ابن يوليوس ابن قسطنديوس الأول كلوروس. وهو أخو غالوس لأبيه كما أن والده يوليوس أخا قسطنطين لأبيه. ووالدة يوليانوس باسيلينة نسيبة افسابيوس اسقف نيقوميذية المناضل في سبيل الآريوسية.
ولد يوليانوس في النصف الثاني من سنة 331 في ميسية على الدانوب. وما أن مضت أشهر حتى توفيت والدته فنقل إلى القسطنطينية ونشأ في قصر لجدته في آسية لا يبعد كثيراً عن العاصمة. في السادسة من عمره شهد مقتل والده وجميع أقرابائه. ونجا هو وأخوه غالوس باعجوبة. وعاشا مدة من الزمن مراقبين محصورين فشبَّ يوليانوس مضطرب العصب يكره قسطنطين وذريته. وتولى أمره في هذه الفترة أسقف نيقوميذية افسابيوس. فوكل أمر تهذيبه إلى خصي يدعى مردونيوس، كان شديد الإعجاب بهوميروس الشاعر اليوناني. وتوفي افسابيوس في سنة 341 فنفي قسطنديوس الأميرين إلى قصر في قبدوقية على مسافة قريبة من قيصرية. فقضى يوليانوس ست سنوات يدرس ويطالع مؤلفات أعاره إياها كاهن. وفي سنة 347 أمر قسطنديوس بانتقال غالوس إلى افسس ويوليانوس إلى القسطنطينية. وأقام يوليانوس في عاصمة الدولة سبع سنوات احتك فيها بعالمين شهيرين أحدهما وثني والآخر مسيحي وتعلم مبادئ اللاتينية. ورحّب الجمهور بالأمير الصغير وأكرمه فدخلت الريبة نفس قسطنديوس فأمر بنقله إلى نيقوميذية. وكان ليبانيو العالم الوثني الأنطاكي قد ترك نيقوميذية فلم يتسنى ليوليانوس الأخذ عنه مباشرة. لكنه طالع بعض مصنفات ليبانيوس وأكب عليها فأثرت في نفسه. ومن هنا التشابه في أسلوب الاثنين. وفي سنة 351 رضي قسطنديوس عن الأميرين فجعل غالوس قيصراً وأعاد إلى يوليانوس ارثه فأصبح غنياً. ورحل يطلب العلم. فأمَّ برغامون في آسية الصغرى. واتصل فيها بأديسيون الفيلسوف الأفلاطوني الجديد وبتلميذه خريسانطيوس الفيلسوف الفيثاغوري. وتردد إلى أفسس فاتصل بفيلسوفها مكسيميوس وكان هذا يمارس السحر. فوقع يوليانوس تحت تأثير شعوذته. ودخل في زمرة أتباعه. وفي سنة 355 قضى ثلاثة أشهر في أثينة والتحق بجامعتها. وكان بين رفقائه فيها القديس غريغوريوس النازينزي وصديقه القديس باسيليوس الكبير. ثم أصبح قيصراً في غالية. ونادى به جنوده امبراطوراً فمشي في صيف 361 إلى الشرق. وتوفي قسطنديوس كما أشرنا، فأسرع يوليانوس إلى القسطنطينية ودخلها في الحادي عشر من كانون الأول 361.
وكان يوليانوس قد جنح إلى الوثنية قبل وصوله إلى العرش لعدة أسباب، أهمها، أن جلاد أسرته كان مسيحياً، وأن المسيحية كانت في اضطراب وخلت من إبداع الفلاسفة والشعراء. وأن الأفلاطونية الجديدة كانت وريثة هذا الإبداع. ومن رسائله يستدل بأنه قال بأكوان ثلاثة وشموس ثلاثة: الشمس الأولى شمس الحقائق الراهنة والمبادئ السامية والعلة الأولى وهي التي سماها شمس النفس. والشمس الثالثة شمس المادة الملموسة وصورة انعكاس للشمس الأولى. وبين الاثنين أي بين النفس والمادة شمس ثانية هي شمس العقل. ولما كانت الشمس الأولى بعيدة المنال وكانت الشمس الثالثة مادية غير صالحة للعبادة فإن يوليانوس عبد شمس العقل وسماها الملك الشمس. واعتقد أنه هو سلسل الملك الشمس يهتدي بإرشاده. وقال بتناسخ الأرواح على طريقة فيثاغورث فاعتقد أنه هو الاسكندر في “دور” آخر. وتبنى في رسالته “ما يؤخذ على المسيحية” موقف بوفيريوس الفيلسوف الحوراني اللبناني فقال أن إله التوراة هو إله شعب خاص لا إله الكون بأسره وأن هنالك تناقضاً بين التوحيد في التوراة والتثليث في الإنجيل وأن الأناجيل الأربعة متنافرة غير متآلفة.
ومنح يوليانوس الشعب حرية المعتقد فانطلق الوثنيون فرحين مهللين. وراحوا يعترفون له بهذا الفضل ويخلدون ذكرى هذا الإنطلاق. ولا تزال بعض نقوشهم الكتابية موجودة تنطق بالجميل حتى هذا اليوم في عنز إلى الجنوب من صلخد حوران وفي جنينة وجرش وفي بيروت.
在安提阿: ودبَّ النشاط في صفوف قبائل القوط في قطاع الدانوب وحسب يوليانوس لذلك حسابه. ولكنه آثر العمل في الشرق لأنه اعتبر نفسه الاسكندر في دور ثانٍ. فقام إلى أنطاكية قاعدة الشرق الحربية في حزيران سنة 362. وفي أثناء مروره في طرسوس أمر بإعادة أعمدة كانت قد انتزعت من هيكل وثني لتشييد كنيسة منذ أكثر من ثلاثين سنة. ووصل أنطاكية في التاسع عشر من تموز يوم انتحاب العذارى على مقتل اذوناي عشيق عشتروت. وكان ليبانيوس الفيلسوف الأديب في أنطاكية ليعلم فيه إخوته الأنطاكيين، فاستقبل الأمبراطور الجاحد. ولكن أنطاكية كانت قد أصبحت مسيحية فهال يوليانوس إعرض أهلها عن “الدين القويم-الوثني” وقلة اكتراثهم بهياكل “دفنة” المقدسة. فقال في إحدى رسائله إلى الأنطاكيين ما معناه. “هوذا الشهر العاشر شهر لوس الذي تبتهجون فيه بعيد أبولون الإله الشمس. وكانت من واجبكم أن تزوروا دفنة. وكنت أنا أتصور موكبكم لهذه المناسبة شباناً بيضاً أطهاراً يحملون الخمور والزيوت والبخور ويقدمون الذبائح. ولكني دخلت المقام فلم أجد شيئاً من هذا. وظننت أني لا أزال خارج المقام فإذا بالكاهن بنبئني أن المدينة لم تقدم قرباناً هذه المرة إلا وزة واحدة جاء بها هو من بيته”.
وأكرم يوليانوس ليبانيوس الفيلسوف الوثني ورقى عدداً من الوجهاء إلى رتبة المشيخة فجعلهم أعضاء سناتوس أنطاكية. ووهب للمدينة مساحات كبيرة من أراضي الدولة. ولكن الأنطاكيين المسيحيين قابلوه بالهزء ووجدوا في النقيضين لحيته الطويلة وقامته القصيرة مجالاً واسعاً للعبث والسخرية. وعبثاً حاول ليبانيوس أن يوفق بين الأمبراطور وبين رعاياه الأنطاكيين. ثم اشتد الخلاف وتفاقم الشر حين أخرج الأمبراطور بقايا شهيد أنطاكية القديس بابيلاس من قبره. فغضب المسيحيون لكرامتهم وأحرقوا في الثاني والعشرين من تشرين الأول هيكل أبولون. فأقفل الأمبراطور كنيسة أنطاكية الكتدرائية وأمر بنهبها وتدنيسها. فكسَّر المسيحيون تماثيل الآلهة. واحتج افظويوس أسقف أنطاكية فلم يلقَ إلا الذل والهوان.
وتمادى يوليانوس في ضلاله وأطلق لنفسه العنان فنزع عن ميومة مرفأ غزة رتبتها المدينية لأنها مسيحية وجعلها ضاحية من ضواحي غزة الوثنية. وأعمل السيف في رقاب الكهنة والعذارى في غزة وعسقلان ورمى بأجسادهم إلى الخنازير لتدوسها. وفي بانياس أنزل تمثالاً للسيد المخلص عن قاعدته وحطمه تحطيماً وأقام محله تمثالاً لنفسه. وأحرق القومس مغنوس كنيسة بيروت. وأشعل اليهود النيران في كنيستين من كنائس دمشق. ولقي شماس بعلبك حتفه لأنه اجترأ في عهد قسطنطين فأقدم على قلب الأصنام. وأُحرقت قبور المسيحيين في حمص وحُوّلت كنيستها إلى هيكل لباخوس. وفي حماه أُقيم تمثال لباخوس على مذبح الكنيسة.
وعلم يوليانوس أن يسوع تنبأ بأن لا يبقى من الهيكل في أورشليم حجر على حجر. فلكي يكذب الكتب اهتم لإعادة بناء الهيكل. فأرسل إلى أورشليم أحد أمنائه اليبيوس ليشرف على العمل. وتقاطر اليهود واجتمع عدد كبير منهم في مكان الهيكل. فجرفوا المكان وحفروا الأرض كباراً وصغاراً رجالاً ونساءً. ولما انتهوا من هدم الأساسات القديمة وأوشكوا أن يضعوا الأساسات الجديدة حدثت زلزلة هدمت الأبنية المجاورة وقتلت بعض الفعلة وملأت الحفر تراباً.
ونهض يوليانوس في ربيع 363 إلى الفرات وزحف إلى بابل وانتصر على ذي الأكتاف شابور الفرس عند سلوقية فاستأنف الزحف على طيسفون. وأصابه سهم عقبه نزيف فتوفي وهو يحدث أصدقاءه عن صفات النفس السامية. وقيل أن فارساً مسيحياً من فرسانه رماه بهذا السهم للقضاء عليه. وتشاور رؤساء الجند في من يكون خلفاً ليوليانوس فأجمعوا على يوفيانوس. وكان هذا رئيس الخدم في القصر. مسيحياً نيقاوياً أرثوذكسياً فوقع صلحاً مع الفرس وعاد إلى أنطاكية في خريف 363.