النص:
4 اَللهُ الَّذِي هُوَ غَنِيٌّ فِي الرَّحْمَةِ، مِنْ أَجْلِ مَحَبَّتِهِ الْكَثِيرَةِ الَّتِي أَحَبَّنَا بِهَا، 5 وَنَحْنُ أَمْوَاتٌ بِالْخَطَايَا أَحْيَانَا مَعَ الْمَسِيحِ بِالنِّعْمَةِ أَنْتُمْ مُخَلَّصُونَ 6 وَأَقَامَنَا مَعَهُ، وَأَجْلَسَنَا مَعَهُ فِي السَّمَاوِيَّاتِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، 7 لِيُظْهِرَ فِي الدُّهُورِ الآتِيَةِ غِنَى نِعْمَتِهِ الْفَائِقَ، بِاللُّطْفِ عَلَيْنَا فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ. 8 لأَنَّكُمْ بِالنِّعْمَةِ مُخَلَّصُونَ، بِالإِيمَانِ، وَذلِكَ لَيْسَ مِنْكُمْ. هُوَ عَطِيَّةُ اللهِ. 9 لَيْسَ مِنْ أَعْمَال كَيْلاَ يَفْتَخِرَ أَحَدٌ. 10 لأَنَّنَا نَحْنُ عَمَلُهُ، مَخْلُوقِينَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ لأَعْمَال صَالِحَةٍ، قَدْ سَبَقَ اللهُ فَأَعَدَّهَا لِكَيْ نَسْلُكَ فِيهَا.
الشرح:
يعرض الكاتب في الآيات التي تسبق نص رسالة اليوم حالة الانسان قبل الفداء اذ يقول: “نحن جميعا تصرفنا قبلا (اي قبل ان نؤمن) في شهوات جسدنا عاملين مشيئات الجسد والأفكار” (أفسس 2 :1-3). هذا يظهر ان الانسان اختار الخطيئة ورفض عطايا الله وابتعد عن أصالة كيانه الحي وصار ميتا بالذنوب والخطايا وبذلك اصبح غير مستحق للخلاص. على الرغم من هذا لم يقاصصه الله ولم يبادله بالمثل بل على العكس “لكونه غنيا بالرحمة ومن اجل كثرة محبته” حمل على نفسه عواقب خطايا البشر ومنحهم الخلاص بالرغم من عدم استحقاقهم.
لا مقدار لمحبة الله اذ “هكذا احب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية” (يوحنا 3 :16). الله اندفع نحو البشر من تلقاء ذاته، لم يحرضه على ذلك تصرف الناس وعلاقتهم به، “في هذا هي المحبة ليس اننا نحن احببنا الله، بل هو أحبنا وارسل ابنه كفارة لخطايانا” (1 يوحنا 4: 10). اذا الله بادر الينا واعطانا الحياة “حتى حين كنا امواتا بالزلات”.
“أحيانا مع المسيح وأقامنا معه وأجلسنا في السموات”. يقول الرسول بولس “اجرة الخطيئة هي موت واما هبة الله فهي حياة ابدية بالمسيح يسوع ربنا”. الموت عاقبة مباشرة للخطيئة هو من اول مضاعفاتها ولا دخل لله فيه. لكنه لفرط محبته خضع له اذ اخذ على نفسه عاقبة الخطيئة ومات عن خطايا البشر وبذلك انتشلنا وأشركنا في حياته. خضع الله للموت مقابل عودتنا الى الحياة. بالفداء توثقت الروابط بين الله والانسان لم يسترجع حياته فقط بل صار واحدا مع الرب يسوع يتذوق منذ الآن بواكير الحياة الأبدية ويتطلع الى الملكوت حيث يجلس مع الرب يسوع عن يمين الله.
“ليظهر في الدهور المستقبلة فرط غنى رحمته باللطف بنا في المسيح يسوع”. ليس القصد ان الله اراد ان يبرهن للبشر قدرته وانه قام بالفداء بهدف ان يُظهر نعمته، بل القصد ان مقدار محبة الله ولطفه سيتضح للمؤمن عندما ينضم للرب يسوع في الدهور المستقبلة حيث يستمتع بنعم الله المتساقطة عليه بغزارة.
“فإنكم بالنعمة مخلصون، بواسطة الايمان وذلك ليس منكم انما هو عطية الله”. الانسان لم يساهم البتة في الفداء بل هو الذي افتدي، وعملية الخلاص هي عطية من الله من جانب واحد ولا تدخل للانسان فيها بتاتا، قام الله بها دون العودة الى الانسان لا من جهة استحقاقه (بل بالرغم من عدم استحقاقه) ولا من جهة ايمانه.
“ليس من اعمال لئلا يفتخر احد” اي ما من عمل يقوم به الانسان ليستكمل فلاحه يأخذ الخلاص مجانا من الله ويحافظ عليه بالحفاظ على إيمانه. الهدف من هذا الكلام ان لا يعتبر الانسان نفسه مستحقا للخلاص اذ هو عطية خالصة لله وهو وديعة مجانية في يد الانسان. كما ان الانسان مهما كان خاطئا وبعيدا عن الله لا يجب ان يعتبر نفسه محروما من الخلاص اذ ان الله منحه للجميع.
“نحن صنعة مخلوقين في المسيح يسوع للأعمال الصالحة”. البشر خليقة الله وقد خلق الله كل شيء حسنا (تكوين 1: 31) والأعمال الصالحة هي من طبيعة الانسان الأصلية في حين ان الأعمال الشريرة هي انحراف في طبيعة الانسان. الاعمال الصالحة ليست ضمانة بحد ذاتها للخلاص، والجهاد في عمل الصلاح هو محافظة على أصالة طبيعة الإنسان وليس تخطٍ لقدرات الإنسان اذ “سبق الله فأعدّها لنسلك فيها”. الهدف من هذا الكلام ان لا يتوهم الإنسان انه يحقق خلاصه بأعماله الصالحة بل أن يتضح له ان الخلاص أعاد الإنسان إلى طبيعته االأصلية التي تتجلى بأعماله الصالحة التي تنبع من علاقته المتينة بالله.
نقلاً عن نشرة رعيتي
الأحد 27 تشرين الثاني 1994 / العدد 48
لعدم حدوث خلط بين بدعة الخلاص في لحظة أو الخلاص بحسب المفهوم البروتستانتي الإنجليكاني من جهة، وبين الخلاص بحسب اللاهوت الأرثوذكسي الكتابي/الأبائي القويم من جهة أخرى، ندعوك لقراءة [readon url=”index.php?option=com_content&view=article&id=216:the-salvation-between-east-and-west&catid=81:new-heresies”]الخلاص بين المفهوم الأبائي الأرثوذكسي والبدع المتأثرة بـ “انسلم، لوثر وكالفن”[/readon]