ابن الله الوحيد

يطلق العهد الجديد على يسوع المسيح، من بين ألقابه العديدة، لقب “ابن الله”، ويشابهه لقبا “الابن” و”الابن الوحيد”. سوف نحاول جلاء معنى تعبير “ابن الله الوحيد” في العهدين القديم والجديد.

في العهد القديم كان هذا اللقب يدل على مخلوقات كثيرة: فاليهود فهموا تعبير “بني الله” الوارد في سفر التكوين 6: 2 على انه يعني الملائكة. اما اسرائيل (اي شعب الله) فهو ايضا ابن الله: “وقل لفرعون كذا قال الرب: اسرائيل ابني البكر” (خروج 4: 22)، و”انتم بنو الرب إلهكم” (تثنية الاشتراع 14: 1)، والملك داود معروف بأنه ابن الله: “انا أكون له أبا وهو يكون لي ابناً” (2ملوك 7: 14).

معنى لقب “ابن الله” في العهد الجديد يختلف عن معناه في العهد القديم، فكاتب الرسالة الى العبرانيين يؤكد في فاتحة رسالته أن يسوع المسيح ابن الله أعظم من الملائكة: “إن الله كلَّمنا اخيرا في هذه الايام في الابن الذي جعله وارثا لكل الاشياء وبه أنشأ الدهور” (1: 2)، بعدها مباشرة يلفت الى أن هذا الابن “أعظم من الملائكة بمقدارِ ما للاسم الذي ورثه من فضل على أسمائهم” (1: 4). كما أن الابن أعظم من داود، ذلك أن المسيح نفسه يقول إن داود دعاه ربا عندما رنّم مزموره الشهير: “قال الرب لربي اجلس عن يميني حتى أجعل أعداءك موطئا لقدميك” (مزمور 110: 1 ومتى 22 :42-46). اذاً يسوع المسيح الابن هو أعظم من كل أبناء الله الوارد ذكرهم في العهد القديم.

يستعمل الرسول بولس لقب “ابن الله” (15 مرة فقط مقابل 184 مرة للقب “الرب”) للإشارة الى العمل الخلاصي للابن: “فلما بَلَغَ ملءُ الزمان أرسل الله ابنه مولودا من امرأة، مولودا تحت الناموس ليفتدي الذين تحت الناموس لننال التبنّي” (غلاطية 4: 4). واضح هنا أن عمل ابن الله الخلاصي يكمن في أن يصير كل من يؤمن به ابنا لله. وهذا العمل يتوِّجُه الابن في اليوم الأخير، يوم القيامة العامة بأن يُخضع كل شيء لله: “حينئذ يُخضَع الابنُ نفسُهُ للذي أخضع له كل شيء ليكون الله الكل في الكل” (1كورنثوس 15: 28).

يتعلق الحديث عن الابن في العهد الجديد بالحديث عن الابن الضحية الذي سيُسلم الى الموت، لذلك نرى الرسول بولس يشير الى بذل الله لابنه من اجل خلاص العالم: “الذي لم يشفق على ابنه بل أسلمه عن جميعنا كيف لا يهبنا ايضا معه كل شيء” (رومية 8: 32). يوحنا الإنجيلي يستعيد الصورة ذاتها حين يؤكد: “لانه هكذا أحب الله العالم حتى إنه بذل ابنهُ الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية” (3: 16). وفي الرسالة الى غلاطية لا يذكر بولس في حديثه عن الذبيحة الإلهية دور الله في هذه الذبيحة مكتفياً بالاشارة الى دور الابن حين يقول انه حي “في الايمان بابن الله الذي أَحبَّني وبذل نفسَه لأجلي” (2: 20).

في الرسالة الى اهل كولسي نشيد هامّ موضوعه عمل الابن “الذي لنا فيه الفداء بدمه مغفرة الخطايا” (1: 13-14). يبدأ النشيد بالإشارة الى أن ابن الله هو “صورة الله غير المنظور وبكر كل خليقة” (الآية 15)، ثم يؤكد صاحب النشيد “به واليه خُلق كلُّ شيء” (الآية 16)، لينتهي بالتشديد على أن الآب صالَحَ البشر “به (اي بالابن) الجميع لنفسه مسالما بدم صليبه ما على الأرض وما في السموات” (الآية 20).

مفهوم الرسول بولس للقب “ابن الله”، وهو المفهوم الذي آمنت به الجماعة المسيحية الاولى، يتلخّص في النقاط التالية: يسوع المسيح المصلوب ليس هو فقط الإنسان الذي أقامه الله من بين الاموات، بل هو أعظم من هذا: انه ابن الله الكائن الإلهي، الأزلي، الذي صار انسانا وفدى البشرية بموته وقيامته، ووهبهها الخلاص.

في مقدمة إنجيله يخبرنا يوحنا: “الله لم يره أحد قط. الابن الوحيد الذي في حضن الآب هو أَخبَرَ” (1: 18). لكن لهذه الآية في العديد من المخطوطات القديمة إضافة هامة تؤكد ألوهة الابن، فيصبح الجزء الثاني من الآية على الشكل التالي: “الابنُ الوحيدُ الإلهُ الذي هو في حضن الآب هو أخبر”. ولغويا لفظ “الإله” في الآية بَدَلٌ لتعبير “ابن الله”. وقد أشارت الى هذه الإضافة الترجمات المعروفة للكتاب المقدس، كما استشهد بها كبار الآباء كإيريناوس اسقف ليون (+202) واكليمنضس الاسكندري (+211) وغريغوريوس النزينزي (+391)…

يقول اللاهوتي يوحنا: “من يؤمن بالابن فله الحياة الأبدية، ومن لا يؤمن بالابن فلا يعاين الحياة ولكن غضب الله مستقر عليه” (3: 36). في إنجيل يوحنا تأكيد دائم على أن ثمرة الايمان بالابن حياة أبدية ننالها في هذا الدهر خلال حياتنا القصيرة نسبيا، ذلك أن المسيح -بشهادة الإنجيلي يوحنا- لا يجعل الحياة الأبدية مشروعا مستقبليا سوف يحصل في اليوم الاخير، بل يستحضر الحياة الأبدية الى اليوم فيجعلها حاضرة في دقائق حياتنا. ف “الآن وهنا” -وليس غداً وهناك- ينال المؤمن الحياة الأبدية اذا آمن بابن الله إلهاً ومخلصا. فلا نؤجّلنّ في غمرة أعمالنا اليومية مشروع خلاصنا الى غدٍ قد لا يأتي.

عن نشرة رعيتي 1997

zh_CNChinese
滚动至顶部