لم يكن همّ ايريناوس التنظير حول ماهية الله، بل إظهار عمل الله الخلاصي وتدبيره من اجل حياة العالم أجمع. وهو، وإن لم يرد عنده اي كلام على “الثالوث”، يذكر بصورة دائمة الأقانيم الثلاثة بأسمائها: الآب والابن والروح القدس، ويؤكد على وحدته. فنراه، قبل اكثر من قرن على المجمع المسكوني الأول المنعقد في نيقية (325)، يشدد على هذا الايمان، فيقول: “إن الكنيسة، وإن تكن منتشرة في المسكونة كلها حتى أقاصي الارض، قد تسلمت من الرسل وتلاميذهم الإيمان بإله واحد، آب ضابط الكل، خالق السماء والارض والبحار وكل ما فيها، وبيسوع المسيح الواحد، ابن الله، الذي تجسد لأجل خلاصنا، وبروح قدس واحد نطق بالأنبياء معلناً تدابير ربنا الحبيب يسوع المسيح”. ثم يتابع إيريناوس، بعد أن يعدد الأحداث الخلاصية التي أتمها يسوع وعلى رأسها القيامة، قائلا: “لكي تجثو امام ربنا يسوع المسيح وإلهنا ومخلّصنا وملكنا”. هنا يؤكد الاسقف القديس أن المسيح إله، وهو واحد مع الآب والروح القدس. ويبدو واضحا للقارئ أن هذا النص قد ألهم الآباء المجتمعين في نيقية عندما صاغوا دستور إيمان الكنيسة الجامعة، الذي نتلوه كلّما اجتمعنا في سرالشكر (القداس الإلهي).
تشديد القديس إيريناوس على وحدة شخص المسيح يأتي في سياق التأكيد على أهمية هذا الموضوع بالنسبة الى خلاص الانسان. وهو يقول أن لا خلاص للذين ينكرون اتخاذ ابن الله جسداً حقيقيا كجسدنا وظهوره في التاريخ انسانا كاملا، كما يذكر بأن الذين ينكرون حقيقة قيامة المسيح من بين الاموات لا رجاء لهم بالحياة الأبدية. وما رفض التجسد إلاّ حجة لرفض القيامة عند هؤلاء العرفانيين. فيكتب قديسنا: “اذا كان (ابن الله) لم يولد، فهذا يعني ايضا انه لم يمت، واذا كان لم يمت، فهذا يعني كذلك انه لم يقم من الموت، واذا كان لم يقم من الموت، فذلك يعني انه لم ينتصر على الموت ولم يهدم مملكته، واذا كان لم ينتصر على الموت، فكيف بإمكاننا نحن أن نرتفع الى الحياة؟”. ثم يستنتج قائلا: “اذاً، الذين لا يقبلون خلاص الانسان، والذين لا يؤمنون أن الله سيقيمهم من الموت، هؤلاء وحدهم هم الذين يرفضون ولادة إلهنا ومخلّصنا”. انه لجليّ أن هذا التأكيد على حقيقة القيامة إنما هو استعادة لما كتبه القديس الرسول بولس من أن القيامة هي أساس إيماننا المسيحي: “وإن كان المسيح لم يقم، فتبشيرنا باطل وإيمانكم ايضا باطل” (1 كورنثوس 15: 14).
لقد أحب إيريناوس ربه كجواب على حب، الله هو المبادر فيه. لقد اعتقد إيريناوس أن “المسيح، لأجل محبته اللامتناهية، قد صار مثلنا لكي يجعلنا مثله”. لقد جاهد إيريناوس ليعمل بمقتضى هذا القول، فأحب السيد الباذل نفسه فبذل هو ايضا نفسه على مذبح الرب ليغمره الحب الأبدي. مَنْ منا قابل بأن يجعلنا المسيح مثله؟