Facebook
Twitter
Telegram
Ada apa
PDF
☦︎
☦︎

أ – التوبة حالة دائمة في حياة المؤمن

قلنا أن المعمودية تُدخل الإنسان حلبة روحية، فيُدعى إلى الجهاد ضد قوى الشر التي تهاجمه من الخارج بواسطة حواسه التي تولِّد الأهواء. فلا بدّ له إذاً من أن يطرح جانباً كل ما يبعده عن محبة الله، وكل ما يقوده إلى المظاهر الأنانية التي تشوِّه محبة الله والإخوة، حتى يبقى منتصراً في معركته ضد الأهواء والميول الأنانية.

وهذه المحاولة الدائمة لنكران الذات، اعتبار النفس مدينة بالفضل إلى محبة الله والإخوة، والجهاد في مبادلتهم المحبة، تقود الإنسان إلى توبة دائمة وتفتح له الطريق إلى نعمة الله، مثلما كانت كرازة التوبة عند يوحنا المعمدان إعداداً للطريق أمام “ذلك الذي يأتي بعدي” (متى3: 11)، فقال للناس: “توبوا، فقد اقترب ملكوت السموات” (متى3: 2). ولهذا السبب بدأ الربّ بشارته بقوله: “حان الوقت واقترب ملكوت الله. فتوبوا وأمنوا بالبشارة” (مر1: 15).

التوبة ليست أمراً طارئاً في حياة المؤمن، بل حالة دائمة ليس لها نهاية في هذه الحياة. أو كما يقول القديس اسحق السرياني: “التوبة ضرورية لكل من يرغب في الخلاص، للخطأة والصدّيقين على السواء. الكمال لا يعرف حدوداً، حتى أن كمال الكاملين يبقى ناقصاً. ولذا تبقى التوبة ناقصة حتى لحظة الموت، سواء بالنسبة إلى استمرارها أو بالنسبة إلى أعمالها”.

ونستطيع أن نلاحظ هذه التوبة الدائمة في حياة قدّيسي كنيستنا. فليس فيهم أي أثر للفرّيسية أو الاكتفاء الذاتي بالقداسة والفضيلة الشخصيتين. ولذلك عاشوا دائما في يقظة واستعداد وتوبة عميقة. ويُروى عن القديس أنطونيوس أنه لمّا طَعن في السن قال لتلاميذه: “لقد حان أوان رحيلي، فإني أقترب من عامي المئة والخامس”. فلمّا سمعوا ذلك طفقوا يبكون ويعانقون الشيخ ويقبِّلونه. لكن القديس بدا وكأنه ينتقل من مدينة غريبة إلى وطنه الحقيقي، فراح يحدِّثهم بابتهاج وهو ينصحهم ألاّ يهملوا المتاعب ولا يهجروا النسك، بل أن يحيوا وكأنهم سيموتون كل يوم. وقال: “أنا أتبع طريق آبائي وأرى الربّ يدعوني. أمّا أنتم فاسهروا ولا تتراجعوا بعد نسككم الطويل، بل جاهدوا في حفظ غيرتكم كما لو أنكم تبدأون الآن. اعرفوا الشياطين التي تهدِّدكم واعلموا أنها وحوش، ولكنها ضعيفة جداً فلا تخشوها، بل استلهموا المسيح وآمنوا به. احيوا هكذا كأنكم تنتظرون الموت في كل يوم”.

حياة التوبة هي أن يعيش الإنسان حسب هذه الوصيَّة، منظراً الموت في كل لحظة.

ب – سرّ الإعتراف

كثير ما نتحدث عن التوبة ونحن نقصد بها سرّ الاعتراف المقدّس، فنكون قد حصرناها في معناها الضيق وحده.

والواقع أن الإنسان الذي تسقطه هجمات الشيطان بعد المعمودية، إمّا بالأفكار أو الأعمال، يكون قد أهان محبة الله والكنيسة، ومحبة سائر أعضاء جسد المسيح له، فيتسبَّب في جرح يسيء إلى جسد الكنيسة كله. والكنيسة تعالج هذا الجرح بقطع الشركة مع المتسبِّب به أن يعود إلى رشده ويغيّر سيرته. ولذا كان سرّ الإعتراف المقدس.

قال الربّ لتلاميذه: “الحق أقول لكم: ما ربطتم في الأرض رُبط في السماء، وما حللتم في الأرض حُل في السماء” (متى 18: 18، 16: 19). “كما أرسلني الآب أرسلكم. قال هذا ونفخ فيهم وقال لهم: خذوا الروح القدس. من غفرتم له خطاياه تُغفر له، ومن أمسكتم عليه الغفران يُمسك عليه” (يو20: 21-23).
والحقيقة أن الكاهن ليس هو الذي يغفر الخطايا، بل المسيح نفسه مع الكاهن وسائر أعضاء الجسد، أي الكنيسة كلها التي تقبل العضو الضعيف بواسطة سرّ الإعتراف، وتستعيده نهائياً بواسطة سرّ الشكر الإلهي.

تقول إحدى الصلوات التي يتلوها الأب الروحي في سرّ الإعتراف المقدّس: “ليغفر الله لك بواسطتي أنا الخاطئ جميع خطاياك… اذهب بسلام، بدون أن يكون لك أي اهتمام بالخطايا التي اعترفت بها إليّ”. ويؤكِّد يوحنا الرسول: “إذا اعترفنا بخطايانا فهو أمين عادل يغفر لنا خطايانا ويطهِّرنا من كل إثم. وإذا زعمنا أننا لم نخطأ جعلناه كاذباً ولم يكن كلامه فينا. يا أبنائي الصغار أكتب لكم لئلا تخطأوا. وإن خطئ أحد منّا، فلنا من يسوع المسيح البار شفيع عند الآب. هو كفّارة لخطايانا. لا لخطايانا وحدنا، بل لخطايا العالم أجمع” (1يو1: 9 ÷ 2: 2). وهذا “الإعتراف بالخطايا” يجب أن يكون أمام أولئك الأشخاص الذين نالوا موهبة الروح القدس لمغفرة الخطايا باسم المسيح، حسب وصيته (يو 20: 21-23).

ج – الإعتراف الحقيقي

كيف ينبغي للمؤمن أن يعترف؟

يجيب القديس يوحنا السلّمي عن هذا السؤال بقوله: “أظهر جرحك أمام الطبيب الروحي. قل له ولا تخجل: إنها غلطتي أيها الأب. إنه جرحي. وقد أصابني بسبب تهاوني، وليس بسبب أحد آخر، لا إنسان ولا شيطان ولا جسد، ولا أي شيء آخر، بل بسبب إهمالي وحده. كن أثناء الإعتراف مثل محكوم عليه، سواء في المنظر أم في الفكر. أخفض رأسك إلى الأرض بخجل، واسكب إذا استطعت دموعاً سخيّة على قدمي الطبيب كما لو أنهما قدما المسيح…”.

تُذكِّرنا أقوال القديس يوحنا السلّمي بأقوال أنبياء العهد القديم: “مزقوا قلوبكم لا ثيابكم، وتوبوا إلى الربّ فإنه رؤوف رحيم طويل الأناة وكثير الرحمة..” (يوئيل2: 13). “أنّا خطئنا ونافقنا وأثِمْنا أيها الربّ إلهنا في جميع رسومك” (باروخ2: 12). “وكلنا كالنجس وبرِّنا كله كثوب الطامس وكلّنا ذبلنا كالورق” (أش64: 6، أنظر دانيال9: 5، أمثال20: 9). إن الإعتراف الحقيقي يهب الإنسان التائب غفران الخطايا ويعيده إلى الكنيسة.

ولكن الإنسان يدخل مجدَّداً الحلبة الروحية، ويُدعى إلى مواصلة الجهاد للتغلّب على الأهواء التي تزداد شدتها بالخطيئة، فتضغط عليه بشكل أكبر مظهرة قوة أعظم، لذلك ينبغي أن يعود “عن جميع الخطايا التي اقترفها” وأن “يحفظ جميع وصايا الله” ويصنع “البرّ والرحمة” (حز18: 21، أنظر18: 23-32، 31: 10-20).

وقد يفرض الأب الروحي على المؤمن أن يقوم ببعض الأعمال التي يراها ضرورية لمجابهة الخطر الناشئ عن الأهواء، حتى يساعده في نضاله ضدها بغية شفائه النهائي منها. وهي تكون بمثابة أدوية للعلاج، لا قصاصاً أو عقوبات.


حاشية مرتبطة بعنوان الفصل “التوبة في حياتنا”: راجع (أصول الحيلاة الروحية)، لرهبنة دير الحرف، منشورات النور (الناشر).

Facebook
Twitter
Telegram
Ada apa
PDF

Informasi tentang halaman

Judul halaman

Isi bagian

Tag

id_IDIndonesian
Gulir ke Atas