الحروب الصليبية
1098-1204
الهيرارخية اللاتينية: وهدف الصليبيون إلى القبر المقدس فغدت أورشليم أهم مدن الشرق عندهم وأصبح بطريركاً مقدماً على بطريرك أنطاكية وذكر الصليبيون فضل أوربانوس الثاني واندفاعه وتنشيطه وتشجيعه فحفظوا حق الكنيسة واعتبروها صاحبة السلطة في الأراضي المقدسة. فلما توفي أديمار في أنطاكية عيّن أوربانوس دمبرتوس Daimbert رئيس أساقفة بيزا خلفاً لاديمار وممثلاً لسلطة روما في الأراضي المقدسة. ووصل دمبروتوس إلى أورشليم في الحادي والعشرين من كانون الأول سنة 1099 فاعتبر أرنول أورنولفوس قائمقاماً بطريركياً Locum Tenes وفاوض الزعماء في وصوله إلى العرش البطريركي وأغدودقت الهدايا الثمينة فخلع أرنول خلعاً وانتخب دمبرتوس بطريركاً على أورشليم. وخضع غودفروا “وكيل القبر المقدس” وبوهيموند أمير أنطاكية البطريرك وأقسما يمين الطاعة والولاء له. فأصبح البطريرك الأورشليمي سيد أنطاكية وأورشليم وحقق في الأراضي حلم غريغوريوس السابع. أما بودوان أمير الرها فإنه امتنع عن الخضوع لأنه لم يثق بشخص البطريرك الجديد.
وجلس بين السنة 1099 والسنة 1199 أحد عشر بطريركاً لاتينياً على السدة الأورشليمية. وإليك أسماءهم وتواريخهم:
Arnoul Malecorne | 1099 | Etienne de Chartres | 1128-1130 | |
Daimbert | 1099-1101 | Guillaume de Messines | 1130-1146 | |
Ebremard | 1101-1108 | Foucher d’Angoulême | 1146-1157 | |
Gibelin de Sabran | 1108-1112 | Amaury de Nesles | 1158-1180 | |
Arnoul Malecorne | 1112-1118 | Heraclius | 1180-1190 | |
Gormond de Picquigny | 1118-1128 |
ويجمع الثقات على انصراف هؤلاء البطاركة إلى حب المجد الفارغ واهتمامهم بجمع المال وإنفاقه في سبيل أهوائهم وأغراضهم الشخصية وعلى أن السيمونية لعبت دوراً هاماً في سياسة كنيسة أورشليم طوال قرن كامل من الزمن.
وجلس على السدة البطريركية بين السنة 1100 والسنة 1208 أربعة بطاركة وهم: برناردوس (1101-1135) ورؤول (1135-1142) وإيماري (1142-1196) وبطرس (1196-1208) ولم يكن هؤلاء أسعد حظاً من زملائهم في أورشليم. فاشتهر برناردوس بتدخله في السياسة والحرب في عهدي تنكريد وروجه. وتميز رؤول برجاله الأشداء واستئثاره بالسلطة البطريركية واستخفافه بأوامر روما وبخلعه وموته مسموماً. وفضل ايماري في نظر غليلموس الصوري أنه أنقذ أنطاكية في السنة 1149 من السقوط في يد نور الدين وفي نظر غيره أنه عظم شأن اليعاقبة والأرمن نكاية بالروم الأرثوذكسيين.
وقضت ظروف المملكة اللاتينية بأن تنحصر سلطة بطريرك أورشليم ضمن حدود هذه المملكة وأن يعاد النظر في تقسيم الأبرشيات. فنشأت تدريجياً أبرشيات خمس كبرى يرأس كل منها رئيس أساقفة. وهي أبرشيات صور وقيصرية وبيسان وبصرى وعمان. وخضع لرئيس أساقفة صور كل من أسقف بيروت وأسقف صيدا وأسقف بانياس وأسقف عكه. وخضع لرئيس أساقفة قيصرية أسقف سبسطية ولرئيس أساقفة بيسان أسقفا طبرية وجبل الطور.
وشملت بطريركية أنطاكية ست عشرة أبرشية. وهي أبرشيات مصيصة والبارة وأبامية ومنبج والرها وبانياس وجبلة وطرابلس واللاذقية وحارم أو (ارتاح) ومرعش وقيسون وقوروش ورفنية وطرطوس وجبيل. ولم ترضَ هذه البطريركية عن سلخ أبرشيات صور وسائر فينيقية الساحلية وضمها إلى بطريركية أورشليم وطالبت بإعادتها إلى كنيستها الأم. فنشأت مشادة عنيفة بين البطريركيتين دامت أعواماً طوالاً. فقالت بطريركية أورشليم بوجوب الملاءمة بين الحدود السياسية والحدود الكنسية مستندة في ذلك إلى التعليمات الصادرة عن أوربانوس الثاني. واستمسكت بطريركية أنطاكية بقرارات المجامع المسكونية ووجوب إبقاء القديم على قدمه. واتخذت هذه المشادة شكلاً فعلياً لأول مرة في السنة 1110 عند سقوط بيروت في يد بودوان ملك أورشليم. فاستسمح هذا الملك البابا باسكال الثاني وضم بيروت إلى كنيسة أورشليم فوافق باسكال. فاحتج برناردوس بطريرك أنطاكية فاعتذر باسكال وقال قولاً مبهماً. فطلب برناردوس إلى مجمع بنفنتوم (1112) أن ينظر في هذا الأمر فارتأى المجمع أن يكون الحد الفاصل بين طرطوس وطرابلس. فلم يرضَ باسكال الثاني. ولدى دخول صور في حوزة ملك أورشليم سنة 1128 قام رئيس أساقفتها اللاتيني إلى روما لتسلم درع الثبيت من البابا اونوريوس الثاني. فأمر هذا البابا بضم طرابلس وطرطوس وجبيل إلى بطريركية أورشليم. فلم يذعن برناردوس بطريرك أنطاكية وظل محتفظاً بطرطورس وطرابلس وجبيل. وفي السنة 1138 طلب البابا أنوشنتوش الثاني إلى بطريرك أنطاكية رؤول أن يلحق طرطوس وطرابلس وجبيل بأبرشية صور. فأجاب رؤول أنه فاعل حالما تعود صور نفسها إلى كنيستها الأم أنطاكية. وظلت المشادة قائمة ونظر فيها كل من أنوشنتوش الثالث وانوريوس الثالث وغريغوريوس التاسع ولكن دون جدوى. وظل الحد الفاصل بين البطريركيتين الحد السياسي بين المملكة اللاتينية وقومسية طرابلس.
الهيرارخية الأرثوذكسية: ولم يعترف الأحبار الأرثوذكسيون بالبطريركيتين اللاتينيتين واعتبروا الإقدام على تنظيمهما عملاً مخالفاً لنصوص المجامع المسكونية إذ لا يجوز أن يكون للابرشية الواحدة أكثر من رئيس واحد. ورأوا في تدعيم السلطات لهذا العمل الشاذ اغتصاباً لا مبرر له.
واجتمع الأحبار الأورشليميون بعد وفاة سمعان الثاني وانتخبوا اغابيوس الأول خلفاً له. ثم انتقلوا من قبرص إلى القسطنطينية وثابروا على الاحتفاظ بالسلطة الروحية في أورشليم وسائر فلسطين فانتخبوا سابا بعد اغابيوس ثم افخيريوس الأول فمكاريوس الثالث فيعقوب الثاني فارسانيوس الثاني فيوحنا السابع فنيقيفوروس بطريركي أورشليم وأعمال المجمع القسطنطيني في السنة 1157 ثبتت اشتراك يوحنا بطريرك أورشليم في جلساته كما تبين أعمال مجمع 1166 أن نيقيفوروس مثّل كنيسة أورشليم. وصنف يوحنا رسالة في السنة 1160 بحثت في الطقوس اللاتينية. وعند خروج اللاتينيين من أورشليم في السنة 1187 كان هنالك بطريرك أرثوذكسي مستعد لتسلم السلطات الروحية هو أثناسيوس الثاني.
ولجأ يوحنا السابع البطريرك الأنطاكي إلى القسطنطينية كما سبق وأشرنا. ثم استقال فأوعز الفسيلفس إلى الأساقفة الأنطاكيين الذين فروا مع بطريركهم أن ينتخبوا خلفاً له فأجمعوا على تسليم عكاز الرعاية إلى يوحنا الثامن (1106-1137) فلوقا (1137-1155). ولا بد أن يكونوا قد حذوا حذو زملائهم الأورشليميين فتابعوا انتخاب البطاركة في الغربة. فقد جاء في لائحة قسطنديوس القسطنطيني أن يوحنا التاسع تسلم عكاز الرعاية في القسطنطينية في السنة 1155 وأن افتيميوس خلفه في الكرسي الرسولي في السنة 1164 فتبعه في الرئاسة اثناسيوس الثاني سنة 1166 فثيودوسيوس الثالث سنة 1180 فالياس الثالث سنة 1182 فخريستوفوروس الثاني سنة 1184 فيثودوروس الرابع (بلسامون) سنة 1185 فيواكيم سنة 1199 فدوروثيوس في السنة 1219 فسمعان الثاني سنة 1245 فافيتميوس الثاني سنة 1260. وفي عهده أخرج المماليك الصليبيين من أنطاكية.
والواقع الذي لا مفرّ من الاعتراف به هو أن الروايات في هذا الموضوع متضاربة متخالفة وأنّ أحداً من العلماء الباحثين لم يعالج هذه الروايات معالجة علمية فنية. ولكن الثابت الراهن هو أن الاكليروس الأرثوذكسي لم يعترف بسلطة اللاتين على كنيسة أنطاكية وتوابعها. ولكن هذه الروايات تتدامج وتتآلف حول رئاسة أثناسيوس الثاني وثيودوروس الرابع وسمعان الثاني وتتفق إلى حد بعيد في تعيين ظروفها.