Site icon شبكة أرثوذكس أونلاين

المقدمة: يا لعظمة نفسك!

“نفسك”أعظم من أن تقدر، أثمن من العالم كله!، لذا يقول السيد المسيح: “ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه؟!” (مت 16: 26).

مقال القديس أمبروسيوس عن “إسحق أو النفس” سحب أعماقي، خاصة بعد الفصلين التمهيدين الأول والثاني، إذ يدخل بالقارئ إلى أعماق نفسه، ليدرك قيمتها لا في عينيه فحسب، وإنما بالحري في عينيّ عريسها السماوي السيد المسيح، الذي يقيمها مدينته المقدسة والتي يجد فيها موضعًا مقدسًا يسند فيه رأسه، يجد برّه الإلهي عاملاً في الإنسان الداخلي فيسر به ويمتدحه. يقيمها السيد المسيح جنته الروحية الحاملة ثمر الروح الشهي!

وقد جاء في فصول المقال الثمانية الآتي:

1. يقدم لنا القديس أمبروسيوس إسحق كرمز للسيد المسيح ليس فقط من جهة الحبل به وتقديمه ذبيحة محرقة وإنما أيضًا من جهة اسمه “ضحك”، إذ هو سرّ بهجة كل مؤمن وسروره. يقدمه لنا أيضًا كرمز للنفس البشرية المؤمنة والتقية. يرى فيه تلك النفس التي دخلت إلى حجال العريس السماوي لتشاركه حياته وطبيعته، تحمل سماته فيها، تلك النفس التي هي موضوع سفر نشيد الأناشيد كله!

2. التقت رفقة بإسحق خلال البئر، ينبوع الحكمة الحقيقية، وليس مجرد اتحاد الجسد، فصارت تمثل الإنسان الروحي لا الجسداني، الذي يطلب فيه أن يكون على صورة الله لا أن يلتصق بالماديات.

3. تعلن النفس المؤمنة التقية بسلوكها الروحي وهروبها من الالتصاق بالماديات اشتياقها الشديد إلى قبلات عريسها، قبلات الحب والوحدة، قبلات الاستنارة التي تحوّل ظلمتها إلى نور فريد، إذ يشرق شمس البر عليها وفي داخلها.

إنها تحِنّ إلى عريسها فتطلبه، وبحبه هو يجتذبها إليه فتجري ولا تتوانى.

4. ترى النفس عريسها قادمًا إلى عالمها لا لتترك العالم، وإنما تسمو فوق ملذاته ومتاعبه، يرتفع قلبها في السمويات وهي بعد لا تزال في الجسد على الأرض! تلتقي به على صعيد القلب فتنعم بالبركات التالية:

يقدم لنا السيد المسيح هذه البركات للنفس المؤمنة، إذ يَقْدِم إليها ظافرًا على جبال الناموس وتلال النبوات، يصعدها معه خلال صليبه إلى ملكوته. إنه يتطلع إليها من خلال الكُوَّى لتقبل حضرته ومعيَّته. يأتيها مسرعًا، لذا تلتزم هي أيضًا أن تُسرع إليه ولا تتوانى، حتى يهبها ثمره ويحميها في صليبه!

5. من جانبها تلتزم بالجهاد، تبحث عنه بجدية وفي إيمان في الأماكن التالية:

وإذ تجده النفس المؤمنة وتتعرف عليه كعريس سماوي لا تقف عند لمسه بل بالإيمان تمسك بقدميه ولا تتركه، فتخرج منه قوة تنزع عن النفس نزيفها. ترى نفسها أنها حواء الجديدة الملتصقة بآدم الثاني، تتستّر لا بأوراق التين بل بروح عريسها القدوس ونعمته الغنية المجيدة. تنال برّه فتصير كحواء الأولى قبل السقوط.

تفوح منها رائحة أطياب عريسها فتغني بنات أورشليم تسبحة الحب الزوجي.

تنطلق معهن كما في موكب، إذ تخلع عنها “الأن”، وتتغرب عن الجسد، وتترك محبة العالم، فتستوطن مع الرب. تهرب من العالم والجسد والأنا إلى عريسها الذي يمتدح طهارتها كجنة مغلقة وينبوع مختوم، ويطلب ثمرها الروحي.

6. إذ تثمر كرومًا نقية، تسكر بحب الله وتهيم فيه. عندئذ يتقدم عريسها السماوي.

7. إذ يعمل العريس السماوي في النفس المؤمنة، تحمل من جانبها السمات التالية:

  1. أ. تصير مبتهجة وكاملة وجميلة، سرّ بهجتها أنها تحمل كل أسرار المدينة السماوية، تصير أيقونة السماء، كل من يتطلع إليها يُعجب بها.
  2. ب. أعمالها مدوِّية، تتحدث بصوت يُدوي، وكأنه بوق إلهي يستخدمه الله ليُعلن عن ضياء عمله في النفوس.
  3. ج. تتسم بالوحدة والانسجام الداخلي؛ كل ما فيها من قدرات وطاقات تتناغم معًا بعمل روح الله القدوس.
  4. هـ. مُخصِبة ومثمرة، إذ ليس فيها من شر يُفسد تربتها ويُحوّلها إلى أرض بور.
  5. د. تلتصق بالله كمصدر خيرها.
  6. و. ترفض ظلمة الشر، فتصير مُشرقة كالفجر، جميلة كالقمر الذي يراه كل سكان الأرض.

8. أخيرًا يحدثنا عن دور السيد المسيح في كنيسته المتألمة:

الآن أتركك للقديس أمبروسيوس الذي قدم لنا بالمنهج الرمزي السكندري تفسيرًا حيًا لسفر نشيد الأناشيد، كسفر حب واتحاد بين السيد المسيح والنفس البشرية، وقد قام الدكتور جرجس كامل يوسف بترجمته.

أكتوبر 1990م
تعليق وتبويب ومراجعة
القمص تادرس يعقوب ملطي

Exit mobile version