Ortodoksi dan modernitas

من أنطاكية انطلقت المسيحية إلى سائر انحاء العالم المعروف آنذاك، دون أن تتوقف عند أثنية أو ديانة أو وطنية. وتأثر التلاميذ في حضارة وثقافة الوقت التي كانت تعرف بالبيزنطية. لكن أنطاكية التي قدمت التعليم السامي فيما يتعلق بطبيعتي يسوع المسيح الإلهية والإنسانية بدون انفصال ومنها إلى سائر أنحاء العالم. هذا بالإضافة إلى الحقيقة التي سطعت والقائلة بأن الصليب وحده هو المعلم الأعظم.

في دفاعه عن الأيقونة، شدد القديس  يوحنا الدمشقي “على ان الأشياء قد تجلت بالمسيح “. القديس تيودور الستوديت ” فشدد على تجلي الإنسان “. أما معلموا الكنيسة فقد أعطونا الليتورجيا التي حولت أفكار الآباء إلى صلوات، أو بالأحرى، أعلنت عن روحهم الممجدة بالأمور التالية :

  • علاقة الأورثوذكسة بالحداثة 
  • هدف البشارة
  • الحياة الرعائية التي تلمس حياة المؤمن اليوم وتؤهله للاشتراك في الحياة السرية للكنيسة

خطر الأقليات

يخاف الأرثوذكس من الحداثة. يشعروا بأنها قد فرضت عليهم من الخارج. ويعتبروا بأنها تعد قاس من الغرب الذي دخلت الهرطقات حياته الروحية. يرون، ببعض من اليأس أن ثقافتهم الموحاة من إيمانهم والتي هي عبارة عن فن معاش، تسقط أمام هجوم التكنولوجيا التي لا تعرف حدودا واستقلالية شخصية تهدم التماسك التقليدي، بالإضافة إلى فلسفة اللذة الفظة التي تتأمل أن تجعل الإنسان ينسى قدره الأزلي.

و الحداثة قد استسلمت للعدمية، للفراغ الذي ملأته صور الالحادية، السوق الحرة، والحب والجنس والمخدرات. وأصبح واضحا بأنه في مجهودنا لتوحيد ثروات الأرض، لم تتمكن الحداثة من إشراك الحضارات والثقافات المختلفة في الثروة وتقبل تلك الثقافات الثقافات المختلفة كما هو واضح من المواجهة بين الشمال والجنوب، وبالتحديد بين الغرب والإسلام. نعرف بأن النفس في الشمال تموت لعدم وجود معنى لها، والأجساد في الجنوب تموت من عدم تأمين الماء والمأكل، من عدم وجود الاحترام بينما الأحراش تتسمم والجشع يتعمق في النفوس .

إنه لمن الخطأ إعتبار الحداثة هذه الأمور المذكورة أعلاه فقط. الحداثة معقدة ومتغايرة الخواص. نرى آثارها في المراجع اليونانية والكتابية الأصلية القديمة.

إن الاكتشافات الكونية المذهلة قد أوحى بها التفكير الهيليني الفلسقي والتعليم الكتابي عن الخليقة من قبل خالق حكيم قد أخذ على عاتقه الإهتمام بالإنسان.

أمااحترام الآخر، حرية التفكير، والأسس الديمقراطية التعددية، نجد أسسها في الوحي الإنجيلي، كما نجد أيضا الفصل الواضح الذي أعلنه السيد المسيح بين مملكة الله ومملكة قيصر.

الحداثة المتحدية

الحداثة ليست غريبة بالنسبة لنا نحن المسيحيين، ونعمل لإعادة توجيهها من الداخل. أشدد على كلمة ” توجيه ” لأن الحداثة قد فقدت توجهها.

في القرن الخامس عشر هرب الكثير من الفلاسفة الإنسانيون البيزنطيون إلى إيطاليا وفرنسا وأعطوا دفعا مهما للنهضة فيهما. لكن لاهوت وروحانية ” طاقة الله ” المنعكسة من قيامة إبن الله من القبر ليجلي الكون، قد بقيت في أديار الشرق، حيث توقفت عن الخلق الثقافي، تحت ضغط العثمانيين كما يتضح لنا ذلك من كتابات كاباسيلاه وثيوفان وغيره. هكذا أهملت المسيحية العلوم الحديثة والتكنولوجيا، وأصبحا ملك العالم الغربي، بينما خصصت المسيحية الشرقية مجهودها للروحانيات فقط.

أما بالنسبة لرؤية الآباء للخالق كشريك في ناسوته معنا، مكملا وحدته، في صورة التثليث، تلك الرؤيا قد اختفت بعد ” السبي البابلي ” للاهوت الأورثوذكسي، مستعملا تعبير الأب جورج فلوروفسكي. هكذا، أصبحت حيوية وحرية الفرد في الغرب فقيرة لدرجة أن المحبة ذاتها أصبحت فردية.
فلإعادة ” توجيه ” الحداثة علينا نحن الأورثوذكس أن نشهد بشجاعة ” للطاقة الإلهية ” ولشخص يسوع المسيح المتناول .. عندها سنستطيع أن نعطي معنى لاهوتيا وروحيا لمشروع مجلس الكنائس العالمي المتعلق بالسلام، بالعدالة، و بحفظ الخليقة. لكننا سوف لن نتمكن من حمل مشعل هذه الشهادة قبل أن نتحرر ونصبح مقتنعين بتقليدنا، الذي هو ليس حنيني إلى إعادة الماضي، ولكنه استمرارية خلق بأمانة.

كتب فلاديمير لوسكي : ” إن التقليد الحقيقي هو حياة الروح القدس في جسد المسيح وان الروح القدس هو روح الكنيسة الأوحد “. الحضارة المعاصرة، في أفضل حالاتها هي مجموعة تساؤلات ونظريات ومحاورة. هذه الأفكار تتطابق مع تقليدنا ويمكن إذا ما حسن استعمالها أن تقود إلى تجديد الضمير غير الموجه. الإنسانية اليوم في مرحلة لا يتم فيها شيء مستقلا بذاته، حتى الإيمان يحتاج إلى بعض المعرفة . يقول كاباسيله” الحرية والضمير هما من شيم كل إنسان ” .

العودة إلى الكنيسة

في أيامنا الحاضرة يعيش الإنسان فوضى تاريخية حيث الأخلاقيات والمبادئ قد ضعفت لدرجة أخذ فيها الإنسان يتطلع إلى الروحاني، مع أنه يرفض الكنيسة كمؤسسة منظمة، تحتفظ بأمانة بخدم وطقوس وفارضة نفسها كحلقة بين الله و خليقته. قال نيتشه :” ألا تعلمون أن الكنائس هي مقابر الله ؟ “.

إذا كان إنسان العالم الغربي منفتحا على العالم، فإن الإنسان الشرقي يميل إلى تهميش نفسه في علاقته مع العالم، دافنا ذاته في قبر مزين. يعرف بعضنا بأننا في مرحلة أسبوع الآلام التاريخ، والقيامة يمكن أن تبزغ من القبر في أي ساعة. كيف ؟ هنا أتوقف لأتأمل ولأتسائل. كيف يمكننا إعطاء الإنسان الشعور وتذوق الكنيسة، وكيف نقدر أن نعطي الكنيسة شعور وتذوق إنسان اليوم ؟

الكنيسة هي جسد المسيح، بيت الله، هيكل الروح القدس .على الإنسان أن يشترك في اسرارها وبنفس الوقت أن يكسب) Numen و Lumen أي السر و المعرفة (. تشدد الكنيسة الأورثوذكسة على ) ال Numen ( الليتورجيا، لأن الكنيسة هي ” سماء على الأرض “، غابة من الرموز حيث كل حواس الإنسان تحصل منها على السلام والاستنارة. لكن هل يمكن في أيامنا الحاضرة أن نطور أي شيء بدون اشتراك ال Numen و Lumen ؟

كتب الرسول بولس في الرسالة الأولى إلى أهل كورنثوس 14: 19 ما يلي : ” ولكني أؤثر أن أقول وأنا في الجماعة خمس كلمات بعقلي أعلم بهخا الآخرين على أن أقول عشرة آلاف كلمة بلغات “. فإذا ما حولنا الروحي إلى عاطفة، إلى نوع من الفن، عندها سوف لن يوضح الإيمان بالمعرفة، والمعرفة سوف لن تبقى ثمار الإيمان، وستجد الكنيسة نفسها مهمشة في كل العلاقات العلمية والثقافية والتكنولوجية المعاصرة.

هذه الملاحظات تتطلب الكثير من الاهتمام الرعائي. الليتورجية البيزنطية تحفة لا تثمن. نصوصها مليئة بالمعاني اللاهوتية والروحية ولكن هناك خدم أخرى ينبغي أن نعيد فيها النظر لأسباب عدة أهمها اللغة، الوقت والظروف والمحيط …إلخ لماذا توقف الإبداع في الخدم الإلهية مع أنها كانت كثيرة العدد حتى أواخر الألف الأول ؟ لماذا نرددميكانيكيا وتقليديا أمور كثيرة في الخدم دون أن نتوقف ونعيد النظر فيها ؟ أليس لكل عصر حقوقه أو واجباته ليضع مدماكا في البناء ؟ أفلا ينبغي لعصرنا الذي يمر في مراحل تراجيدية، أن يعيد النظر ويقطع الأغصان اليابسة، ونغني أنفسنا بكتب جديدة تتلائم وفلسفة عصرنا قبل أن يسبقنا الزمن وتسبقنا أولادنا إلى بدع مختلفة ؟

المسيحية والثقافات والديانات الأخرى

يمكننا أن نقول دون رفة جفن بأن العالم أصبح فقيرا. يمكن للكثيرين أن يتباحثوا في الموضوع لأيام. كما يمكننا أن ننظر إليه من مسافة بعيدة أو من القمر. تبدو للزائر والسائح أن كل المدن الكبيرة تشبه بعضها البعض. وسكان موسكو ونيويورك يلبسون نفس الثياب. ويحتاج الإنسان لنفس المجهود، وأن يتسلق نفس الدرجات ليصل إلى قمة السلم كما يحتاج إلى سنين كثيرة، يمر خلالها في أوجاع وفرح، حتى يصل إلى ثقافة ويتعلم كيف يحب ويموت في طريقة معينة. يسيطرعلى عصرنا تيارين متناقضين، كل منهما يقود إلى طريق مسدود. التيار الأول هو حركة العولمة، والثاني هو الرغبة في اكتشاف الشخصية والمعنى.

وحدة العالم تتحقق اليوم بواسطة التكنولوجيا والتشديد على الفردية. كلاهما يرجعان فيأساسهما إلى الكتاب المقدس، ولكن كليهما في سيرهما العلماني يقودان إلى العدمية.

في قصص الشعوب يظهر العالم مطيعا للإلهية أو للشيطان. ولكن هناك طبيعة سرية دخلت إلىالإنسان وملأته. الوحي الإلهي يتعامل مع حقيقة الكون. أعطيت الجنة للإنسان، وعينه الله ليسمي ” كل مخلوق حي باسمه “. أصبح العالم مرآة الحكمة الإلهية، بالرغم من خضوعه المبدئي للإنقسامات والموت. إنها تلك اللغة بين البشرية والله .التي تعيد إلى الإنسان إنسانيته الإلهية بالمسيح والروح القدس. وحددت المجامع المسكونية الله بالوحدة والتثليث والمسيح الإله والإنسان بنفس الوقت.

هكذا أوجدت المجامع شكلا فكريا للخليقة، التي أصبحت في عصرنا الحاضر القوة الدافعة في التفتيش عن المعرفة. أما أفق هذا التفتيش مفتوح إلى الأبد. وتحرر العالم من السحر والرعب شرط لتجليه. بناء على هذه القاعدة أسس الشرق لاهوتا مستندا على النعمة الإلهية ومشعا من قيامة المسيح وباستطاعته أن يضيء كل شيء بالذبيحة الإلهية أو بالأحرى بثقافة قد تحولت كلهاإلى ليتورجيا.

يعرف الغرب بأن ثقافته تشمل بعضا من الإنسانية البيزنطية، لكن أبوابه لا تزال موصدة في وجه رؤيا الكمال الإلهي. كتب القديس فرنسيس أزيزي في” Canticle of creature ” وسار البعض على خطى الشرق. لكنهم تهمشوا في وجه لاهوت جامد. لا شك بأن حركة الخلق مستمرة و المنطق يحمل في طياته ختم الصورة الإلهية و يتفاعل مع الموت. لذلك ظهرت القيادات الفكرية والعلمية والمادية و قطعت كل علاقة بالسري المسكوني كما قطعت كل علاقة بروحانية الإنسان.

الكثير من رجال العلم ينادون بفتح أبواب المعر فة. ولكن بالرغم من ذلك فإن تطور ونمو العلم والتكنولوجيا يتأثران لدرجة كبيرة بمبادئ الربح والقوة. هذا الوضع يهدد الطبيعة ويدفع الإنسان إلى خراب مستقبله.

أما القوة الثانية للعولمة هي الفردية. إذ منذ بداية القرن العشرين، أي منذ أن ابتدأت الإبنة الصينية تختار قتل الذات من أن يفرض عليها والديها أن تتزوج بشخص غريب، ابتدأ التشديد على حرية الفرد يتقدم على نظام المجتمع التقليدي الذي لا وجود فيه للفردية الشخصية.

هنا أيضا نجد الأسس الكتابية لخالق روحي يبني علاقة المعاملة بالمثل مع الإنسان كفرد. كما نرى الفردية أيضا في الثقافة اليونانية لكنها موجهة بالقدرية. لقد مات أرسطو وأنتيجون، لكن المسيح، الذي مات مع كل أموات التاريخ، قد قام وأقام معه الأموات.

فكرة الفردية قد أثرت كثيرا على الثقافات التي ظهرت بعد ظهور المسيحية، وفي أكثر الحالات، لم يعيشوا بسلام مع بعضهم بعضا، لأن هدف الثقافات المختلفة هو نشر فلسفة الفردية، بسط النظام، إبعاد السري عن السياسة، إحترام الآخر وقبوله، مشددين على حق الفرد، خاصة حق الحرية الفردية، هناك فئات عديدة بنظريات مختلفة منشقة عن بعضها البعض .

إن إضعاف التقوية والأخلاقيات المسيحية اليوم قد ابتدأت برفض فكرة ” الله المنتقم”.

إن فكرة ” موت الله ” يقود بالنتيجة إلى موت الإنسان، الذي يصبح إنسانا منعزلا، على استعداد للإنتماء إلى أي مجموعة. أما فكرة الديمقراطية فقد تحولت إلى غريزة غنى في البلدان الغنية بينماالغرب يستثمر خيرات العالم ويعمل للقضاء على الثقافات التقليدية.

كنيسة أنطاكية

يتساءل الغربيون المتعلمون : بأي حق تتوافدون إلينا حاملين أبحاثكم الدينية والثقافية؟ جوابنا كان دائما: إننا نتكلم منطلقين من سر المسيح الظاهر بالكنيسة التي نحن أعضاء فيها، كنيسة أنطاكية، الكنيسة الأنطاكية مسيحية كالمسيح، لكنها ليست شرقية ولا غربية.

يرجع تاريخ الكنيسة الأنطاكية إلى أوائل التاريخ، وتعتبر أقدم كنيسة مسيحية، كنيسة أنطاكية رسولية، أسسها الرسولين بطرس وبولس، وهناك ابتدأت الفرقات تظهر بين المسيحية واليهودية. وقد وضع المجمع الرسولي سنة 48-50 حلا لها وبعده المجمع المسكوني الأول ودعي المؤمنون مسيحيين أولا في أنطاكية.

منذ السنوات الأول للمسيحية تحولت بطريركية أنطاكية إلى مركز تقارب وإلتقاء. خلال العصرين الروماني والبيزنطي أعطت أنطاكية مجموعات كبيرة من تعليم الآباء لبيزنطية وللغرب. هناك رومانوس المرنم المولود في حمص،  يوحنا الدمشقي، قزما الذي كتب باليونانية لغة العصر. بالإضافة إلى الكتابات الليتورجية والخدمية، تبوأت أنطاكية مركزا مميزا بالكتابات العلمية، في القرنين السابع والثامن وضع مكسيموس المعترف ويوحنا الدمشقي مختصرا لتعاليم الآباء الذي أصبح أساس التفكير الأورثوذكسي للقرون الوسطى، فيه شدد الكاتبان على تأله الإنسان بالنعمة الإلهية. هنا في تعليم التأله والحرية يجتمع الشرق والغرب ويكمل واحدهما الآخر.

المتروبوليت بولس صليبا
نقلاً عن نشرة أبرشية أستراليا ونيوزلندا
20/6/2006، 27/6/2006 و4/7/2006

id_IDIndonesian
Gulir ke Atas