تُعيد الكنيسة المقدسة في الثالث عشر من شباط لتذكار القديس البار مرتنيانوس الفسلطيني، الذي كان نموذجاً للتموبة. وتُعلمنا سيرة حياته أن الشيطان لا يرتاح حتى يسقط الإنسان في الخطيئة، وكلما تقدم الإنسان في الحياة الروحية، ازدادت تجارب الشرير شراسة، وبنعمة الرب وحدها يستطيع الإنسان التوبة والعودة إلى الحضن الإلهي.
ولد مرتنيانوس في منتصف القرن الرابع في قيصرية فلسطين. لما بلغ الثامنة عشرة اختار الحياة النسكية وانتقل للعيش في إحدى الجبال القريبة من قيصرية، وتتلمذ على أيدي نساك هذا الجبل. ثابر على الصلوات والأصوام والأسهار ودراسة الكتاب المقدس وعمل الفضائل، حتى أنه صار نموذجاً لكافة الرهبان في حياة القداسة. أنعم الله عليه بموهبة طرد الأبالسة وصنع العجائب، فتقاطر إليه الناس من مختلف الأماكن لكي يشفوا من أمراضهم.
لم يرق للشيطان أن يكون مرتنيانوس عبداً للرب. فبعد خمسة وعشرين عاماً من حياة القداسة حاك الشيطان مكيدة ضد مرتنيانوس لك يوقعه في الخطيئة. وتفصيل ذلك أن امرأة اسمها زويي، من قيصرية، سمعت بسيرة مرتنيانوس من بعض الشباب الذين تحدوها بأنها لا تستطيع الإيقاع به، فلبست ثياباً رثة وانطلقت إلى الجبل حيث منسك مرتنيانوس. وقد هطل المطر في الطريق وتبللت ثيابها فبدت بحال يرثى لها. أخذت تقرع على باب مرتنيانوس وتبكي وتنحب متظاهرة بالخوف من الوحوش لأن المساء قد حلَّ. رق قلب القديس وأدخلها وأعطاها طعاماً من الخبز والثمر، ثم مضى هو إلى غرفته الداخلية حيث أمضى الليل في الصلاة.
بدلت زويي خلالها ثيابها الرثة بملابس مثيرة كانت جلبتها معها، ولما كان الصباح خرج مرتنيانوس من غرفته الداخلية إلى مكان وجود المرأة. أغوته المرأة فضعفت قواه الروحية. لكنه وقبل الارتماء في أحضانها، أراد التأكد من عدم وجود أحد في الخارج. ولما هم بالخروج من الباب رأى رؤيا تصور الهاوية التي هو مزمع أن يلقي نفسه فيها، فانصدم وارتد تائباً. جمع حطباً وأشعله، ولما صار جمراً أخذ يسير على الجمر وهو يقول: أنظر قبل أن تباشر النجاسة إن كنت قادراً على احتمال نار جهنم عقاباً. احترقت رجلاه فبكى بكاءً مراً، بسبب أوجاعه، على خطاياه.
لما شاهدت زويي هذا المشهد انطرحت عند قدمي مرتنيانوس وذرفت دموع التوبة طالبة منه الغفران. ولم تترك المنسك إلا بعد أن أرشدها إلى طريق الخلاص، وما يجب أن تفعله لتكفر عن خطاياها. ويقال أنها ذهبت إلى دير القديسة باولا في بيت لحم حيث عاشت بالنسك لمدة اثنتي عشر سنة لحين وفاتها، ولم تذق طعاماً خلال هذه الفترة غير الخبز والماء.
بقي مرتنيانوس طريح الفراش مدة سبعة أشهر، لا يمكنه الوقوف على رجليه المحروقتين. بعدها قررد الذهاب إلى مكان منفرد لكي لا يتعرض ثانية لما أصابه سابقاً، ولكي يكفر عن ذنوبه. قصد الشاطئ وركب إحدى السفن، فأرشده صاحب السفينة إلى صخرة في وسط البحر استقر عليها وكان صاحب السفينة يأتيه ثلاث أو أربع مرات في السنة بالخبز اليابس والماء. بقي هناك عدة سنوات يمارس أفعال التوبة الشاقة إلى تحرك الشيطان من جديد ليجربه، فتحطم مركب قرب الصخرة وغرق الجميع ما عدا فتاة واحدة قذفتها الريح نحو صخرة مرتنيانوس. صرخت نحوه مستغيثة، أما هو فتردد في إنقاذها مخافة أن تكون تجربة جديدة من الشيطان. لكنه عاد وأخرجها من البحر. ولكي لا يجربه الشيطان سلّمها الخبز والماء الموجودين عنده، ورمى بنفسه في البحر بعد أن رسم الصليب. أنقذه الرب ووصل سالماً إلى الشاطئ. ويُقال أن هذه الفتاة التي كانت تدعى فوتين عاشت على الصخرة طيلة حياتها. أما هو فقرر التجول كغريب من مدينة إلى أخرى. وكان يعيش من صدقة المحسنين. وصل في تجواله إلى أثينا حيث اعتراه المرض. اهتم به أسقف المدينة إلى أن رقد بسلام حوالي العام 400.
فبشفاعته اللهم ارحمنا وخلصنا آمين.