14: 14-22 – إطعام ما يزيد على خمسة آلاف شخص

النص:

14 فَلَمَّا خَرَجَ يَسُوعُ أَبْصَرَ جَمْعاً كَثِيراً فَتَحَنَّنَ عَلَيْهِمْ وَشَفَى مَرْضَاهُمْ. 15 وَلَمَّا صَارَ الْمَسَاءُ تَقَدَّمَ إِلَيْهِ تَلاَمِيذُهُ قَائِلِينَ:«الْمَوْضِعُ خَلاَءٌ وَالْوَقْتُ قَدْ مَضَى. اِصْرِفِ الْجُمُوعَ لِكَيْ يَمْضُوا إِلَى الْقُرَى وَيَبْتَاعُوا لَهُمْ طَعَاماً». 16 فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ:«لاَ حَاجَةَ لَهُمْ أَنْ يَمْضُوا. أَعْطُوهُمْ أَنْتُمْ لِيَأْكُلُوا». 17 فَقَالُوا لَهُ:«لَيْسَ عِنْدَنَا ههُنَا إِلاَّ خَمْسَةُ أَرْغِفَةٍ وَسَمَكَتَانِ». 18 فَقَالَ:«ائْتُوني بِهَا إِلَى هُنَا». 19 فَأَمَرَ الْجُمُوعَ أَنْ يَتَّكِئُوا عَلَى الْعُشْبِ. ثُمَّ أَخَذَ الأَرْغِفَةَ الْخَمْسَةَ وَالسَّمَكَتَيْنِ، وَرَفَعَ نَظَرَهُ نَحْوَ السَّمَاءِ وَبَارَكَ وَكَسَّرَ وَأَعْطَى الأَرْغِفَةَ لِلتَّلاَمِيذِ، وَالتَّلاَمِيذُ لِلْجُمُوعِ. 20 فَأَكَلَ الْجَمِيعُ وَشَبِعُوا. ثُمَّ رَفَعُوا مَا فَضَلَ مِنَ الْكِسَرِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ قُفَّةً مَمْلُوءةً. 21 وَالآ كِلُونَ كَانُوا نَحْوَ خَمْسَةِ آلاَفِ رَجُل، مَا عَدَا النِّسَاءَ وَالأَوْلاَدَ. 22 وَلِلْوَقْتِ أَلْزَمَ يَسُوعُ تَلاَمِيذَهُ أَنْ يَدْخُلُوا السَّفِينَةَ وَيَسْبِقُوهُ إِلَى الْعَبْرِ حَتَّى يَصْرِفَ الْجُمُوعَ.

الشرح:

{magictabs} نشرة رعيتي::

اطعم الرب يسوع ما يزيد على خمسة آلاف شخص إذ كسر خمسة ارغفة وسمكتين وهذا حدث عجائبي مميز يخفي في طياته مدلولات ايمانية ولاهوتية عميقة. يخبرنا الإنجيلي متى ان الرب يسوع اراد ان ينفرد والأرجح ليصلي (متى 14: 23) لكن “الجموع تبعوه مشاة من المدن” (متى 14: 13) عندها ابصرهم “فتحنن عليهم وابرأ مرضاهم”. يسوع يشفي المرضى “لأنه اخذ اسقامنا وحمل امراضنا” (متى 8: 17 انظر اشعيا 53 :4) وهذا يعني ان يسوع جعل نفسه معنيا في معاناة البشر وشريكا في ضعفاتهم عندها انعكس على الطبيعة البشرية صحةً وسلامةً كيانُ الرب يسوع الإلهي الإنساني.

تكمن أهمية حادثة تكثير الخبز في نقطتين: أن يسوع مثل إله العهد القديم قادر أن يطعم الجموع في الصحراء، وأنه العبد المتألم والمائت الذي تحدّث عنه إشعياء. وللتشديد على مكانة هذه الحادثة يوردها متى في موضع أساسي في سياق إنجيله، إذ تأتي بعد رفض اليهود لتعليم يسوع، وقبل رحلة يقوم بها يسوع إلى الجليل وأرض الكنعانيين وقيصرية فيلبس حيث يعترف به بطرس أنه “يسوع المسيح ابن الله الحي”. بترتيبه هذا لإنجيله، يأخذنا متى من حادثة تكثير الخبز، التي تُظهر أن يسوع يعمل كإله العهد القديم، إلى حيث يطلب من تلاميذه أن يقرروا مَن هو. وفي اللحظة التي يعترف فيها بطرس (13:16 – 20)، يتغيّر اتجاه الإنجيل ليبدأ الكلام عن الآلام وتحقيق نبوءات إشعياء عن العبد المتألم في يسوع وقبوله السلطان من الله.

أخذت حادثة تكثير الخبز مكانة مهمة في كل التقليد الكنسي الأول، إذ ترد عند متى مرتين، كما ترد عند مرقس ولوقا. أما يوحنا فيعتمد عليها ليبني إصحاحاً مركزيا في إنجيله (الإصحاح 6) يتحدّث فيه عن يسوع كخبز أبديّ نازل من السماء بالإشارة إلى حادثة إطعام شعب إسرائيل في سيناء بعد خروجه من مصر (خروج 16).

قال له التلاميذ” إنّ المكان قفر”. في القفر يكون الإتكال على الله فقط إذ تنعدم هناك الإنجازات البشرية. هذا يعيدنا بالذاكرة الى العهد القديم حين اخرج الله شعبه المستعبَد من مصر واحدر له المن والسلوى طعاما يوميا في الصحراء مدة اربعين سنة (خروج 16). هنا يكرر الرب يسوع ما قام به الله قديما ليس فقط ليؤكد ان الله العامل فيه هو الذي يتمم العجيبة بل ليعلن انه هو (اي يسوع) نفسه الذي اطعم الشعب قديما في الصحراء إذ “جميعهم اكلوا طعاما واحدا روحيا وجميعهم شربوا شرابا واحدا روحيا لأنهم كانوا يشربون من صخرة روحية تابعتهم والصخرة كانت المسيح”( 1 كورنثوس 10: 3-4).

“الساعة قد فاتت” اي ان الوقت مرّ واصبح متأخرا، هذا يعود الى ان يسوع اخذ يعلّم الجموع (مرقس 6: 34). “لا حاجة لهم الى الذهاب “بهذا يؤكد الرب يسوع ان كل الخيرات تنحدر منه وان المؤمن الحقيقي الملازم ليسوع والأمين لتعاليمه يستقي حاجاته مباشرة منه.

“امر بجلوس الجموع على العشب” هذه الاية تضعنا بطريقة غير مباشرة في جو فصحي. في الأصل اليوناني يقول “بأن يتكىء الجموع” اي ان يجلسوا كما الى مائدة وبهذا اشارة الى مائدة الملكوت (انظر اشعيا 26: 96). اما الجلوس على العشب فيومي بفصل الربيع وهو موسم الفصح بالنسبة الى اليهود وهذا يؤكده الإنجيلي يوحنا إذ يقدم لهذه الحادثة قائلا “كان الفصح عيد اليهود قريبا” ( يوحنا 6 :4).

أما النقطة الثانية التي تشدد هذه الحادثة عليها، أي أن يسوع هو العبد المتألم والمائت الذي تحدث عنه إشعياء، فتظهر بوضوح في تشابه الجزء الأخير من المقطع، “رفع نظره نحو السماء، وبارك وكسر وأعطى”،مع روايات العشاء الأخير حيث يقدّم يسوع نفسه مأكلا ومشربا لتلاميذه، مشيرا بذلك إلى الآلام المزمع أن يتكبدها وإلى إهراق دمه على الصليب ” لأجل كثيرين”.

إلى هذا تبرز في حادثة تكثير الخبز أهمية التلاميذ:فهم الذين يوزعون الطعام على الجموع: ” وأعطى الأرغفة لتلاميذه، والتلاميذ للجموع”. هذه الجملة مهمّة. التلاميذ صلة وصل بين الرب والناس. هكذا يصوّرهم متّى. إلى جانب ارتباط هذا بنقل التعليم، لهذا القول أيضا أهمية لاهوتية، إذ فيه تتجلّى فكرة المناولة في الإفخارستيا، التشديد إذاً على المائدة السماوية مائدة الإفخارستيا.

“نظر الى السماء وبارك وكسر واعطى الأرغفة للتلاميذ”. التعابير نفسها ترد في العشاء الأخير (السري) إذ فيما التلاميذ يأكلون” اخذ يسوع الخبز وبارك وكسر واعطى التلاميذ” (متى 26: 26). هكذا يتضح ان عجيبة تكثير الخبز تفهم في اطار سر الشكر، اطار مناولة جسد ودم الرب يسوع المسيح كما تتم في القداس الإلهي. تكثير الخبز يأتي نتيجة للعمل الخلاصي الذي سيتممه الرب يسوع على الصليب وصورة الخبز تشير الى جسد الرب يسوع الذي سيستحيل بالصليب “خبز الحياة الأبدية” إذ يقول الرب يسوع “انا هو خبز الحياة. آباؤكم اكلوا المنّ في البرية وماتوا هذا هو الخبز النازل من السماء لكي يأكل منه الانسان ولا يموت. انا هو الخبز الحي الذي نزل من السماء. ان اكل احد من هذا الخبز يحيا الى الأبد والخبز الذي انا اعطيه هو جسدي الذي ابذله من اجل حياة العالم” (يوحنا 6 : 48-51).

امر يسوع التلاميذ بتوزيع الطعام على الجموع وهذا يشير الى المهمة الملقاة على عاتقهم في قيادة المؤمنين الى الخلاص، والى السلطة التي بموجبها يتممون سر الشكر الذي به يحصل المؤمنون على “خبز الحياة”. “رفعوا من الكسر اثنتي عشر قفة” هذا رقم رمزي وبه يشار الى قبائل اسرائيل الاثني عشر وهذا يعني ان خلاص يسوع غني للجميع ووافر حتى انه يفيض عن اسرائيل ويصبح في متناول الجميع من دون استثناء.

نقلاً عن نشرة رعيتي
الاحد 1 آب 1993 / العدد 31

|||| رسالة مطرانية اللاذقية::

في معاني الإنجيل:

“ثم أخذ خمسة الأرغفة والسمكتين ونظر إلى السماء وبارك وكسر وأعطى الأرغفة والتلاميذ للجموع..”

قد يكون لدى البعض أ ن اهتمام الدّين يختص بالماورائيات واهتمام الدنيا بالحياة الدهرية، وكل منهما يعارض الآخر . فمن يحيا للدين نراه يتناسى الدنيا، والعكس وارد أكثر. في حدث تكثير الخبز يظهر على الفور كيف أن المسيح يجمع بين الدين والدنيا بالشكل الصحيح . كيف يعطي “الكلمة ” و”اللقمة”، يعطي غذاء الروح ويناول غذاء الجسد . لقد عّلم الجموع، ولما جاعوا أمر أن “أعطوهم لياكلوا”.

لكن الربّ يسوع لم “يطعم” الجموع هكذا دون فلسفة معيّنة . إن حركا ته وكلماته (نظر إلى السماء وشكر وبارك وكسر وأعطى تلاميذه )،هي نفسها التي سيكررها عندما سيكسر لهم جسده ودمه مأكلاً ومشرباً حقيقيين في العشاء السري.

يوحنا الحبيب يذكر في ا نجيله بعد هذه الأعجوبة خطاب يسوع الشهير حول خبز الحياة . فأعجوبة تكثير الخبز تذكرنا بصورة وحدث إطعام الجموع في البرّية من المنّ . وتستبق وتصوّر لنا ما سيحدث في العشاء السرّي، الذي لن يقدم المسيح فيه المنّ الذي أكل منه آباؤنا في البرّية وماتوا، ولكن جسده ودمه، الخبز الحيّ الذي إذ نأكل منه نحيا ولا نموت . العشاء الذي سيمتدّ عبر الدهور في القدّاس الإلهيّ في سرّ الشكر.

الإنسان مدعوّ ليحوّل الكون كّله وجميع خيراته إلى “تقدّمة وشكر للرب . ليس هناك من تضاد بين المادّة والروح أو الدنيا والدين. التضاد هو في الاستخدام من أجل الله أو من دونه .

المادّة خلقت لتكون مقدّسة والمؤسف أننا أحياناً نفسد قدسيّتها. المسيحيّ مدعوّ وبجدّية ليستخدم كل خيرات الدنيا ويعطيها شرفها وقيمتها إذ يرفعها ويقدمها للرب . لا يوجد شيء في الدنيا تافه . كل شيء يمكننا استخدامه في رحاب المحبّة الإلهيّة. المسألة في “لماذا” نستخدم وليس في “ماذا” نستخدم ! السبب يقدّس المادّة أو يفسدها.

هل لدينا الجرأة والإيمان لنقول أمام كل تصرف أو استخدام : “التي لك مما لك نقدّمها لك على كل شيء ومن جهة كل شيء”.

تساؤلات حول المقطع الانجيلي:

  1. ما هو القفر الذي كان فيه المسيح مع الجموع ؟
    بعد أن سمع السيد ما فعله هيرودس بالقديس يوحنا المعمدان انصرف إلى موضع خلاء أي إلى البرية، وكأنه يعلن أنه منطلق إلى جماعة الأمم التي صارت برية وقفراً ليقيم منها فردوساً.
    انصراف السيد لم يكن خوفاً بل حمكة، وبانصرافه وانطلاقه إلى موضع الخلاء أدركت الجموع أنه مصدر الشبَع فجاءت إليه من المدن وتبعوه مشاة. الانطلاقة إلى البرية الحقيقية والانفراد مع الّله يجذب النفوس وينمي الخدمة لحساب ملكوت السموات! هذا اللقاء في القفر بين السيد والجموع قدّم مفهوماً جديداً للخلوة والوحدة. إنها ليست عزلة عن البشرية ولا انغلاقاً للقلب بل هي انفتاح للقلب نحو الّله والناس تختلي النفس بالله لا في انفرادية متقوقعة وإنما هي تنفرد به تحمل أمامه الكنيسة كلها بل والعالم كله بالحب.
  2. لماذا تحنن وشفاهم من أمراضهم قبل أن يطعمها؟
    شفى السيد المرضى حتى إذ يصيرون أصحاء يشتركون في الخبز السماوي ولكن ما داموا مرضى فلا يقدرون أن ينالوا الخبز السماوي. لعل هذا إشارة لنا لإلتزامنا بسر التوبة والاعتراف لأجل شفاء النفس من أمراضها الروحية قبل أن تدخل إلى مذبح الرب وتتقبل جسده السماوي.
  3. لماذا يرفع السيد نظره إلى السماء قبل إقامة المعجزة؟
    لأنهم بحاجة أن يؤمنوا أنه مرسلٌ من الآب ومساوٍ له. فهو يتطّلع إلى السماء لكي يكرم أبيه. فعندما يغفر الخطايا، عندما يفتح الفردوس ويدخل اللص إليه، عندما ألغى الناموس القديم بقدرة فائقة، عندما أقام أمواتاً كثيرين، عندما سكن العاصفة في البحر، عندما وهب النور للعميان، هذه الأعمال كلها من اختصاص الّله وحده دون غيره وفيها لم يستدع أبيه. لكن هنا استدعى معونة أبيه ليظهر أنه مرسل من الآب ويفعل كل شيء ناسباً إياه إلى أبيه ومن جهة ثانية لكي يعّلمنا أن لا نبدأ الطعام قبل أن نشكر ذاك الذي يعطينا الغذاء.
  4. لماذا ألزم تلاميذه أن يصعدوا السفينة ويغادروا تلك المنطقة؟
    هو ألزمهم أن يدخلوا السفينة وكأنهم إذا أسلموا حياتهم بين يديه بكامل حريتهم كان يدفعهم إلى وسط البحر ليختبروا الباب الضيق ليس إمعاناً في آلامهم، وإنما ليلتقوا به وسط الآلام كمصدر تعزية لهم. لأنهم إن وصلوا بالسفينة وسط العاصفة وصاروا عاجزين بدون المسيح أن يغلبوا الأمواج والأرواح المضادة سيأتي السيد إليهم ماشياً على البحر، هذا الذي لا تعوقه أمواج أو رياح فيهدئهم معطياً لهم السلام.

نقلاً عن رسالتي لمطرانية اللاذقية
الأحد 14/8/2005 – العدد 33
الأحد 29/7/2001 – العدد 26

{/magictabs}

jaJapanese
上部へスクロール