في الطبيعة، والاتحاد والتجسد ومفهوم طبيعة كلمة الله الواحدة المتجسدة

معاني الطبيعة ثلاثة: تُفهم الطبيعة إما بنظرة تجريد -وهي لا قوام لها في ذاتها- وإما بنظرة تشمل جميع الأشخاص المتساوين في النوع -ويُقال لها طبيعة منظورة في فرد- وهي أيضاً منظورة في نوعها. إذاً إنّ الله لم يتخذ في تجسده طبيعة بمعنى نظرة تجريد، لأن هذا ليس تجسّداً. إنْ هو إلا إيهام تجسد وخداع. ولم يتخذ أيضاً طبيعة منظورة في نوعها، لأنه لم يتخذها موجودة في كل الأشخاص، بل اتخذها فريدة في نوعها وهي باكورة عجنتنا وغير قائمة بذاتها، ولا كانت أولاً فرداً ثم اتخذها على ما هي عليه، بل هي اتخذت وجودها في أقنومه، لأن أقنوم كلمة الله نفسه قد صار أقنوماً للتجسد. وبهذا المعنى صار الكلمة جسداً بدون استحالة وصار الجسد الكلمة بدون تغيير، وصار الله إنساناً. فإن الكلمة إله، والإنسان إله -بسبب اتحادهما في الأقنوم-. ومن ثم يمكن القول بأنّ طبيعة الكلمة هي هي الطبيعة في الفرد. وإنّ هذا وحده يوضح الفرد أو الأقنوم إيضاحاً حقيقياً، لا ما هو عام في الأشخاص، بل الطبيعة العامة في أحد أشخاصها منظورة وممحّصة.

الفرق بين الاتحاد والتجسد: الاتحاد إذاً شيء والتجسد شيء آخر. والاتحاد يدلّ على الارتباط وحده. أما ما هو هذا الارتباط فغير وارد. أمّا التجسد -وهو نفسه يقال له التأنس- فيوضح الارتباط بجسد أو بإنسان، مثلما تدل حرارة حديد على اتحاده بالنار.

إيضاح لكيرلس نفسه عن “طبيعة الكلمة الواحدة المتجسدة”: وعليه إن المغبوط كيرلس، في رسالته الثانية إلى صوكنصين، يقول هكذا، وهو يفسر عبارة “طبيعة كلمة الله الواحدة المتجسدة”.

Μία φύσις τού Θεού Λόγου σεσαρκωμένη

لو كنّا قلنا: طبيعة الكلمة الواحدة وصمتنا، غير مُضيفين إليها المتجسّدة، بل أعرضنا بذلك عن التدبير، ربما كان لمن يحاجّون بسؤالاتهم كلامٌ أيضاً غير مستنكر، وإذا كان الكل طبيعة واحدة، فأين الكمال في الناسوت؟ أو كيف حصل الجوهر الذي هو على مثالنا؟ ولكن بما أنّ الكمال في الناسوت وإيضاح الجوهر الذي هو على مثالنا قد حصلا بقولنا المتجسدة، فلكيفَّ إذاً هؤلاء عن وضع قضيب من قصب مكانهما!”. إن كيرلس إذاً يستعمل هنا طبيعة الكلمة بدل الطبيعة. فلو كان قد استعمل الأقنوم بدل الطبيعة، لما كان مستنكراً أن يقول ما قاله بمعزل عن المتجسدة. وإننا لا نتردّد في قولنا جازمين. أقنوم كلمة الله الواحد. وكذلك فإن لاونديوس البيزنطي أيضاً قد فهم بأن ما يُقال عن الطبيعة ليس بمضادّ لما يُقال عن الأقنوم. والمغبوط كيرلس -في احتجاجه على تفنيد ثاودوريتوس بشأن الحرم الثاني- يقول هكذا: “إنّ طبيعة الكلمة أي الأقنوم، وهو الكلمة نفسه”. لذلك فإن المقول بطبيعة الكلمة لا يعني الأقنوم وحده ولا ما هو عام للأقانيم، بل الطبيعة العامة في أقنوم الكلمة باعتبارها ككلّ.

نخبة من التعابير المعتاد سماعها والمقبولة: إذاً إنها لعبارة تُقال بأن طبيعة الكلمة قد تجسدت أو أنها اتحدت بجسد. ولم نسمع قطّ حتى الآن أنّ طبيعة الكلمة تألمت بالجسد. لكننا تعلّمنا أنّ المسيح تألم بالجسد. ونستنتج من هذا أنه لا يبدو أنّ القول بطبيعة الكلمة يعني الأقنوم. بقي إذاً أن نقول بأن التجسد هو الاتحاد بجسده، وإنّ الكلمة يصير جسداً هو أنّ أقنوم الكلمة نفسه يصير جسداً بدون استحالة. -وإنّه يقال بأن الله صار إنساناً وصار الإنسان إلهاً. لأنه لمّا كان الكلمة إلهاً فقد صار إنساناً بدون تغيير. أمّا أن يقال بأن اللاهوت صار إنساناً أو أنه تجسّد أو أنه تأنس فلم نسمعه قط. وقد تعلّمنا بأنّ اللاهوت قد اتحد بالناسوت في أحد أقانيمه. ويقال إنّ الله يتنكّر أو يتجوهر بالغريب أو بما هو على مثالنا فإنّ كلمة الله تصحّ في كل الأقانيم، أما كلمة لاهوت فلا يمكننا قولها عن أقنوم لأننا لم نسمع بأن كلمة لاهوت تُقال في الآب وحده ولا في الابن وحده ولا في الروح القدس وحده. لأن اللاهوت يدلّ على الطبيعة والآب يدل على الأقنوم كما يدلّ الناسوت على الطبيعة وبطرس على الشخص. وإن كلمة الله تعني ما هو عام في الطبيعة وتدلّ بالتساوي على كل الأقانيم، وكذلك كلمة إنسان. فإنه هو الله ذاك الذي يحصل على طبيعة إلهية، وهو إنسان ذلك الحاصل على الناسوت.

واعلم أنه في كل ما تقدّم بحثه لم يشترك الآب والروح القدس في التجسّد في حال من الأحوال، ما عدا المعجزات والمسرّة والرضى أيضاً.

zh_CNChinese
滚动至顶部