☦︎
☦︎

إننا في المعمودية نطرح وجوداً ونعتاض عنه بوجود آخر. نتنكر لحالة لنربح أخرى. فإذا توصلنا لإيضاح طبيعة هذا التبديل وأتضح لنا الأساس الذي تقوم عليه الحياة بالمسيح فإننا نبلغ الهدف المقصود. أن نقطة الانطلاق فيما نرمي إليه هي الخطيئة والإنسان العتيق، ونقطة الوصول هي البر والإنسان الجديد. فلندرس هذا الموضوع بعمق.

الخطيئة خطيئتان، خطيئة تقوم في الأعمال وخطيئة تقوم في حالة العادة. العمل الخاطيء ليس بدائم ولا بمستمر. انه يختفي فور اقترافه ولكنه يترك وراءه جرحاً كالسهم الذي يجتاز زقاً فيخترقه تاركاً وراءه ثقباً. العمل الخاطئ يترك جرحاً في فعلة الشر ليشهد على السقطة وعلى السبب الذي يدين الخاطىء أما عادة الخطيئة للأفعال الشريرة فهي كالمرض الناتج عن حمية فاسدة. أنها تقوم دائماً في النفوس وتقيد النفس بقيود لا يمكن فكها وتستعبد الإدراك وتحول كل شيء إلى شر وتقود فرائسها للأعمال الملتوية التي تولدها كل يوم وتصبح مع التمادي ذات وجود ومولدة كحلقه مستمرة، وهكذا لا يمكن أن تكون نهاية للخطيئة وتتقوى عادة. الخطيئة بتكرار الأعمال وبها تأخذ وجوداً وعملاً خاطئاً وتكرار الأعمال الخاطئة يقوي عادة الخطيئة كما قلنا، وتصبح العادة خطيئة ملازمة، وهكذا يتطور القلـق الخاطىء باستمرار وتكون النتيجة كما يقول الرسول بولس: “لقد بقيت الخطيئة أما أنا فقد مت” (رومية 7: 9)، مع العلم أن الشر ليس من اليوم ولا من الأمس بل يعود إلى أبينا الأول. إن آدم إذا استسلم للروح الشرير رد وجهه عن معلمه الصالح وفقد ميزة الحكم وخسرت روحه صحتها وكيانها الصالح، ومشى الجسد كزوج للروح ولاقى المصير نفسه فتشوه معها كالآلة في يد فنان. النفس المتحدة وثيقاً بالجسد تنقل إليه أهواءها الخاصة. ما البرهان؟ الخجل الذي تشعر به النفس يجعل وجهها أحمر والجسد يرزح تحت ثقل الاهتمامات فيسقط، وبقدر ما تتبع الطبيعة مجراها، والجنس البشري نتاج هذا الجسد الأولي، يكثر ويتضاعف. وينتقل الشر مع المواهب الطبيعية، وكما أن الجسد لم يقع تحت تأثير أهواء النفس فحسب بل نقل إليها أهواءه فأنها، أي النفس، تشعر في الواقع بالفرح والتعب من ناحية ومن ناحية أخرى علينا أن نستنتج أن نفس كل إنسان ترث من آدم الشر الذي ينتقل من النفس إلى الجسد ومن ثم من الأجساد إلى ذريته.

هذا هو الإنسان العتيق الذي أخذ بذار الشر من الجدين الأولين وأخذناه نحن بالولادة. لم نر يوماً واحداً خلواً من الخطيئة ولم نستنشق نسمة خالية من المرارة كما يقول النبي داود: “كنا أشراراً منذ ما حبل بنا وضالين ونحن في الأحشاء الوالدية” (مزمور :37 4)، ولم نقف عند حدود المصير الشقي، حدود الخطيئة الجدية، لم نكتف بما ورثناه من محبة للشرور بل ازددنا شراً وأضفنا على نفوسنا خبثاً حتى فاق شرنا الحاضر الشر الأول وغطاه وصرنا مثالاً شريراً وقدوة سيئة، والأهم أننا لم نصبح فعلة للشرير بل صار الشر فينا يولد شروراً ويزداد باطراد لذلك لا يستطيع الجنس البشري أن يخلص نفسه بنفسه لأنه لم يحاول أن يتمرد على الظلم وهو المطيـة للظلم ولا أن يذوق طعم الحرية التي يحلم بها.

إن المعمودية تحرر من هذه القيود الشريرة ومن هذا المرض والموت، وبسهولة فائقه وبطريقة فورية مليئة وكاملة فلا يبقى لها أثر. أنها لا تعتق من الخبث فحسب بل تعطي العادات المخالفة. فاالله نفسه الذي مات من أجلنا أعطانا سلطاناً لقتل الخطيئة، وبصعوده جعلنا ورثة الحياة الأبدية الجديدة. أما موته بحد ذاته فقد قتل الحياة الشريرة وحلّ خطايانا ككفارة.

بهذه الطريقة يحررنا الغسل من العادة والأفعال الخاطئة كلها ويظهرنا أنقياء ويجعلنا مشاركين في موت يسوع المحيي. وبما أننا نشترك بالمعمودية في قيامة المسيح فالمسيح ينقل إلينا حياة جديدة ويزودنا بإمكانات وقوى تتناسب مع هذه الحياة، لذلك تحررت من جرائري وامتلكت الصحة فوراً لان العمل هو عمل االله واالله لا يحتاج إلى الزمن ولا يفعل الخير للمرة الأولى مع الجنس البشرى لكي يحتاج إلى الوقت. إن االله يفعل ذلك أزلياً. انه لا يكفر عن خطايانا في هذا اليوم فقط ولا يعطينا الدواء لأعضائنا ولا ينقل قوى وأفعالاً اليوم واليوم فقط، لقد فعل ذلك في الماضي لكن عندما ارتفع على الصليب ومات وقام أعطيت في هذا اليوم الحرية والشكل والجمال والأعضاء والعلامات الجديدة للإنسان.

علينا أن نسرع الآن ونتقدم إلى النعم الإلهية. المعمودية تعطينا هذه النعم. تعيد الأموات إلى الحياة والأسرى إلى الحرية والساقطين إلى عالم فوق الطبيعة، لقد دفع البدل وصار الوقت وقت انعتاق. لقد انتشر الأريج وملأت رائحته العطرة كل شيء ولم يعد علينا إلا أن نتنشقه. المخلص وهبنا قوة التنشق والاستنارة والتحرر. لم ينشر المخلص الأريج ولم يهب النور بمجيئه فحسب بل خلق حاسة النظر والشم. فالغسل الخلاصي يتعهد الآن المواهب والحواس عند المستنير حديثاً. ننزل إلى الماء كمادة لا شكل لنا لنأخذ شكلاً كله جمال. وتبتدئ تفجرات الخيرات من هذه اللحظة. الوليمة حاضرة والثيران والحيوانات المسمنة قد ذبحت “كل شيء قد اعد فهلموا إلي العرس” (متى 22: 4) اينقص العيد غير الذين رفضوا قبول الدعوة؟ وإذا قبلوها فأي شيء يعكر سعادتهم؟ لا شيء.

المفروض أن نكون على تمام الاستعداد للمثول أمام المسيح في الحياة المـستقبلة وعلينـا أن نكـون مستعدين أيضاً لنتقدم من الوليمة. يكفي أن نتقدم لنحصل علـى كـل شـيء، ولا مجـال للعـذارى الجاهلات في الوليمة. المشوهون مدعوون لوليمة الفرح. لا يمكن للميـت أن يحيـا ولا للأعمـى أن يبصر ولا للأبرص أن يشفى إذا لم يلب الدعوة إلى الوليمة الملوكية. يكفي أن تكون لنا إرادة حـسنة ويقظة روحية على الأرض وكل ما تبقى يأتي ” أتيت إلى العالم لتكون لهم حياة” ” أنـا أتيـت نـوراً للعالم، (يوحنا 10: 10) ( يو 3: 19) وهذا كله من ينابيع رحمته.
لقد ترك االله لنا بالرغم من كل عطاياه الغزيرة من اجل خلاصنا شيئاً نسهم به في خلاصنا الشخصي. نعم أن المساهمة إذا قيست بغنى العطايا تعد ضئيلة جداً ولكن لهذه المـساهمة وزن فـي إرادة االله. يكفي أن نعتقد بخلاصنا بواسطة المعمودية وان نوافق باختيارنا ان نتقدم إليها حتى تعطـي لنـا كـل الاستحقاقات وهكذا يصبح الواهب مديناً بالخيرات التي فعلها من اجلنا. إن إيماننا بأننا إذا متنـا بعـد المعمودية فوراً فأننا لن نحمل غير طابع المعمودية لأكثر من حقيقة وسيخصنا االله بالكليل كأننا قمنـا بالجهاد من اجل الملكوت السماوي.

بما أن المعمودية تهب الحياة للمستنيرين فلنبحث طبيعة هذه الحياة. يمكن أن نجزم مسبقاً أن هذه الحياة ليست مماثلة للحياة الأولى ومطابقة لطبيعتنا بل أسمى لأنه ماذا ينفع الموت إذا كان لا ينتهي إلا بالحياة الأولى، أو إذا كانت الحياة الجديدة لا تحملنا إلى أعمال جديدة؟ إن هذا لا يعني غير الموت. إن هذه الحياة ليست بحياة ملائكية لأنه لا جامع يجمعنا بالملائكة. إن الإنسان هو الذي سقط وإذا أصبح الإنسان ملاكاً لا يعني هذا إنه قام. إن هذه الحالة تشبه تمثالاً محطماً لا يعيده الفنان إلى شكله البرونزي الأول بل يعطيه شكلاً آخر وهذا يعني انك تخلق شيئاً آخر لا أن تعيد شكل التمثال من جديد. من الضروري أن تكون هذه الحياة بشرية وفي الوقت نفسه جديدة وأسمى من الأولى وكل هذه الصفات تلتقي في الحياة التي جاء بها يسوع المسيح.

لا شيء يربط هذه الحياة الجديدة بالإنسان العتيق. أنها أسمى بكثير ممـا يتـصوره العقـل والإدراك، وخاصة بالطبيعة الإلهية. أنها مطابقة لطبيعتنا لأنها كانت حياة إنسان عاشها، والإنـسان هـذا كـان إنساناً حقيقياً كما كان في الوقت نفسه إلهاً حقيقياً خلواً من كل خطيئة حتى في طبيعته البشرية. لأجـل ذلك يجب أن تشرق فينا الحياة بالمسيح المعطاة لنا بالمعمودية المقدسة التي تجعلنـا أتقيـاء بمياههـا المقدسة، طاهرين من كل دنس الخطيئة. ويتضح ذلك مما يأتي: الـولادة بالمعموديـة بـدء الحيـاة المستقبلة وتكييف الأعضاء الجديدة والحواس، أنها تهيئة للحياة المستقبلة ولا سبيل للتهيئة إلى الحيـاة الأخرى إلا بإقتبال سر المعمودية للحياة في المسيح ” آب الدهر الآتي” (أشعياء :9 6). أنها تنقل إلـى البشر حياة الخلود التي قادها آدم إلى الموت. وكما أننا نستطيع أن نحيا الحياة الطبيعية إذا كنـا غيـر مزودين بالحواس الآدمية وبالقوى الحيوانية كذلك لا يمكننا أن ندخل أحياء إلى العالم المغبوط بـدون أن نكون قد تهيأنا بحياة المسيح وتطابقنا معه في الصورة والمثال.

Facebook
Świergot
Telegram
WhatsApp
PDF
☦︎

informacja O stronie

Adresy Artykuł

treść Sekcja

Tagi Strona

الأكثر قراءة

Przewiń na górę