المعمودية والاختتان: كان اليهود منقسمين إلى قسمين، فريق يقول بوجوب أخذ الحضارة والتماشي معها من اليونانيين، والفريق الآخر متمسك بتقاليد اليهود ويدعو للحفاظ عليها. وبعد أن بدأ الوثنيون والأمميون يؤمنون بالرب ويدخلون حظيرة الإيمان. قال المتهلنون (الفريق الأول) بإعفاء الوثنيين من إتمام جميع شرائع موسى أم المحافظين فإنهم أوجبوا عليهم -الوثنيين- إتمام الناموس قبل الدخول -الاعتماد- في المسيحية.
وبعد حدوث الإضطهادات و ذهاب بعض التلاميذ والأخوة إلى أنطاكية، وكان من بينهم من قبارصة وقيروانيين، راحوا يعلنوا بشرة الخلاص الحاصل بالرب يسوع آمن أناس من اليونانيين، فلم وصل إلى أنطاكية فريق من المؤمنين من أصل يهودي حدثت مناقشة حادة حول علاقة الناموس بالإنجيل وأوجبوا على الأخوة الذي من أصل وثني أن يختتنوا ويتمموا الوصايا التي فرضها الناموس. فرأى الأخوة في أنطاكية أن يوفدوا بولس وبرنابا وطيطس وغيرهم إلى أورشليم لمباحثة الأخوة بهذا الشأن.
مجمع أورشليم (43-44): لما وصل الوفد إلى أورشليم أخبروا الكنيسة هناك بما حدث معهم وكيف أن الله تمجد بين الوثنيين، وأن قوم من الفريسيين طالبوا بأن يتمم الوثنيين شرائع موسى. فاجتمع الرسل والكهنة لينظروا في هذا الأمر. وقام الرسول بطرس وقال:
15: 7 ….. «أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِخْوَةُ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنْذُ أَيَّامٍ قَدِيمَةٍ اخْتَارَ اللهُ بَيْنَنَا أَنَّهُ بِفَمِي يَسْمَعُ الْأُمَمُ كَلِمَةَ الإِنْجِيلِ وَيُؤْمِنُونَ. 8 وَاللَّهُ الْعَارِفُ الْقُلُوبَ شَهِدَ لَهُمْ مُعْطِياً لَهُمُ الرُّوحَ الْقُدُسَ كَمَا لَنَا أَيْضاً. 9 وَلَمْ يُمَيِّزْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ بِشَيْءٍ إِذْ طَهَّرَ بِالإِيمَانِ قُلُوبَهُمْ. 10 فَالآنَ لِمَاذَا تُجَرِّبُونَ اللهَ بِوَضْعِ نِيرٍ عَلَى عُنُقِ التَّلاَمِيذِ لَمْ يَسْتَطِعْ آبَاؤُنَا وَلاَ نَحْنُ أَنْ نَحْمِلَهُ؟ 11 لَكِنْ بِنِعْمَةِ الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ نُؤْمِنُ أَنْ نَخْلُصَ كَمَا أُولَئِكَ أَيْضاً».
وإثر كلام بطرس سكت الجميع، فتحدث بولس وبرنابا بما صنع الله معهم في أنطاكية، قام يعقوب وقال كلمته وهو الذي كان يترأس المجمع:
13 وَبَعْدَمَا سَكَتَا قَالَ يَعْقُوبُ: «أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِخْوَةُ اسْمَعُونِي. 14 سِمْعَانُ قَدْ أَخْبَرَ كَيْفَ افْتَقَدَ اللهُ أَوَّلاً الْأُمَمَ لِيَأْخُذَ مِنْهُمْ شَعْباً عَلَى اسْمِهِ. 15 وَهَذَا تُوافِقُهُ أَقْوَالُ الأَنْبِيَاءِ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: 16 سَأَرْجِعُ بَعْدَ هَذَا وَأَبْنِي أَيْضاً خَيْمَةَ دَاوُدَ السَّاقِطَةَ وَأَبْنِي أَيْضاً رَدْمَهَا وَأُقِيمُهَا ثَانِيَةً 17 لِكَيْ يَطْلُبَ الْبَاقُونَ مِنَ النَّاسِ الرَّبَّ وَجَمِيعُ الْأُمَمِ الَّذِينَ دُعِيَ اسْمِي عَلَيْهِمْ يَقُولُ الرَّبُّ الصَّانِعُ هَذَا كُلَّهُ. 18 مَعْلُومَةٌ عِنْدَ الرَّبِّ مُنْذُ الأَزَلِ جَمِيعُ أَعْمَالِهِ. 19 لِذَلِكَ أَنَا أَرَى أَنْ لاَ يُثَقَّلَ عَلَى الرَّاجِعِينَ إِلَى اللهِ مِنَ الْأُمَمِ 20 بَلْ يُرْسَلْ إِلَيْهِمْ أَنْ يَمْتَنِعُوا عَنْ نَجَاسَاتِ الأَصْنَامِ وَالزِّنَا وَالْمَخْنُوقِ وَالدَّمِ. 21 لأَنَّ مُوسَى مُنْذُ أَجْيَالٍ قَدِيمَةٍ لَهُ فِي كُلِّ مَدِينَةٍ مَنْ يَكْرِزُ بِهِ إِذْ يُقْرَأُ فِي الْمَجَامِعِ كُلَّ سَبْتٍ».
فوافق الجميع على هذا الاقتراح واختار الرسل مع كنيسة أورشليم يهوذا وسيلا ليذهبا مع بولس وبرنابا وطيطس إلى أنطاكية ويعلموا بما أوصى به مجمع الرسل وكنيسة أورشليم. فكانت الرسالة الموجهة من المجمع إلى المؤمنين في أنطاكية عزاء بالنسبة لهم.
مجمع أورشليم كمثال للمجامع المسكونية المحددة للعقائد: لتتوقف قليلاً عند هذا المجمع ذي الأهمية الفائقة لأنه على مثاله ستنعقد فيما بعد المجامع المسكونية والتي سيصدر عنها تحديدات عقائدية فنلاحظ الأمور التالية:
إن انعقاد المجمع الرسولي لم يتم بهدف صياغة عقائد أو قضايا جديدة لم تكن معروفة من قبل، وإنما سبب الدعوة إليه كان النزاع الطارئ الذي حدث بين الرسولين بولس وبرنابا من جهة وبين بعض المسيحيين من أصل يهودي من جهة أخرى حول السؤال: إن كان يجب أن يحفظ الأخوة من أصل أممي الناموس الموسوي أم لا؟ (أعمال15: 1-2).
أعضاء المجمع النافذون هم الرسل والمشايخ أي الرعاة الكبار الممثلون للكنيسة كلها “فاجتمع الرسل والمشايخ لينظروا في هذا الأمر” (أعمال15: 6).
قرارات المجمع صدرت بعد مباحثات كثيرة، وبرز بين المتكلمين الرسل أي الشهود الرسميون ليسوع ولكن المهم في الموضوع أن القرار صدر باسم الروح القد وباسم الكنيسة: “لأنه قد رأى الروح القدس ونحن…” (أعمال15: 28) وهذه العبارة ليست شكلية، ولا تعني كما يظن البعض أنه بمجرد أن اجتمع ممثلون رسميون عن الكنيسة فقراراتهم بالضرورة هي قرارات الروح القدس. إنما لكي يتم ذلك يجب أن يكون الاجتماع باسم يسوع ولأجل مجده “متى اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي فأنا أكون بينهم”. وأن يكون بين الحاضرين من عندهم الروح القدس فعلاً، وصاروا قادرين أن يعرفوا مشيئته ويرشدوا الآخرين إليها.
إن الذي صاغ ونطق بالقرار الرسمي الذي قبل به الحاضرون بعد ذلك لم يكن الرسول بطرس، بل يعقوب أخو الرب أسقف أورشليم، والمترأس على ما يبدو للمجمع: “لذلك أنا أرى أن لا يُثقل…” (أع15: 19) نقول هذا لا لننقص، لا سمح الله، من قيمة الرسول بطرس الذي كان لكلامه تأثير بالغ على الحاضرين، إنما لنؤكد الحقيقة الموضوعية وهي أن القرارات العامة الملزمة لأعضاء الكنيسة الجامعة، أو عصمتها، لم تكن محصورة برسول ما أو بشخص مهما سمت مرتبته، إنما بالكنيسة التي يعمل من خلالها الروح القدس: “حينئذ رأى الرسل والمشايخ وكل الكنيسة” (أعمال15: 22).
ولهذا يقول كبريانوس القديس: إن جميع الأساقفة مشتركين في الرئاسة الواحدة. ولهذا على الجميع أن يلتئموا في مجمع يتبادلون فيه الرأي بقضاياهم المشتركة. ولهذا تؤمن الأرثوذكسية أن المجمع هو الأداة الرئيسية التي شاء الله أن يهدي به شعبه. وأن الكنيسة بصورتها الجوهرية هي مجمعية وليست رئاسية. فعندما يجتمع أعضاء الكنيسة في مجمع يتمتعون بسلطة يدركون أن لا أحد منهم يقتنيها بمفرده.