النص:
1 فَيَجِبُ عَلَيْنَا نَحْنُ الأَقْوِيَاءَ أَنْ نَحْتَمِلَ أَضْعَافَ الضُّعَفَاءِ، وَلاَ نُرْضِيَ أَنْفُسَنَا. 2 فَلْيُرْضِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا قَرِيبَهُ لِلْخَيْرِ، لأَجْلِ الْبُنْيَانِ. 3 لأَنَّ الْمَسِيحَ أَيْضاً لَمْ يُرْضِ نَفْسَهُ، بَلْ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ:«تَعْيِيرَاتُ مُعَيِّرِيكَ وَقَعَتْ عَلَيَّ». 4 لأَنَّ كُلَّ مَا سَبَقَ فَكُتِبَ كُتِبَ لأَجْلِ تَعْلِيمِنَا، حَتَّى بِالصَّبْرِ وَالتَّعْزِيَةِ بِمَا فِي الْكُتُبِ يَكُونُ لَنَا رَجَاءٌ. 5 وَلْيُعْطِكُمْ إِلهُ الصَّبْرِ وَالتَّعْزِيَةِ أَنْ تَهْتَمُّوا اهْتِمَاماً وَاحِداً فِيمَا بَيْنَكُمْ، بِحَسَبِ الْمَسِيحِ يَسُوعَ، 6 لِكَيْ تُمَجِّدُوا اللهَ أَبَا رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَفَمٍ وَاحِدٍ. 7 لِذلِكَ اقْبَلُوا بَعْضُكُمْ بَعْضاً كَمَا أَنَّ الْمَسِيحَ أَيْضاً قَبِلَنَا، لِمَجْدِ اللهِ.
الشرح:
كان كهنة المعابد الوثنية في رومية يبيعون ما تبقى من ذبائح الهياكل في اسواق المدينة وكان عدد من المسيحيين يقتاتون منها كونهم يعلمون “ان ليس وثن في العالم، وان ليس اله آخر الا واحدا” (1كورنثوس 8: 4)، هذا سبب عثرة لضعفاء الايمان لاعتقادهم ان ما يقدَّم للأوثان هو دنِس. بنتيجة هذا السلوك أخذ الأقوياء يزدرون الضعفاء الذين لا يأكلون والضعفاء يدينون الأقوياء الذين يأكلون (انظر رومية 14 :1-2) وبذلك ابتعدوا عن بنيان بعضهم البعض. هذا تهديم لناموس المحبة، لذلك يتوجه الرسول اليهم قائلا: ” ان كان أخوك بسبب طعامك يُحزَن فلست تسلك بعد حسب المحبة، لا تهلك بطعامك ذلك الذي مات المسيح لأجله” (رومية 14: 15). الحل هو بيد الأقوياء لأنهم الأعمق روحيا، لذلك يقول لهم الرسول: “حسن ان لا تأكل لحماً ولا تشرب خمراً ولا شيئا يصطدم به اخوك او يعثر او يضعف” (رومية 14: 21). اذاً دور الاقوياء مزدوج: ان يعملوا على بنائهم الروحي الشخصي من جهة، وان يسهروا على بناء الآخرين ايضا من جهة اخرى.
“يجب علينا نحن الأقوياء ان نحتمل وهن الضعفاء ولا نرضي انفسنا”. الوهن هو انعدام كلي للقوة، والقصد من هذه الآية ان نأخذ على عاتقنا ضعف الآخرين ولو وصل الى درجة انعدام القوة. المراد ان نتخذ على عاتقنا ضعفهم وان نعمل على معالجتهم وتقويتهم كما نعمل على بناء انفسنا، اي ان نجعل انفسنا معنيين بكل ضعفهم فنحملهم كما يُحمل الحِمل على الأكتاف. نجد صدى لهذا في الرسالة الى اهل غلاطية حيث يقول الرسول: “احملوا بعضكم اثقال بعض” (غلاطية 6: 2) اي اننا نقبل ان نأخذ على انفسنا ضعف الآخرين ولا نُرضي انفسنا الى ان يتقووا.
“فليرض كل واحد منا قريبه للخير لأجل البنيان”. البنيان هو بنيان الجماعة المؤمنة ككل، كل منا معني ببناء المؤمنين الآخرين. الأقوياء لا يرضون انفسهم إذ “لا يطلب احد ما هو لنفسه بل كل واحد ما هو للآخر” (1 كورنثوس 1: 24) لأجل بنائه وخيره. لا يقصد الرسول بولس ان نعمل لإرضاء الآخرين اي بهدف ان يرضوا علينا، بل ان نعمل لهم ما يناسبهم لبنائهم الروحي ولخيرهم ولو كان هذا على حساب حريتنا الشخصية. فالأقوياء يمارسون ضبط النفس لقاء بنيان ضعفاء الايمان. سبيل ضبط النفس هذا سلكه الرب يسوع نفسه اذ لم يرضِ نفسه “بل تعييرات معيري الله سقطت عليه” اي ارتضى ان ينال جزاء الخاطئ المتجاسر على الله. هكذا تمم الرب يسوع ما جاء في سفر المزامير عن البار المُضطهَد من اجل غيرته على بيت الله (مزمور 69 :9). لم يكتف الرب يسوع بأن أخذ على عاتقه ضعف البار بل تخطى هذا وأتخذ ايضاً تبعات سقطات الخاطئ. السبيل نفسه تبعه الرسول بولس واوضحه للمؤمنين في كورنثوس قائلاً: “انا ايضاً ارضي الجميع في كل شيء غير طالب ما يوافق نفسي بل الكثيرين لكي يخلصوا” (1كورنثوس10: 33).
“كل ما كُتب من قبل انما كُتب لتعليمنا ليكون لنا الرجاء بالصبر وبتعزية الكتب”. الرب يسوع تمم ما كُتب في العهد القديم، ولكن ما زالت اسفاره المقدسة مصدراً حياً للتعليم والبناء إذ ان كلمة الله المنثورة فيه كُتبت لأجل الجميع. دراسة كلمة الله وحفظها وتأملها يفعم الرجاء ويقوي التعزية ويمكّن الرابط بين المؤمنين ليسلكوا كما سلك الرب يسوع الذي حمل على نفسه سقطات البشر.
“ان تكونوا متفقي الآراء فيما بينكم”. لم يتوقف الرسول هنا بل تابع قائلا “بحسب المسيح يسوع”. اي أن تكونوا متفقي الآراء في انكم جميعاً تحيون وتفكرون بفكر الرب يسوع وأنكم تتفقون ان رأي الرب يسوع هو الرأي الصائب. اذاً يقول الرسول للمؤمنين: قولوا كلام الرب، فكلامه مقياس لحقيقة مواقفكم، اسلكوا بحسب مشيئة الرب يسوع ومرضاته من اجل خلاصكم.
“حتى انكم بنفس واحدة وفم واحد تمجدون الله ابا ربنا يسوع المسيح”. بوحدة الرأي إذاً تؤدون الصلاة والتمجيد لله بوحدة صميمية كلية لا تنفك. النفس الواحدة والفم الواحد يشيران الى الانسجام الكلي للجماعة. هذا الانسجام هو الدليل القاطع على ان الجماعة تعمل للخير لأجل بنيان الكل مجتمعين.
“ليتخذ بعضكم بعضاً كما اتخذكم المسيح لمجد الله”. اتخذنا الرب يسوع اولا، وبهذا رسم مسبقاً مهمة الأقوياء في الإيمان والحياة الروحية. جعل نفسه وإيانا في وحدة صميمية متينة وتبنانا الى المنتهى. هكذا على القوي ان يدمج بنفسه الضعيف. القوي في ضبط للنفس لا يتوقف إلا عندما يُتّخذ والآخر بالمسيح لمجد الله.
نقلاً عن نشرة رعيتي
الأحد 7 آب 1994 / العدد 32