الأدب المنحول، أو الأناجيل المنحولة، كتابات وُضِعت (معظمها) في فترة تدوين كتُب العهد الجديد، وأعطت ذاتها صفة ً شرعية، ذلك أن كتّابها نسبوها، اختلاقا، إلى الرسل أو إلى تلاميذهم.
قسّم العلماء هذه الكتب إلى ثلاثة أقسام، هي:
- الأناجيل المدعوة إزائية، وهي القريبة من تصميم الأناجيل الإزائية القانونية (متى ومرقس ولوقا)، ومنها: أنجيل بطرس، إنجيل العبرانيين، إنجيل الناصريين، إنجيل المصريين، إنجيل الأبيونيّين، (المعروف أيضا بإنجيل الاثني عشر).
- الأناجيل الهرطوقية، ومنها: إنجيل يهوذا، إنجيل برثلماوس، إنجيل برنابا، إنجيل باسيليدس وإنجيل توما (عرّبته مجلة النور في العام 1995)…
- الأناجيل الخيالية التي تروي قصص خيالية عن طفولة يسوع، منها: إنجيل يعقوب، إنجيل متّى المنحول، قصة طفولة يسوع لتوما، قصة يوسف النجار، وقصة الآلام (أو إنجيل نيقوديموس)…
لا بدّ أن نعرف بدءاً أن الكنيسة التي عرفت خطورة معظم محتوى هذه الكتب شجبتها كلّها وأبعدتها عن التداول (أي عن لائحة الكتب القانونية)، وذلك لأن تعاليمها غير نافعة (توحي بعقائد غير مستقيمة)، وتخالف المسلَمات (رغم أن كتّابها أخذوا، في بعض المواضع، من النصوص القانونية، وذلك بغية إيهام القارئ بصحة كتاباتهم)، وهي تخدم نوايا بعض المبتدعين القدماء (الغنوصييّن…)، وتروي خرافات وأقاصيص فارغة وغير واقعية، وتقوم ” على الخوارق من دون العِبَر التي تأتي عنها”… فمثلا يروي كتاب ” طفولة الرب يسوع” المنسوب إلى توما، قصة عن يسوع حين كان طفلا في الخامسة يلعب قرب غدير: “فجبل طينا ناعما وصنع منه اثني عشر عصفورا. وفعل ذلك يوم السبت”. فشكاه أحد اليهود إلى يوسف لأنه يدنس السبت. وبعد تأنيب يوسف له، صفق يسوع بيديه وصرخ قائلا للعصافير:”طيري” فابتعدت العصافير وهي تزقزق (انظر مجلة النور، 1995، صفحة 174). وهذا، من دون ريب، يشّوه إنسانية يسوع، ويحرّف عجائبه التي غايتها إعلان اقتراب (حضور) ملكوت الله. ويعرف المطَّلعون أن هذا الأدب تكلم على حدث تجسد الرب الخلاصي كأنه ” خرافات ذات طابع مظهريّ غير ملموس”، وتاليا، وبالطريقة ذاتها، تناول موته على الصليب وقيامته. ناهيك عن أنه يقسّم شخص المسيح ابن الله المتجسد، وهذا لا ريب تعليم غنوصيّ أدانته الكنيسة. وذلك أن الغنوصييّن كانوا يعتقدون بأن المسيح (الكائن الإلهي) الذي هو فيض من الألوهة، قد حلّ على يسوع الإنسان أثناء معموديته، وتركه قبل الآلام. ولعله من الأهمية بمكان أن نذكر ما قاله، عن الغنوصيّين وتعليمهم، القديس إيريناوس أسقف ليون الذي وضع كتابه “ضد الهرطقات”، بخاصة للرد على هذه البدعة التي انتشرت في القرن الثاني والثالث، يقول:” إن المدارس الغنوصية قد أفسدت المعنى الحقيقي للكتاب المقدس وزوّرته، إذ أنها كانت تأخذ مقاطع من العهد القديم، ومن النبوءات، ومن أمثال المسيح، وتحوّرها كما يوافق تعليمها، أو أنها كانت تجمع مقاطع من هنا وهناك وتدمجها بعضها مع بعض لتعطيها معنى جديدا هو بعيد كل البعد عن الحقيقة التاريخية…”.
سنحاول، في ما تبقَّى من هذا المقال، أن نقف على بعض ما ورد في إنجيل توما المنحول، ونحلل بعض أخطائه (وبخاصة إنه تُرجم إلى العربية كما ذكرنا أعلاه) لنبيّن عيب هذه الكتب جملةً.
إنجيل توما هو كتاب غنوصيّ، يتألف من “أقوال سرّية” (114 قولا)، نُسبت إلى يسوع “خارج أي إطار قصصي أو تاريخي”. يركز الكتاب على المعرفة، وبخاصة معرفة الإنسان لذاته وحصر الخلاص بها (الأقوال 3، 4، 5، و67…)، وفي هذا نقضُ لحقيقة الله التي هي مطلب المؤمن الحقيقي. ذلك أن المؤمن الحق يعرف أن الله هو وحده مالك الحقيقة ومعطيها، وأن علاقته بالله هي التي تمكّنه من أن يعرفه ويعرف نفسهُ ليحب ويتوب أكثر. وهو (إنجيل توما) يؤثر الخرافة (7)، ويجعل دخول المؤمنين إلى ملكوت الله أمرا مستحيلا، وذلك بترداده تعليما مبهماً، يقول: “….قالوا له (تلاميذه): هل ندخل نحن الملكوت إذا رجعنا أطفالا؟”، فيجيبهم يسوع: “عندما تعملون الاثنين واحدا والباطن كالخارج والخارج كالباطن، وتعملون ما هو فوق كالذي أسفل والذكر والأنثى تعملونها واحدا بحيث لا يبقى الذكر ذكرا ولا الأنثى أنثى، وعندما تعملون عيونا عدة عوض عين واحدة ويدا عوض يد ورجلا عوض رجل وتعلمون صورة عوض صورة، عندها يدخلون الملكوت” (22). ولا يخفى أن الرب كشف، في تعليمه، عن صعوبة دخول الإنسان إلى الملكوت، غير إنه لم ينفِ كونه “مستطاعا عند الله” (لوقا 18: 27). ومما يعنيه قول يسوع، في سياقه، هو أن لله مقاييسه في اختيار المخلصين له، وهو صاحب القرار في مَن يدخل (إلى الملكوت) ومَن لا يدخل، وليس عَمَل الأعمال الواردة في القول(22). والكتاب يشكك المؤمنين في سياق التعليم حول العبادة، إذ ينادي بحفظ يوم “السبت” (27)، ويتكلم بخفة على الصوم والصلاة باعتبار أن من يمارسهما يعرّض نفسه ” للخطيئة والشر” (14، انظر أيضا القول 104). ويناقض(كتاب توما الغنوصي) تعليم يسوع عن القيامة، يقول:”قال يسوع: سأنقض هذا البيت ولا أحد يستطيع بناءه” (71؛ قارن مع إنجيل يوحنا2: 19). ويفصل بين النفس والجسد ويحتقر الأخير (29). ويزدري بمريم والدة الإله وبالنساء عموما، نقرأ:” قال سمعان بطرس: فلتخرج مريم من وسطنا، لأن النساء لا يستحققن الحياة. قال يسوع: ها إني أجتذبها لأجعل منها ذَكّراً وتصير أيضا روحا حيّة تشبهكم أنتم الذكور. لأن كل امرأة تجعل نفسها ذَكَراً تدخل ملكوت السموات ” (114).
يبيّن هذا العرض السريع بعض الأسباب التي دعت الكنيسة إلى رفض تعاليم هذه الكتب المنحولة، فهي تشوّه الحقيقة وتسمم أفكار المؤمنين(الضعفاء) الذين يفعلون خيراً – إن وقعت بين أيديهم- إذا ابتعدوا عنها، والتصقوا بماء الحياة المتدفّق من إنجيل الحياة.
Z biuletynu parafialnego z 1999 r