Site icon شبكة أرثوذكس أونلاين

إنهاء حياة المرضى بدافع الشفقة – الموت الرحيم

“أن تكون أواخر حياتنا مسيحية سلامية بلا حزن ولا خزي وجواباً حسناً لدى منبر المسيح المرهوب نسأل.”

يُعرف تعبير “إنهاء حياة المرضى بدافع الشفقة” في اللغات الغربية بالـ Euthanasia وهي كلمة يونانية معناها: الموت السعيد (Happy Death)، وتستخدم للإشارة إلى التدخل الطبي لإنهاء حياة مرضى الأمراض المستعصية، والتي تسبب آلاماً مبرحة لا علاج لها، رحمةً وشفقةً بهؤلاء المرضى. وقد تتسع الكلمة لتشمل أيضاً الدعوة لإنهاء حياة الأطفال أو المولودين حديثاً، الذين يعانون من التخلّف العقلي أو الأمراض المستعصية، رحمة بهم من حياة قاسية مقبلة.

إن دعاة الـ Euthanasia  ينقسمون إلى مجموعتين:

  1. المجموعة الأولى تشترط الموافقة الواضحة والصريحة للمريض، قبل التدخل الطبي لإنهاء الحياة، وتسمى: “الموت الإرادي”: (Voluntary Euthanasia).
  2. المجموعة الثانية ترى أنه يكفي أن يكون التدخل الطبي لإنهاء حياة المريض، هو في صالح المريض (إنقاذه من الآلام والعذاب)، ومن دون الحاجة لموافقته، وتسمى “الموت غير الإرادي” (Involuntary Euthanasia). وهذه المجموعة تأخذ في الاعتبار الحالات التي لا يكون فيها المريض قادراً أن يعطي الموافقة، وتفترض أنه لو كانت حالته تسمح لوافق على ذلك.

ويبني دعاة الـ Euthanasia دعوتهم على ثلاثة أمور:

1- رغبة المريض:

يعتبر البعض أن رغبة المريض في إنهاء حياته، تبرز التدخل الطبي لتنفيذ هذه الرغبة. على أساس أن المريض وحده له الحق في اختيار الموت. ويقتصر قبول هؤلاء للتدخل لإنهاء حياة المريض على وجود هذه الموافقة، ويرفضون التدخل الطبي في حالة عدم وجود موافقة من المريض. أي يؤيدون فقط “الموت الإرادي”.

هذه الرغبة يسميها دعاة الـ Euthanasia “بالاستقلالية” (Autonomy وتعني أيضاً Self-Government – Independence).

في كل مجتمع يجب أن تكون ثمّة حدود لحرية الإنسان من أجل انتظام هذا المجتمع، أما دعاة الـ Euthanasia فينكرون هذه الحقيقة، ويقولون إنّ حياة الإنسان مهمة وللإنسان الحق أن يختار وقت موته وطبيعته. إنه “الموت حسب الطلب” (Death on Demand).

2- كرامة الحياة الإنسانية:

يؤيد البعض الـ Euthanasia على أساس المحافظة على كرامة الحياة الإنسانية. وبالتالي يوافقون على التدخل لإنهاء حياة الإنسان، إذا وصلت إلى درجة لا تتفق مع كرامة الحياة الإنسانية. ويعتبرون بعض حالات الأمراض المستعصية، وما يصاحبها من الآلام وفقدان المريض للإدراك والتركيز، أو حالات الهذيان وعدم القدرة على التحكم في الوظائف الطبيعية، من الحالات التي قد لا تتفق مع كرامة الحياة الإنسانية، ويعتبرون أن التدخل لإنهاء حياة المريض، ليس عمل شفقة فقط، بل عملٌ يصون كرامة المريض.

قطعاً لا يقصد هؤلاء كل الحالات المرضية التي تصاحبها هذه المظاهر، ولكن هم يقصدون الأمراض الصعبة مثل الأيدز وغيرها، أي الأمراض التي تستمر لفترة طويلة وبلا علاج، ويكون المريض راغباً في إنهاء حياته.

هذا ما يسميه دعاة الـ Euthanasia “بنوعية الحياة” (Quality of life) وتشمل:

لقد أخذ هذه التعابير دعاةُ الـ Euthanasia وحوّلو معناها من نوعية الحياة (Quality of life) إلى قيمة حياة (Value of a life and Quality of living).

هذا يعني أن الحياة بمستوى متدنٍّ غير لائقة لتعاش. وهذا يعني أيضاً أن هنالك أشخاصاً أفضل لهم أن يموتوا وأن نتركهم يموتون ولهم الحق أن يطلبوا الموت.

هكذا يبررون معنوياً قتل الأشخاص إرادياً أو لا إرادياً (Voluntary or Involuntary).

3- صالح المريض:

يرى البعض أنّ التدخل لإنهاء حياة المريض إذا كان يحقق صالح المريض وخيره، هو عمل مقبول، حتى لو كانت حالة المريض من الصعوبة التي لا تمكنه من إبداء موافقته على التدخل لإنهاء حياته. ويفترضون في هذه الحالة، أن المريض لو كان في تمكنه من التعبير عن نفسه، لرغب بإنهاء حياته.

إن دعوة التدخل الطبي لإنهاء حياة المرضى ذوي الحالات المستعصية Euthanasia، هي دعوة ظاهرها الشفقة والرحمة، ولكنها في باطنها إنكار لحقائق إيمانية أساسية فيما يتعلق بأمور الحياة والموت. لذلك فهي دعوة مرفوضة من الناحية الدينية، وينبغي على كل مسيحي ذي ضمير حي أن يقاوم محاولات إصدار تشريعات، كما في بعض المجتمعات الغربية، للسماح ببمارسة الـ Euthanasia وذلك للأسباب التالية:

1. حياة الإنسان هي هبة من الله:

“نفخ (الله) في أنفه حياة، فصار آدم نفساً حية” (تك 2: 7). ليس للإنسان سلطان أن ينهي حياته بناء على رغبته. كما أن تعبير الإنسان عن رغبته في إنهاء حياته مهما كانت أسبابها، لا تبرر قيام الآخرين، وبخاصة من يعملون في المجال الطبي بتنفيذ هذه الرغبة.

إن قبول مبدأ حق إنهاء حياة المريض بناء على رغبته، يقود إلى قبول الانتحار الذي لا شك يتم بناء على رغبة المنتحر. فهل نوافق على الانتحار بحجة أن هذه رغبة المنتحر؟!

إن اختيار المريض للموت الرحيم يتطلب:

وليكون الاختيار حقاً مستقلاً يجب أن يكون:

فهل حقاً أن “المريض في أواخر مراحل مرضه” (Terminally-ill) هو في موضع يؤهله لاتخاذ قرار كهذا؟ بالطبع لا.

2. كرامة الحياة الإنسانية هي في الحياة ذاتها:

مهما كانت مظاهر هذه الحياة، فلا المرض ولا الألم ولا الضعف الجسدي يفسد كرامة الإنسان. الخطيئة وحدها هي التي تفسد الطبيعة البشرية وتحط من كرامتها.

حقاً إن المرض ليس من الطبيعة البشرية التي خلقها الله في كامل الصحة، لذلك فالإنسان يجتهد أن يتجنب وأن يعالج المرض. ولكن وجود المرض مهما كانت شدته أو مظاهره، لا يبرر التدخل الطبي لإنهاء حياة المريض. فالطب هدفه المحافظة على حياة المريض، لا التدخل لإنهاء حياة المريض بسبب العجز عن تقديم العلاج.

في موقف دعاة الـ Euthanasia خطران:

الخطر الأول:

لا توجد معايير واقعية وموضوعية (Objective Criterion) لقياس نوعية الحياة، ومعظم هذه المعايير شخصية، وهي:

ثم إن هذه المعايير يحددها ويقرر على أساسها أشخاص آخرون “المراقبون الخارجيون” (Third Party) غالباً ما يكونون غير كفوئين، ويجرونها من الخارج (Outside Observer’s Judgment) لتقييم نوعية حياة غير حياتهم.

الخطر الثاني: “خطر الانزلاق” (Slippery Slope)

إذا اعتمدنا معايير نوعية بإمكاننا الانزلاق من الموت الإرادي إلى الموت اللاإرادي.

يمكننا النظر إلى هذا الأمر من زاويتين:

المؤمن يقف مع:

3. الله يريد الخير للإنسان وقد يسمح الله بالمرض لخير الإنسان:

فكثيرون قادهم المرض للتوبة، وتنقّت نفوسهم وأرواحهم من خلال بوتقة آلام المرض. كما أن المريض في شدة مرضه، قد يكون رسالة تعليمية للإصحاء غير المدركين لنعمة الصحة أو للفتخيرين بالأمور العالمية.

إنه لمن الصعب أن نحدد بنظرتنا البشرية للأمور، لذلك فإنه مع كل جهد يبذل لتخفيف آلام المريض، وكل صلاة ترفع لأجل شفائه، نترك بإيمان وتسليم كامل أمر حياة المريض وموته لإلهنا الصالح الذي وحده يعرف ماهو لصالح المريض.

مالعمل:

الخاتمة:

كلمة أخيرة عن “خطوات بطولية في مواجهة ميؤوس منها” (Heroic steps facing a hoplesse case) إنه تعبير على إرادة الله ويجب الابتعاد عنه..

في العهد القديم:

Montaigne:
It needs a wise woman to help man to enter the world, an even wiser person is needed to help him to go out from it.

مونتان:
دخول شخص إلى العالم يحتاج لمساعدة امرأة حكيمة، وأما خروجه من العالم فيحتاج إلى شخص أوفر حكمة.

محاضرة أُلقيت في 8 آب 1998، ضمن سلسلة محاضرات السنة الأكاديمية 1998/1999 التي ينظمها معهد اللاهوت في جامعة البلمند.
الدكتور سليمان جبران
عن كتاب حوليات 2-3

Exit mobile version