في فترة الاضطهاد التي مرت بها الكنيسة أنكر الكثير إيمانهم ثم رغبوا في العودة إلى إلى حضن الكنيسة. فنشأ اختلاف بين رؤساء الكنائس في قبولهم. فتعددت الانشقاقات وطالت.
اضطراب في كنيسة أفريقيا: في السنة 249 رُقي كبريانوس إلى كرسي الأسقفية في قرطاجة. فرضي البعض عنه وعارض البعض الآخر. وفي طليعتهم خمسة كهنة أشهرهم نوفاتوس. وما لبث أن بدأ داقيوس الذي خلف فيليبوس العربي باضطهاده للمسيحيين. ففرّ كبريانوس واختبأ. فاستغل نوفاتوس هذا الفرار وطعن في إيمان كبريانوس. وغالى في تكريم “المعترفين” الذين تحملوا شتى ألوان العذاب باسم يسوع. واعتبرهم أصحاب الحلّ والربط في أمر من رغب في العودة إلى الإيمان. وكتب إلى كنيسة رومة في فرار كبريانوس من وجه السلطات في أثناء الاضطهاد. وكان هذا قبل وفاة فابيانوس وارتقاء كورنيليوس. فاتخذ مجلس شيوخ رومة قراراً أظهر فيه عدم الرضى عن قرار كبريانوس. فدافع عن نفسه بتحريره ثلاث عشرة رسالة إلى كنيسة رومة مبيّناً الأسباب التي دفعته للهرب. واعتدل في موقفه من المرتدين والمعترفين. ولكن نوفاتوس وأتباعه ظلوا معاندين واستمروا في تقبيح عمل الأسقف. فدعا كبريانوس في أواخر سنة 250 إلى عقد مجمعاً محلياً. قطع فيه نوفاتوس ومن قال قوله.
انشقاق في كنيسة روما: فترك نوفاتوس أفريقية وذهب إلى رومة. ليجد فيها المؤمنين منقسمين على أنفسهم متجادلين في أمر الخلافة بعد فابيانوس. منهم من يؤيد كورنيليوس ومنهم من يفضل نوفاتيانوس الكاهن العالم صاحب الرسالة في الثالوث. فشد نوفاتوس أزر نوفاتيانوس. فلما اعتلى السدة كورنيليوس عقد مجمعاً محلياً في سنة 251 أيّد به موقف كبريانوس. فطعن نوفاتوس ونوفاتيانوس في انتخاب كورنيليوس مدّعين أمام أن كورنيليوس حصل على شهادة في أثناء الاضطهاد تثبت ارتداده أمام السلطات وأنه واظب على الإتصال بالمرتدين. ثم استعانا ببعض الأساقفة، فساموا نوفاتيانوس أسقفاً على رومة. وأصبح لكنيسة روما أسقفان في آن واحد. وعرف أتباع نوفاتيانوس بالـ “Cathari” الطهريين لتمسكهم بالطهارة وتطرفهم في أمر المرتدين وعدم قبولهم في عداد المؤمنين.
أنطاكية ورومة: فكتب كلٌّ من الأسقفين إلى كبار الأساقفة في الشرق. فوافق ديونيسيوس أسقف الاسكندرية كورنيليوس في موقفه من الجاحدين العائدين إلى التوبة. أما فابيوس أسقف أنطاكية (250-252) فإنه آثر الشدة وقال قول توفاتيانوس. وكتب إليه كورنيليوس أكثر من مرّة فكتب وطعن في إيمان نوفاتيانوس ولكن دون جدوى. وتدخل ديونيسيوس فكتب إلى فابيوس موجباً التروي والاعتدال مستشهداً على صحة ما ذهب إليه بقصة الرجل الشيخ سيرابيون الاسكندري.
وظهرت بوادر الشقاق في كنيسة أنطاكية حول هذا الموضوع. فاضطر فابيوس أن يشاور في الأمر فدعا أساقفة الكرسي الأنطاكي إلى مجمع يبحث فيه قضية الجاحدين العائدين إلى التوبة ويتخذ موقفاً حاسماً من الشقاق الذي دب إلى كنيسة روما وقرطاجة وغيرهما. ولبى الدعوة عدد من أساقفة أنطاكية. أشهرهم الينوس أسقف طرسوس وفرميليانوس القبدوقي وثيوقتستوس الفلسطيني. ورأى الينوس وكان فيما يظهر أقدم الأساقفة الأنطاكيين سيامة وأشدهم نفوذاً نظراً لحجم طرسوس وتسلسل البركة فيها من الرسل أنفسهم. وإن اشتراك ديونيسيوس في أعمال المجمع ضروري فخاطبه وطلب منه الأساقفة المذكورون أعلاه الحضور.
ويعلق الدكتور أسد رستم هنا قائلاً: ونحن لا نرى في نص أفسابيوس المؤرخ ما يؤيد استنتاج الأب بردي من أن الينوس وأعوانه دعوا إلى المجمع لا فابيوس. فافسابيوس يفيد أن ديونيسيوس كتب إلى كورنيليوس يقول أن الينوس وفرميليانوس وثيوقتستوس دعوه إلى “اللقاء في مجمع أنطاكية لأن البعض يؤيدون شقاق نوفاتيانوس”. ولكنه لا يفيد أن هؤلاء الأساقفة دعوا أنفسهم إلى هذا المجمع. ولا يخفى أن قلة المراجع الأولى تقضي بالتروي والاعتدال في الاستنتاج.
المجمع الأنطاكي الأول: وفي سنة 252 توفي فابيوس أسقف أنطاكية قبل انعقاد المجمع واعتذر ديونيسيوس عن الاشتراك لتقدمه في السن. فجلس الأساقفة وأيدوا كورنيليوس في موقفه من الجاحدين ونبذوا تعليم نوفاتيانوس. وقد يكون تم في هذا المجمع سيامة ديمتريانوس الكاهن الأنطاكي أسقفاً على أنطاكية، خلفاً لفابيوس.