كلماتي المتواضعة بانتباه وتوبة كبيرين. لقد بلغ الجمع، وأنا معهم، درجة من التأثّر بحيث أننا ذرفنا الدموع. لقد قال الآباء المُقيمون في الجلجلة بأنّه لم يعُظ أيّ من اللاهوتيين الذي زاروا المكان بمثل هذا التأثير والاستنارة”.

كانت الانطباعات التي سجّلها في رسائله المتعدّدة تتأرجح بين الارتفاع الروحي الذي اختبره في حضوره الخِدم في الأمكنة المقدّسة المُختلفة وبين القلق الحادّ، أو حتى الشعور بالخطر، ممّا لمسه في الحياة الروحيّة الكئيبة في تلك الأماكن نفسها: “آه، كم رأيتُ وتمتّعتُ بالجلالة غير العادية والرائعة. كلّ شبر من هذه الأرض مقدّس وتاريخي… يبدو لي أنني في الفردوس نفسه، وكما لو أنني أُعاين المسيح نفسه. …هنا حيث لديهم الكثير من الأسباب، الرموز والحوادث العجائبيّة، من المفترض أن يكونوا قدّيسين، إلاّ أن الشيطان يعمل هنا بشكل مضاعف… لسوء الحظ فإنّ كهنة أورشليم، مع بعض الاستثناءات، يدفعون المسيحيين إلى الهلاك. لقد ذهبت إلى الصخرة حيث اختبأ موسى ورأى مجد الله. لقد هزّني الإنخطاف في تلك اللحظة وانهمرت الدموع من عينيَّ: لقد أحسست بعذوبة وفرح روحي لم أشعر بهما من قبل… المسيحيون، في تلك الأمكنة، بحاجة ماسّة إلى كلمة الله. ينام شعبنا نوم عدم الإكتراث والتواني، بينما يقوم اللاتين والبروتستانت بالاقتناص والدعاية القويّة… لقد عاينتُ المناسك وأماكن الأساقيط التي أقام فيها الآباء النسّاك القدّيسون، فكانوا يعيشون في المغاور وثقوب الأرض يعاينون الحرمان والبلى وغيرها… لقد ذرفتُ الدموع السخية وأنا أقول: “أين الآباء الكليّو القداسة الذين أقاموا مرّة في هذه الصحراء والكهوف والثقوب، وهم الآن يرتعون في الفردوس؟ لقد أحبّ هؤلاء الموقّرون الطريق الضيّق والمُحزن. لا ينبغي أن نتردّد عن فعل ذلك بسبب الراحة المؤقّتة هاهنا لأنّنا سوف نُحرَم من الراحة الأبديّة. لذا، دعونا نُجبر أنفسنا على فعل ذلك”…

في سنة 1930 رقد الشيخ إيروثيوس وبرغبة منه خلفه الأب فيلوثيوس في رئاسة لونغوفاردا. كان قد ذاع صيته كقديس. ويصفه تاريخ الدير على انّه “غني بكلّ فضيلة، موسوم بالتواضع الشديد، وذو علم واسع، ومُستحقّ المديح على كلّ الأحوال. فقد تجلّت بوضوح كلّ الفضائل التي تزيّنه: تقوى صادقة أصيلة، إيمان وثقة بالله لا يتزعزعان، ضبط للنفس، حبّ للعمل، حماسة للتسليمات الحيّة، تفانٍ في أعمال الدير، طاقة مميزة في الاعتراف والوعظ بكلمة الله، وفوق كلّ ذلك التواضع”. بالرغم من واجباته الجديدة المترتّبة عليه بسبب رئاسته للدير، استمرّ الشيخ فيلوثيوس بالوعظ واستقبال المُعترفين مُحافظاً على رباط مع أولاده الروحيين.

علاوة على ذلك تحققت للشيخ رغبة طالما تمنّاها عندما صار باستطاعته سنة 1934 أن يحجّ إلى القسطنطينيّة. هناك أيضاً سُرَّت نفسه بالكنوز الروحيّة في المدن. أثار إعجابه بشكل خاص الفخامة الرائعة لكنيسة الحكمة المقدسة. لكنّه، في نفس الوقت، كان حزيناً لأنّ الكاتدرائيّة كانت بيد الأتراك. “واأسفاه أيّها المسيحيّون” قالها بنوح، “كيف حرّكت خطايانا إلهنا الكثير الرحمة والجزيل التحنّن وأثارت سخطه حتى سمح بأن نُحرَم من كنيسته المقدّسة. أيّها الربّ إلهي، لقد حرمتنا من ذلك بعدل، فقد أظهرنا جحودنا نحوك أيها الإله الحقيقي”. لقد صلّى الشيخ بإلحاح لكي يُعيد اللهُ كنيسته التاريخيّة العظيمة للأرثوذكسيين في حياته فيستطيع تقديم الذبيحة غير الدمويّة. “لكن علينا نحن الأرثوذكسيين أن نمضي حياتنا بالندم والتوبة حتى نستحقّ هكذ عطيّة.” لقد انتهت هذه الرحلة لتكون الأخيرة للشيخ خارج بلاده.

The sheikh's movements were somewhat curtailed by the war, but during that time the monastery was a hive of activity. The German and Italian occupations brought great hardship to the inhabitants of Paros, whose numbers were swallowed up by the influx of refugees from the Greek mainland. By God's mercy, the monastery of Longovarda had an unusually bountiful harvest that enabled it to keep up with the monastery's generosity, feeding hundreds of people every day. Later, it was counted that 1,500 Parosians would have died of starvation.

يقدّم أحد الحوادث التي جرت في ذلك الوقت برهاناً ملفتاً عن محبّة الشيخ الإنجيليّة. فقد قام بعض الجنود البريطانيين بمباغتة الألمان في باروس في إحدى الليالي، فقتلوا إثنين وأسروا البعض الآخر. فقام الإلمان، ظنّاً منهم بأنّ أهل باروس متواطنون، بإصدار أمر بإعدام 125 شاباً اختيروا بطريقة عشوائيّة باعتبار أنّ هذا الإجراء سيكون رادعاً لأيّ عمل من هذا النوع في المستقبل. بعد صلاة حارّة إلى السيّدة (بانتاناسا Pantanassa)، قام الشيخ فيلوثيوس بدعوة المفوّض الإلماني غرافونبارايبارغ إلى الدير. فكان الضابط متأثّراً بشدّة من الزيارة حتى أنّه اندفع متسرّعاً وسأل الشيخ أيّة خدمة يطلبها. بعد ان وطّد العرض بوعد من الضابط، طلب الشيخ بجسارة أن تتوقّف الإعدامات الموشكة الحدوث. عندما احتجّ الألماني بأنّ هذا الأمر ليس من صلاحياته، أصرّ الشيخ فيلوثيوس بأنّه، في هذه الحالة، يجب ان يُحصى مع الشباب المُزمَع إعدامهم، مُضيفاً: “سأعتبر هذه الخدمة المهمّة”. فقام غرافونبارايبارغ بإصدار أمره بالعفو عن الشباب. إبتداءً من هذه النقطة، فإنّ سيرة الشيخ لم تَعدُ أكثر من تعداد المدن والبلدات حيث “استمع إلى الاعترافات ووعظ بكلمة الله”. في الوقت نفسه استمرّ بالإشراف على دير لونغوفاردا ورهبنتّين أخريين أُضيفتا إلى مسؤوليّته. لم يكن ذلك، قطعاً، حدود إنجازاته. ففي ملحق موجز لسيرته الذاتيّة كتب باقتضاب: “لقد اتبعت المسيح خلال حياتي القصيرة على هذه الأرض، فمنحني أن أكون جديراً ببناء 12 كنيسة، ديرَين، ثلاث مدافن، مدرستين… إلخ. وبعث إليَّ بالمال بواسطة مسيجيين مُحبّين للربّ فقُمتُ بتوزيعه على إخوته الفقراء الأرامل واليتامى”. إضافة لذلك، فقد قام بكتابة عدد من الكتيّبات مُجاهداً بكلّ معنى الكلمة لاستنهاض همّة اليونانيين ليتخلّصوا من اللامبالاة الروحيّة ومُلهماً إيّاهم بالنماذج الإنجيليّة. وكتب، أيضاً، آلاف الرسائل النُصحيّة لأبناء روحيين من كلّ أصقاع العالم: أوروبا، أفريقيا، أميركا وأوستراليا.

يُحار المرء عندما يجد الشيخ ثابتاً لا ينهار من التعب، علماً بأنّه ينام قليلاً ولا يأكل حتّى الشبع. بالواقع إنّه يكتب: “أُقرّ بأنني في أحيانٍ كثيرة بعد سماعي الإعترافات طوال النهار وفي الليل… أكون مُنهكاً جدّأً حتى أنني أنام في السرير كالميّت وأنا أُفكّر بأنني لن أنهض بعد ذلك بل سوف أموت أو أمرض… لعدّة أيّام… على أيّ حال فإنني عندما أستيقظ في الصباح أشعُر بأنّني شُفيت وفي صحّة جيّدة. هذا ما يجعلني أتعجّب وأتساءَل أحياناً كثيرة، فأُدرِك ضعفي كما أُدرك نعمة الله (التي بدونها لا تستطيع أن نفعل شيئاً)، فأقول {لستُ أنا من يُجاهد بل بالأحرى نعمة الله التي تقوّيني}… سأكون مجنوناً لو أنّي تجرّأتُ على الإفتخار.”

في النهاية، فإنّ جسده، بالطبع، قد أُنهك تماماً. في شباط سنة 1980 وقبل الصوم الكبير، كان الشيخ في دير سيّدة الآسية (مايرتيديوتيسا نسبة لشجرة الآس) و هو واحد من الرهبنتين التي أسسهما في باروس، استبّد به المرض. خلال الأشهر الثلاثة التي كان فيها ضريح الفراش استمر بالارشاد وإلهام الاخوات بما كان عليه كما بما كان يقوله. وفي وصف هذا الفصل الاخير من حياته الارضية كتبت الاخوات بشكل مؤثر كيف كان الشيخ يتلقى المناولة الإلهية: “بالرغم من أنه كان منهكاً جسدياً فقد كان يستعد قبل ساعات… وعندما كان يظهر الكاهن على باب قلايته كان يرفع يديه الضعيفتين و يصرخ من كل قلبه: {مرحبا بك يا الهي. مرحبا بك}. فيشترك بالمناولة الإلهية بقدر كبير من الخشية والشوق والندم كما لو أنها المناولة الأولى بحياته… فكان يتغير بكل معنى الكلمة… لمرتين كانت هيئته لامعة حتى أننا لم نجسر على النظر اليه. كان مملوءاً من النور الإلهي. بعد ذلك، كان يقول وهو رافع يديه: {خذني يا إلهي، خذني}. …كم أحبّ الله بصدق وبالكلية.”

في الثامن من ايار سنة 1980 وبعد سبعين سنة من العمل المتواصل في كرمة المسيح، دخل الشيخ فيلوثيوس في الراحة المغبوطة التي هي جزاء المستقيمين. أجرى مراسم الدفن، وبحسب رغبة الشيخ، الأرشمنديت ذيونيسيوس (كالامبوكاس) الذي في دير سيمونوس بترا في جبل أثوس. دفن جسده هناك في المدفن في مكان كان قد اختاره قرب الكنيسة المكرّمة على اسم مرشده الروحي القديس نكتاريوس من آيينا. لاحقا، كتب الاب ذيونيسيوس نفسه في معرض مدحه للشيخ المبارك: “أيها الاب الكلي قدسه الدائم الذكر فيلوثيوس… لقد بقيت من طفولتك وحتى نهاية حياتك إبناً دائماً للربّ… وفي الوقت نفسه كنتَ راهباً متقشّفاً في دير لونغوفاردا، كنتَ ضابطاً نفسك، ناسكاً بالسر رسولاً وأباً روحيّاً لآلاف النفوس… إنّ طهارة جسدك ونفسك وروحك وعقلك لباهرة… بتواضعك اللامتناهي كنتَ تجذُب الملائكة الذين كانوا يأتون لمعونتك… لقد اكتسبتَ إلفة القدّيسين. لقد ارتبطت بهم حميعاً بمحبّتك لهم واحتفالك بتذكارهم في كلّ خدمة كنسيّة وفي صلواتك الشخصيّة… وصرتَ صديقاً لكلّ إنسان، لكلّ طبقة، لكلّ الأعمار، للنساء والرجال. لقد ربحتَ قلوباً لا تُحصى وجذبتها نحو الله.”

May God grant that we may be among those who are drawn to the nearness of God through the example of the blessed Elder Philotheus.

Amazing

Our Lord said that his followers would perform miracles as he himself did. The life of the blessed Elder Philotheos certainly gives clear proof of his belonging to the true apostles of Christ. This is confirmed by the abundant grace he had as a miracle worker, both in life and in death. His fame as a confessor was increased by his enlightenment and the gift of clairvoyance: there are many examples of him reminding people of specific sins they had forgotten or concealed during confession. There are reliable cases of barren couples who became pregnant immediately after asking the Elder’s intercession. Others report healings from goiter, gangrene, severe headaches and toothaches. A remarkable healing was recorded by Efstathia and Andrew of Athens:

Their son George was born in March 1963. He seemed to be a normal, healthy baby, but as the weeks passed he stopped eating. A pediatrician diagnosed him with varicose veins and blood tests revealed he was anemic, a condition that required constant blood transfusions. The prognosis for the child was horrific. A few days after he was admitted to the hospital, his aunt suggested that they go see Elder Philotheos, who had just arrived in Athens from Paros. They did so, and to the mother’s tearful pleas, the Elder accompanied them to the hospital.

كان التنفّس الضعيف للطفل هو العلامة الوحيدة المنظورة لبقائه على قيد الحياة. صلّى الشيخ ورسم إشارة الصليب على الطفل. ثمَّ وضع أيقونة والدة الإله على الوسادة. “ماذا يجب أن أفعل؟” سألت الأمّ المُضطربة. “هل أُبقيه ليموت هنا أم آخذهُ إلى البيت؟” “لا” أجاب الشيخ، “سوف يُسلّمكِ إيّاه الأطبّاء خلال يومّين أو ثلاثة. على أيّ حال، بعد سنة اجلبيه إليّ في باروس”. فصُعق كلّ من كان مُتحلّقاً حول المهد. “ماذا تقول يا أبتِ؟” سألت ممرضة. “إنّ الطفل يُشارف على النهاية. من المُختمل أن يعجز الأطباء حتى عن نقل الدم إليه”. أجاب الشيخ: “إنكِ تفتكرين بأمر، والعذراء تفكّر بأمر آخر”.

في تلك الليلة ارتفعت حرارة الطفل وصار يتنفّس بصعوبة. عند الصباح هبطت الحمّى، وعندما قامت الممرّضة بأخذ وزنه أصابتها الحيرة إذ اكتشفت إنّ وزنه زاد حوالى سبعين غراماً: لم يكن الطفل قد تناول شيئاً منذ يومين”. كانت تلك عجيبة. في اليوم الثالث خرج الطفل من المستشفى. كان مكتوباً على أوراق الخروج: أنيميا (فقر الدم). أخذت الأم طفلها إلى الشيخ ثيوفيلوس لشكره على وساطته العجائبيّة. نادى الشيخُ الطفل: “الله هو الذي أنقذ موسى”.

Translated into Arabic by Father Athanasius Barakat

Exit mobile version